آراء حرة

أكبر مشكلة تواجه الفكر الإسلامي

الفكر الإسلامي

واجه الفكر الإسلامي صراعا شديدا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وتراوح الصراع بين هجوم شرس على الفكر الديني التقليدي وبين مدافع عنه بكل قوة وضراوة. وساعدت شبكات الإنترنت والتواصل الاجتماعي على بلورة هذا الصراع وإظهاره على ساحات الفكر البشري.

ويذكرني هذا الصراع بما حدث في عقلي حينما قرأت آية “فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم” وأنا في مرحلة الدراسة الثانوية. وتساءلت حينذاك: هل المفروض عليّ أن أنفذ هذه الآية حرفياً فأقتل غير المسلمين، على اعتبار أنهم مشركين ولا يؤمنون بالإسلام؟

وعشتُ اضطرابا شديدا نتيجة لذلك، فقررتُ أن أسأل عدة أفراد حولي عن هذه الآية ومعناها وهل المفروض علي أن أقاتل غير المسلمين بناء عليها؟

وكان أول سؤال لصديق سلفي اسمه “عادل سيف” والذي أكد لي على ضرورة الجهاد وقتال غير المسلمين. وأهداني “عادل” عدة كتب دينية لإبي الأعلى المودودي، منظر الجماعات التكفيرية بباكستان وأحد أهم قيادات الفكر الإسلامي في القرن الماضي.

لم يتقبل ضميري هذه المفاهيم العنيفة فقررتُ أن أعرض الأمر على “الشيخ شعبان” وكان شيخاً صوفياً رائعاً يقوم بإلقاء خطب الجمعة في مسجد الساحة بجوار منزلنا في وسط البلد بالقاهرة.

جلستُ أمام الشيخ شعبان بعد صلاة الجمعة لأسأله عن معنى هذه الآية. فربّت الشيخ شعبان على كتفي وقال لي بالحرف الواحد: “يا ابني حب كل الناس وعامل الكل بطيبة وبمحبة وربنا هايرضي عنك”.

كان ردي على هذا الشيخ الرائع هو “ولكن، ماذا أفعل بآية ‘فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم’ وكيف أفهمها؟”. وكان رده حينذاك والذي لم أزل أتذكره هو الآية الكريمة “يوم يأتِ تأويله” سورة الأعراف. أي أنني لن أفهم معنى هذه الآية في الحياة الدنيا وسأفهمها فقط يوم القيامة ولكن في المرحلة الحالية لابد أن أعامل كل الناس بطيبة ومحبة حتى يرضى الله عني!

شيء جميل وحالم، يذكرني بشخصية “عرفان” في المسلسل الرمضاني الأخير “جزيرة غمام”! ولكن المشكلة الحقيقية والتي واجهتني هو أن الشيخ شعبان لم يعطني تفسيراً للآية الكريمة على عكس السلفيين الذين كانوا يعرضون بدل التفسير عشرات التفسيرات المعتمدة من الأزهر والتي تدعو إلى العنف ومنها تفسير ابن كثير المعروف وغيره من تفاسير القرآن المشهورة والمتاحة في المكتبات وعلى مواقع الإنترنت.

وأبسط دليل على أن هذه التفسيرات تدعو إلى العنف أنها تقريباً وبدون أي استثناء تدعو إلى قتال غير المسلمين في جميع أنحاء الأرض وإعطائهم ثلاثة خيارات: إما الإسلام وإما الجزية وإما القتل، ويستطيع أي إنسان التحقق من ذلك بمراجعة التفاسير المتاحة للآية 29 من سورة التوبة “قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون”.

وأصبح الصراع الفكري عندي بين خيارين، إما أن أتبع الفكر السلفي بتفسيراته المنهجية المعتمدة أو أن أتبع مايمليه عليّ ضميري وقلبي كما نصحني الشيخ شعبان!

وعرضتُ الأمر على شيخ أزهري بمسجد وزارة الأوقاف بجانب بيتنا في شارع شريف باشا بوسط البلد. وكان شيخا صغير السن ويتسم بالرقي والتحضر في المعاملة. وكان رده أنه لابد أن للآية معنى آخر غير المعنى الحرفي وأنه، وإن كان لا بد من تطبيقها، فإن الحاكم وحده هو صاحب الأمر في ذلك.

ولم يكن هذا ردا شافيا بالنسبة لي، لأنه لم يعطني أي مفهوم آخر للآية وإنما نقل تنفيذ المفهوم العنيف للآية إلى شخص آخر! ولم يكن ذلك يمثل حلا لمشكلتي وهي الوصول إلى، أو معرفة، مفهوم آخر للآية الكريمة.

وخلاصة القول فإن مشكلة تجديد الخطاب الديني لن يتم حلها إلا بوضع تفسيرات جديدة للقرآن الكريم تكون منهجية ومعتمدة وتضع تفسيرا آخر للآيات التي يستخدمها المتطرفون لنشر فكرهم العنيف.

أضف تعليق
بقلم د. توفيق حميد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: