آراء حرة

“العقل والحمار”.. أول يوم في الجماعة الإسلامية

العقل والحمار

جلست أرتشف فنجان قهوة ساخن صباح اليوم، وأنا أتابع تعليقات الناس في المجتمع العربي على مسلسلات رمضان هذا العام، والتي تطرقت للفكر الديني المتطرف ووضعته تحت المجهر من عدة زوايا.

وتذكرت وأنا أتابع التعليقات، التي تراوحت بين مؤيد ومعارض، أول أيامي في الجماعة الإسلامية المصرية، وكنت وقتها طالبا في كلية الطب – جامعة القاهرة.

وكانت الموضوعات والدراسات العلمية التي أدرسها في كلية الطب حينذاك سببا رئيسيا لاتجاهي ناحية الدين بصورة عامة والإسلام بصورة خاصة. فكنت أتأمل إبداع الخالق في خلق الإنسان والأعين والشفتين والجهاز العصبي والقلب النابض والرئتين، وأربط هذا بدعوة القرآن للتأمل في ملكوت السموات والأرض كما قال القرآن في محكم آياته “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” (سورة آل عمران).

وتنبه لاهتمامي بالدين وقتها قيادات الجماعة الإسلامية بكلية الطب، وتمت دعوتي للانضمام إليهم لنصرة الإسلام ولدعم الصحوة الإسلامية – كما يقولون!

وبدأت لحظاتي الأولى في الانضمام إليهم بلقاء مع أمير الجماعة لسنة رابعة طب، وكان اسمه “مختار مختار”. والتقيت بمختار أمام مبنى محاضرات “ا” (ألف) بالكلية وبدأنا أول خطوات للتحرك نحو مسجد الجماعة بالكلية للصلاة معهم والانضمام إليهم.

ولم أزل أتذكر ماقاله لي “مختار مختار” حينذاك ونحن في بداية تحركنا نحو مسجدهم داخل الكلية. فقد قال لي بالحرف الواحد أن أهم شيء لابد أن أدركه لكي أكون عضوا جيدا بالجماعة الإسلامية أن “الفكر كفر”!

ووسط ذهولي من الكلمة أعقبها بتوضيح وشرح لها، فقال لي أنني حينما أركب “حمارا” أو دابة للوصول إلى قصر السلطان أو في حالتنا “الإسلام” أو “الله” فهل أأخذ “حماري” (أو بمعنى آخر هنا “عقلي”) معي للقاء السلطان أم أتركه خاج القصر وأدخل بدونه! وكانت إجابتي وقتها إنني في هذه الحالة لابد أن أدخل بدونه! أي بدون “عقلي”!

وأعجبت إجابتي مختار فقد كانت أول وأهم خطوة في انضمامي إليهم هي إحباط الفكر النقدي في عقلي وقبولي لمبدأ الاتباع والقبول من دون تفكير!

ولذا فأنا أرى من منظوري أن دعم “الفكر النقدي” داخل المناهج التعليمية ومن خلال برامج إعلامية وثقافية أهم خطوة لمواجهة التطرف – وهو المرحلة الأساسية التي تتسبب بعد ذلك في حدوث الإرهاب.

وتم التحاقي بالجماعة قبل الصلاة بمنتهى البساطة، فكان الأمر لا يحتاج وقتها إلا لإضافة الاسم في ورقة صغيرة لا أظن أنهم كانو يحتفظون بها!

وبدأت الصلاة وتلقيت الدرس الثاني في لحظات اصطفاف المصلين لأداء الصلاة. فقد طلب منا الإمام يومها – وكان كما ذكرت أول يوم لي في الجماعة الإسلامية – أن نحاذي الأكتاف ثم نحاذي الأرجل حتى لا يكون هناك أي فراغ بيننا وقت الصلاة! وكان الأمر الأخير جديدا بالنسبة لي بالمقارنة بالمساجد العادية! وكنت متعجبا لأن الإمام استغرق قرابة 20 دقيقة لكي يتأكد أنه لا يوجد أي فراغات بين المصلين على الإطلاق! ولم أكن أعرف سبب اهتمامه الشديد بهذا الأمر حتى أوضحه قبل بدأ الصلاة بقوله “إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِهِۦ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَٰنٌ مَّرْصُوصٌ” (سورة الصف آية 4). أي أنه كان يريد أن نشعر أننا مصطفين كالجدار الواحد لمواجهة العدو!

وفي هذه اللحظة شعرت بأنني لست في صلاة تبتل إلى الخالق بل في مواجهة جهادية حربية ضد من كنا نسميهم “أعداء الإسلام”. وكان ألد أعدائنا في تلك الأيام – أي أواخر السبعبنيات من القرن االماضي – هم الغرب والعلمانيون وأنصار حقوق المرأة وحريتها!

وللأسف اتبعت فكرهم لمدة عامين تقريبا قبل تركهم ورفض فكرهم بعد ذلك!

وأتذكر هذه الأحداث لأنها توضح كيف أن هذه الجماعات تستغل النزعة الدينية النقية عند البعض لتوجيهها إلى العنف وإلى كراهية الآخر. فقد استطاعوا تحويلي من إنسان محب لله إلى كائن مملوء بالكراهية لكل من يخالفه في الفكر في بضعة أشهر فقط!

وفهم طريقة عمل هذه الجماعات وأسلوبهم في “غسيل عقول” أتباعهم هو أمر ضروري لإعداد برامج متخصصة لحماية أبناء المجتمع من الوقوع ضحية لفكرهم المريض!

أضف تعليق
بقلم د. توفيق حميد
زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: