آراء حرة

رحمك الله يا شيرين أبو عاقلة

شيرين أبو عاقلة

بتحوير بسيط لكلمات غناها الرائع محمد منير في أحد أغانيه، وهي من تأليف الكاتب عبد الرحيم منصور، أقول “لا يهمني اسمك… لا يهمني عنوانك… لا يهمني دينك… لا يهمني لونك ولا ولادك… يهمني الإنسان ولو ملوش عنوان… وهي دي الحدوتة”. وأقول هذه الكلمات لروح الفقيدة شيرين أبو عاقلة، التي لا يهمني أن أعرف عنها أي شيئ غير أنها إنسانة ماتت وهي تؤدي عملها، وكما تعلمت في طفولتي في مصر – قبل “الكبوة الإسلامية” التي أبتلينا بها منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي – أن الميت لا تجوز عليه إلا الرحمة، سواء كان مسلما أم مسيحياُ أو يهودياً أو كان يتبع أي عقيدة أخرى. فهو في نهاية الأمر إنسان لا تجوز عليه إلا الرحمة.

وأنا لا أدري ما هو دين شيرين أبو عاقلة، ولا أعرف من قتلها فلربما قتلت عمدا ولربما قتلت خطأ برصاصة طائشة من أحد الطرفين المتصارعين، وهذا أمر ستظهره التحقيقات. ولكن في نهاية الأمر لا يسعني إلا أن أترحم عليها وعلى روحها الطاهرة. وبأعلى صوت أقول لها: “رحمك الله يا شيرين أبو عاقلة.

ولكن للأسف الشديد، فإن الإسلاميين لهم رأي آخر، فقد انتفضوا كعادتهم عن بكرة أبيهم ليحرموا الترحم عليها لأنهم عرفوا أنها “مسيحية”! وقبل أن ألوم هؤلاء فأنا ألوم كل من أفتوا لهم بهذا، ومنها فتوى على أكبر موقع إسلامي على الإنترنت وهو موقع إسلام ويب. وتم نشر هذه الفتوى في هذا الموقع المعروف عالميا بتاريخ الثلاثاء 18 ربيع الآخر 1435 هـ – 18-2-2014 م وهي برقم (240895).

وكان السؤال هو ما يلي:

“الرجاء الإفادة عن حكم الشرع والدين في موضوع الترحم على الأموات غير المسلمين كأن نقول للمسيحسن أو اليهود الله يرحمهم إذا ماتوا حيث سمعت من بعض الناس أنه لا يجوز ذلك …….؟”.

وكان مختصر الفتوى للسائل هو ” الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالترحم على أموات الكفار لا يجوز، سواء كانوا من اليهود والنصارى، أو كانوا من غيرهم، لقوله تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ {التوبة:113}”.

وبأمانة شديدة فإن هذا الفكر هو عار على الإنسانية كلها وتطاول على حق الإله في حساب البشر. فمن يرفض الترحم على غيره يتصرف كأنه يضمن هو الجنة لنفسه مما يتناقض بوضوح مع العديد من الآيات القرآنية مثل ” وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ “، ومثل “إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ”، ومثل “فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب”.

والآيات المذكورة استخدمت تعبيرات لغوية مثل أسلوب “القصر والاستثناء” لتوضح أن حساب البشر هو حق لله وحده دون غيره! فياله من تطاول على الله أن يقرر أحد كيف سيتم حساب غيره من البشر وهو ليس من حقه أصلا أن يتدخل في حق مكفول لله وحده.

وجدير بالذكر هنا أن فتوى “إسلام ويب” أغفلت أن القرآن فرق بوضوح بين “أهل الكتاب” وبين “المشركين” وأنه – أي القرآن الكريم – حدد المشركين في الآية المستخدمة بأداة التعريف “الألف واللام” (أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) حتى يحدد المعني فيمن قاتلوا وعذبوا المؤمنين الأوائل على حسب ما يروى. فلم يقل القرآن “لمن أشرك” ليعمم المعنى بل قال “للمشركين” ليخصصه كما ذكرنا.

ويحضرني في هذا السياق ما يؤمن به العديد – إن لم يكن الملايين – من المسلمين بأن “المسيحيين” كفرة” وأنهم كما يقول المتطرفون باللغة العامية المصرية “هايتحدفوا في نار جهنم حدف”.

والآن تعالوا نرى ما هو الموقف المذكور في القرآن يوم القيامة عن حساب المسيحيين في مفهوم القرآن. فالآية تقول على لسان سيدنا عيسى يوم القيامة ” إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ “.

وكما نرى فإن سيدنا عيسى نفسه – تبعا ً للقرآن – لا يعرف مصير “المسيحيين” وهل سيدخلون الجنة أم النار وأنه ترك الأمر كاملا لله ليقرره. فإن كان المسيح نفسه – تبعاً للإيمان الإسلامي وتبعاً للقرآن – لا يعرف ماذا سيكون قرار الله في هذا الأمر فأنى لهؤلاء أن يعرفوا مصير المسيحيين في يوم الدين فلا يجيزوا بالتبعية الترحم عليهم! وأنا لا أقصد على الإطلاق بذكر السياق السابق الحكم على فكر أو مفهوم ديني بعينه، ولكني أردت أن أذكر (بضم الألف والشدة على الكاف) هؤلاء الذين يرفضون الترحم على غير المسلمين بأن ما يفعلونه يتناقض حتى مع القرآن نفسه!

وأخيراً وليس آخراً فأنا أترحم على كل نفس مسالمة توفاها الله مثل شيرين أبو عاقلة، الصحفية التي قد أختلف معها سياسياً ومثل “دانيال بيرل (وهو أول إنسان تقتله القاعدة ذبحا) وكان يهودياً محباً للخير و السلام، ومثل معاذ الكساسبة (الضابط الأردني الذي أحرقته داعش”، فلا يسعني في هذا السياق إلا أن أترحم عليهم جميعاً، سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين أم يهود… فالميت كما تعلمت منذ طفولتي “لا تجوز عليه إلا الرحمة”.

أضف تعليق
بقلم د. توفيق حميد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: