آراء حرة

وإذا المرجومة سئلت بأي “آية” قتلت

حد الرجم باسم الإسلام، والإسلام الحقيقي براء منه

تداول الكثير من نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي مؤخرا فيديو لعملية رجم امرأة في إحدى قرى أفغانستان، وسط صمت مطبق من رجال الدين الإسلامي، سواء في أفغانستان أم في الدول الإسلامية الأخرى، حول هذا الأمر الذي لا يتعارض فقط مع مبادئ حقوق الإنسان بل ومع كل قيم الرحمة والإنسانية.

ويبدو أن “رجال” الدين الإسلامي ليس عندهم أي مشكلة أن يشتري رجل امرأة من سوق النخاسة ويجامعها رغم أنفها، لأنه في نظر الدين “يملكها”، ولكن عندهم مشكلة شديدة تصل إلى درجة رجم امرأة حتى الموت لو أنها اختارت رجلا آخر بإرادتها الحرة دون أن تكون عبدة عنده.

ويا له من نفاق تقشعر منه الأبدان!

وأكاد وأنا أكتب هذه الكلمات أسمع صوت عظام هذه المرأة المرجومة وهي تتكسر تحت حجارتهم، وأكاد أستمع إلى صوت أنينها وصريخها الذي يكاد يهز أرجاء الكون من هوله، وأكاد أن أرى دموعها تذرف ودماءها تسيل من فرط بشاعة هذه العملية الوحشية، والتي تتم بمباركة رجال الدين وحماة الشريعة “الغراء!” أو بصمتهم عنها.

في القرآن الكريم لم نرَ أو نسمع عن أحد يقوم بعملية الرجم الوحشية إلا أعداء الله

ولقد ظن كثير من الناس أن الإسلام يدعو إلى رجم الزانية المحصنة حتى الموت، وطبق بعض المتشددين هذا الحد باسم الإسلام، والإسلام الحقيقي براء منه.

فهذا الحد لا يتعارض فقط مع روح القرآن كما قال للنبي الكريم صلوات الله تعالى عليه “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ”، ولكنه أيضا يتعارض مع صريح النص القرآني “فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ”، والتي جعلت عقوبة من ترتكب الزنا علانية من الإماء (وكنَّ موجوداتٍ بالفعل وقت نزول القرآن) هي نصف عقوبة المرأة المتزوجة التي تزني في العلن، فكيف ـ بالله عليكم ـ يُنَصَّف الرجم حتى الموت؟

وفي القرآن الكريم لم نرَ أو نسمع عن أحد يقوم بعملية الرجم الوحشية إلا أعداء الله كما جاء في الآيات التي تصف كيف حاول أبو إبراهيم رجمه “قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا”.

وكيف حاول قوم نوح فعل نفس الجريمة معه “قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ”.

وكيف خاف أهل الكهف المؤمنون من أن يرجمهم قومهم “إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا”.

وكيف استعاذ موسى من أن يرجمه الطاغية فرعون “وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ”.

طبق بعض المتشددين حد الرجم باسم الإسلام، والإسلام الحقيقي براء منه

فكما نرى من الآيات السابقة فإن المجرمين والظالمين وأعداء الله فقط هم الذين يستخدمون هذا الأسلوب الهمجي والوحشي في العقاب.

وأعجب ما في الأمر أن رجال الدين الإسلامي الذين لا يكتفون بإقرار هذه العقوبة الهمجية والمتوحشة فقط في كتب ما يسمونه بكتب ومراجع ومجلدات “الشريعة الغراء”، بل يتعجبون أشد العجب كيف أن العالم لا يرى إعجاز وجمال الشريعة وكيف ولماذا وجدت كراهية للإسلام!

أيظن هؤلاء أن العالم سيرى بشاعة حد الرجم وهو يمارس باسم الإسلام، ويرى صمت رجال الدين الإسلامي عنه أو دعمهم له، ثم يقف ليرفع لهم القبعة ويتكلم عن سماحة الإسلام؟

ومن الجدير بالذكر أنه لا توجد آية واحدة تدعم أو تقر حد الرجم في القرآن على الإطلاق، ولذا فإني أكاد أن أرى لحظة حساب هؤلاء الذين افتروا هذا الحد والمنادي ينادي يتلو عليهم الآية الكريمة:

“وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ” (سورة الزمر آية 60).

وأنهي كلامي بعنوان المقالة والذي أصف فيه لحظة حساب هؤلاء يوم الدين والمرجومة أمامهم تُسأل “بأي آيةٍ قتلت!”.

المقالة من موقع قناة الحرة – من زاوية أخرى
أضف تعليق
بقلم د. توفيق حميد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: