بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
- يتساءل الكثيرون ماذا قد تعنى الأحرف { الم } فى بداية السورة ؟ قد تشير هذه الأحرف الى أهمية الحرف فى القرآن الكريم و فى اللغة العربية، فمثلا كلمة ” الكافرين ” أوكلمة ” المشركين ” تختلف كليةً عن كلمتى ” من كفر” و ” من أشرك ” فإستخدام ” ال ” و هى أداة تعريف فى اللغة العربية تحدد مجموعة بعينها من الكافرين و المشركين اللذين قاتلوا الرسول ومن آمن معه فى بدء الدعوة الإسلامية ولا يجوز تعميمها على كل من أشرك، فلو أراد الله تعالى التعميم لإستخدم تعبير “من أشرك ” أو ” من كفر”، و هذا يوضح أهمية التدقيق والتدبر حين نقرأ القرآن بعناية وتركيز فإعجاز القرآن ليس فقط فى الكلمات بل فى الأحرف أيضاً.
- {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ } وردت المفاهيم التالية فى القرآن الكريم لتوضح المعانى المختلفة لكلمة الصلاة :
المفهوم الأول: أنها وسيلة هدفها الرئيسى هو ذكرالله { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي }.
المفهوم الثانى : هى وسيلة لتطهير النفس البشرية لتمنعها من فعل الشركما ذكر الله تعالى فى قوله { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ }.
المفهوم الثالث : تأتى الصلاة أيضاً بمعنى الدعاء للشخص و مباركته كما فى الآيات :
{ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ، أمر الله تعالى نبيه عليه السلام بالصلاة على المؤمنين أى بالدعاء لهم ، و نرى نفس المعنى فى قوله تعالى :
{ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ } ( أى يبارك الله عملهم الصالح )
بالإضافة الى { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا }.
المفهوم الرابع : قد تأتى الصلاة أيضاً بمعنى التسبيح كما فى قوله تعالى :
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ }. و تبعاً لهذه الآية فإن تسبيح الله و ذكر أسمه و التأمل فى ملكوته هو أحد أنواع الصلاة.
المفهوم الخامس : هو أن الصلاة واحدة من العبادات تهدف الى التقرب الى الله كما فى { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } و { أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا – وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا }.
وقوله تعالى { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } نفهم أن الإنفاق هو تقديم العطاء للآخرين وقد يكون ذلك فى صورة عطاء من المال كما فى الآية الكريمة :
{ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ }
و يشمل الإنفاق أيضاً تقديم العطاء من كل رزق الله مثل الطعام و الشراب و الملبس كما قال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم }
و يتحدث القرآن الكريم أيضاً عن إنفاق العفو كما فى قوله تعالى :
{ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ} فالصفح عن الآخرين والعفوعنهم إذا أخطأوا فى حقك هو إنفاق فى سبيل الله.
و يتساءل البعض ما هى حدود الإنفاق و تعددت الآراء فى هذا الشأن كما يلى :
الرأى الأول : هو إثنان و نصف فى المائه على المدخر لمدة عام .
الرأى الثانى : يرى اصحاب هذا الرأى أن الإنسان يجب عليه أن ينفق فى سبيل الله خمس ما يغنم :
{ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } الغنيمة فى مفهوم هؤلاء ليست محددة فقط بغنائم الحرب.
الرأى الثالث : الإنسان ينفق فى حدود قدرته و كما يناسب حالته و ظروفه ويفهم ذلك من قوله تعالى :
{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ}.
الرأى الرابع : هو أن الإنسان مفروض عليه أن ينفق مما يحب { لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ }.
الرأى الخامس : أن الإنفاق ليس له حدود فهو سباق مفتوح فى عمل الخيرات.
{ أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ }.
و للقارئ الحق بالأخذ بأى من هذه الآراء و إنفاقه إن شاء الله مقبولاً طالما القلب سليم و النية خالصة .
وأما قوله تعالى { وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } فالمقصود بها هنا الإيمان والتصديق بالتوراة و الإنجيل و غيرها من الكتب السماوية فلا يجوز للمسلم أن يسخر من أى كتاب سماوى او مقدس عند الآخرين لأن ذلك يخرجه من عقيدة الإسلام و التى تحترم الكتب الأخرى و تجعل هذا الإحترام واحداً من أسس الإيمان.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)
(6-7) {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } لو كان القرآن يريد أن يعمم هذا المعنى على كل من كفر لأستخدم تعبير ” من كفر” بدلاً من { الَّذِينَ كَفَرُوا } و هذه التفرقة اللفظية و اللغوية فى غاية الأهمية لأنها تخصص المعنى فى فئة محددة قاتلت الرسول والمؤمنين فى بدء الدعوة و أخرجته هو ومن إتبعه من ديارهم بغير حق.
(8-10) { وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } ” الإيمان ” فى القرآن الكريم لا يعنى ترديد كلمة كما يظن البعض. فقد ينطق البعض بكلمات الإيمان و لكن أفعاله تكون عكس ذلك تماماً كما قالت الآية الكريمة :
{ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ }
و إيمان الإنسان يصبح بلا قيمة إذا لم يكن مصحوباً بعمل صالح :
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا }.
و المقصود بالإفساد فى الأرض فى الآيات التالية هوالإعتداء على الآخرين بصورشتى مثل القتل وسفك الدماء وإهلاك الحرث و النسل، وذلك توضحه لنا الآية الكريمة
{ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}.
و الإفساد فى الأرض بمعنى الإعتداء على الآخرين يشمل عمليات الإرهاب التى تودى بحياة الآمنين والأبرياء، و تبعاً لهذه الآيات تُخرج جريمة الإفساد فى الأرض الإنسان من الإيمان بالله والله و رسوله أبرياء منهم.
و العبرة المأخوذه من هذه الآيات أن المؤمن الحقيقى هو من يأمنه الناس ولا يفسد فى الأرض وأنه لا يجوز إعتبار من يَبُث الخوف و الرعب فى المجتمع “مؤمناً” مهما قال ونطق لسانه بكلمات الإيمان، فالإيمان ليس كلمة تقال إنما هوحالة من السلام والمحبة وعمل الخيرات والإبتعاد عن العنف تجعل الآخرين يشعرون بالأمان معه، ويعتبرالقرآن كل من تعايش مع الآخرين فى سلام مؤمناً كما فى قوله تعالى:
{ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا }.
(13) { كَمَا آمَنَ النَّاسُ } نلاحظ أن الآية الكريمة لم تقل فقط كما آمن “المسلمون” بل قالت كما آمن الناس لأن الله تعالى هورب العالمين وإله الناس كافة وليس فقط إله “المسلمين” ، فكما ذكرالقرآن الكريم فإن الله تعالى يتقبل العبادة من جميع خلقه سواء كانوا مسلمين أومسيحين أو يهود أوغيرهم كما ذكرت الآية التالية :
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }.
و كما نرى فى الآية فإن شروط القبول عند الله تعالى كما ذكر القرآن الكريم هى الإيمان بوجود خالق للكون والإيمان بيوم الحساب و عمل الأعمال الصالحة.
و يعلمنا القرآن الكريم أن الله تعالى يتقبل طرق العبادة المختلفة فمثلاً كان نبى الله إبراهيم يصلى باللغة الآرامية و ليس باللغة العربية, كذلك كان سيدنا موسى والكثيرُ من أنبياء بنى إسرائيل يصلون لله باللغة العبرية وقد تقبلهم الله تعالى بقبول حسن بالرغم من إختلاف وسائل عبادتهم له، و الإختلاف بين البشر هو واحد من مقاصد الله سبحانه و تعالى و هذا المعنى توضحه لنا الكثير من الآيات مثل :
{ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } و{ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا }.
و الجميل فى هذا الأمر أن الله تعالى يمكن الوصول إليه والى وحدانيته و عبادته من سبل عديدة و ليس من سبيل واحد كما نرى فى الآية { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } ، و نلاحظ إستخدام القرآن تعبير ” سُبلنا ” وليس ” سبيلنا ” و الذى يعنى أن لله سُبلاً متعددة، ووسائل العبادة قد تكون مختلفة فالكل يحاول الوصول إليه والله وحده هو أعلم بمن هو أقرب إليه يقول تعالى:
{ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا }.
(22) { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } يسوق الله تعالى الحجة للبشر بأنه هو وحده القادر على الخلق فليس له شريك فى خلق السماوات والأرض و إخراج الزروع و الثماروتخليق الأجنة فى أرحامها و رسم أجنحة الفراشات و زركشة قواقع البحار ولإجل ذلك لا ينبغى لمن يعرفه حقاً ان يضع بجانبه نداً, و المقصود بكلمة ” ند ” أى شريك لله فى العبودية :
{ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا }, أو التشريع { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ۚ}, أو الحب { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ }.
و قد أضاف الله تعالى تعبير “وأنتم تعلمون” فى نهاية الآية الكريمة لأن كثيراً من الناس قد يجعل لله أندادأً بغير قصد أوعلم أو تعمد وهنا تتجلى رحمة الله بأن الإنسان يحاسب على الخطأ فقط لو كان متعمداً, أما من يخطىء بغير علم أو تعمد فإن الله يغفر له :
{ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا }.
ووجود كلمة “و أنتم تعلمون” يؤكد أننا كبشر لا يحق لنا أن نحكم على الآخرين لأننا لا نعلم ماذا يدور بعقولهم و هل يا ترى هم يعلمون أنهم يجعلون لله أنداداً أم لا؟ فمثلاً قد نرى شخصاً يشرك بالله علانيةًَ ويجعل له نداً فيتسرع البعض للحكم علية بأنه لن يقبل عند الله، و هذا الحكم البشرى قد يكون خاطئأً لأننا لا نعرف إن كان هذا الإنسان يعلم علماً يقينياً أنه جعل لله نداً أم أنه ضحية فكر المجتمع حوله الذى جعله يفعل ذلك بغيرعلم أو تعمد ولأن الله تعالى وحده هو الذى يعلم ما فى الصدور و العقول فهو وحده القادر على الحكم على مثل هذا الإنسان، و كلنا نقع أحياناً فى خطأ جعل أنداداً لله فى التعبد أوالتشريع أوالحكم و لكن فى كثير من الأحيان يكون ذلك دون أن نعلم وندعوا الله أن يغفر لنا هذه الأخطاء التى تحدث بغير علم و ليست متعمدة.
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)
(23) المقصود بكلمة ” من مثلهِ ” أى الإتيان بسورة فى بلاغة القرآن من فرد أمىّ لا يقرأ ولا يكتب مثل الرسول عليه السلام.
(24) { وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } قد يُفهم هذا التعبير القرآنى بعدة مفاهيم :
المفهوم الأول : هو أن النار توقد من أجساد الناس و من الحجارة .
المفهوم الثانى : أن ذلك التعبير وسيلة للتخويف من عمل الشر :
{ لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ۚ ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ۚ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ }.
المفهوم الثالث : أن هذا التعبير هو مثل لتوضيح المعنى وأنه لا يؤخذ بحرفيته فالله تعالى يقول
{ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }.
و القرآن كما نعلم نزل باللغة العربية والتى فيها من تعبيرات البلاغة الكثير مثل التشبيه و الكناية والإستعارة وصيغ المبالغة وعند فهم القرآن لابد أن نضع ذلك فى الحسبان و لا نفهمه فقط بصورة حرفية.
(25) قد يشمل تعبير ” الذين آمنوا ” عدة معان :
المعنى الأول : كل من آمن بالله و اليوم الآخر مثل أتباع نوح علية السلام
{ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ },
ومن المصريين القدماء
{ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ },
و سحرة فرعون حينما قالوا { إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا} و غيرها من الآيات التى تؤكد أن كلمة الإيمان فى القرآن لا تعنى فقط الإيمان بالقرآن فكل هذه الآيات السابقة تتكلم عن مؤمنين بالله من خلال أنبياء و كتب أُخرى.
المعنى الثانى : هم الذين وصفهم الله فى الآية التالية
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }.
المعنى الثالث : هم من ذكرهم الله تعالى فى قوله :
{ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ }.
فالإيمان تبعاً لهذه الآيات ليس حكراً على أتباع كتاب واحد أو على أتباع نبى واحد, فالله موجود و كان سبحانه موجوداً و سيظل موجوداً فى كل الأزمنة، والإيمان به ليس حكراً على أحد دون الآخر.
(26- 27) { يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ}
قد يتساءل البعض لماذا يضل الله البعض بالقرآن بدلاً من أن يهديهم به؟ الله تعالى لا يظلم أحداً :
{ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا }
و قد أعطى الإنسان حرية الإخيار بين طريق الهداية وبين طريق الضلال فهو القائل { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ }، فالذين ضلوا بالقرآن لم يجبرهم الله على ذلك و لكنهم هم الذين إختاروا طريق الضلال وقد يكون الضلال بإتباع معنى حرفى يخدم أغراض الإنسان الشخصية دون النظر الى روح القرآن ككل، فقد يبيح البعض لنفسه التزوج بزوجة ثانية تبعاً لمفهومه القاصر لبعض الآيات و يتناسى عن جهل أوعن عمد أن ذلك قد يكون ظلماً لها فيقع بذلك فى طائفة الظالمين الذين قال فيهم الله عز و جل :
{ وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا }.
{ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ } صفات الفاسقين هى نقض العهد وقطع صلة الرحم و الإفساد فى الأرض كإهلاك الحرث و النسل كما وصفتها الآية :
{ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }.
و الهدف من ذكر أفعال الفاسقين فى القرآن هو أن نتعلم منها فلا نفعل مثلها فعلينا إحترام العهود مع الآخرين و مراعاة صلة الرحم و العلاقات الإنسانية وعدم قتل النفس أوإهلاك الزروع و الثمارأو ترويع الآمنين و إن فعلنا هذه الشرور نكون فى زمرة الفاسقين لا فى زمرة المؤمنين.
(30-36) يتحدث القرآن فى أكثر من آية عن الملائكة والمفهوم العام عن هذه الكلمة يرى الملائكة ككائنات نورانية تنفذ أوامر الرحمن :
{ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ }
و هناك بعض المفاهيم الغير تقليدية لكلمة الملائكة و مفهوم سجودهم لأدم، و قد ذكر الإمام محمد عبده أن الملائكة فى هذه الآية قد ترمز الى قوى الطبيعة مثل الطاقة الشمسية و القوى الكهرومغناطيسية و الجاذبية و غيرها، و المعنى المقصود من قصة آدم تبعاً لهذا المفهوم هو أن كل قوى الطبيعة سوف تُسخَّر للجنس البشرى ( أو تسجد و تخضع )
{ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ } أما الشهوات والممثلة بالشيطان فلن تخضع له
{ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ } و ستكون عدواً له.
(37) { إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } تؤكد على رحمة الله و قبوله التوبة من عباده مهما كثرت أخطاؤهم، و التواب تعنى كثير قبول التوبة ووواسع المغفرة و ذلك يتفق مع روح القرآن فى قوله تعالى :
{ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)
(39) يتساءل البعض هل الخلود فى هذه الآية يعنى الأبدية و ذلك التساؤل يأتى فى ضوء الآية الكريمة :
{ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } فالخلود هنا مرهون بالمشيئة الإلهية { إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ }.
(47) فضّل الله بنى إسرائيل على العالمين كما ذكرالقرآن فى الآيات الكريمة التالية :
{ وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى
الْعَالَمِينَ }
و { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ }
و { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ }.
(48) تعددت الآراء بشأن الشفاعة يوم القيامة و هذه بعض الأمثلة :
الرأى الأول : يوجد شفاعة و ذلك تبعاً لما ذكره كتاب البخارى.
الرأى الثانى : لا يوجد شفاعة يوم القيامة تبعا لقوله تعالى { يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ }.
الرأى الثالث : الشفاعة تكون فقط لمن إرتضى الرحمن كما قالت الآية { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ } و { مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ }.
الرأى الرابع : يتدخل بعض الشافعين و لكن لا تقبل شفاعتهم و ذلك تبعاً لهذه الآية { وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ } و { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ }.
و إختلاف الآراء لا يعنى أن أحدها خطأ والآخر صواب ولا يبرر كراهية أصحاب الرأى المخالف فالقرآن حمال أوجه و من عظمته أن هناك تأويلات كثيرة له وسيعرف تأويله الحقيقى يوم القيامة كما قال تعالى { يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ }.
(50) إن أكبر جريمة فعلها فرعون ليستوجب هذا العقاب الأليم من رب العالمين هو العنصرية والتعصب ضد طائفة لأنهم أقلية و قد تجلى ذلك فى وصف القرآن الكريم لفرعون بقوله تعالى :
{ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا }
و علينا أن نتعلم من ذلك فنلغى كافة أنواع التعصب و الكراهية و إستضعاف للأقليات وإلا أصبح لافرق بيننا و بين الطاغية فرعون – و إن لم نفعل ذلك أى بمعنى إننا إذا تعصبنا ضد الأقليات أو إستضعفناهم ونكون بذلك أستوجبنا نفس الغضب الإلهى الذى وقع عليه من الله تعالى كما فى الآية :
{ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ }.
(61) حينما يصف الله تعالى بعض المخطئين فى الأمم السابقة مثل البعض من بنى إسرائيل فإن ذلك لا يعنى أخذهم كلهم و محاسباتهم بنفس الذنب فكما قال تعالى :
{ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ }.
و كما ذكر القرآن عن بنى إسرائيل { مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ } فموسى و هارون و داود و سليمان و عيسى عليهم السلام كانوا كلهم من بنى إسرائيل و كانوا ليسوا فقط من الصالحين و لكن كانوا أيضاً أنبياء و رسلاً, فعلينا الحذر حتى لا نعمم الآيات الخاصة و التى تتنقض أوتصف فئة معينة من بنى إسرائيل على جميعهم لأن فى ذلك إهانه لأنبياء الله من بنى إسرائيل و ظلم لأناس كثيرين لم يرتكبوا نفس الخطأ.
(62) وضعت هذه الآية الكريمة شروط القبول عند الله تعالى و هى الإيمان بوجود خالق للكون والإيمان بيوم الحساب و أن يعمل الإنسان أعمالاً صالحة تعود بالخير على غيره من بنى البشر.
(65) يستخدم الكثير منا كلمة ” اليهود” للتعبير عن كل بنى إسرائيل وعلى النقيض من ذلك فقد استخدم القرآن الكريم عدة تعبيرات لغوية عندما تحدث عن بنى إسرائيل و كل واحد من هذه التعبيرات له معناه و مدلوله الخاص و يتحدث عن فئة معينة، و هذه بعض التعبيرات القرآنية المستخدمة فى هذا المضمار :
1-“بنى إسرائيل” هم أبناء سيدنا يعقوب و الذى يسمى أيضاً سيدنا إسرائيل :
{أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا }
و من بنى أسرائيل سيدنا يوسف و سيدنا موسى وهارون و داود وسليمان و أيوب و زكريا و يحي والمسيح عليهم جميعاً سلام الله.
2-“الذين هادوا” هم الذين رجعوا الى الله من بنى إسرائيل فقالوا إنا هدنا اليك (أى رجعنا إليك) وقد أطلق الله عليهم ذلك التعبير لأنهم رجعوا اليه كما ذُكرفى قوله تعالى { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ}.
3-“أصحاب السبت” هم مجموعة صغيرة من بنى إسرائيل تمثل أهل قرية منهم حاولوا أن يخدعوا الله و يتحايلوا على آيات التوراة و أوامره فيها بعدم العمل يوم السبت (أو كما يسمى حفظ يوم السبت )، و قد ذكرت قصة هؤلاء القوم فى قوله تعالى :
{ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُون } وهؤلاء هم المعنيون فى قوله { أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ۚ }.
4-” اليهود” هم طوائف محدودة من بنى إسرائيل كانت موجودة فى الجزيرة العربية وقت ظهور الإسلام فيها و هؤلاء هم الذين قالواعُزير إبن الله { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ } وهم الذين قالوا يد الله مغلولة { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ } وذلك يفرقهم عن باقى بنى إسرائيل و الذين لم يقولوا مثل هذه الأشياء.
و بالتالى فإن إطلاق كلمة “يهود” على كل بنى إسرائيل ليس دقيقاً و يخالف النص القرآنى والواقع .
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88) وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96) قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97)
(79) تعلمنا هذه الآية أن الكذب على الله سواء كان بالإفتراء عليه أو على الرسول هو من أكبر الجرائم و الفواحش فعلينا نحن أيضاً الحذر من أن ننسب أى كلمة لله أو للرسول بغير علم، و قد تؤدى الثقة العمياء فى بعض البشر الذين يتحدثون بإسم الدين الى الهلاك فإتباعهم بغير علم يخالف قول الله تعالى :
{ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }.
(83) { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } علمنا القرآن أن الله تعالى يقبل الصلاة بلغات ووسائل مختلفة فقد صلى إبراهيم لربه باللغة الآرمية و تعبد موسى و غيره من أنبياء بنى إسرائيل الى خالقهم باللغة العبرية و دعى محمد رب العالمين و صلى إليه بالعربية و كلهم من أنبياء الله عليهم جميعاً أفضل الصلاة و السلام.
و الصلاة هدفها الأسمى هو ذكر الله { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي }، و حتى الطيور فإنها تصلى لله حينما تغرد بلغات لا نفهمها نحن كما فى الآية الكريمة :
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ }.
و ما يهم فى الصلاة ليس حركات الجسد وإنما القلب الخاشع العابد المملوء محبة ورحمة بالآخرين كما فى الآية :
{ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }.
و قد أوضح الله تعالى فى ميثاق بنى إسرائيل المذكور فى الآية أسس وأركان العبادة لله وهى عدم الإشراك بالله و الإحسان الى الوالدين وذى القربى واليتامى والمساكين وأن يقول الإنسان للناس حسناً و أن تكون بينه و بين الله صلة دائمة فلا يكل لسانه عن ذكرالله عز وجلّ ، وأن يطهر روحه من الأفكارالسيئة والشريرة كما فى الآية :
{ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ) (أى طهر روحه وفكره ) (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ }.
(85) { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } تعلمنا هذه الآية عدم فهم موضوعٍ ما فى القرآن دون النظر الى جميع الآيات المتعلقة به، فلا ينبغى على سبيل المثال أن نأخذ فقط مجموعه من الآيات التى تتحدث عن القتال فى فترة معينة من تاريخ الإسلام و نجعلها هى أساس الفقه و العقيدة دون أن ننظر للآيات العديدة الداعية للسلام مع الآخرين، فليس من المقبول أن نأخذ آية
{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ }
دون أن نذكر بجانبها قوله تعالى :
{وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }
وليس من المقبول أن نذكر آية :
{ لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ} دون أن نذكر أيضاً أن القرآن الكريم حدد ذلك فقط فى من يقاتلوننا فى الدين كما فى الآية كريمة :
{إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ }.
وإستقطاع آيات معينه من القرآن الكريم وتحريف معانيها بصورة تتفق مع أهواء الإنسان تدخل الإنسان فيمن وصفهم الله بقوله تعالى:
{ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }.
(87) { أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ } نتعلم من هذه الآية أن من جاءنا بمالا تهوى أنفسنا قد يكون هوالذى على الحق، فالرسل فى هذه الآية قد جاءوا أقوامهم بأشياء وأفكار لم تعجبهم فقتلوهم، وقد نقع نحن أيضاً فى نفس هذا الخطأ مع المصلحين فى الدين الذين يأتون بأفكارو مفاهيم دينية جديدة تتعارض مع المفاهيم التقليدية والموروثه من آبائنا, وعلينا أن نسمع لأصحاب المفاهيم الجديدة و الغير تقليدية والتفكرفيها وعدم رفضها لمجرد أنها تختلف عما وجدنا عليه آباءنا وإلا أصبحنا مثل هؤلاء الذين أتبعوا أباءهم بدون فكر كالعميان فقال فيهم المولى عزوجل معاتباً عليهم :
{ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ )
(88-97) كما ذكرنا سابقاً أن مثل هذه الآيات تتحدث عن فئة معينة من بنى إسرائيل ولا يجوزالتعميم على كل بنى إسرائيل لأن فيهم أنبياء ورسل لهم كل المحبة والإحترام وعليهم السلام منا مثل موسى ويوسف وهارون وغيرهم.
و نلاحظ أن القرآن الكريم يستخدم كلمة “يهود” لوصف مجموعة خاصة من بنى إسرائيل لها صفات معينة وعقائد خاصة، وتختلف هذه المجموعة فى فكرها وعقائدها عن معظم أتباع الديانة اليهودية الآخرين, فمثلاً ذكر القرآن أن القبائل المسماة باليهود كانوا يقولون عُزير ابن الله { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ } وهذا يتناقض تماماً مع ما يؤمن به معظم بنى إسرائيل، وقالت بعض الفئات فى عصورسابقة أن { يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ } والبعض عبد العجل من دون الله { اتَّخَذُوا الْعِجْلَ } والبعض قتل الأنبياء و المرسلين و هذه الصفات لا يجوز تعميمها على كل أتباع الديانة اليهودية فغالبيتهم لا تؤمن بهذه المعتقدات و لم ترتكب هذه الجرائم، و أفضل طريقة للتعامل مع الأمم الأخرى هو أن نتبع النص القرآنى { مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ ۖ} وألا نُحمّل أُناساً وزر أناس آخرين أونحاسبهم على أخطاء لم يفعلوها هم فكما قال القرآن { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ }.
مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)
(98) { مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ } يستخدم القرآن الكريم تعبير”عدوالله” فى عدة مواقع والمتأمل فى القرآن الكريم يدرك أن عداء الله الحقيقى هوالسعى فى الأرض فساداً بالإرهاب والقتل وسفك دماء الآمنين كما فعل بعض الإرهابيين – للأسف بأسم الدين – فلا عداء لله أكثرممن يفعل هذه الجرائم البشعة بإسمه وهوالذى سمى نفسه “السلام” كما فى الآية { السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ } فإرادة الله فى الأرض هى تفعيل السلام أى التعايش بسلام مع الآخرين {ياأيها الذين آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً } ومن يفعل غيرذلك فيدعوا الى العنف والغلظة وسفك الدماء فهذا هو عدو الله الحقيقى.
(100 – 101) { نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ } إستخدام تعبير”فريق منهم” تعنى أن الآيات لا تتكلم عن كل أهل الكتاب وإنما تتكلم عن طائفة بعينها.
( 102) توضح هذه الآية أن السحر هو إستخدام قوى غير تقليدية وقد يستخدم ذلك فى عمل الخير كما فعل نبى الله سليمان أو فى عمل الشر، و هذه القوى الغيرتقليدية قد سميت على مر العصور بأسماء مختلفة فما كان يراه البعض سحراً فى الماضى مثل أن تتحدث الى شخص و تراه و هو يبعد عنك آلاف الأميال قد يكون الآن خاضعاً للمعايير العلمية بعد إستخدام قوى الطبيعة التى سخرها الله تعالى لنا مثل قوة الأنترنت وغيرها.
(104) { لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا } نتعلم من هذه الآية إنتقاء الكلمات والألفاظ حتى لا نجرح مشاعر الآخرين أو نُؤذيها فمن الواضح من الآية أن إستخدام كلمة “أنظرنا” كانت كلمة أجمل وأفضل فى التعامل فى ذلك الوقت من كلمة “راعنا”، و يتفق هذا تماماً مع روح القرآن الكريم فى إستخدام أجمل وأذوق وأرق التعبيرات حين نخاطب الآخرين والذى تجلّت فى قوله تعالى { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } وقوله { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ }.
(105) حين نقرأ هذه الآية ندرك أن هناك عدة تعبيرات فى القرآن لابد أن نفهمها جيداً مثل التعبيرات الآتية :
- ” أهل الكتاب” : هم اتباع الكتب السماوية.
- ” من أشرك ” : تعمم المعنى على كل من أشرك.
- ” المشركون ” : تخصص المعنى و تحدده فى مشركى مكة والتحديد هنا لأنها معرفة بالألف واللام “ال”.
- “الذين كفروا منهم” : وأُطلق هذا التعبير على بعض أهل الكتاب الذين لم يتبعوا ما أنزل إليهم من تعاليم فكتبهم السماوية كالتوارة والإنجيل فكما قالت الآية كريمة :
ا{ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }
و { إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ
الْكَافِرُونَ }.
و نلاحظ أن القرآن فرق بين أهل الكتاب و بين المشركين كما فى قوله تعالى :
{ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ }
و نلاحظ أيضاً أنه فرّق بين أهل الكتاب والذين كفروا منهم وهم الذين لم يعملوا بتعاليم كتبهم كما ذكرنا أو الظالمين فتأتى كلمة الكفر بمعنى الظلم
{ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ } و من الجدير بالذكر أن إعتبارأحد الناس أنه كافرأو مشرك هوحق لله تعالى وحده فهو القائل {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ }.
مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)
(106) تأتى كلمة “ينسخ” فى القرآن بأكثرمن معنى فقد تأتى أحياناً بمعنى الإلغاء كما فى الآية التالية :
{ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ }
فجاء النسخ هنا بمعنى أن الله تعالى يمحو ويُلغى ما يلقى الشيطان.
و قد تأتى نفس الكلمة أو مشتقاتها اللغوية فى القرآن على العكس من ذلك تماماً فتكون بمعنى التدوين كما فى الآية :
{ و هَٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }
فالنسخ هنا جاء بمعنى التدوين وليس المحو ونحن نقول فى لغتنا المتداولة “إنسخ” لى هذه الورقة أواعطنى “نسخة” منها بمعنى أعطنى صورة أو نسخة منها للتدوين و الإثبات، وفى هذه الآية القرآنية من سورة البقرة تأتى كلمة “ننسخ” بمعنى التدوين و ليس الإلغاء لأن إلغاء الشئ ليس فيه أى مقدرة وذلك على عكس ما ذكره الله فى نهاية الآية حين قال
{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.
فالقدرة لا تكون فى المحو و إنما تكون فى التدوين والإثبات، وكأن الله تعالى يقول لنا فى هذه الآية أنه إذا لم يدون لنا فى الكتب السماوية آية أومعجزة من معجزات الأنبياء السابقين أوآياتهم فإنه سيأتينا بخيرمنها أومثلها، وقد تجلى مفهوم “خير منها” فى قوله تعالى فى سورة الرعد :
{ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۗ } فكان كفارمكة ينتظرون آية أومعجزة تكسر قوانين الطبيعة فجاءهم القرآن ليقول لهم أن آيات الله و معجزاته هى قوانين الطبيعة ذاتها حينما رد على تسائلهم السابق فى سورة الرعد بأن قال لهم :
{ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ۖ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ }.
و بالآية السابقة إنتقل القرآن الكريم بالعقل البشرى من مفهوم الأية أوالآيات عند الأمم السابقة من كسر لقوانين الطبيعة الى أن قوانين الطبيعة نفسها هى الآيات (المعجزات) الحقيقية.
(109) { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا}
إستخدم القرآن الكريم فى تعبير “كثيرمن” والذى يدل على عدم تعميم المعنى على كل الذين أوتوا الكتاب فى عصر الرسول وقت نزول الآية، ونتعلم أيضاً من هذه الآية الكريمة أن الرد القرآنى على من يحاول أن يردنا عن ديننا هو كما قال القرآن { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا } وليس كما يظن البعض إكرهوا وقاتلوا.
(111) حين نقرأ فى القرآن الكريم تعبير{ وَقَالُوا } لابد أن نتساءل عن من تعود “واو الجماعة ” أى واو فى آخر كلمة “وقالوا” فى هذه الآية – أو بمعنى أخر من هم الذين قالوا؟ وفى هذه الآية على سبيل المثال تعود واو الجماعة على طائفة معينة فى عهد الرسول وهم الذين قالوا ما ذكرته الآية فعلينا أن نتعلم أن نطبق مثل هذا المبدأ على جميع آيات القرآن التى تتحدث عن موقف معين وقت نزول القرآن, فنسأل من هم الذين قالوا ومن هم الذين فعلوا ومن هم الذين قاتلوا, فلا يجوز تعميم هذه الآيات على آخرين لم يقوموا بهذه الأفعال ولا يجوزمحاسبة الآخرين على أشياء لم يفعلوها {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ}.
(112) من معانى كلمة إسلام الخضوع لله فإبراهيم والكثيرون من الأنبياء السابقين يقال عنهم مسلمون
{ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ }
لأنهم خضعوا لمشيئة الله ولا تعنى كلمة إسلام إتباع القرآن أو طقوس وشعائر معينة لأن هؤلاء الأنبياء الذين ذُكرَ أنهم مسلمون لم يعرفوا القرآن وكانوا يتعبدون لله بلغات غير اللغة العربية، و أيضاً فكما أن مشتقات “صَلُح” هى أصلح – مصلح – إصلاحاً – مصلحين فإن مشتقات “سلم” هى أسلم – مسلم – إسلاماً – مسلمين, فكما أن “المصلح” هومَن يُفَعّل ( من التفعيل )الإصلاح فى الأرض فإن المسلم فى أى عصر و فى أى وقت وتحت أى مسمى هو من يفعل السلام فى الأرض أى يتعايش فى سلام مع الآخرين، فهناك فارق بين كلمة الإسلام كمعنى لغوى وهو التعايش فى سلام و بين المعنى السائد و هوإتباع الديانة الإسلامية بشعائرها وأركانها.
(113) حينما نتساءل من هو صاحب الحق الأوحد فى الحكم على الجميع يأتينا القرآن بالرد القاطع { فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }. فمن نحن حتى نحكم على غيرنا بالصلاح أو الفساد ونقررأنهم فى الجنة أو فى النارفى حين أن القرآن الكريم قال للمصطفى صلى الله علية و سلم :
{ قل ما كنت بدعاً من الرسل وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ } فإن كان المصطفى عليه السلام لا يدرى ماذا يفعل به أو بالآخرين أفندرى نحن؟
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119) وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123) وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
(114) { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } المساجد هى جمع مسجد و هو أى مكان يسجد فيه الناس لله تعالى أياً كانت دياناتهم، فأهل الكهف مثلاً ذكر القرآن فى قصتهم التعبير التالى { لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا } و كان ذلك قبل نزول القرآن بعصور، وقد كان جميع الأنبياء يسجدون لله تعالى كما فى قوله تعالى:
{ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا }.
ونتعلم من هذه الآية أن التهجم على أى مكان للعبادة سواء كان جامعاً للمسلمين أوكنيسة للمسيحيين أو مصلى لليهود أو غيرها من أماكن التعبد هو جريمة فى حق الله تعالى لأن كلها بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها أسمه، وقد أمرنا الله تعالى بأن ندافع عن كل دورالعبادة فقال فى كتابه الكريم :
{ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا }.
(115) { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } تدلل هذه الآية على أن الله تعالى فى كل مكان وليس فقط فى مكان واحد فحيثما ولينا وجوهنا فى وقت العبادة فستكون متجهة نحوه سبحانه.
(116) كلمة أن لله ولداً قد تأتى بمعنى مادى أى أن الله تزوج و له ابن تقول الآية :
{ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ } و هذا المعنى مرفوض فى القرآن وعند معظم المسيحيين واليهود على السواء، و بعض الطوائف يفهم معنى “ولد” بصورة مجازية ( أى روح من الله وكلمته ) وليس بصورة حرفية كما نفهم نحن أيضاً تعبيرات يد وبيت وأعين فى الآيات التالية بصورة مجازية :
{ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ }, { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ }, { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا }.
(117) { وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } تتجلى فى هذه الآية قدرة الله عزوجل فهو يستخدم تعبير ” له ” قبل أن يخلق الشئ ذاته فالله يعبرعن الشئ و كأنه موجود حتى قبل ان يخلقه فبمجرد أن الله قررخلقه فقد وجد فى المشيئة الآلهية والمشيئة حادثة لامحالة.
(120) تتكلم هذه الآية عن فئة معينه من اليهود والمسيحيين وقت نزول القرآن ولا تتحدث عنهم كلهم, فكما قال القرآن منهم الصالحون ومنهم دون ذلك { مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ }.
(123) نتعلم من هذه الآية الكريمة أن الله تعالى ليس عنده محسوبية أومحاباة لأحد على حساب الآخر.
(124) تؤكد هذه الآية أيضاً أن الله لا يحابى أحداً, فها هوخليل الرحمن إبراهيم يطلب من الله تعالى أن يُحابى أبناءه فيقول لله { وَمِن ذُرِّيَّتِي } فيكون الرد الإلهى { قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } أى يا إبراهيم لو كان فى ذريتك ظالمون فلن ينالواعهدى حتى لو كنتَ أنت خليلى .
(125) يذكر القرآن الكريم أن الهدف الأسمى من الحج هو إثابة المحتاج وإغاثة الملهوف فى قوله تعالى { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا } وعلى الإنسان أن يدرك أن الحج ليس مجرد زيارة مكان ما وإنما هووسيله لإغاثة الضعفاء وإطعام المحتاجين كما قال الله تعالى :
{ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }.
و لا يتفق مع روح القرآن أن يُركزالإنسان على الإنتقال البدنى و ينسى جاره الذى يموت جوعاً أويشرد أبناؤه من الفقر.
(126) إستخدام كلمة { وَمَن كَفَرَ } بعد تعبير{ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا } تدل على أن نزع الأمان من الناس و ترويعهم تحت أى مسمى هو الكفر بعينه.
(128) كما نرى فى الآية فإن إبراهيم وإسماعيل قالا { رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } وقد كان ذلك قبل بعثة الرسول والقرآن و شعائر الدين الإسلامى – كما نعرفها – بقرون طويلة، فمعنى كلمة “مسلمين” كما ذكرنا سابقاً هو أن نكون مُفَعّلين للسلام فى الأرض فكما يقال صلح – مصلح – إصلاح – مصلحين, فيقال سلم – مسلم – إسلام – مسلمين، فالمصلح هو من يصلح فى الأرض والمسلم الحقيقى هو من يصنع السلام فى الأرض، فسفك الدماء وتخويف الناس وإستخدام العنف يتناقض مع مفهوم الإسلام الحقيقى.
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134) وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141) سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)
(130) حينما يذكرالقرآن ملة إبراهيم فإنه يتحدث عن صفات كثيرة لخليل الرحمن الذى أمرالله نبينا الكريم أن يتبعه :
{ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ}
و من هذه الصفات ما يلى :
1-عبادة الله الواحد { فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ۗ}.
2-التفكر فى ملكوت الله : { وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ }.
3- إكرام الضيف { فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ }.
- القنوت لله والتقرب منه { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا }.
- الشكر الدائم لنعم الله { شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }.
- الحلم والتسامح { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ }.
- رد الإساءة بالإحسان و ذلك يتجلى حين حاول أبوإبراهيم أن يرجمه فقال له ” لأرجمنك ” كان رد خليل الرحمن عليه هو قوله { سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ} فلم يرد إبراهيم على العنف بالعنف لكن بالحلم و التسامح.
- إستخدام الحجة لا العنف لإقناع الآخرين { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ }.
- الفكر والتفكر للوصول الى الحقيقة فلو إتبع إبراهيم قومه دون أن يضع إحتمال أنهم خطأ لأصبح مثلهم و نرى فى قصة إبراهيم أنه وصل الى الله بفكره فعبد كوكباً ثم عبد القمر ثم عبد الشمس ثم وصل بعد ذلك لحقيقة الإله الواحد، أى أن إبراهيم مر بمراحل من الشك قبل أن يصل الى الإيمان، ولو كان أحد المتشددين قتل إبراهيم حينما قال عن القمر هذا ربى لما عاش خليل الرحمن و لما أصبح أبا الأنبياء ومثلهم الأعلى
و لقد قال القرآن :
{ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }.
(134) نتعلم من هذه الآية أن كل أمة مسئولة عن أفعالها وليس من مسئوليتنا محاسبتها أو إصدارالأحكام عليها { وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ويشغل البعض نفسه خطأً بتوجيه النقد للأمم الآخرى أو نعتهم بالكفرأوالضلال فى حين أن الله تعالى لم يعط البشر هذا الحق أصلاً، و تعلمنا هذه الآية أيضاً أنه لاينبغى محاسبة الأمم الحالية عن تصرفات آبائهم فى العصور السابقة, فعلى سبيل المثال ليس من العدل أوالمنطق أن يحاسبك أحد أو يحملك مسئولية أن جدك ضرب جده منذ مائة عام, فكما قال القرآن { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ }.
(136) { لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ } تعلمنا هذه الآية أنه لا يحق لنا أن نفرق بين أنبياء الله فى الحب والتقديروالإحترام, فنحن نؤمن كما ذكر القرآن
{ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ }
وهذا أحد شروط الإيمان، فلا يحق لنا أن نقول أن أحد الرسل أوالأنبياء هو أفضل من الآخر.
(139) { وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } نتعلم من الآية أن كل إنسان مسؤل فقط عن عقيدته وأعماله ليس من شأنه محاسبة الآخرين أو التدخل فيما يؤمنون به فكل إنسان مسئول عن أعماله و أفعاله وليس من شأنه محاسبة الآخرين أوالحكم عليهم فكما قال القرآن
{ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ }.
(146) تعبير { فَرِيقًا مِّنْهُمْ } تعنى ليس كلهم و هى تؤكد على مبدأ عدم التعميم.
(148-150) علينا دائماً تذكرأن { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ} وإنه أينما توجهنا فإن الله فى كل مكان
{ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ }.
(151) الله لا يظلم أحداً فكما ارسل رسلاً الى الأمم السابقة وأنزل عليهم التوراة والإنجيل والزبور (مزامير داود) و غيرها من الكتب والرسالات فقد أرسل أيضاً القرآن للعرب ليزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة :
{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ }.
و قد أرسل الله الرسل بلسان أقوامهم حتى يستطيعوا فهم وإدراك الرسالة، وجدير بالذكرأن الكتاب والحكمة المذكورين فى الآية هما شئ واحد فقد قال القرآن :
{ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ } فإستخدم الله تعبير المفرد ” به ” ولم يستخدم تعبير المثنى ” بهما “.
وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176) لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210) سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212) كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)
(154) حينما يذكر القرآن تعبير { يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } فإنه يتحدث عن قتل فى حالة دفاعية ليس فيها إعتداء على أحد, فصريح القرآن يمنع الإعتداء على أى إنسان ويسمح بالقتال فقط فى حالة الدفاع عن النفس كما فى الآية الكريمة :
{ وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }.
فأى قتال يبدؤه الإنسان ضد الآخرهو مخالف تماماً لروح القرآن و صريح عباراته, فلم يبح الإسلام القتال إلا دفاعاً عن النفس من عدوان يبدؤه الآخرون، أما مبدأ القتال لنشر فكرٍ ما ليس من الإسلام فى شئ فالقرآن موقفه واضح فى عدم إكراه الناس على الدين :
{ و لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}
و فى الدعوة الى حرية العقيدة { فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ }.
و الدعوة الى الله تكون بالحكمة و الموعظة لا بالعنف أو السيف :
{ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ}.
فمن إعتدى على أخيه الإنسان أوإستخدم معه عنفأً سواء بدنى أو لفظى ظناً منه أن ذلك لنشر الدين فقد خرج عن الإسلام وخسر خسران مبيناً.
(155-157) { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } تعلمنا هذه الآيات الصبر والرضا بقضاء الله.
(158) الأهداف الرئيسية للحج كما وردت فى القرآن الكريم تشمل الآتى :
- ذكر الله تعالى { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ}.
- تهذيب النفس { فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ }.
- إطعام الفقراء و المساكين { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ}.
- منفعة البشرية { لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ } وهذا يتفق مع قوله تعالى { وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ}.
- إثابة الملهوف و المحتاج والجائع والخائف { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا }.
- إحترام النفس والحياة فى جميع الكائنات { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ }.
(204-206) تعلمنا هذه الآيات عدم إتباع كل من يتكلم بأسم الله أو يتحدث بإسم الدين فالكثير من المجرمين و الإرهابيين الذين يقتلون الأبرياء ويسعون فى الأرض فساداً يتكلمون بأسم الدين زوراً و بهتاناً, وهؤلاء المجرمون الذين يستخدمون دين الله لتبرير أفعالهم الشريرة عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وقد قال الله تعالى فى أمثال هؤلاء
{ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ }.
(208) { ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } تدعونا هذه الآية الكريمة الى العيش فى سلام ووئام و محبة مع الناس كافة فهى دعوة إلاهية للتعايش السلمى بين الجميع ونبذ الخلافات والعنف فالشيطان هوالذى يدعونا للحرب والكراهية وسفك الدماء :
{ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ }
والله على العكس من ذلك يدعونا الى السلام :
{ ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً }.
(212) الفرق بين تعبير “من كفر” و “الذين كفروا” أن من كفر تفيد التعميم على كل من كفر فى كل العصور, أما تعبير “الذين كفروا” والمستخدم فى الآية فهو يخصص الآية فى موقف محدد وقت نزول القرآن، فعلى سبيل المثال تتكلم هذه الآية عن طائفة خاصة من الكافرين كانوا يسخرون من المؤمنين الأوائل وقت نزول القرآن.
(213) { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ َ}
نلاحظ أن الله تعالى إستخدم كلمة “الكتاب” فى هذه الآية بدلاً من كلمة “الكتب” وأشار إليه بتعبيرالمفرد فى كلمة “ليحكم” و كلمة ” إختلفوا فيه” مع أن رسل الله الكرام جاءوا بكتب متعددة مثل التوراة والإنجيل والقرآن، وإستخدام كلمة “كتاب” بدل من كلمة “كتب” يؤكد على حقيقة هامة هى أن كتاب الله واحد فى المفهوم والجوهرولكنه متعدد فى اللغات والشرائع، فجوهركتاب الله يدور حول وحدانية الله وعمل الخيرات التى تعود بالنفع على الآخرين وإرساء السلام بين بنى البشروالإيمان بيوم الحساب فالله واحد وجوهرالكتاب واحد :
{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }.
(214) تعلمنا هذه الآية أن الإنسان قد يختبرويبتلى فى الحياة والمؤمن الحقيقى هو من يصبرعلى هذاالإبتلاء, فيكون كالذهب الذى لا تزيده النارإلا نقاءً، و نصر الله يكون فى الآتى :
- فى أمر دنيوى يريده الإنسان مثل الرزق و النجاح
- أو فى الإنتصار على شهوات النفس والرغبات التى تؤذى الآخرين مثل السرقة والعنف لأن الشيطان الذى يمثل الشر داخلنا هوالعدوالأول للإنسان الذى عليه أن يقاومه وينتصرعليه فكما ذكر الله تعالى :
{ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ }
- وقد يعنى النصر دخول الجنة يوم القيامة :
{ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }.
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)
(216) حرم القرآن الكريم العدوان على الآخرين بصورة مطلقة فقال تعالى { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } قد وضع القرآن شروطاً للقتال كما يلى :
– دفاعاً عن النفس حينما يبدأ الآخرون الإعتداء أو القتال
{ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } و { وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ }
– ألا يكون عدواناً على الآخرين { وَلَا تَعْتَدُوا }
– ألا يكون لإكراه الآخرين على الدين أو فى شئ من أمور الدين
{ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ }
– ألا يكون فيه ظلم لأحد { وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا }
– أن يعامل الأسرى بالحسنى { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا }
– أن يغيث العدوإذا إستغاث به فى لحظة ما :
{ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ }
– ألا يستعبد الأسرى و أن يعاملهم كما ذكر القرآن { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً }
– أن يقبل السلام فوراً إذا قبل المعتدى ذلك { وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ }
– ألا يكسر ميثاقاً مع أحد حتى لو كان ذلك لنصرة مسلمين مثله :
{ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ }
– ألا يقتل نفس بغير نفس :
{ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا }
فالقتل العشوائى أو العمليات الإنتحارية التى تؤدى الى قتل ولو برئ واحد كطفل لم يذنب أوإمرأة عجوز لم تخطىء يُخرج الإنسان من ملة الإسلام و يحشره فى جهنم مع زمرة القاتلين والمجرمين.
(217) { وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ } تصف هذه الآية موقف قتال وصراع حدث فى العهود الأولى فى الإسلام وعلينا دائماً أن نضع فى الإعتبارأن حدوث قتال فى موقف ما فى تلك العهود والأزمنة لا يجعلنا ننسى أو نتناسى المبادئ العظمى فى الإسلام بالتعايش السلمى مع الآخرين :
{ ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ }.
و كما ذكرنا سابقاً فإن كلمة النار والمذكورة فى الآية { وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ } قد تفهم خبرياً كلهيب حقيقى وقد تكون معنى مجازياً يعنى الخروج من رحمة الله { أُولَٰئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي } وتأتى أيضاً للتخويف حتى لا نفعل الشر :
{ لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ۚ ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ }.
و أهم درس نتعلمه من هذه الآية الكريمة أن الذى أعلن القتال ليغير دين الآخر كانوا هم كفار مكة و ليس المؤمنين الأوائل. فمحاولة إخراج الناس عن دينهم و إكراههم على عقيدة أخرى ليست من شيم الإسلام الحقيقى. و قارن بين أفعال كفار مكة { وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ } و أخلاق القرآن الكريم { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } ثم إختر أى الطريقين تتبع.
(219) { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ } الخمر هى أى شئ يخامرالعقل أى يذهبه وقد يكون هذا فى صورة شراب أو حبوب أوحقن فأى كمية من هذه الأشياء تذهب العقل “تخامره” فهى إثم إلا إذا كان الإنسان مضطراً الى ذلك :
{ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ }.
{ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ } تشير هذه الآية الى أن العفو عن الآخرين هومن أفضل وسائل الإنفاق فى سبيل الله, فإن قلنا لمن أخطأ فى حقنا “سامحك الله” فهونوع من الإنفاق فى سبيل الله الذى نثاب عليه.
(220) يدعو القرآن الكريم دائماً الى الإهتمام باليتامى وذلك يشمل إكرام اليتيم :
{ كَلَّا ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ }
– و مراعاة مشاعره { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ }
– إطعام المحتاجين منهم :
{ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا }
– وعدم أكل أموالهم :
{ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا }
– إعتبارهم إخواناً أوأخوات حقيقين فى المجتمع { وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ }.
وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)
(221) { وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ} و{ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا } أهمية إستخدام “ال” فى كلمة “المشركات و المشركين” فى هذه الآية أنها تفيد تخصيص الأمرفالزواج ليس محرماً من كل من أشرك و إنما محرم فقط من المشركين المعرفين ب “ال”وهم الذين حددتهم الآية القرآنية بأنهم الذين قاتلوا المؤمنين الأوائل وأخرجوهم من ديارهم وظاهرواعلى إخراجهم كما وضحت الآية الكريمة التالية :
{ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }.
ونلاحظ إستخدام القرآن فى الآية 221 “لا” الناهية والتى يتضح ما المقصود بها فى قوله { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ }.
و نلاحظ إستخدام الآية لكلمة “أمَة” ومن المهم أن ندرك مفهوم هذه الكلمة وقت نزول القرآن وإختلافها عن بعض التعبيرات الأخرى التى تخلق الكثير من المشاكل فى الفهم عند البعض.
أَمَة ( مفرد إماء) : وهنّ طائفة من الرقيق كانت موجودة وقت نزول القرآن و قد أمرالإسلام بالإحسان إليهن و جعل الجميع من إماء و حرائر متساوين أمام الله :
{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }
وحرم الإستعلاء على الآخرين :
{ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ }
وقد أمر القرآن الكريم فى أكثر من موقع بتحرير العبيد :
{ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ },
و جزءً من الصدقات ينبغى أن يذهب لتحريرالرقيق فى جميع بقاع الأرض :
{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ }.
و قد حرم القرآن الكريم إتخاذ أسرى الحرب كرقيق { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً }, و القرآن لا يُحل ولا يسمح بأى علاقة جسدية مع ما كان يطلق عليها ب “الأمة”، فلا توجد آية واحدة فى القرآن تسمح بوجود علاقة من هذا النوع مع الإماء والعلاقة الوحيدة المقبولة معهن هى نفس العلاقة مع الزوجات :
{ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ }
{ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ }.
و فى ذلك المضمون نذكر المعانى الأخرى التى تحتاج للتوضيح.
ما ملكت أيمانكم : تأتى كلمة “أيمان” فى القرآن الكريم بمعنى العهد والميثاق :
{ ولكن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ } و { وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } و { وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ } .
فكلمة ما ملكت أيمانكم تعنى أنها تملك الأيمان أى العهد والميثاق من شخص ما أمام الله وأمام الناس وعلى هذا الشخص تحمل مسئوليته والحفاظ على عهده { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا }, والعهد هنا سواء كان مع من تملك اليمين أوالأيمان مشروطاً بشروط الإرتباط والعلاقة بين الرجل والمرأة فى القرآن و هى كما فى الآية :
{ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ }
و إذا كان هذا العهد مكتوباً كعقد تسمى ما “عقدت أيمانكم” كما فى الآية :
{ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ },
و قد ذكر القرآن أن العهد والذى كان شفوياً فى العصور السابقة كان ينبغى كتابته إذا أرادت المرأة ذلك كما فى الآية :
{ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا }.
الزوجة : هى من تعيش فعلاً مع الشخص و تشاركه فى حياته فيكونا زوجين على أن يكونا مستوفين الشروط القرآنية المنصوص عليها فى الآية الكريمة { مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ }.
وقد قال الله فى سورة الآعراف آية 19 لآدم { وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ }.
الخطبة : هى إتفاق مبدئى على التعارف بغرض الزواج وأياً كان المسمى فإن العلاقة الوحيدة المقبولة فى القرآن هى من خلال إرتباط معلن و يمين مغلظ وعهد لا ينكسروعلانية فتكون العلاقة كالحصن الذى أُنشىء ليبقى وليكون ظاهراً أمام الجميع كما فى :
{ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ }.
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232) وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)
(222) تفيد كلمة “يسألونك” بأن القرآن فى مثل هذه الآيات كان فقط يردعلى بعض الأسئلة التى وجهت للرسول من بعض الأفراد وأنها ليست هى قضيته الأساسية والمفهوم العام من إستخدام تعبير أنى “شئتم” أن القرآن ينأى بنفسه عن التدخل فى مثل هذه الأمور و أنها قضيه بشرية تخصهم، و تعبير “قدموا لأنفسكم” يذكرنا بقوله تعالى :
{ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ} فإستخدام هذا التعبير فى هذه الآية تعنى أن المؤمنين أفضل لهم أن يهتموا بتقديم عمل الخير على الأسئلة عن علاقتهم الشخصية، فالعلاقات الشخصية بين الرجل و المرأة شئٌ متروك لهما ليحدداه.
ويرى البعض أن الآية الكريمة لا تتكلم عن العلاقة الجسدية بين الرجل والمرأة كما يظن البعض لأنها لم تقل فأتوا نساءكم بل قالت { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ } والحرث يعنى الإنجاب و التكاثر، فالآية كما نرى تتكلم عن تنظيم عملية الإنجاب و التكاثر لاعلى العلاقة الجسدية بين الرجل والمرأة، وقد جعل الله هذا القرار فى تنظيم الإنجاب والتكاثر- مثل إستخدام منع الحمل أوعدم إستخدامه – هو قرار يقرره الزوج والزوجة سوياً كيفما يشاءان { أَنَّىٰ شِئْتُمْ }.
(224) { وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ } تعنى أن لاتحلف مطلقاً بالله إلا عندما تكون واثقاً من تنفيذ القسم, فحنث اليمين إثم كبيرومن الأفضل ألا يحلف الإنسان مطلقاً بالله (إن أمكن) فيقلل من شأن إستخدام أسم الله العظيم إذا حنث بيمينه.
(225) يستخدم الإنسان أحياناً بعض الأيمان دون أن يعنيها وهذه لا يُحاسب الإنسان عليها :
{ لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ } لأن الإنسان يحاسب فقط على ما تعمده قلبه :
{ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ }.
(226-232) تبعاً لآيات القرآن يتم الطلاق على عدة مراحل :
المرحلة الأولى : وجود نية للإنفصال واضحة ولا تردد فيها : { وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ }.
المرحلة الثانية : وعلى الزوج الذى حلف أن يطلق زوجته إنتظار(تربص) أربعة أشهرقمرية كفترة إنفصال فعلى عن الزوجة لمراجعة النفس :
{ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ۖ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
– و { يُؤْلُونَ } تعنى أن يحلف الزوج أن يبتعدعن زوجته كفترة مراجعة قبل الطلاق و{ فَإِن فَاءُوا } تعنى تراجعوا عن الطلاق.
المرحلة الثالثة : الطلاق الفعلى و إعلانه فى وجود شاهدين { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ }.
إذا تكرر هذا الأمر بمراحله الثلاثة ثلاث مرات فإن العشرة الزوجية بين هؤلاء تكاد تكون مستحيلة ولا تستطيع هذه الزوجة الرجوع الى هذا الزوج مرة أخرى و من الممكن ان تعود إليه فقط إذا خاضت تجربة زواج أخرى من شخص آخر ثم طلقت منه و يقول الله عز وجل : { وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا } حتى يحذرنا من محاولة التلاعب بآيات القرآن و معانيها كما يفعل البعض فيما يسمونه “بزواج المحلل” والذى يتم بواسطة زواج وقتى وطلاقها منه كمحاولة للتلاعب والتحايل على آيات القرآن حتى تستطيع الزوجة الرجوع الى الزوج الأول مرة أخرى، وزواج المحلل ليس مقبولاً فى القرآن لأنه تحايل على آيات الله و يتنافى مع أسس الزواج فى القرآن :
{ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ } والحصن كما ذكرنا سابقاً يبنى لكى يستمر و يبقى لا أن يهدم بعد يوم أو يومين.
و حقوق الزوجة فى الطلاق كما ذكرها الله فى القرآن الكريم :
- أن يعامل الزوج زوجته التى قررالإنفصال عنها بالذوق والإحترام كما قالت الآية :
{ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}.
- عدم التمسك بها كزوجة لمجرد مضايقتها ( أى رفض طلاقها إن كانت هى تريد الطلاق ) أوالضغط عليها
{ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا }.
- عدم منعها من الزواج ممن شاءت بعد إتمام الطلاق :
{ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ }.
- ألا يأخذ شيئاً مما آتاها من مال أوهدايا { وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا }.
- عدم إخراجها من بيتها { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ }.
- الإنفاق عليها لمدة عام على الأقل بعد الطلاق { مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ } وبعد هذاالعام يقول الله { وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ }.
- إعطاؤها تعويضاً مادياً أوما يسمى مؤخر الصداق أو {الْفَرِيضَةِ} وذلك بالإضافة الى المذكورآنفاً :
{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ }. وإذا تم الطلاق قبل العلاقة الزوجية فتُعطى نصف الفريضة إلا فى حالة تنازل الزوجة عنه .
- أن يشهد على الطلاق إثنان من ذوى العدل أو شهود عدل { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ }.
- الإنفاق عليها أيضاً طوال مدة إرضاع الطفل حتى لو إستمرت عامين :
{ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ }.
– المعاملة الحسنة بعد الطلاق { وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ }.
و هذه هى المبادئ القرآنية التى تحكم عملية الطلاق لأن الزواج عند الله وصف بأنه ميثاق غليظ { وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا }. ومن صفات المؤمنين أنهم لا ينقضون الميثاق :
{ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ }.
فالطلاق هو نوع من أنواع نقض الميثاق التى لا يحبذها الله تعالى إلا للضرورة القصوى ووضع لها قيوداً وأسساً حتى لا تُظلم المرأة كما كانت تظلم فى المجتمعات السابقة، وعلينا أن نتعلم من النهج القرآنى والذى حاول إعطاء المرأة المزيد من الحقوق فى عصرنزوله فنرحب بالقوانين العصرية التى تتفق مع هذا الإتجاه القرآنى بإعطاء المرأة المزيد من الحقوق فى عصرنا الحالى.
ومسؤلية المرأة فى الطلاق كما ورد فى القرآن الكريم هى ألا تتزوج بإنسان آخرقبل مرور ثلاثة أشهرقمرية كاملة ( أشهر العدة ) حتى يتم التأكد من عدم وجود حمل من الزوج الأول :
{ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ }.
و أيضاً لا يحل لها أن تخفى أنها حامل من الزوج الأول لأنها مسئولية أمام الله.
و قد أقر القرآن الكريم حق المرأة فى ترك الزوج والإنفصال عنه :
{ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ }
أو ما يسمى عند البعض بالخُلع وذلك بعد تعويض الرجل بصورة عادلة، وبالنسبة للمسلمين الذين يعيشون فى المجتمعات الغربية فإن العرف فى كثيرمن هذه المجتمعات أنه فى حالات الطلاق يقتسم المرأة والرجل ممتلكاتهما، والعمل بالعرف فى هذه الحالة يتفق تماماً مع روح القرآن الكريم { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ }.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)
(243) { فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا } الموت فى هذه الآية لا يعنى بالضرورة موت الجسد ولكن قد يعنى موت الروح أو بمعنى
آخر فالإنسان الذى لا يحب ولا يرحم الآخرين هوإنسان ميت يحتاج لنورالله ليضئ روحه ويحييها فينعكس ذلك على
أعماله وأفعاله :
{ أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا }.
(244) { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } بالإضافة الى مفهوم وقواعد القتال المذكورة سابقاً فقد تشيرهذه الآية أيضاً بصورة مجازية الى مقاومة الشيطان ونوازع الشر داخل نفس الإنسان فإن ألد عدو للإنسان هو الشيطان :
{ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا } الذى يزين للناس عمل الشر ويدعوهم لكراهية الأخرين لا لمحبتهم :
{ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ }.
فإذا كانت إرادة الشيطان هى إشعال نار الكراهية والبغضاء بين البشرفإن قتاله يكون بإعلان حرب على الكراهية وتطهير النفس منها وإعلاء محبة الآخرين فى القلوب.
(245) { مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } تحثنا هذه الآية على المسارعة فى عمل الخيرات فمن يطعم مسكيناً او يسقى عطشاناً أويعطف على محتاج فهو يفعله لله ذاته وليس فقط للشخص الذى أمامه.
(246-252) { أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ } إستخدام “من” فى هذه الآية هو”للتبعيض” أى بمعنى أنها تتكلم فقط عن بعض بنى إسرائيل وليسوا كلهم فلا يجوز تعميم معنى هذه الآية على جميع بنى إسرائيل لأن ذلك يتناقض مع نص الآية والتى تتكلم بوضوح عن طائفة محددة منهم، والعبرة من هذه القصة إن النجاح ليس فقط نتاج لقوة الإنسان بل يحتاج الى توفيق من الله أيضاً، وتعلمنا الآية أيضاً أن العنصرالجيد هوأهم من العدد الكثير, ففى القصة إنتصرت الأقلية لأنهم كانوا نوعية جيدة وليس لأن أعدادهم كانت أكثر، و أمرالقتال لهذه الفئة من بنى إسرائيل فى ذلك العصر لم يكن بهدف الإعتداء على أحد وإنما كان دفاعاً عن الآخرين الذين أُستضعفوأ وطردوا من ديارهم وتم الإعتداء عليهم :
{ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا }.
(253) { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } طبقاًً لهذه الآية فإن الله تعالى فضّل بعض الرسل على بعض و ذلك بإعطائهم أنواعاً مختلفة من الآيات والمعجزات، و تفضيل أحد الرسل على الآخرهو حق لله الواحد فهو سبحانه كما ذكر القرآن :
{ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }.
و ليس من حقنا كبشر أن نفرق بين رسل الله بتفضيل أحدهم على الآخر, فنحن – كشرط من شروط الإيمان – لانفرق بين أحد من رسله :
{ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ }.
(254) { يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ } المعنى العام لهذه الآية هوأن الإنسان سيحاسب على أعماله بدون واسطة أو محسوبية.
وإختلفت الآراء حول الشفاعة كما يلى :
الرأى الأول : يوجد شفاعة وذلك تبعاً لما ذكره كتاب البخارى.
الرأى الثانى : لا يوجد شفاعة يوم القيامة تبعا لقوله تعالى { لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ }.
الرأى الثالث : الشفاعة لا تكون إلا لمن إرتضى الرحمن كما قال فى الآية :
{ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ } و{ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ }.
الرأى الرابع : يتدخل بعض الشافعين ولكن لا تقبل شفاعتهم و ذلك تبعاً لهذه الآية { وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ }.
و إختلاف الآراء لا يعنى ان أحدها خطأ والآخر صواب فالقرآن حمال أوجه ومن عظمته أن هناك تأويلات كثيرة له و سنعرف تأويله الحقيقى يوم القيامة كما قال تعالى :
{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ۚ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ }.
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)
(256) { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } :
هذه الآية القرآنية هى من أهم الآيات فى القرآن الكريم لأنها ترسخ مبدأ حرية العقيدة والإعتقاد فالله تعالى لا يقبل الإكراه ليس فقط على دخول الدين ( أى الدخول فى الإسلام ) لكن أيضاً لا يقبله كمبدأ فى الدين ذاته, فلا إكراه لأحد على قول الشهادتين ولاإكراه لأحد فى الصلاة أوالصوم أوالحج ولاإكراه لأحدعلى تنفيذ مبادئ الدين أو تعاليمه، فمن يكره أحداً على تنفيذ مبادئ الدين فهو يتحدى الله تعالى نفسه والذى قال بوضوح { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ }.
(257) { وَالَّذِينَ كَفَرُوا } تستخدم كلمة “كفر” فى القرآن بمعانِ عديدة :
المعنى الأول : الكفر هو الظلم { وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ }.
المعنى الثانى : هوالطغيان والإجرام والبطش وتهديد أمن وسلام الآخرين { فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا }.
المعنى الثالث :عدم شكرالله على نعمه { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا }.
المعنى الرابع : عدم الإيمان بوجود الله { أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا }.
المعنى الخامس : عدم تنفيذ أوامر الله :
{ إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }.
فعدم تنفيذ أحكام الله و آياته – مثل تلك التى تحثُ على إكرام اليتيم { كَلَّا ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ }, و معاملة الناس بالحسنى { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا }, وإحترام الحرية الفكرية والدينية للآخرين { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } – هو أحد أنواع الكفر.
المعنى السادس : قد تأتى كلمة “كُفْر” بمعنى أن يرفض الإنسان شيئاً كما فى قوله تعالى { فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ }. و ذلك يوضح أن الكفر يأتى أحياناً بمعنى إيجابى, فالكفر بالطاغوت هو ضرورة للإيمان بالله. و من ذلك نتعلم أيضاً أن الكفر لا يعنى بالضرورة رفض وجود الله أو عدم الإيمان به.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)
(258) نرى فى هذه القصة كيف أن خليل الرحمن وإمام الأنبياء إبراهيم لم يستخدم العنف مع الحاكم الظالم الذى كان يقال له النمرود وإنما إستخدم معه الحجه ولا شئ غيرالحُجه و هذه هى سمة الأنبياء والمرسلين فى كل العصور, فالذين يستخدمون العنف لنشر فكرهم أوعقيدتهم هم أعداء الله وليس أنبيائه، وهذه بعض الأمثله على ذلك :
- { قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ } ( قالها قوم إبراهيم لإبراهيم ).
- { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ }.
- { أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ } ( قالها أبوإبراهيم له ).
- {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ }.
- { قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }.
- { قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ }.
- { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ } (ذكرها القرآن ليصف موقف مشركى مكة من الرسول ).
- { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا }
- و لنرى كيف رد أنبياء الله على دعاة العنف والغلظه و قاهرى الحرية الدينية :
- { قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي } ( قالها إبراهيم لأبيه بعد أن هدده بالرجم ).
- { اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ – فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } ( أمر الله تعالى نبيه موسى بذلك ).
- { وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ } ( أمر الله تعالى رسوله عليه السلام بذلك ).
فياترى هل نحب أن نقتدى بأعداء الله فنستخدم الغلظة والعنف مع من يخالفنا فى الرأى أم نقتدى بأنبيائه العظام الذين دعوا الى الله بالحسنى و لم يستخدموا العنف مع من يخالفهم الرأى والفكر؟
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274) الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)
(263-274) الدروس المستفادة من هذه الآيات تشمل :
- أن الإنفاق فى عمل الخير من أهم دعائم الإيمان بالله { الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ }.
- أن معاملة الآخرين بصورة حسنة والتسامح مع من يخطئ فى حقنا أفضل من الإنفاق المصحوب بأذى { قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى }.
- أن المن على الآخرين أوإيذاءهم يبطل الصدقات :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ }.
- أن الإنفاق ينبغى أن يتم من طيبات ما رزقنا الله و مما نحب و ليس مما نكره :
{ لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ }.
- أن الإنسان عليه أن يفى بنذره لله :
{ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا }.
- إن أبداء الصدقات مقبول لأنه قد يحمس الآخرين ولكن إخفاءها فى الكثير من الأحيان يكون هو الأفضل :
{ إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ }.
- إن الإنسان إذا أنفق فإنه ينفق لنفسه لأنه سيثاب عليه .
- أن الله تعالى يضاعف ما ننفقه على المحتاجين أضعافاً مضاعفة :
{ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ }.
- أن الإنفاق يكفرعن سيئات الإنسان إذا كان خالصاً لوجه الله تعالى ومستوفياً الشروط السابقة .
و تعبير { أَن تُغْمِضُوا فِيهِ } تشير الى أن علينا أن ننفق مما نحب و ليس مما نكره فتعبيرتغمض فيه أى لا تستطيعون النظر إليه من سوئه وفساده .
و الإنفاق فى سبيل الله لا يكون فقط بإعطاء المال للفقير ولكن أيضاً بأن نتحلى بخلق العفو والمغفرة لمن أساء إلينا { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ }.
(275) الأصل فى أى علاقة مالية مقبولة عند الله هو الآتى :
- ألا يكون فيها ظلم لأحد الأطراف { لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ }.
- أن تكون عن تراضٍ أى توافق ورضاء بين جميع الأطراف المشاركة فى العلاقة المالية { إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ }.
- ألا يكون فيها إستغلال حاجة الإنسان لإبخاس قيمة ممتلكاته { وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ }.
و الربا فى الماضى كان يتم بصورتتنافى تماماً مع كل هذه المبادئ , فكان المرابى يستغل حاجة الإنسان الضعيف, وكما ذكرالقرآن الكريم كان يأكل الربا أضعافاً مضاعفة { لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً }. فتحريم الربا لم يكن بسبب ثبات أوعدم ثبات العائد على رأس المال وإنما كان بسبب ماكان يتبع الربا من ظلم و إستغلال للإنسان المحتاج وإبخاسه قيمة ما يملك، فلم تكن العلاقة بين المقرض والمقترض عن تراض كما قال القرآن، والتعاملات البنكية فى العصرالحالى لا تدخل تحت هذا التصنيف فهى تتم برضاء الأطراف وهناك خبراء معتمدون يقيمون الأشياء بقيمتها الحقيقية وبالتالى فإن هذه التعاملات ليست ربا وبذلك تكون حلالاً لإنتفاء علة التحريم عنها.
- و نتعلم من هذه الآيات القرآنية :
- ألا نستغل حاجة الضعيف بقسوة حين إقراضه.
- أن نحاول قدرالإمكان أن نعطى مهلة للمقترض (أوكما يسمى فى العصرالحالى ترحيل ديون ) لمساعدته على الوفاء بإلتزامه المادى { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ }.
- أن نتصدق بالمبلغ إذاعجز الشخص المدين تماماً عن السداد { وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ }.
و من الملاحظات الهامة أن المقرض فى حالة الربا الذى تم وصفه فى القرآن كان هو الذى يحدد الفائدة، أما فى الأرباح التى نجنيها من ودائعنا فى البنوك فالذى يحدد قيمة الفائدة عليها هو المقترض (البنك) وهذا الإختلاف الجوهرى ينفى عن هذه الأرباح صفة الربوية.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)
(282) شروط الإقراض فى القرآن تشمل :
- أن يتم كتابته { لْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ }.
- أن يصيغه المدين وليس الدائن { وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقّ }.
- إذا كان المدين عاجزاً عن الإملاء لسبب ما فوكيله ينوب عنه :
{ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْل }.
- شهادة شهود على الإتفاق { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ }.
- عدم الإضرار بأحد من الكتاب أوالشهود الذين كتبوا العقد أو شهدوا عليه بسبب تواجدهم فى الإتفاق :
{ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ }.
ووقت نزول القرآن وكنتيجة لظروف أجتماعية خاصة كانت المرأة أكثرعرضة للخطأ من الرجل فى إدلاء الشهادة على العقود المالية ولهذا السبب قال القرآن { فإن لم يكونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ }. فى عصرنا هذا و بعد أن حصلت المر أة على الكثيرمن حقوقها ووصلت الى أرقى درجات التعليم فالأمر يختلف لأن القرآن يأمرنا بإتباع العرف العالمى { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } والذى لا يفرق حالياً بين الرجل والمرأة فى الشهادة.
(285) أركان الإيمان الرئيسية كما ذكرها القرآن الكريم هى كما يلى :
– الإيمان بالله و ملائكته وكتبه ورسله وعدم التفرقة بين أحدٍ من رسله.
-والإيمان وحده لا يكون كافياً بغيرعمل صالح يعود بالنفع على البشر و البشرية :
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا }.
– ألا يكون إيمان الإنسان مصحوباً بظلم لأحد :
{ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }.
(286) هذا الدعاء الجميل يعلمنا رحمة الله بنا ويعلمنا منه دائماً الصفح والغفرآن إذا أخطأنا وعلينا أن نلاحظ الفارق بين كلمتى “كافرين” و “الكافرين” فالأولى تعنى كل من كفرأما الثانية والمعرفة ب “ال” (والمستخدمة فى الآية ) تشير الى كفار مكه وقت نزول الإسلام الذين إعتدوا على المسلمين الأوائل وطردوهم من ديارهم، ولابد من ملاحظة أداة التعريف و قيمتها فى جميع آيات القرآن الكريم .