بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَـٰتُ ٱلۡڪِتَـٰبِ وَقُرۡءَانٍ۬ مُّبِينٍ۬ (١) رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ ڪَفَرُواْ لَوۡ كَانُواْ مُسۡلِمِينَ (٢) ذَرۡهُمۡ يَأۡڪُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلۡهِهِمُ ٱلۡأَمَلُۖ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ (٣) وَمَآ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ۬ مَّعۡلُومٌ۬ (٤) مَّا تَسۡبِقُ مِنۡ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ (٥) وَقَالُواْ يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِى نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلذِّكۡرُ إِنَّكَ لَمَجۡنُونٌ۬ (٦) لَّوۡ مَا تَأۡتِينَا بِٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ (٧) مَا نُنَزِّلُ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَمَا كَانُوٓاْ إِذً۬ا مُّنظَرِينَ (٨)
(2-7) {ذَرْهُمْ } يتكلم هنا القرآن عن فئة معينة فى عصر الرسول وهم {الَّذِينَ كَفَرُوا} حددت بأداة التعريف “أل” فهم الذين أخرجوا الرسول والمؤمنين الأوائل من ديارهم وهم الذين قالوا للرسول كما ذكرت الآيات {إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} ونلاحظ إستخدام أداة التعريف ال والتى تحدد سياق الآيات فى الزمان والمكان.
إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُ ۥ لَحَـٰفِظُونَ (٩) وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ فِى شِيَعِ ٱلۡأَوَّلِينَ (١٠) وَمَا يَأۡتِيہِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَہۡزِءُونَ (١١) كَذَٲلِكَ نَسۡلُكُهُ ۥ فِى قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ (١٢) لَا يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۖ وَقَدۡ خَلَتۡ سُنَّةُ ٱلۡأَوَّلِينَ (١٣) وَلَوۡ فَتَحۡنَا عَلَيۡہِم بَابً۬ا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعۡرُجُونَ (١٤) لَقَالُوٓاْ إِنَّمَا سُكِّرَتۡ أَبۡصَـٰرُنَا بَلۡ نَحۡنُ قَوۡمٌ۬ مَّسۡحُورُونَ (١٥) وَلَقَدۡ جَعَلۡنَا فِى ٱلسَّمَآءِ بُرُوجً۬ا وَزَيَّنَّـٰهَا لِلنَّـٰظِرِينَ (١٦) وَحَفِظۡنَـٰهَا مِن كُلِّ شَيۡطَـٰنٍ۬ رَّجِيمٍ (١٧) إِلَّا مَنِ ٱسۡتَرَقَ ٱلسَّمۡعَ فَأَتۡبَعَهُ ۥ شِہَابٌ۬ مُّبِينٌ۬ (١٨) وَٱلۡأَرۡضَ مَدَدۡنَـٰهَا وَأَلۡقَيۡنَا فِيهَا رَوَٲسِىَ وَأَنۢبَتۡنَا فِيہَا مِن كُلِّ شَىۡءٍ۬ مَّوۡزُونٍ۬ (١٩) وَجَعَلۡنَا لَكُمۡ فِيہَا مَعَـٰيِشَ وَمَن لَّسۡتُمۡ لَهُ ۥ بِرَٲزِقِينَ (٢٠) وَإِن مِّن شَىۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآٮِٕنُهُ ۥ وَمَا نُنَزِّلُهُ ۥۤ إِلَّا بِقَدَرٍ۬ مَّعۡلُومٍ۬ (٢١) وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَـٰحَ لَوَٲقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً۬ فَأَسۡقَيۡنَـٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُ ۥ بِخَـٰزِنِينَ (٢٢) وَإِنَّا لَنَحۡنُ نُحۡىِۦ وَنُمِيتُ وَنَحۡنُ ٱلۡوَٲرِثُونَ (٢٣) وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَقۡدِمِينَ مِنكُمۡ وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَـٔۡخِرِينَ (٢٤) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحۡشُرُهُمۡۚ إِنَّهُ ۥ حَكِيمٌ عَلِيمٌ۬ (٢٥) وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ مِن صَلۡصَـٰلٍ۬ مِّنۡ حَمَإٍ۬ مَّسۡنُونٍ۬ (٢٦) وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَـٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ (٢٧)
(9) {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ” الذكر” له أكثر من معنى فى القرآن الكريم :
- فقد يعنى التوراة { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ ( كتاب داود ) مِن بَعْدِ الذِّكْرِ ( التوراة ) أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }
- و قد تعنى القرآن {وَإِنَّهُ ( أى القرآن ) لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ}
وقد سمى الله وحيه لرسله بالذكر لأنه يذكر البشر بضميرهم الذى أوجده الله فى أنفسهم.
(11) { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}
تعلمنا هذه الآية أن المشركين والكافرين فى العصور السابقة هم الذين كانوا يستهزئون بمن يخالفهم فى الفكر والعقيدة فعلينا أن نتحلى بخلق الأنبياء وليس بخلق من يعادون الله ويحاربون كل فكر يخالفهم فإن إستهزءنا بغيرنا لأن له فكراً مختلفاً عن الغالبية فقد أصبحنا مثل هؤلاء المشركين والكافرين المذكورين فى الآيات، وعلينا أن ننفذ أوامر الله لنا بإعطاء غيرنا حرية العقيدة والفكر {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} وأن لا نكرههم على فكرنا أو عقيدتنا {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.
(14-15) كان كفار مكة ينتظرون معجزة من الرسول عليه السلام حتى يؤمنوا به {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ} و جاء القرآن بمعنى جديد للناس وهو أن آيات الله ليست هى كسرقوانين الطبيعة إنما هى قوانين الطبيعة نفسها و التى نراها فى الخلق حولنا { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ }. لأجل ذلك أعقب القرآن هاتين الآيتين بمجموعة من الآيات لتكلمنا عن أيات الله فى الخلق أنظر آيات (16-23) من هذه السورة.
(25) {وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ } أى أن الله وحده هو الذى يملك يوم الدين فهو الذى يحشرهم ليوم الحساب فلا يحق لمخلوق أن يتدخل فى حساب البشر لأن الله وحده هو مالكه {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم}.
وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةِ إِنِّى خَـٰلِقُۢ بَشَرً۬ا مِّن صَلۡصَـٰلٍ۬ مِّنۡ حَمَإٍ۬ مَّسۡنُونٍ۬ (٢٨) فَإِذَا سَوَّيۡتُهُ ۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُ ۥ سَـٰجِدِينَ (٢٩) فَسَجَدَ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ ڪُلُّهُمۡ أَجۡمَعُونَ (٣٠) إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰٓ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّـٰجِدِينَ (٣١) قَالَ يَـٰٓإِبۡلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ ٱلسَّـٰجِدِينَ (٣٢) قَالَ لَمۡ أَكُن لِّأَسۡجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقۡتَهُ ۥ مِن صَلۡصَـٰلٍ۬ مِّنۡ حَمَإٍ۬ مَّسۡنُونٍ۬ (٣٣) قَالَ فَٱخۡرُجۡ مِنۡہَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ۬ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيۡكَ ٱللَّعۡنَةَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلدِّينِ (٣٥) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرۡنِىٓ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ (٣٦) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِينَ (٣٧) إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡوَقۡتِ ٱلۡمَعۡلُومِ (٣٨) قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغۡوَيۡتَنِى لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمۡ فِى ٱلۡأَرۡضِ وَلَأُغۡوِيَنَّہُمۡ أَجۡمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡہُمُ ٱلۡمُخۡلَصِينَ (٤٠) قَالَ هَـٰذَا صِرَٲطٌ عَلَىَّ مُسۡتَقِيمٌ (٤١) إِنَّ عِبَادِى لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡہِمۡ سُلۡطَـٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ (٤٢) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوۡعِدُهُمۡ أَجۡمَعِينَ (٤٣) لَهَا سَبۡعَةُ أَبۡوَٲبٍ۬ لِّكُلِّ بَابٍ۬ مِّنۡہُمۡ جُزۡءٌ۬ مَّقۡسُومٌ (٤٤) إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِى جَنَّـٰتٍ۬ وَعُيُونٍ (٤٥)
(28-42) نرى فى هذه الآيات محور الصراع بين الخير والشر فآدم الذى يرمز الى الجنس البشرى أمامه طريقان إما طريق الله أى عمل الخير وإما طريق الشيطان أى فعل الشر،. وطريق الله (أى طريق المحبة و السلام ) يكون من خلال إتباع ما أنزله لنا فى الكتب، أما سبيل الشيطان فهو فى إذكاء روح العداوة و البغضاء بين البشر {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} ونرى فى بداية القصة أن الله تعالى أمرالملائكة ان تسجد لآدم و بالقطع فإن الله لم يأمرهم أن يعبدوه من دونه ، ولكنه الرمز، فيرى بعض العلماء (مثل الشيخ محمد عبده) أن الملائكة فى هذه الآية قد ترمز الى قوى الطبيعة المختلفة والسجود هنا هو علامة تسخيرها للإنسان، فها نحن نرى كيف سخرت قوى الكهرباء والجاذبية والقوى النووية للبشر وعلى النقيض من هذا نرى أن شهوات النفس والشر وهى الممثلة فى الشيطان (الذى أبى أن يسجد لآدم ) لم تخضع للإنسان حتى الآن، وفى هذا السياق القرآنى نرى الشيطان والذى يمثل قوى الشر يتحدى الله تعالى فى شخص آدم فيقول له
{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}
ويأتيهم الرد الإلهى ليقول له {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}
أى إن من يعبدوننى أنا الله حقاً ويحبوننى بجميع جوارحهم و أفئدتهم فلن يكون لك عليهم سلطان والصراع الحقيقى الآن هو أن ننصر قوى الخير والمحبة فى داخلنا على قوى الشر و الكراهية (الممثلة فى الشيطان)، وفى ذلك يقول رب العزة :
- {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}
- و(إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)
فنصر الله الحقيقى يكون بنصر المحبة و السلام فى نفوسنا على نوازع البغضاء والكراهية.
ٱدۡخُلُوهَا بِسَلَـٰمٍ ءَامِنِينَ (٤٦) وَنَزَعۡنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٲنًا عَلَىٰ سُرُرٍ۬ مُّتَقَـٰبِلِينَ (٤٧) لَا يَمَسُّهُمۡ فِيهَا نَصَبٌ۬ وَمَا هُم مِّنۡہَا بِمُخۡرَجِينَ (٤٨) ۞ نَبِّئۡ عِبَادِىٓ أَنِّىٓ أَنَا ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ ٱلۡعَذَابُ ٱلۡأَلِيمُ (٥٠)
(46) وصف الله الجنة بقوله {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} و تسمية الجنة “بدارالسلام ” تؤكد ان إرادة الله العظمى هى إرساء السلام . فها هو سبحانه يصف جناته بالسلام ويسمى نفسه بالسلام {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ}. ويأمرنا أن نعيش معاً فى سلام {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}. وذلك يذكرنا حينما إعترض الملائكة حين خلق الله آدم و أراد إنزاله الأرض بقولهم {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} أى كأنهم يقولون لله تعالى أن من ستخلقه على الأرض لن ينفذ إرادتك عليها ولن يصنع السلام.
والأمر الآن فى أيدينا بأن ننصر الله على الأرض بصناعة السلام فنثبت للملائكة أن الله كان أعلم منهم عندما خلق الأنسان على الأرض حين قال لهم {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} والتى تعنى إنه لن يسفك كل بنى آدم الدماء فالبعض منهم سيكون صانعاً للسلام و داعياً له وهؤلاء الذى إستخلصتهم لنفسى ( انا الله ) {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}.
(49-50) حينما يصف الله تعالى نفسه وذاته فإنه لا يقول ” إنى أنا المعذب ” بل نراه يقول { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } و هو القادر أن يعذب إن شاء {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}، ففى الأولى قال {أَنِّي أَنَا} ليصف ذاته أما الثانية {وَأَنَّ عَذَابِي} فهو يصف عذابه ومقدرته وليس ذاته، ولأجل ذلك نرى أن سور القرآن نبدؤها دائماً ب “بسم الله الرحمن الرحيم” ولا نبدؤها “بإسم الله الجبار المنتقم”، فالرحمن والرحيم والغفار والغفور ذكروا مئات المرات فى القرآن, أما الجبار المنتقم فإن ذكرهم لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة ، وذلك يتمشى مع قوله تعالى {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}.
وَنَبِّئۡهُمۡ عَن ضَيۡفِ إِبۡرَٲهِيمَ (٥١) إِذۡ دَخَلُواْ عَلَيۡهِ فَقَالُواْ سَلَـٰمً۬ا قَالَ إِنَّا مِنكُمۡ وَجِلُونَ (٥٢) قَالُواْ لَا تَوۡجَلۡ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَـٰمٍ عَلِيمٍ۬ (٥٣) قَالَ أَبَشَّرۡتُمُونِى عَلَىٰٓ أَن مَّسَّنِىَ ٱلۡڪِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤) قَالُواْ بَشَّرۡنَـٰكَ بِٱلۡحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡقَـٰنِطِينَ (٥٥) قَالَ وَمَن يَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦۤ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ (٥٦) قَالَ فَمَا خَطۡبُكُمۡ أَيُّہَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ (٥٧) قَالُوٓاْ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمٍ۬ مُّجۡرِمِينَ (٥٨) إِلَّآ ءَالَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمۡ أَجۡمَعِينَ (٥٩) إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُ ۥ قَدَّرۡنَآۙ إِنَّہَا لَمِنَ ٱلۡغَـٰبِرِينَ (٦٠) فَلَمَّا جَآءَ ءَالَ لُوطٍ ٱلۡمُرۡسَلُونَ (٦١) قَالَ إِنَّكُمۡ قَوۡمٌ۬ مُّنڪَرُونَ (٦٢) قَالُواْ بَلۡ جِئۡنَـٰكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمۡتَرُونَ (٦٣) وَأَتَيۡنَـٰكَ بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّا لَصَـٰدِقُونَ (٦٤) فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٍ۬ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَٱتَّبِعۡ أَدۡبَـٰرَهُمۡ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ۬ وَٱمۡضُواْ حَيۡثُ تُؤۡمَرُونَ (٦٥) وَقَضَيۡنَآ إِلَيۡهِ ذَٲلِكَ ٱلۡأَمۡرَ أَنَّ دَابِرَ هَـٰٓؤُلَآءِ مَقۡطُوعٌ۬ مُّصۡبِحِينَ (٦٦) وَجَآءَ أَهۡلُ ٱلۡمَدِينَةِ يَسۡتَبۡشِرُونَ (٦٧) قَالَ إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ ضَيۡفِى فَلَا تَفۡضَحُونِ (٦٨) وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ (٦٩) قَالُوٓاْ أَوَلَمۡ نَنۡهَكَ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِينَ (٧٠) قَالَ هَـٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِىٓ إِن كُنتُمۡ فَـٰعِلِينَ (٧١) لَعَمۡرُكَ إِنَّہُمۡ لَفِى سَكۡرَتِہِمۡ يَعۡمَهُونَ (٧٢) فَأَخَذَتۡہُمُ ٱلصَّيۡحَةُ مُشۡرِقِينَ (٧٣) فَجَعَلۡنَا عَـٰلِيَہَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡہِمۡ حِجَارَةً۬ مِّن سِجِّيلٍ (٧٤) إِنَّ فِى ذَٲلِكَ لَأَيَـٰتٍ۬ لِّلۡمُتَوَسِّمِينَ (٧٥) وَإِنَّہَا لَبِسَبِيلٍ۬ مُّقِيمٍ (٧٦) إِنَّ فِى ذَٲلِكَ لَأَيَةً۬ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ (٧٧)
(51) نتعلم من قصة الخليل إبراهيم فى هذه السورة عبر كثيرة منها :
- عدم اليأس أو القنوت لله { قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ }.
- أن قلبه الرحيم جعله يدافع عن قوم لوط {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ} حتى قال له الله {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۖ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ}.
- أن إهلاك قوم لوط كان سببه الرئيسى هو إستخدام العنف لإرغام الآخرين على ما يريدون فلم يهلكهم الله حتى أرادوا إغتصاب ضيوف لوط :{ قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ *قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ}. فحين و صل الأمر لإكراه الآخرين وإجبارهم على ما لايريدون جاء إهلاك الله لهم{ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ }.
وَإِن كَانَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡأَيۡكَةِ لَظَـٰلِمِينَ (٧٨) فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡہُمۡ وَإِنَّہُمَا لَبِإِمَامٍ۬ مُّبِينٍ۬ (٧٩) وَلَقَدۡ كَذَّبَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡحِجۡرِ ٱلۡمُرۡسَلِينَ (٨٠) وَءَاتَيۡنَـٰهُمۡ ءَايَـٰتِنَا فَكَانُواْ عَنۡہَا مُعۡرِضِينَ (٨١) وَكَانُواْ يَنۡحِتُونَ مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتًا ءَامِنِينَ (٨٢) فَأَخَذَتۡہُمُ ٱلصَّيۡحَةُ مُصۡبِحِينَ (٨٣) فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡہُم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ (٨٤)
(78-84) نرى فى الآيات أن الظلم هو سبب رئيسى فى إهلاك الأمم السابقة و ليس العقيدة والفكر كما يظن البعض :{ وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ }. وذلك يتفق مع قوله تعالى {وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} فعلينا تحاشى الظلم فهومن دواع هلاك الأمم .
وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَہُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَأَتِيَةٌ۬ۖ فَٱصۡفَحِ ٱلصَّفۡحَ ٱلۡجَمِيلَ (٨٥) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلۡخَلَّـٰقُ ٱلۡعَلِيمُ (٨٦) وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَـٰكَ سَبۡعً۬ا مِّنَ ٱلۡمَثَانِى وَٱلۡقُرۡءَانَ ٱلۡعَظِيمَ (٨٧) لَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦۤ أَزۡوَٲجً۬ا مِّنۡهُمۡ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡہِمۡ وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِلۡمُؤۡمِنِينَ (٨٨) وَقُلۡ إِنِّىٓ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلۡمُبِينُ (٨٩) كَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَى ٱلۡمُقۡتَسِمِينَ (٩٠) ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلۡقُرۡءَانَ عِضِينَ (٩١) فَوَرَبِّكَ لَنَسۡـَٔلَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ (٩٣) فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيۡنَـٰكَ ٱلۡمُسۡتَہۡزِءِينَ (٩٥) ٱلَّذِينَ يَجۡعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءَاخَرَۚ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ (٩٦) وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدۡرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ (٩٨) وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأۡتِيَكَ ٱلۡيَقِينُ (٩٩)
(85) {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} بالرغم من أن المشركين الآوائل آذوا رسول الله ومن معه
فقد كانوا يرمونه هو و من معه بالحجارة {وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي} وقال قومه له {إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ}
وطردوه من دياره هو و أصحابه {وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ}
ورغم ذلك فإن الله تعالى قد أمره أن يصفح عنهم فقال له {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}.
وأضطر الرسول فى فترة من الزمان لصد عدوان الآخرين عليه هو و من معه
- {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ}
- وتجلى الصفح الجميل يوم فتح مكة حين توقع الجميع أنه سينتقم من مشركى مكة الذين عذبوه أو يبطش بهم أو يجبرهم على اعتناق عقيدته أويطلب منهم خراجاً و إنما إنصاع لأمر ربه {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}
(88) {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } تستخدم كلمة المؤمنين لوصف كل إنسان يعيش فى أمان وسلام مع الآخرين وقد أمر الرسول عليه السلام و أصحابه الا يصفوا من يريد العيش معهم فى سلام ومن لايريد أن يقاتلهم بأنه غير مؤمن
- { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }
- ومن ذلك نتعلم أن أى إنسان يريد العيش معنا فى سلام ووئام وتفاهم فهو “مؤمن”.
(91) { الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ } أى جعلوه أجزاءاً متفرقة يأخذوا منها ما يشاءون لتخدم أغراضهم الشخصية و هؤلاء لا يجدوا بأساً أن يعمموا آيات الله الخاصة بالقتال والمحددة بفئات بعينها فى مرحلة ما فى التاريخ ليبيحوا و يحلوا لآنفسهم الإعتداء على الآمنين الذين حرم الله الإعتداء عليهم {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.
(94) أستخدام أداة التعريف “أل” تعنى أن الآية لاتتكلم عن كل “من أشرك” وإنما خصصت المعنى فى هؤلاء الذين قاتلوا الرسول و المؤمنين الآوائل فى بدء الإسلام وقد بيّن ذلك القرآن بوضوح شديد فى قوله تعالى
- { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }.
(96) قد يعبد الإنسان هواه و رغباته الشخصية ويتركها تسيطر عليه و تدعوه لفعل الشر :
- {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا}.
(97) كان صدر الرسول عليه السلام يضيق حين يرى مشركى مكة وكفارها يستهزئون به
- { وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ هُمْ كَافِرُونَ }.
- وذلك لم يثنه عليه السلام أن يبلغ الرسالة و يتحمل الإيذاء فى سبيل الله، وكان أمر الله له أن يرد على الإستهزاء كما بين فى الآية {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ (تشير هنا الى الإستهزاء بهم) قَالُوا سَلَامًا }.
(99) {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} أى تصل الى الثقة المطلقة فى الله عز وجل و يرى البعض أن إقامة العبادات والشعائر مثل الصوم و الصلاة هى و سيلة وتدريب روحى للوصول الى اليقين فى الذات الإلهية .