بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
الٓمٓ (١) ٱللَّهُ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَىُّ ٱلۡقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقً۬ا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوۡرَٮٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ (٣) مِن قَبۡلُ هُدً۬ى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلۡفُرۡقَانَۗ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَـٰتِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ۬ شَدِيدٌ۬ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ۬ ذُو ٱنتِقَامٍ (٤) إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَخۡفَىٰ عَلَيۡهِ شَىۡءٌ۬ فِى ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِى ٱلسَّمَآءِ (٥) هُوَ ٱلَّذِى يُصَوِّرُڪُمۡ فِى ٱلۡأَرۡحَامِ كَيۡفَ يَشَآءُۚ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (٦) هُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِنۡهُ ءَايَـٰتٌ۬ مُّحۡكَمَـٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَـٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَـٰبِهَـٰتٌ۬ۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٌ۬ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦۗ وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُ ۥۤ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّٲسِخُونَ فِى ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلٌّ۬ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ (٧) رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ (٨) رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوۡمٍ۬ لَّا رَيۡبَ فِيهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ (٩) إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغۡنِىَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٲلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَـٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔ۬اۖ وَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمۡ وَقُودُ ٱلنَّارِ (١٠) ڪَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَّبُواْ بِـَٔايَـٰتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِہِمۡۗ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ (١١) قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغۡلَبُونَ وَتُحۡشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَۚ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ (١٢) قَدۡ ڪَانَ لَكُمۡ ءَايَةٌ۬ فِى فِئَتَيۡنِ ٱلۡتَقَتَاۖ فِئَةٌ۬ تُقَـٰتِلُ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخۡرَىٰ ڪَافِرَةٌ۬ يَرَوۡنَهُم مِّثۡلَيۡهِمۡ رَأۡىَ ٱلۡعَيۡنِۚ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصۡرِهِۦ مَن يَشَآءُۗ إِنَّ فِى ذَٲلِكَ لَعِبۡرَةً۬ لِّأُوْلِى ٱلۡأَبۡصَـٰرِ (١٣) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٲتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَـٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَـٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَٲلِكَ مَتَـٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱللَّهُ عِندَهُ ۥ حُسۡنُ ٱلۡمَـَٔابِ (١٤)
(3) { وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ } المسلم الحقيقى لابد أن يصدق ويؤمن ويكن الإحترام والتقدير للكتب المقدسة مثل التوراة و الإنجيل .
(4) الفرقان قد يكون المقصود به القرآن :
{ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا }
أو التوراة { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ }.
(6) إن تأمل قدرة الله فى الخلق والإبداع بداخل الأرحام لا يزيد الإنسان إلا إيماناً بالخالق عز و جل :
{ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ۖ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ } و كما قال أيضاً :
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ }
و فى نهاية الأمر فعبرعمليات كيميائية وبيولوجية تفوق التصورالبشرى يخلق الله الإنسان و يبدعه فى الرحم فى بضعة أشهر.
(7) الآيات المحكمات هى الآيات التى تتكلم عن المبادئ الأساسية والعظمى للإيمان وهى تشمل الآتى :
- العدل { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ }.
- عدم الإعتداء على الآخرين { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }.
- القول الحسن و الجميل لجميع البشر : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا }.
- أداء الأمانات الى أهلها : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا }.
- عدم التكبر { إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ }.
- عدم الحكم على الناس بالإيمان أوبالكفر وترك الحساب كليةً لله تعالى :
{ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم }.
- الإنفاق على المحتاجين : { فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ }.
- معاملة أهل الديانات الآخرى بالحسنى وعدم الإساءة لمشاعرهم { وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }.
- قول الحق حتى لو كان ضد الإنسان نفسه أو عائلته أو قومه {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ }.
- عدم الإفساد فى الأرض سواء بقتل وترويع الآمنين أوحرق المنشئات أوسرقتها :
{ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ }.
- فينبغى على الإنسان المؤمن بناء فكره على هذه الآيات المحكمات الواضحة وعدم الخوض كثيراً فى الأيات المتشابهات التى يوجد الكثير من الإختلاف فى فهمها.
(13) شُرع القتال فى الإسلام فقط للدفاع عن النفس وموقف القرآن صريح فى تحريم أى إعتداء على الآخرين, وقد وضع القرآن شروطاً للقتال كما يلى :
- دفاعاً عن النفس حينما يبدء الآخرون المعتدون القتال :
{ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } و { وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ }.
- ألا يكون عدواناً على الآخرين { وَلَا تَعْتَدُوا }.
- ألا يكون لإكراه الآخرين على الدين { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ }.
- ألا يكون فيه ظلم لأحد { وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا }.
- معاملة الأسرى بالحسنى { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا }.
- أن يٌغيث العدوإذا إستغاث به فى لحظة ما { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ }.
- ألا يستعبد الأسرى وأن يعاملهم كما ذكرالقرآن { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً }.
- أن يجنح للسلم فوراً إذا عرض عليه { وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ }.
- ألا يكسر ميثاقاً مع أحد حتى لوكان ذلك لنصرة مسلمين مثله :
{ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ }.
ألا يقتل نفساً بغير نفس { مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ}.
فالقتل العشوائى أو العمليات الإنتحارية التى تؤدى الى قتل ولو برئ واحد كطفل لم يذنب أو إمرأة عجوز لم تخطىء يخرج الإنسان من ملة الإسلام ويحشره فى جهنم فى زمرة المجرمين والقتلة .
۞ قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٍ۬ مِّن ذَٲلِڪُمۡۚ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتٌ۬ تَجۡرِى مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٲجٌ۬ مُّطَهَّرَةٌ۬ وَرِضۡوَٲنٌ۬ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ (١٥) ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ (١٦) ٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلۡقَـٰنِتِينَ وَٱلۡمُنفِقِينَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ (١٧) شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ ۥ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآٮِٕمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَڪِيمُ (١٨) إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَـٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِـَٔايَـٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ (١٩) فَإِنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِىَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡأُمِّيِّـۧنَ ءَأَسۡلَمۡتُمۡۚ فَإِنۡ أَسۡلَمُواْ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَـٰغُۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ (٢٠)
(15) تمثل كلمة { مُّطَهَّرَةٌ } فى هذه الآية النقاء والروحانية .
(16-17) { وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ – الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ – الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ } صفات عباد الله الحقيقين كما ذكر القرآن فى هذه الآيات :
- المستغفرون لذنوبهم .
- الصابرون على ما أصابهم .
- الصادقون فى كلامهم فهم لا يكذبون على أحد .
- المخلصون فى عبادتهم لله بلا شريك فهم قانتون له وحده.
- المنفقون أموالهم لمساعدة المحتاجين والضعفاء .
(18) { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } كما تنطق هذه الآيات فإن الكل يشهد بإسمك يا الله فقد شهدت الأجنة فى الأرحام بإسمك وتحدثت الورود عن جمالك ونطق الخلق من أرجاء كونه الى مستصغرذراته بعظمتك فأنت الاله الأبدى الذى لا يدانيك أحد فإغفر وإرحم و أنت خير الراحمين .
(19-20) { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } ذكر القرآن أن كثيراً من الأنبياء كانوا مسلمين وكان ذلك قبل نزول القرآن و قبل الدين الإسلامى بأركانها التى نعرفها، فعلينا أن نفرق بين الإسلام بمعناه اللغوى وإتباع الدين الإسلامى بأركانه المعروفة لنا، فالإسلام لغوياً يعنى صناعة السلام أوتفعيل السلام فى الأرض فكما فى صلح – أصلح – إصلاح – مصلحين فكلمة مسلمين مشتقه من سلم – أسلم – إسلام – مسلمين أى صانعى السلام فى الأرض فكل من يصنع سلاماً فهو من المسلمين بمفهومها اللغوى و هومقبول عند الله تعالى { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } .
أى أن الطريق الى الله يكون بالعيش بسلام مع الآخرين ، أما الديانة الإسلامية فتشمل إتباع القرآن وأداء شعائر بعينها، فمن يفعل هذه الشعائرولكنه يفسد فى الأرض و يتبع طريق العنف بدلاً من أن ينشر السلام فى الأرض فهو ليس بمسلم بمفهوم الكلمة اللغوى. و صناعة السلام تعنى ان يكون الإنسان فى سلام داخلى مع نفسه وفى سلام وتسامح مع من حوله وفى سلام مع مجتمعه ومع العالم.
فالإسلام ليس إسم علم يترجم كما هووإنما صفة وأسلوب حياة تعنى العيش فى سلام داخلى مع نفسه و مع الآخرين بتسامح و محبة بلا بغض أوكراهية أوظلم ومن يفعل ذلك فهو مسلم ولكنه ليس بالضرورة أن يكون ممن يمارسون شعائر الدين الإسلامى، فبإختصارمن يقوم بعمل الشعائر الإسلامية ولكنه لا يسالم الآخرين فهو ليس بمسلم ومن لايفعل أى شعيرة من شعائر الديانه الإسلامية ولكنه يسالم الآخرين فهو بمسلم ولذا قال تعالى { أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ } فلم يعقد المقارنه اللغوية بين المسلمين والكافرين وإنما جعلها مع كلمة المجرمين لأن عكس الإسلام ( و هوالعيش بسلام مع الآخرين ) هو الإجرام و ليس الكفر. و قد ذكر عن الرسول علية السلام قوله ” المسلم من سلم الناس من يده و لسانه “.
إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَـٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ بِغَيۡرِ حَقٍّ۬ وَيَقۡتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُوْلَـٰٓٮِٕكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فِى ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأَخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ (٢٢) أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبً۬ا مِّنَ ٱلۡڪِتَـٰبِ يُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ ڪِتَـٰبِ ٱللَّهِ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ۬ مِّنۡهُمۡ وَهُم مُّعۡرِضُونَ (٢٣) ذَٲلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامً۬ا مَّعۡدُودَٲتٍ۬ۖ وَغَرَّهُمۡ فِى دِينِهِم مَّا ڪَانُواْ يَفۡتَرُونَ (٢٤) فَكَيۡفَ إِذَا جَمَعۡنَـٰهُمۡ لِيَوۡمٍ۬ لَّا رَيۡبَ فِيهِ وَوُفِّيَتۡ ڪُلُّ نَفۡسٍ۬ مَّا ڪَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ (٢٥) قُلِ ٱللَّهُمَّ مَـٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِى ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَىۡءٍ۬ قَدِيرٌ۬ (٢٦)
(21) { وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ } يحذر الله تعالى هنا من قتل المصلحين من الناس الذين يأمرون بالعدل وينشرون مبادئ العدل والمساواة وحقوق الإنسان و ينذرنا بإحباط أعمالنا إذا إعتدينا على هؤلاء المصلحين، ونلاحظ هنا أن المجرمين الذين كانوا يقتلون { الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ } كانوا يظنون أنهم يفعلون شيئاً جيداً ولكن ذلك لم يمنع غضب الله عليهم فكما قالت الآية { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }.
(23) أرسل الله رسلاً و انزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما إختلفوا فيه :
{ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ }
و من الملاحظ أن القرآن إستخدم تعبير الكتاب وليس الكتب، وكلمة “الكتاب” تأتى فى القرآن بمعان عديدة كما يلى :
- مجموعة من الأسطر والمعانى و الكلمات { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ }.
- إلإلتزام { إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا }.
- توقيت معين { وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} ( هذه الآية تهدف الى منع زواج الأطفال قبل بلوغ النضج الكامل سواء جسدياً أم عقلياً ).
- الناموس الإلهى فى الخلق { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ }.
- الكون والزمان { لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ }.
- صحف مطهرة فى اللوح المحفوظ فى السماوات { فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ , لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ }.
- العقد المكتوب { وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ ( أى العقد ) مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ }.
و لو تأملنا قول الله تعالى { قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا } لتعلمنا أن كلمات الله هى الخلق ونستطيع أن نقرأها بأن نتأمل فى كتاب الله المفتوح أمامنا دائماً فنقرأ عجائب خلقه و روعة إبداعه وهو كتاب أبدى أزلى لا تنتهى كلماته أبداً { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }.
تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِى ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِى ٱلَّيۡلِۖ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَىَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَىِّۖ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٍ۬ (٢٧) لَّا يَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَـٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٲلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِى شَىۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَٮٰةً۬ۗ وَيُحَذِّرُڪُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُ ۥۗ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ (٢٨) قُلۡ إِن تُخۡفُواْ مَا فِى صُدُورِڪُمۡ أَوۡ تُبۡدُوهُ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَيَعۡلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَمَا فِى ٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ ڪُلِّ شَىۡءٍ۬ قَدِيرٌ۬ (٢٩) يَوۡمَ تَجِدُ ڪُلُّ نَفۡسٍ۬ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٍ۬ مُّحۡضَرً۬ا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٍ۬ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُ ۥۤ أَمَدَۢا بَعِيدً۬اۗ وَيُحَذِّرُڪُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُ ۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ (٣٠) قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ۬ رَّحِيمٌ۬ (٣١) قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡكَـٰفِرِينَ (٣٢) ۞ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰٓ ءَادَمَ وَنُوحً۬ا وَءَالَ إِبۡرَٲهِيمَ وَءَالَ عِمۡرَٲنَ عَلَى ٱلۡعَـٰلَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةَۢ بَعۡضُہَا مِنۢ بَعۡضٍ۬ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤) إِذۡ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ عِمۡرَٲنَ رَبِّ إِنِّى نَذَرۡتُ لَكَ مَا فِى بَطۡنِى مُحَرَّرً۬ا فَتَقَبَّلۡ مِنِّىٓۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتۡہَا قَالَتۡ رَبِّ إِنِّى وَضَعۡتُہَآ أُنثَىٰ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ وَلَيۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ وَإِنِّى سَمَّيۡتُہَا مَرۡيَمَ وَإِنِّىٓ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيۡطَـٰنِ ٱلرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ۬ وَأَنۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنً۬ا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّاۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيۡهَا زَكَرِيَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقً۬اۖ قَالَ يَـٰمَرۡيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَاۖ قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٍ (٣٧) هُنَالِكَ دَعَا زَڪَرِيَّا رَبَّهُ ۥۖ قَالَ رَبِّ هَبۡ لِى مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً۬ طَيِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ (٣٨) فَنَادَتۡهُ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ وَهُوَ قَآٮِٕمٌ۬ يُصَلِّى فِى ٱلۡمِحۡرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحۡيَىٰ مُصَدِّقَۢا بِكَلِمَةٍ۬ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّدً۬ا وَحَصُورً۬ا وَنَبِيًّ۬ا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ (٣٩) قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى غُلَـٰمٌ۬ وَقَدۡ بَلَغَنِىَ ٱلۡڪِبَرُ وَٱمۡرَأَتِى عَاقِرٌ۬ۖ قَالَ كَذَٲلِكَ ٱللَّهُ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ (٤٠) قَالَ رَبِّ ٱجۡعَل لِّىٓ ءَايَةً۬ۖ قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُڪَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمۡزً۬اۗ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ ڪَثِيرً۬ا وَسَبِّحۡ بِٱلۡعَشِىِّ وَٱلۡإِبۡڪَـٰرِ (٤١) وَإِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕڪَةُ يَـٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَٮٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصۡطَفَٮٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلۡعَـٰلَمِينَ (٤٢) يَـٰمَرۡيَمُ ٱقۡنُتِى لِرَبِّكِ وَٱسۡجُدِى وَٱرۡكَعِى مَعَ ٱلرَّٲكِعِينَ (٤٣) ذَٲلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهِ إِلَيۡكَۚ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ يُلۡقُونَ أَقۡلَـٰمَهُمۡ أَيُّهُمۡ يَكۡفُلُ مَرۡيَمَ وَمَا ڪُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ يَخۡتَصِمُونَ (٤٤) إِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ يَـٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ۬ مِّنۡهُ ٱسۡمُهُ ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ وَجِيهً۬ا فِى ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأَخِرَةِ وَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُڪَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِى ٱلۡمَهۡدِ وَڪَهۡلاً۬ وَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ (٤٦) قَالَتۡ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى وَلَدٌ۬ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِى بَشَرٌ۬ۖ قَالَ ڪَذَٲلِكِ ٱللَّهُ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ إِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرً۬ا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ ۥ كُن فَيَكُونُ (٤٧) وَيُعَلِّمُهُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِڪۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَٮٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ (٤٨) وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِىٓ إِسۡرَٲٓءِيلَ أَنِّى قَدۡ جِئۡتُكُم بِـَٔايَةٍ۬ مِّن رَّبِّڪُمۡۖ أَنِّىٓ أَخۡلُقُ لَڪُم مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيۡـَٔةِ ٱلطَّيۡرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيۡرَۢا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُبۡرِئُ ٱلۡأَڪۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ وَأُحۡىِ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأۡكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِڪُمۡۚ إِنَّ فِى ذَٲلِكَ لَأَيَةً۬ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ (٤٩) وَمُصَدِّقً۬ا لِّمَا بَيۡنَ يَدَىَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَٮٰةِ وَلِأُحِلَّ لَڪُم بَعۡضَ ٱلَّذِى حُرِّمَ عَلَيۡڪُمۡۚ وَجِئۡتُكُم بِـَٔايَةٍ۬ مِّن رَّبِّڪُمۡ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّى وَرَبُّڪُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۗ هَـٰذَا صِرَٲطٌ۬ مُّسۡتَقِيمٌ۬ (٥١)
(27) تدعونا هذه الآية الى التأمل فى ملكوت السماوات والآرض والتأمل فى خلق الله, فنرى كيف يخرج الله طائراً كاملاً من بيضة وكيف يحول الديدان الى فراشات فى شرانقها وكيف يخرج أجمل الورود والثمار من الطين و التراب.
(28) علينا أن نلاحظ دائماً الفارق بين تعبير “الكافرين” و تعبير “من كفر” فالأول “الكافرين” يخصص المعنى فى مشركى مكة الذين قاتلوا المسلمين الأوائل لأنه استخدم أداة التعريف “ال “, أما التعبيرالثانى “من كفر” فيعمم المعنى على كل من كفر.
و هذه الآية يستخدمها البعض خطأً ليبيح لنفسه الكذب و خداع غيرالمسلمين بإستخدام ما يسمونه “التقية”، فالمؤمنون الحقيقيون وصفهم الله بأنهم صادقون :
{ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ },
و { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }, و { قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ }.
و قد أباحت هذه الآية للمسلمين الأوائل فى عصرالرسول التظاهر بعدم الإيمان فى ظرف واحد فقط وهوإذا كانت حياتهم معرّضة لخطر جسيم أوللتعذيب من المشركين بسبب إيمانهم، و لاينبغى أن تستخدم هذه الآية فى تبرير الكذب على غير المسلمين لأن الآية تتكلم عن ظرف خاص مع مشركى مكة فى بداية الإسلام، و يؤكد هذا أن الله تعالى عرف كلمة الكافرين بالألف واللام وأستخدم لا الناهية فى { لَّا يَتَّخِذِ } والله تعالى كما ذكر فى كتابه الكريم لا ينهانا إلا عن الذين قاتلونا فى الدين وأخرجونا من ديارنا وظاهروا على إخراجنا :
{ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }.
(31) إتباع الرسول يعنى إتباع كتاب الله الذى اُنزل إليه :
{ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }.
(32) { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ }
طاعة الله والرسول تكون بطاعة القرآن الذى أوحى الله به الى الرسول الكريم، فوظيقة الرسول كما ذكر الله تعالى هى أن يبلغ الرسالة :
{ مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ },
وأن يتلوا القرآن { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ , وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ },
و أن يذكر الناس بالله { فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ },
وأن يبشرالمتقين { لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ } أى بالقرآن
و ينذر الظالمين { وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا } أى تنذرهم بالقرآن
و أن يحكم بين الناس بكتاب الله إن أرادوا ذلك :
{ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا }.
و كما نلاحظ فإن كل ما أمر به الرسول كان يفعله بالقرآن فهو كما قيل عنه “كان قرآناً يمشى على الأرض “.
(37) نتعلم من هذه القصة مكانة المرأة فى المجتمع حيث أن نبى الله زكريا لم يتردد أن يتعلم من طفلة تصغره سناً ولم يقف ليناقش هل من حق المرأة أن تعلم الرجل وهل من حقها الولاية عليه – كما يفعل البعض – فعلى العكس من ذلك تماماً لم يتردد النبى زكريا ولوللحظة واحدة أن يقف أمام طفلة صغيرة وهوالرجل الكهل – لكى يتعلم منها، فقد تعلم زكريا الدرس أن الله على كل شئ قدير حينما سأل مريم { أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا } فأجابته { هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } وحين ذاك تعلم زكريا الدرس أن الله على كل شئ قدير, ولأجل ذلك دعى زكريا الله تعالى أن يرزقه أبناً برغم كبرسنه و برغم أن زوجته كانت عاقراً :
{ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ }.
(40) نتعلم من هذه الآية أن الإنسان لابد أن يثق فى قدرة الله عزّ وجلّ حتى لو كان الأمر يبدو مستحيلاً له – فزكريا عليه السلام لم يكن يتصورولو للحظة واحدة أن يكون له غلام وهو فى هذا السن الكبير و إمرأته عاقروكان الرد الإلهى عليه { كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } فوهب له يحى عليه السلام ليعلمه درساً بأن الله على كل شئ قدير.
(47) كما رأينا فى قصة زكريا يتكررالأمر مرة أخرى و تتجلى القدرة الإلهية فى قصة العذراء مريم حين تسائلت :
{ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ }
فيرد الله تعالى عليها :
{ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ }
وليس هناك أبلغ من قوله تعالى عن ميلاد المسيح :
{ قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا }
فى وصف قدرة الله و نفاذ مشيئته.
۞ فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡہُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِىٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ (٥٢) رَبَّنَآ ءَامَنَّا بِمَآ أَنزَلۡتَ وَٱتَّبَعۡنَا ٱلرَّسُولَ فَٱڪۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِينَ (٥٣) وَمَڪَرُواْ وَمَڪَرَ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَـٰكِرِينَ (٥٤) إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَـٰعِيسَىٰٓ إِنِّى مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ ڪَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوۡقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَـٰمَةِۖ ثُمَّ إِلَىَّ مَرۡجِعُڪُمۡ فَأَحۡڪُمُ بَيۡنَكُمۡ فِيمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمۡ عَذَابً۬ا شَدِيدً۬ا فِى ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأَخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَيُوَفِّيهِمۡ أُجُورَهُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ (٥٧) ذَٲلِكَ نَتۡلُوهُ عَلَيۡكَ مِنَ ٱلۡأَيَـٰتِ وَٱلذِّكۡرِ ٱلۡحَكِيمِ (٥٨) إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُ ۥ مِن تُرَابٍ۬ ثُمَّ قَالَ لَهُ ۥ كُن فَيَكُونُ (٥٩) ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ (٦٠) فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَہِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡڪَـٰذِبِينَ (٦١) إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلۡقَصَصُ ٱلۡحَقُّۚ وَمَا مِنۡ إِلَـٰهٍ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (٦٢) فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُفۡسِدِينَ (٦٣) قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ ڪَلِمَةٍ۬ سَوَآءِۭ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡـًٔ۬ا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابً۬ا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ (٦٤) يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡڪِتَـٰبِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِىٓ إِبۡرَٲهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّوۡرَٮٰةُ وَٱلۡإِنجِيلُ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِهِۦۤۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ (٦٥) هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ حَـٰجَجۡتُمۡ فِيمَا لَكُم بِهِۦ عِلۡمٌ۬ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡمٌ۬ۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ (٦٦) مَا كَانَ إِبۡرَٲهِيمُ يَہُودِيًّ۬ا وَلَا نَصۡرَانِيًّ۬ا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِيفً۬ا مُّسۡلِمً۬ا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ (٦٧) إِنَّ أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَٲهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِىُّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۗ وَٱللَّهُ وَلِىُّ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (٦٨) وَدَّت طَّآٮِٕفَةٌ۬ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ لَوۡ يُضِلُّونَكُمۡ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ (٦٩) يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لِمَ تَكۡفُرُونَ بِـَٔايَـٰتِ ٱللَّهِ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ (٧٠) يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لِمَ تَلۡبِسُونَ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَـٰطِلِ وَتَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ (٧١) وَقَالَت طَّآٮِٕفَةٌ۬ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ ءَامِنُواْ بِٱلَّذِىٓ أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَجۡهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكۡفُرُوٓاْ ءَاخِرَهُ ۥ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ (٧٢) وَلَا تُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمۡ قُلۡ إِنَّ ٱلۡهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤۡتَىٰٓ أَحَدٌ۬ مِّثۡلَ مَآ أُوتِيتُمۡ أَوۡ يُحَآجُّوكُمۡ عِندَ رَبِّكُمۡۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ وَٲسِعٌ عَلِيمٌ۬ (٧٣) يَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ (٧٤) ۞ وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ مَنۡ إِن تَأۡمَنۡهُ بِقِنطَارٍ۬ يُؤَدِّهِۦۤ إِلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّنۡ إِن تَأۡمَنۡهُ بِدِينَارٍ۬ لَّا يُؤَدِّهِۦۤ إِلَيۡكَ إِلَّا مَا دُمۡتَ عَلَيۡهِ قَآٮِٕمً۬اۗ ذَٲلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لَيۡسَ عَلَيۡنَا فِى ٱلۡأُمِّيِّـۧنَ سَبِيلٌ۬ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ (٧٥) بَلَىٰ مَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ وَٱتَّقَىٰ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ (٧٦) إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشۡتَرُونَ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ وَأَيۡمَـٰنِہِمۡ ثَمَنً۬ا قَلِيلاً أُوْلَـٰٓٮِٕكَ لَا خَلَـٰقَ لَهُمۡ فِى ٱلۡأَخِرَةِ وَلَا يُڪَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيۡہِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ وَلَا يُزَڪِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ۬ (٧٧) وَإِنَّ مِنۡهُمۡ لَفَرِيقً۬ا يَلۡوُ ۥنَ أَلۡسِنَتَهُم بِٱلۡكِتَـٰبِ لِتَحۡسَبُوهُ مِنَ ٱلۡڪِتَـٰبِ وَمَا هُوَ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ (٧٨)
(52) كلمة “نصارى” هى مأخوذه من الآية الكريمة { قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ }, كما أن كلمة ” يهود ” مأخوذه من الآية { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ } أى رجعنا اليك فسُمى أصحاب موسى الذين رجعوا الى الله “الذين هادوا” أو كما يطلق البعض عليهم أحياناً “اليهود “، وسمى أتباع المسيح عليه السلام “النصارى” لأنهم قالوا نحن أنصارالله و قد أمرنا الله تعالى أن نكون مثلهم فقال لهم :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ } وفى هذه الآية فإن كلمة “مسلمون” لا تعنى بالقطع إتباع القرآن بل تعنى التعايش بسلام مع الناس من خلال تعاليم الإنجيل، وكلمة “الرسول” فى هذه الآية تتكلم عن نبى الله عيسى عليه السلام.
(54) تعبير “مكر الله” فى هذه الآية يعنى إستخدام الدهاء والحيلة لإثبات الحق وليس المقصود به المكر الخبيث بهدف الشرتعالى الله عن ذلك, والمعنى هنا مجازى يدل على أن الذين يستخدمون الحيلة لإيذاء المؤمنين عليهم أن يعلموا أن الله تعالى عنده – لو أراد – حيل أشد من حيلهم, فلا ينبغى أن يتصورأحد أن حيلته ودهاءه يفوق قدرة الله سبحانه و تعالى.
(55) إن قول الله تعالى :
{ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }
تشير إلى أن البشر ليس من حقهم أن يحكمواعلى الآخرين فيصدروا عليهم أحكاماً أويصفوهم بالإيمان أو بالكفرلأن هذا حقٌ لله وحده لا يشاركه فيه أحد فهوالقائل ومن أصدق منه :
{ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ } وهو القائل { إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُم * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم }
وهوالقائل {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ}.
و أى محاولة للتدخل فى حساب الآخرين و إطلاق الأحكام عليهم أومحاسباتهم هو شرك صريح لأنه تدخل فى شئون الذات الإلهية، فكما قال تعالى { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ } أى أن الله تعالى فقط هو صاحب الحق فى الحكم على الآخرين، وكما نرى فى الآية الكريمة فقد كرم الله تعالى أتباع المسيح عليه السلام الى يوم القيامة وجعلهم فوق الذين كفروا :
{ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ }.
(61) كان الإبتهال الى الله بهذه الوسيلة من العرف عند العرب فى عصر نزول القرآن.
(64) ” الكلمة السواء ” هى عبادة الله الواحد وهى منصوص عليها فى كتب الله سواء فى القرآن { إِنَّ إِلَٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ } أو فى الإنجيل ” ليس هناك صالحأ إلا واحد وهو الله ” وفى التوراة ” إسمع يا إسرائيل الرب إلهك رب واحد “، وجدير بالذكرهنا أن نذكرأن مناقشة المختلفين عنا فى العقائد لا ينبغى أن تكون إلا بالتى هى أحسن فإذا كان الجدال أوالمناقشة سيتسبب فى إيذاء مشاعرأحد أومضايقته فلا يحل هذا النقاش أو تلك المجادلة :
{ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }.
(67-68) { وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا } حين يذكر القرآن أن إبراهيم كان مسلماً فإن ذلك لا يعنى أنه كان يعرف القرآن أو يفعل أركان الديانة الإسلامية كما نعرفها فالقرآن نزل بعد عصرإبراهيم وكلمة “مسلماً” تعنى فى هذه الآيات أنه خاضع لله عزوجل ومفعّل للسلام فى الأرض فكما أن فى اللغة نقول صلح – أصلح- مصلح – إصلاح فيقال سلم – أسلم – مسلم – إسلام, فكما أن المصلح هومن يصلح فى الأرض فإن المسلم هو من يصنع السلام فى الأرض ( أى يفعّل السلام ) ولمراجعة المزيد عن مفهوم كلمة الإسلام برجاء مراجعة التعليق على الآيات (9-20) من هذه السورة.
(68) { إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ }
هذه الآية الكريمة تعنى إتبعوا ملة التوحيد التى جاء بها إبراهيم, مثل النبى يوسف حين قال :
{ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ },
عقيدة التوحيد التى جاء بها إبراهيم هى عقيدة التوراة والإنجيل والقرآن وقال تعالى لخاتم النبيين محمد عليه السلام :
{ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا }.
و قد جاء إبراهيم قبل التوراة والإنجيل والقرآن وأصبح رمزاً لعقيدة التوحيد الخالص المبنية على الفكر والتفكروالتأمل فى ملكوت الله :
{ وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ }.
(69-78) إستخدام “من” فى الآيات 69{ وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ }, 72 { وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ }, 75 { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ }, 78 { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا } هى “مَن” للتبعيض أى للدلاله على أن القرآن يعنى فقط بعض الذين أُتوا الكتاب ولا يعنيهم كلهم، فلا يجوز تعميم هذه الآيات على أهل الكتاب كلهم بعد أن خصص الله المعنى بإستخدام “من” للتبعيض.
مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤۡتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادً۬ا لِّى مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّـۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ (٧٩) وَلَا يَأۡمُرَكُمۡ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةَ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ أَرۡبَابًاۗ أَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡكُفۡرِ بَعۡدَ إِذۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ (٨٠) وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ لَمَآ ءَاتَيۡتُڪُم مِّن ڪِتَـٰبٍ۬ وَحِكۡمَةٍ۬ ثُمَّ جَآءَڪُمۡ رَسُولٌ۬ مُّصَدِّقٌ۬ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَٲلِكُمۡ إِصۡرِىۖ قَالُوٓاْ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡہَدُواْ وَأَنَا۟ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ (٨١) فَمَن تَوَلَّىٰ بَعۡدَ ذَٲلِكَ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ (٨٢) أَفَغَيۡرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبۡغُونَ وَلَهُ ۥۤ أَسۡلَمَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعً۬ا وَڪَرۡهً۬ا وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ (٨٣) قُلۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰٓ إِبۡرَٲهِيمَ وَإِسۡمَـٰعِيلَ وَإِسۡحَـٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٍ۬ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُ ۥ مُسۡلِمُونَ (٨٤) وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَـٰمِ دِينً۬ا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِى ٱلۡأَخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِينَ (٨٥) كَيۡفَ يَهۡدِى ٱللَّهُ قَوۡمً۬ا ڪَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَـٰنِہِمۡ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ۬ وَجَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَـٰتُۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِى ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ (٨٦) أُوْلَـٰٓٮِٕكَ جَزَآؤُهُمۡ أَنَّ عَلَيۡهِمۡ لَعۡنَةَ ٱللَّهِ وَٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ (٨٧) خَـٰلِدِينَ فِيہَا لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ (٨٨) إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِ ذَٲلِكَ وَأَصۡلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ۬ رَّحِيمٌ (٨٩) إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَـٰنِهِمۡ ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرً۬ا لَّن تُقۡبَلَ تَوۡبَتُهُمۡ وَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ (٩٠) إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٌ۬ فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡ أَحَدِهِم مِّلۡءُ ٱلۡأَرۡضِ ذَهَبً۬ا وَلَوِ ٱفۡتَدَىٰ بِهِۦۤۗ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ۬ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ (٩١) لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىۡءٍ۬ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٌ۬ (٩٢) ۞ كُلُّ ٱلطَّعَامِ ڪَانَ حِلاًّ۬ لِّبَنِىٓ إِسۡرَٲٓءِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسۡرَٲٓءِيلُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ مِن قَبۡلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوۡرَٮٰةُۗ قُلۡ فَأۡتُواْ بِٱلتَّوۡرَٮٰةِ فَٱتۡلُوهَآ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِينَ (٩٣) فَمَنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ مِنۢ بَعۡدِ ذَٲلِكَ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ (٩٤) قُلۡ صَدَقَ ٱللَّهُۗ فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبۡرَٲهِيمَ حَنِيفً۬ا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ (٩٥)
(79) { وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } إن أعظم ما يوصف به عبد من عباد الله هو أن يوصف أنه رباني أى يرى الناسُ اللهَ فى أعماله وتصرفاته وكلماته وذٌكر فى الحديث القدسى “عبدى أطعنى أجعلك ربانياً يقول للشئ كن فيكون”.
و درجات الإيمان تتراوح كما ذكر القرآن الكريم كما يلى :
- المسلمون : و هى أقل الدرجات { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ }.
- المؤمنون : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ }.
- المتقون : { وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }.
- المحسنون : { إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ }.
- الربانيون : هى أعلى الدرجات وهى درجة الكينونة وليس فقط القول فالله تعالى قال {قُولُوا أَسْلَمْنَا} و لكن قال { كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } فالأولى مجرد قول باللسان أما الثانية فهى كينونة الإنسان والتى تظهر فى أفعاله وأخلاقه وصفاته.
(80) للأسف يقع البعض منا أحياناً فى هذا الخطأ فيقدس الرسل أكثر من الله ذاته ويجعل للبشر مكانة فى قلبه أكثر من مكانة الله تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
(81) { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ } تتحدث الآية عن أن كتاب الله للرسل وهو كتاب واحد وليس كتباً عديدة وذلك لأن رسالة الله للبشر بالعدل والخير و السلام والإحسان والنهى عن البغى والفحشاء والمنكر والعدوان هى رسالة واحدة أو كتاب واحد قد يأتى عبر شرائع مختلفة وبلغات متعددة لتناسب من أُرسلت له الرسالة الإلهية، و يتساءل البعض فى هذه الآيات هل الحكمة شئ مختلف عن الكتاب؟ والإجابةعلى هذا السؤال هى أن الكتاب والحكمة هما شئ واحد لأن الله إستخدم الضميرالمفرد فى الإشارة إليه فقال { الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ } ولم يقل بهما، و قد إستخدم القرآن أيضاً ثلاثة تعبيرات مختلفة فى وصف التوراة مع أنها كتاب واحد { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ }، فكما أن الفرقان و الضياء والذكر هم شئ واحد فكذلك الكتاب والحكمة هما شئ واحد أيضاً.
(83-85) { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا }
كلمة “إسلام” لها مفهومان أساسيان فالمفهوم اللغوى : يعنى إقامة السلام فى الأرض والتعايش بسلام مع الآخرين و المفهوم الآخر : هو إتباع أركان الدين الإسلامى وشعائره، والمعنى هنا هوأن الطريق الوحيد المقبول عند الله تعالى هو هوالتعايش فى سلام مع الآخرين، فكلمة “الإسلام” وُصف بها أنبياء قبل نزول القرآن بقرون فأبوالأنبياء إبراهيم كان مسلماً دون أن يعرف شيئاً عن القرآن أو حتى يعرف لغته فالإسلام كلمة مشتقة من سلم – أسلم – مسلم – إسلام كما فى صلُح – أصلح – مصلح – إصلاح, فكما أن الإصلاح يعنى تفعيل الإصلاح فى الأرض فإن الإسلام الحقيقى يعنى صناعة السلام فى الأرض .
وكل من يدعو الى العنف والغلظة فليس بمسلم, وعلى النقيض من ذلك فإن كل من يدعوا الى السلام و الخير والمحبة فقد إبتغى الإسلام الحقيقى وهذا هوالطريق الذى إرتضاه الله تعالى ولا يقبل غيره، فمن المستحيل أن يكون المقصود بالإسلام هو الديانة الإسلامية بأركانها وذلك لأن أنبياء الله ورسله وصفهم القرآن بأنهم مسلمون قبل مجئ الإسلام بأركانه التى نعرفها، فمن فعّل أركان الإسلام ولم يسلم الناس من يده ولسانه فهو ليس “بمسلم” وعلى العكس من ذلك فإن من لا يفعّل هذه الأركان و لكنه يتعايش فى سلام مع الآخرين فهو فى عرف القرآن مسلم، و قد تأتى كلمة “الإسلام” بمعنى الخضوع لله خالق السماوات والأرض والإذعان لإرادته بأن نتعايش جميعاً فى سلام مع بعضنا البعض:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ }.
(86-91) كانت الجريمة الكبرى لهؤلاء الكافرين من كفارمكة ومشركيها هى قهروظلم الرسول والذين آمنوا معه لا لشئ إلا لأنهم جاءوا بدعوة مسالمة الى الله تخالف عقيدتهم، وعلينا دائماً تذكر أن وصف القرآن لأناسٍ بالكفرلا يعطينا الحق أن نصدر حكماً عليهم أو نحاسبهم فذلك حق لله وحده.
إِنَّ أَوَّلَ بَيۡتٍ۬ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكً۬ا وَهُدً۬ى لِّلۡعَـٰلَمِينَ (٩٦) فِيهِ ءَايَـٰتُۢ بَيِّنَـٰتٌ۬ مَّقَامُ إِبۡرَٲهِيمَۖ وَمَن دَخَلَهُ ۥ كَانَ ءَامِنً۬اۗ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلاً۬ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِينَ (٩٧)
(97) { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا }
الأهداف الرئيسية للحج كما وردت فى القرآن الكريم تشمل الآتى :
- ذكر الله تعالى { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ}.
- تهذيب النفس { فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ }.
- إطعام الفقراء و المساكين { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ}.
- منفعة البشرية { لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ } وهذا يتفق مع قوله تعالى { وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ}.
- إثابة الملهوف والمحتاج و الجائع والخائف { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا }.
- إحترام الروح والحياة فى جميع الكائنات { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ }.
قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لِمَ تَكۡفُرُونَ بِـَٔايَـٰتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَہِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعۡمَلُونَ (٩٨) قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ تَبۡغُونَہَا عِوَجً۬ا وَأَنتُمۡ شُهَدَآءُۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ (٩٩) يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقً۬ا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَـٰنِكُمۡ كَـٰفِرِينَ (١٠٠) وَكَيۡفَ تَكۡفُرُونَ وَأَنتُمۡ تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ ءَايَـٰتُ ٱللَّهِ وَفِيڪُمۡ رَسُولُهُ ۥۗ وَمَن يَعۡتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدۡ هُدِىَ إِلَىٰ صِرَٲطٍ۬ مُّسۡتَقِيمٍ۬ (١٠١) يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ (١٠٢) وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعً۬ا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءً۬ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦۤ إِخۡوَٲنً۬ا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٍ۬ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡہَاۗ كَذَٲلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَہۡتَدُونَ (١٠٣) وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٌ۬ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ (١٠٤) وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَـٰتُۚ وَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ۬ (١٠٥) يَوۡمَ تَبۡيَضُّ وُجُوهٌ۬ وَتَسۡوَدُّ وُجُوهٌ۬ۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡوَدَّتۡ وُجُوهُهُمۡ أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَـٰنِكُمۡ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ (١٠٦) وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبۡيَضَّتۡ وُجُوهُهُمۡ فَفِى رَحۡمَةِ ٱللَّهِ هُمۡ فِيہَا خَـٰلِدُونَ (١٠٧) تِلۡكَ ءَايَـٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۗ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلۡمً۬ا لِّلۡعَـٰلَمِينَ (١٠٨) وَلِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَمَا فِى ٱلۡأَرۡضِۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ (١٠٩) كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنڪَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡڪِتَـٰبِ لَكَانَ خَيۡرً۬ا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَڪۡثَرُهُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ (١١٠) لَن يَضُرُّوڪُمۡ إِلَّآ أَذً۬ىۖ وَإِن يُقَـٰتِلُوكُمۡ يُوَلُّوكُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ (١١١) ضُرِبَتۡ عَلَيۡہِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبۡلٍ۬ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٍ۬ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٍ۬ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡہِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٲلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَـٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقٍّ۬ۚ ذَٲلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ (١١٢) ۞ لَيۡسُواْ سَوَآءً۬ۗ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ أُمَّةٌ۬ قَآٮِٕمَةٌ۬ يَتۡلُونَ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ وَهُمۡ يَسۡجُدُونَ (١١٣) يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأَخِرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلۡخَيۡرَٲتِ وَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ (١١٤) وَمَا يَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٍ۬ فَلَن يُڪۡفَرُوهُۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُتَّقِينَ (١١٥) إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغۡنِىَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٲلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَـٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔ۬اۖ وَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِۚ هُمۡ فِيہَا خَـٰلِدُونَ (١١٦) مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِى هَـٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا ڪَمَثَلِ رِيحٍ۬ فِيہَا صِرٌّ أَصَابَتۡ حَرۡثَ قَوۡمٍ۬ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَأَهۡلَڪَتۡهُۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنۡ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ (١١٧) يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً۬ مِّن دُونِكُمۡ لَا يَأۡلُونَكُمۡ خَبَالاً۬ وَدُّواْ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٲهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِى صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأَيَـٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ (١١٨) هَـٰٓأَنتُمۡ أُوْلَآءِ تُحِبُّونَہُمۡ وَلَا يُحِبُّونَكُمۡ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱلۡكِتَـٰبِ كُلِّهِۦ وَإِذَا لَقُوكُمۡ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ عَضُّواْ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَنَامِلَ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۚ قُلۡ مُوتُواْ بِغَيۡظِكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ (١١٩) إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةٌ۬ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَيِّئَةٌ۬ يَفۡرَحُواْ بِهَاۖ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّڪُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيۡـًٔاۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٌ۬ (١٢٠) وَإِذۡ غَدَوۡتَ مِنۡ أَهۡلِكَ تُبَوِّئُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ مَقَـٰعِدَ لِلۡقِتَالِۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٢١) إِذۡ هَمَّت طَّآٮِٕفَتَانِ مِنڪُمۡ أَن تَفۡشَلَا وَٱللَّهُ وَلِيُّہُمَاۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ (١٢٢) وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٍ۬ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٌ۬ۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (١٢٣) إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ أَلَن يَكۡفِيَكُمۡ أَن يُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَـٰثَةِ ءَالَـٰفٍ۬ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةِ مُنزَلِينَ (١٢٤) بَلَىٰٓۚ إِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَـٰذَا يُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَـٰفٍ۬ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةِ مُسَوِّمِينَ (١٢٥) وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَٮِٕنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦۗ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ (١٢٦) لِيَقۡطَعَ طَرَفً۬ا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡ يَكۡبِتَہُمۡ فَيَنقَلِبُواْ خَآٮِٕبِينَ (١٢٧) لَيۡسَ لَكَ مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَىۡءٌ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡہِمۡ أَوۡ يُعَذِّبَهُمۡ فَإِنَّهُمۡ ظَـٰلِمُونَ (١٢٨) وَلِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَمَا فِى ٱلۡأَرۡضِۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌ۬ رَّحِيمٌ۬ (١٢٩)
(98-101) { إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ } إستخدم القرآن الكريم هذا التعبير “فَرِيقًا” لكى يوضح أن الآيات لا تتكلم عن كل الذين أُتوا الكتاب وإنما تتكلم عن طائفة بعينها، وتتوالى الآيات فى نفس الصورة لتوضح حقيقة الأمر فى الآيات (113 – 115 ) لتوضح بصورة محكمة موقف القرآن من الذين أوتوا الكتاب فهم مثل سائر الأمم
{ مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ }.
(104) { وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ } فى هذه الآية استخدم القرآن الكريم تعبير “المعروف والمنكر” بدلاً من “الحلال و الحرام” لأن “المعروف” هو ما تعارف عليه البشر مثل مساعدة المسكين والضعيف والمحتاج و”المنكر” هوما أنكره البشر جميعاً بفطرتهم مثل الظلم و قهر الضعفاء، أما الحلال والحرام فهى مسميات دينية لا تعنى تعارف البشرعليها أوإنكارهم لها ولذا فهى تختلف عن المعروف و المنكر، فالأمر مثلا بمساعدة إنسان ضريرلعبورالطريق هو أمر بالمعروف لأن معظم البشر تعارفوا على أنه عمل خير والنهى عن إستخدام العنف مع إنسان عاجز هو نهى عن المنكرلأنه شئ تستنكره معظم شعوب الأرض.
أما الحلال ( مثل إقامة الشعائر الدينية ) والحرام ( مثل أكل لحم الخنزير ) فهى أمورتختلف بين الشعوب لإختلاف عقائدهم وليست متعارفاً عليها أومنكرة بينهم، كما نلاحظ أيضاً أن إستخدام الله تعالى لكلمة الأمر والنهى لا يعنى أبداً إستخدام العنف فالله تعالى قال فى كتابه الكريم :
{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ }
ولم نرى سياطاً تنزل من السماء على كل من لا يعدل أوكل من يرتكب منكراً, فالله تعالى أعطى للبشرالحرية المطلقة فى الإختيار { فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } ومنع الإكراه فى الدين { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } وأعطى لذاته الإلهية فقط حق حسابهم { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ }.
(110-111) {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }
يتكلم القرآن هنا عن مواقف بعينها حدثت فى الماضى ولا يجوز بأى صورة من الصور محاسبة أُناس فى العصر الحالى على أخطاء لم يرتكبوها أوتعميم المعنى على جميع أهل الكتاب فالمبدء القرآنى واضح فى قوله تعالى { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ “} و{ وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ }، ولقد أوضح القرآن هذا المعنى فى آيات لاحقة فى نفس السورة ( 113- 114 ) فى قوله تعالى :
{ لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ }.
(116) تعبير”الذين كفروا” يخصص المعنى و يحدده فى المشركين الذين قاتلوا الرسول فى بدء الدعوة و ذلك لإستخدامها أداة التعريف “الذين” ولو أراد القرآن تعميم المعنى على كل من كفر لأستخدم تعبير”من كفر” بدلاً من “الذين كفروا”.
(117-128) تتكلم هذه الآيات فى مجملها عن مواقف و حوادث محددة حدثت فى عصور الإسلام الأولى ومن الخطأ تعميم هذه المواقف على غير المسلمين فى العصور الحالية لأن آيات القرآن المحكمة و مبادئه العليا تقربوضوح أن لا ينبغى محاسبة أحد بخطأ أرتكبه آخرون والآيات القرآنية صريحة فى ذلك { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ }، و نلاحظ فى نهاية هذه المجموعة من الآيات أن الله تعالى قال لنبيه الكريم :
{ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ }
فحتى النبى طبقاً لهذه الآية ليس له أى حق فى التدخل فى المشيئة الإلهية بعقاب الناس أو بقبول توبتهم.
(121) شُرع القتال فى الإسلام فقط للدفاع عن النفس وموقف القرآن صريح فى تحريم أى إعتداء على الآخرين, وقد وضع القرآن شروطاً للقتال كما يلى :
- دفاعاً عن النفس حينما يبدء الآخرون المعتدون القتال
{ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } و { وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ }.
- ألا يكون عدواناً على الآخرين { وَلَا تَعْتَدُوا }.
- ألا يكون لإكراه الآخرين على الدين { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ }.
- ألا يكون فيه ظلم لأحد { وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا }.
- معاملة الأسرى بالحسنى { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا }.
- أن يٌغيث العدوإذا إستغاث به فى لحظة ما { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ }.
- ألا يستعبد الأسرى وأن يعاملهم كما ذكر القرآن { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً }.
- أن يجنح للسلم فوراً إذا عرض عليه { وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ }.
- ألا يكسر ميثاقاً مع أحد حتى لو كان ذلك لنصرة مسلمين مثله ” :
{ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ }.
ألا يقتل نفساً بغير نفس { مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ } فالقتل العشوائى أو العمليات الإنتحارية التى تؤدى الى قتل ولو برئ واحد كطفل لم يذنب أو إمرأة عجوز لم تخطىء يخرج الإنسان من ملة الإسلام ويحشره فى جهنم فى زمرة المجرمين والقتلة .
يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡڪُلُواْ ٱلرِّبَوٰٓاْ أَضۡعَـٰفً۬ا مُّضَـٰعَفَةً۬ۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ (١٣٠) وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِىٓ أُعِدَّتۡ لِلۡكَـٰفِرِينَ (١٣١) وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّڪُمۡ تُرۡحَمُونَ (١٣٢)
(130) الأصل فى أى علاقة مالية مقبولة عند الله هو الآتى :
- ألا يكون فيها ظلم لأحد الأطراف { لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ }.
- أن تكون عن تراضِ أى توافق ورضاء بين جميع الأطراف المشاركة فى العلاقة المالية { إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ }.
- ألا يكون فيها إستغلال حاجة الإنسان لإبخاس قيمة ممتلكاته { وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ }.
و الربا فى الماضى كان يتم بصورتتنافى تماماً مع كل هذه المبادئ , فكان المرابى يستغل حاجة الإنسان الضعيف, وكما ذكرالقرآن الكريم كان المرابى يأكل الربا أضعافاً مضاعفة { لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً }. فتحريم الربا لم يكن بسبب ثبات أوعدم ثبات العائد على رأس المال وإنما كان بسبب ماكان يتبع الربا من ظلم و إستغلال للإنسان المحتاج و بخسه قيمة ما يملك.
فلم تكن العلاقة بين المقرض والمقترض عن تراض كما قال القرآن،والتعاملات البنكية فى العصر الحالى لا تدخل تحت هذا التصنيف فهى تتم برضاء الأطراف وهناك خبراء معتمدون يقيّمون الأشياء بقيمتها الحقيقية و بالتالى فإن هذه التعاملات ليست ربا وبذلك تكون حلالاً لإنتفاء علة التحريم عنها.
و نتعلم من هذه الآيات القرآنية :
- ألا نستغل حاجة الضعيف بقسوة حين إقراضه.
- أن نحاول قدرالإمكان أن نعطى مهلة للمقترض ( أو كما يسمى فى العصر الحالى ترحيل ديون ) لمساعدته على الوفاء بإلتزامه المادى { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ }.
- أن نتصدق بالمبلغ إذاعجز الشخص المدين تماماً عن السداد { وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ }.
و من الملاحظات الهامةأن المقرض فى حالة الربا الذى تم وصفه فى القرآن كان هو الذى يحدد الفائدة، أما فى الأرباح التى نجنيها من ودائعنا فى البنوك فالذى يحدد قيمة الفائدة عليها هوالمقترض ( البنك ) وهذا الإختلاف الجوهرى ينفى عن هذه الأرباح صفة الربوية.
شروط الإقراض فى القرآن تشمل :
- أن يتم كتابته { لْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ }.
- أن يصيغه المدين و ليس الدائن { وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقّ }.
- إذا كان المدين عاجزاً عن الإملاء لسبب ما فوكيله ينوب عنه :
{ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْل }.
- شهادة شهود على الإتفاق { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ }.
- عدم الإضرار بأحد من الكتاب أوالشهود الذين كتبوا العقد أوشهدوا عليه بسبب تواجدهم فى الإتفاق :
{ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ }.
ووقت نزول القرآن و كنتيجة لظروف أجتماعية خاصة كانت المرأة أكثر عرضة للخطأ من الرجل فى إدلاء الشهادة على العقود المالية ولهذا السبب قال القرآن { فإن لم يكونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ }،أما فى عصرنا هذا وبعد أن حصلت المرأة على الكثير من حقوقها ووصلت الى أرقى درجات التعليم فالأمر يختلف لأن القرآن يأمرنا بإتباع العرف العالمى { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } والذى لا يفرق حالياً بين الرجل و المرأة فى الشهادة.
(131) لاحظ أداة التعريف “ال” فى بداية كلمة الكافرين لتخصص المعنى فى فئة محددة وهم كفار مكة الذين إعتدوا على المؤمنين الأوائل لأجل دينهم وقاتلوهم وطردوهم من ديارهم.
(132) { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } تأمر الآية الكريمة بإتباع القرآن الذى أوحى الله تعالى به إلينا على لسان رسوله الكريم، فطاعة الرسول تكون بإتباع الكتاب الذى أنزل إليه { وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ }, و من أطاع الرسول بإتباع القرآن فقد أطاع الله ذاته { مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ }، وقد وصف الله تعالى الوحى الذى أوحى به الى رسوله الكريم كما يلى و{ إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ }, وقال عنه { أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا }, ووصفه بقوله { مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ }, و{ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ }.
۞ وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٍ۬ مِّن رَّبِّڪُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَـٰوَٲتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ (١٣٣) ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡڪَـٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (١٣٤) وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَہُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ (١٣٥) أُوْلَـٰٓٮِٕكَ جَزَآؤُهُم مَّغۡفِرَةٌ۬ مِّن رَّبِّهِمۡ وَجَنَّـٰتٌ۬ تَجۡرِى مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡہَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيہَاۚ وَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَـٰمِلِينَ (١٣٦)
(133-136) صفات المتقين كما ذكرها القرآن الكريم تشمل :
– الصفة الأولى : الإنفاق على الضعفاء { الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ }.
– الصفة الثانية : كظم الغيظ أى عدم الإنفعال على الآخرين وذلك الأمرينبغى أن يطبقه الإنسان أيضاً فى محيط الأسرة و الأطفال فلا معنى أن يكظم الإنسان غيظه مع الغريب فقط وينسى أقرباءه { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ }.
– الصفة الثالثة : من صفات المتقين العفو عن الناس ونلاحظ أن كلمة الناس تشمل جميع البشر مع إختلاف عقائدهم و أديانهم وأفكوانهم وأفكارهم { وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ }.
– الصفة الرابعة: الإستغفار من الذنوب والأخطاء { ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ }.
– الصفة الخامسة : عدم الإصرارعلى فعل الخطأ { وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ }.
قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٌ۬ فَسِيرُواْ فِى ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ (١٣٧) هَـٰذَا بَيَانٌ۬ لِّلنَّاسِ وَهُدً۬ى وَمَوۡعِظَةٌ۬ لِّلۡمُتَّقِينَ (١٣٨) وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ (١٣٩) إِن يَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحٌ۬ فَقَدۡ مَسَّ ٱلۡقَوۡمَ قَرۡحٌ۬ مِّثۡلُهُ ۥۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُہَدَآءَۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ (١٤٠) وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمۡحَقَ ٱلۡكَـٰفِرِينَ (١٤١)
(138) { هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } وصِف القرآن بأنه بيان وهدى وموعظة للمتقين, ووصف الإنجيل بأنه هدى ونور{ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ } ووصف التوراة بأنها ضياء وذكر للمتقين { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ }. وكل كتب الله تدعوا الى الخيروالسلام و تنهى عن الظلم.
(139-143) نتعلم من هذه الآيات :
- أن الإنسان لاينبغى أن يضعف أمام الشدائد و أن يظل دائماً مؤمناً بوجود أمل ولا ييأس من روح الله.
- أن الإنسان لابد ان يختبر فى الدنيا حتى ينال الجنة فلا ينبغى أن ينظرالإنسان الى الشدائد على إنها ظلم من الله له بل يراها على أنها إختبار له و جزاؤه الجنة إن شاء الله لو صبر عليها.
- أن الأيام دول بين الناس وأن أمورالحياة قد تتغير فالضعيف قد يصبح قوياً فلا ينبغى أن ييأس { إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }, والقوى قد يصبح ضعيفاً فلا ينبغى أن يتكبر { إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ }.
- ونقف الآن لبرهة أمام إستخدام القرآن الكريم لتعبير { وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ } والشهادة كما ذكر فى القرآن الكريم هو أن يختارالله تعالى من يشهد على الآخرين كما ورد فى الآيات التالية :
{ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا } و { وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (يوم القيامة ) } و { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ( قالها نبى الله عيسى يوم القيامة ) } و{ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ } و{ لَّٰكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ ۖ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا } و { أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ۚ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } و { مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ( أى للشهادة امام القضاء ) } و { وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا } و { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا ( فى قصة يوسف ) } و { وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ( قالها السحرة لفرعون ) }،
و كما يلاحظ فإن الشهادة جاءت فى جميع الآيات السابقة ليس بمعنى الموت فى عملية حربية أوقتالية كما يظن البعض وإنما جاءت فى الأساس بمعنى الشهادة على الآخرين أو على حدوث حدث معين أوعلى الأمم الأخرى.
أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَيَعۡلَمَ ٱلصَّـٰبِرِينَ (١٤٢) وَلَقَدۡ كُنتُمۡ تَمَنَّوۡنَ ٱلۡمَوۡتَ مِن قَبۡلِ أَن تَلۡقَوۡهُ فَقَدۡ رَأَيۡتُمُوهُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ (١٤٣) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ۬ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَـٰبِكُمۡۚ وَمَن يَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيۡـًٔ۬اۗ وَسَيَجۡزِى ٱللَّهُ ٱلشَّـٰڪِرِينَ (١٤٤) وَمَا ڪَانَ لِنَفۡسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ كِتَـٰبً۬ا مُّؤَجَّلاً۬ۗ وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡہَا وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلۡأَخِرَةِ نُؤۡتِهِۦ مِنۡہَاۚ وَسَنَجۡزِى ٱلشَّـٰكِرِينَ (١٤٥)
(142) جاء الجهاد بعدة مفاهيم كما يلى :
- مقاومة المعتدين الذين يبدءون العدوان فلا يحق لمسلم أن يبدأ هوعدواناً على الآخرين { وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } ويحق له الدفاع عن نفسه فى حالة واحدة فقط وهى إذا تم الإعتداء عليه, فالجهاد الحقيقى – فى هذا المعنى – هو عملية دفاعية لإنقاذ الإنسان من الهلاك ولا يحق لأحد أن يستخدم هذا التعبيرلتبريرإعتدائه على الآخرين فالدفاع عن النفس مشروع فى كل القيم الإنسانية أما الإعتداء فهو منكرومرفوض فيها جميعاً و هو يخرج الإنسان عن ملة الإسلام و التى تعنى كما ذكرنا سابقاً صناعة السلام فى الأرض والعيش فى سلام مع الآخرين.
- جهاد النفس ضد الشهوات و نوازع الشر ( رجعنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر ألا وهو جهاد النفس ” حديث شريف ” ) .
- محاولة الوصول الى الله ومعرفته عن طريق التأمل فى آياته وعجائبه فى الخلق { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا }.
- الدعوة الى الله بالقرآن – و ليس بالسيف { وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا كبيراً } والهاء هنا تعود على القرآن, فالجهاد الحقيقى يكون بالكلمة وليس بالعنف أوبالغلظة { ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ }.
- إنفاق المال لإطعام المحتاجين والضعفاء { وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ }.
(144) { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ }
يؤكد القرآن فى هذه الآية على بشرية الرسول وأنه ليس إلا واحد من الرسل ولا يجوزوضعه فى مصاف الذات الإلهية و التوحيد الحقيقى يعنى أن أعظم درجات الحب و الذكر والفكر تكون لله رب العالمين وليس لأى أحد سواه حتى لو كان رسولاً { وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا }.
وَكَأَيِّن مِّن نَّبِىٍّ۬ قَـٰتَلَ مَعَهُ ۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ۬ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَہُمۡ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ (١٤٦) وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِىٓ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡڪَـٰفِرِينَ (١٤٧) فَـَٔاتَٮٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا وَحُسۡنَ ثَوَابِ ٱلۡأَخِرَةِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (١٤٨) يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوڪُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَـٰبِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَـٰسِرِينَ (١٤٩) بَلِ ٱللَّهُ مَوۡلَٮٰڪُمۡۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلنَّـٰصِرِينَ (١٥٠) سَنُلۡقِى فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَڪُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَـٰنً۬اۖ وَمَأۡوَٮٰهُمُ ٱلنَّارُۚ وَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلظَّـٰلِمِينَ (١٥١) وَلَقَدۡ صَدَقَڪُمُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُ ۥۤ إِذۡ تَحُسُّونَهُم بِإِذۡنِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا فَشِلۡتُمۡ وَتَنَـٰزَعۡتُمۡ فِى ٱلۡأَمۡرِ وَعَصَيۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَآ أَرَٮٰكُم مَّا تُحِبُّونَۚ مِنڪُم مَّن يُرِيدُ ٱلدُّنۡيَا وَمِنڪُم مَّن يُرِيدُ ٱلۡأَخِرَةَۚ ثُمَّ صَرَفَڪُمۡ عَنۡہُمۡ لِيَبۡتَلِيَكُمۡۖ وَلَقَدۡ عَفَا عَنڪُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (١٥٢) ۞ إِذۡ تُصۡعِدُونَ وَلَا تَلۡوُ ۥنَ عَلَىٰٓ أَحَدٍ۬ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوڪُمۡ فِىٓ أُخۡرَٮٰكُمۡ فَأَثَـٰبَڪُمۡ غَمَّۢا بِغَمٍّ۬ لِّڪَيۡلَا تَحۡزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَڪُمۡ وَلَا مَآ أَصَـٰبَڪُمۡۗ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ (١٥٣) ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةً۬ نُّعَاسً۬ا يَغۡشَىٰ طَآٮِٕفَةً۬ مِّنكُمۡۖ وَطَآٮِٕفَةٌ۬ قَدۡ أَهَمَّتۡہُمۡ أَنفُسُہُمۡ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَـٰهِلِيَّةِۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَىۡءٍ۬ۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُ ۥ لِلَّهِۗ يُخۡفُونَ فِىٓ أَنفُسِہِم مَّا لَا يُبۡدُونَ لَكَۖ يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَىۡءٌ۬ مَّا قُتِلۡنَا هَـٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِى بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِيَبۡتَلِىَ ٱللَّهُ مَا فِى صُدُورِڪُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِى قُلُوبِكُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ (١٥٤) إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ مِنكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ إِنَّمَا ٱسۡتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيۡطَـٰنُ بِبَعۡضِ مَا كَسَبُواْۖ وَلَقَدۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡہُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ۬ (١٥٥) يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لِإِخۡوَٲنِهِمۡ إِذَا ضَرَبُواْ فِى ٱلۡأَرۡضِ أَوۡ كَانُواْ غُزًّ۬ى لَّوۡ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجۡعَلَ ٱللَّهُ ذَٲلِكَ حَسۡرَةً۬ فِى قُلُوبِہِمۡۗ وَٱللَّهُ يُحۡىِۦ وَيُمِيتُۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ۬ (١٥٦) وَلَٮِٕن قُتِلۡتُمۡ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوۡ مُتُّمۡ لَمَغۡفِرَةٌ۬ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحۡمَةٌ خَيۡرٌ۬ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ (١٥٧) وَلَٮِٕن مُّتُّمۡ أَوۡ قُتِلۡتُمۡ لَإِلَى ٱللَّهِ تُحۡشَرُونَ (١٥٨) فَبِمَا رَحۡمَةٍ۬ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡہُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِى ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩) إِن يَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ وَإِن يَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِى يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ (١٦٠)
(146-148) شُرع القتال فى الإسلام فقط للدفاع عن النفس و موقف القرآن صريح فى تحريم أى إعتداء على الآخرين, وقد وضع القرآن شروطاً للقتال كما يلى :
- دفاع عن النفس حينما يبدء الآخرون المعتدون القتال
{ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } و { وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ }.
- ألا يكون عدواناً على الآخرين { وَلَا تَعْتَدُوا }.
- ألا يكون لإكراه الآخرين على الدين { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ }.
- ألا يكون فيه ظلم لأحد { وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا }.
- معاملة الأسرى بالحسنى { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا }.
- أن يٌغيث العدو إذا إستغاث به فى لحظة ما { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ }.
- ألا يستعبد الأسرى و أن يعاملهم كما ذكر القرآن { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً }.
- أن يجنح للسلم فوراً إذا عرض عليه { وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ }.
- ألا يكسر ميثاقاً مع أحد حتى لو كان ذلك لنصرة مسلمين مثله :
{ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ }.
- ألا يقتل نفساً بغير نفس { مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ } فالقتل العشوائى أو العمليات الإنتحارية التى تؤدى الى قتل ولو برئ واحد كطفل لم يذنب أوإمرأة عجوز لم تخطأ يخرج الإنسان من ملة الإسلام و يحشره فى جهنم فى زمرة المجرمين و القتلة .
(149) { إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا } إستخدم القرآن تعبير الذين كفروا ولم يستخدم من كفر لكى يحدد المعنى فى تلك الفئة من كفار مكة الذين حاربوا الرسول فى بدء الدعوة و حرموه هو ومن معه من حقهم فى حرية العقيدة و العبادة.
(151) تتكلم الآية أيضاً عن كفار مكة وحددتهم بإستخدام تعبير الذين كفروا والتى تتكلم عن فئة بعينها ولا تعمم المعنى على كل من كفر.
(152-158) تتحدث هذه الآيات عن موقف وأحداث حدثت فى الفترة الأولى من تاريخ الإسلام، وقدعلمنا القرآن أنه ضرب لنا من كل مثل فذكرلنا أمثلة من المرحلة السابقة لبعثة الرسول فى قصص الأنبياء وتكلم عن المرحلة الأولى من الدعوة ( مثل ذكر مواقف وأحداث الدعوة فى مراحلها الأولى والصراع مع كفار قريش ) ووضع لنا أيضاً آيات مستقبلية تتكلم عن نهاية الكون ويوم الحساب.
و عند قراءة هذه الآيات علينا أن نتذكردائماً أن القتال فى هذه المرحلة من تاريخ الإسلام كان للدفاع عن النفس ضد أولئك الذين قاتلوا المؤمنين الأوائل فى الدين وأخرجوهم من ديارهم ولم تكن بهدف الإعتداء على أحد { وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }, فأوامر القرآن وقواعده توضح أن أساس الدين هوأن يعيش البشر فى سلام مع بعضهم البعض { ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ }، ولمزيد من فهم قواعد القتال فى تلك المرحلة التاريخية برجاء مراجعة التعليق على الآيات ( 146-148) من نفس السورة.
(159) إتباع الرسول يكون بإتباع أخلاقه المذكورة فى القرآن أو ما يسمى بالأسوة الحسنة وهذه بعض الأمثلة التى يجب التحلى بها فى إتباع الرسول عليه الصلاة والسلام :
- الرحمة فى التعامل مع الآخرين { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ }.
- عدم الفظاظة أوالغلظة { وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ }.
- العفو عن من أساء اليه { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ }.
- مشاورة الآخرين فى الأمر وعدم الإستبداد بالرأى { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ }.
و هذه هى أسس ومبادئ الأسوة الحسنة فى الرسول عليه السلام كما ذكرها القرآن الكريم ويلاحظ أن القرآن أستخدم كلمة “أسوة” فى { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }، ولم يستخدم كلمة “سنة”, وكلمة سنة فى القرآن الكريم جاءت فى هذه المواضع :
{ سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ } و { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا } و { سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا ۖ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا }.
(160) { إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ } :
النصرالإلهى للإنسان قد يأتى بعدة معانٍ فى القرآن الكريم كما يلى :
- النصر المادى فى مواجهة معتد ٍ بأن يكف أيدى المعتدى عن إعتدائه :
{ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ }.
- نصر الإنسان على الشيطان و نوازع الشر بداخله { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا }.
- النصر بدخول الجنة :
{ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ *يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ۖ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ }.
وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ ڪُلُّ نَفۡسٍ۬ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ (١٦١) أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٲنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٍ۬ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَٮٰهُ جَهَنَّمُۚ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ (١٦٢) هُمۡ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ (١٦٣) لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيہِمۡ رَسُولاً۬ مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡہِمۡ ءَايَـٰتِهِۦ وَيُزَڪِّيہِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِڪۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِى ضَلَـٰلٍ۬ مُّبِينٍ (١٦٤) أَوَلَمَّآ أَصَـٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٌ۬ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَيۡہَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَـٰذَاۖ قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىۡءٍ۬ قَدِيرٌ۬ (١٦٥) وَمَآ أَصَـٰبَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيَعۡلَمَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (١٦٦) وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْۚ وَقِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ قَـٰتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدۡفَعُواْۖ قَالُواْ لَوۡ نَعۡلَمُ قِتَالاً۬ لَّٱتَّبَعۡنَـٰكُمۡۗ هُمۡ لِلۡڪُفۡرِ يَوۡمَٮِٕذٍ أَقۡرَبُ مِنۡہُمۡ لِلۡإِيمَـٰنِۚ يَقُولُونَ بِأَفۡوَٲهِهِم مَّا لَيۡسَ فِى قُلُوبِہِمۡۗ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يَكۡتُمُونَ (١٦٧) ٱلَّذِينَ قَالُواْ لِإِخۡوَٲنِہِمۡ وَقَعَدُواْ لَوۡ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُواْۗ قُلۡ فَٱدۡرَءُواْ عَنۡ أَنفُسِڪُمُ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِينَ (١٦٨) وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٲتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَٮٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِہِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡہِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ (١٧٠) ۞ يَسۡتَبۡشِرُونَ بِنِعۡمَةٍ۬ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٍ۬ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (١٧١) ٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَصَابَہُمُ ٱلۡقَرۡحُۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ مِنۡہُمۡ وَٱتَّقَوۡاْ أَجۡرٌ عَظِيمٌ (١٧٢) ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَـٰنً۬ا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَڪِيلُ (١٧٣) فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٍ۬ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٍ۬ لَّمۡ يَمۡسَسۡہُمۡ سُوٓءٌ۬ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٲنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ (١٧٤) إِنَّمَا ذَٲلِكُمُ ٱلشَّيۡطَـٰنُ يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُ ۥ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ (١٧٥) وَلَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلۡكُفۡرِۚ إِنَّهُمۡ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـًٔ۬اۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلَّا يَجۡعَلَ لَهُمۡ حَظًّ۬ا فِى ٱلۡأَخِرَةِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٧٦) إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلۡكُفۡرَ بِٱلۡإِيمَـٰنِ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـًٔ۬ا وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ۬ (١٧٧) وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّمَا نُمۡلِى لَهُمۡ خَيۡرٌ۬ لِّأَنفُسِہِمۡۚ إِنَّمَا نُمۡلِى لَهُمۡ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِثۡمً۬اۚ وَلَهُمۡ عَذَابٌ۬ مُّهِينٌ۬ (١٧٨) مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطۡلِعَكُمۡ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَجۡتَبِى مِن رُّسُلِهِۦ مَن يَشَآءُۖ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمۡ أَجۡرٌ عَظِيمٌ۬ (١٧٩) وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ بِمَآ ءَاتَٮٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ هُوَ خَيۡرً۬ا لَّهُمۖ بَلۡ هُوَ شَرٌّ۬ لَّهُمۡۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِۦ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِۗ وَلِلَّهِ مِيرَٲثُ ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٌ۬ (١٨٠) لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ۬ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقٍّ۬ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ (١٨١) ذَٲلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيۡسَ بِظَلَّامٍ۬ لِّلۡعَبِيدِ (١٨٢) ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيۡنَآ أَلَّا نُؤۡمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأۡتِيَنَا بِقُرۡبَانٍ۬ تَأۡڪُلُهُ ٱلنَّارُۗ قُلۡ قَدۡ جَآءَكُمۡ رُسُلٌ۬ مِّن قَبۡلِى بِٱلۡبَيِّنَـٰتِ وَبِٱلَّذِى قُلۡتُمۡ فَلِمَ قَتَلۡتُمُوهُمۡ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِينَ (١٨٣) فَإِن ڪَذَّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَ رُسُلٌ۬ مِّن قَبۡلِكَ جَآءُو بِٱلۡبَيِّنَـٰتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُنِيرِ (١٨٤)
(161) { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ } أى يأخذ فوق حقه, نتعلم من هذه الآية إنه ليس من حق أحد فى وضع قيادى أن يأخذ أكثر مما يستحق أو يستغل منصبه فى تحقيق ربح شخصى على حساب الآخرين فالأنبياء كما ذكرت الآية لم يكن من حقهم أن “يُغلوا” أى يأخذوا أكثر من نصيبهم.
(164) { يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ } يستخدم القرآن الكريم كلمة آيات ليعنى بها أحياناً ما كتبه فى كتبه ورسالاته للبشر { ذَٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ }, و فى أحيانٍ أخرى يستخدمها للإشارة الى خلق السماوات و الأرض { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ }, وقد تأتى أحياناً بمعنى معجزات الرسل : { وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا }. { وَيُزَكِّيهِمْ } أى يعلمهم القرآن فيطهروا أنفسهم بمعانيه السامية { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } و زكاها تعنى طهر عقله من الأفكار الشريرة، و{ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } تعنى القرآن الكريم فقد قال الله تعالى { الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ } فإستخدم ضمير المفرد “الهاء” و لم يستخدم ضمير المثنى “هما” لكى يؤكد أن المقصود شئ واحد وليس شيئين، وجدير بالذكرهنا أن نذكرأن الله تعالى وصف القرآن بأنه حكمة { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ۖ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ } وبأنه الذكرالحكيم { ذَٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ }.
(165-178) هذه المجموعة من الآيات تتحدث عن مواقف قتالية حدثت فى المرحلة الأولى من تاريخ الإسلام, و ذلك يدعونا أن نتذكر باقى الآيات القرآنية التى تحدد مبادئ القتال فى الإسلام والذى شُرع فقط للدفاع عن النفس { وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }.
وهذه هى بعض المبادئ الواضحة فى مبدأ القتال :
شُرع القتال فى الإسلام فقط للدفاع عن النفس وموقف القرآن صريح فى تحريم أى إعتداء على الآخرين, وقد وضع القرآن شروطاً للقتال كما يلى :
- دفاع عن النفس حينما يبدء الآخرون المعتدين القتال :
{ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } و { وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ }.
- ألا يكون عدواناً على الآخرين { وَلَا تَعْتَدُوا }.
- ألا يكون لإكراه الآخرين على الدين { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ }.
- ألا يكون فيه ظلم لأحد { وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا }.
- معاملة الأسرى بالحسنى { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا }.
- أن يٌغيث العدوإذا إستغاث به فى لحظة ما { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ }.
- ألا يستعبد الأسرى و أن يعاملهم كما ذكر القرآن { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً }.
- أن يجنح للسلم فوراً إذا عرض عليه { وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ }.
- ألا يكسر ميثاقاً مع أحد حتى لو كان ذلك لنصرة مسلمين مثله :
{ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ }.
ألا يقتل نفساً بغير نفس { مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ} فالقتل العشوائى أو العمليات الإنتحارية التى تؤدى الى قتل و لو برئ واحد كطفل لم يذنب أوإمرأة عجوز لم تخطىء يخرج الإنسان من ملة الإسلام و يحشره فى جهنم فى زمرة المجرمين و القتلة .
و فى هذه الآيات(165-178) لابد أن نلاحظ قيمة إستخدام أداة التعريف “ال” فى فهم المعنى فإستخدام أدوات التعريف يفيد تخصيصه فقط فى الفئة التى قاتلت الرسول وإعتدت على المؤمنين الأوائل فى بدء الدعوة، وهذه بعض الأمثلة التى توضح كيف أن هذه الآيات إستخدمت أدوات التعريف اللغوية لتحدد المعنى فى طائفة بعينها، إستخدمت الآيات التعبيرات التالية { الَّذِينَ نَافَقُوا } آية 167, و { الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ } آية 176, و {الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ } آية 177, و { الَّذِينَ كَفَرُوا } آية 178.
و لو كان الله تعالى يريد تعميم المعنى بدلاً من تخصيصه لأستخدم هذه التعبيرات بدلاً من التعبيرات السابقة (من نافق) بدلاً من ( الذين نافقوا ), و(من يسارع فى الكفر) بدلاً من ( الذين يسارعون فى الكفر ), و( من إشتروا الكفر بالإيمان ) بدلاً من ( الذين أشتروا الكفر بالإيمان ), و(من كفروا) بدلاً من(الذين كفروا)، والتفرقة بين هذه التعبيرات و مدلولاتها هوأمرفى غاية الأهمية لأن تعميم المعنى المخصص فى القرآن بأداة التعريف دون وضع إعتبار لباقى آيات القرآن و التى تحرم العدوان {وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } و تلك التى تدعوا الى السلام مثل {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ } – قد يتسبب فى سفك دماء بريئة ويخرج الإنسان من ملة الإسلام.
(180) { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } البخل هو من أسوأ الصفات التى قد يتصف بها الإنسان, فالله تعالى هو المانح الذى أعطانا كل شئ { وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } وما ننفقه فى سبيل الله للفقراء والمحتاجين هو منه وإليه { مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ }. ومن وصايا القرآن فى الإنفاق أن يكون الإنسان معتدلاً فلا يترك البخل يتحكم فيه ولا يبذرفى إنفاقه { وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا }.
(181-184) تكلم الله تعالى هنا عن بعض الأقوام السابقين الذين إرتكبوا مثل هذه الجرائم فى فترة ما فى التاريخ و الهدف هنا أخذ العبرة من ذلك حتى لا نفعل نفس الأخطاء، وعلينا دائماً ملاحظة أن القرآن يرفض بصورة قاطعة محاسبة أى إنسان بذنب إرتكبه آباؤه وأجداده وقد ذكرالقرآن بوضوح فى أكثر من مرة :
{ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ }.
فمحاسبة أحد بذنب لم يرتكبه هو جريمة فى حق الله وخروج عن أوامره الواضحة فى القرآن، فعلينا فهم هذه الآيات فى سياقها التاريخى وعدم محاسبة أى إنسان فى العصر الحالى بأخطاء إرتكبها آباؤه أوأجداده فى الماضى.
كُلُّ نَفۡسٍ۬ ذَآٮِٕقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ أُجُورَڪُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِۖ فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَـٰعُ ٱلۡغُرُورِ (١٨٥) ۞ لَتُبۡلَوُنَّ فِىٓ أَمۡوَٲلِڪُمۡ وَأَنفُسِڪُمۡ وَلَتَسۡمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلِڪُمۡ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ أَذً۬ى كَثِيرً۬اۚ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَٲلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ (١٨٦)
(185) يا لها من لحظة تعنى الكثير :
{ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ }
و للوصول الى هذا الفوز المبين ينبغى على الإنسان أن يسارع فى عمل الخيرات و مساعدة الآخرين :
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا *خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا }.
(186) نلاحظ إستخدم أداة التعريف “الذين” قبل كلمتى {أُوتُوا الْكِتَابَ} و {أَشْرَكُوا} وكما ذكرنا سابقاً فإن أداة التعريف تحدد المعنى و تخصصه فى طائفة بعينها ولو أراد الله تعميمم المعنى لأستخدم التعبيران “من أُتوا الكتاب”و” من أشركوا “.
وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُ ۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُ ۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنً۬ا قَلِيلاً۬ۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ (١٨٧) لَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحۡمَدُواْ بِمَا لَمۡ يَفۡعَلُواْ فَلَا تَحۡسَبَنَّہُم بِمَفَازَةٍ۬ مِّنَ ٱلۡعَذَابِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ۬ (١٨٨) وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىۡءٍ۬ قَدِيرٌ (١٨٩) إِنَّ فِى خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَـٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّہَارِ لَأَيَـٰتٍ۬ لِّأُوْلِى ٱلۡأَلۡبَـٰبِ (١٩٠) ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰمً۬ا وَقُعُودً۬ا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَڪَّرُونَ فِى خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَـٰذَا بَـٰطِلاً۬ سُبۡحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ (١٩١) رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدۡخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدۡ أَخۡزَيۡتَهُ ۥۖ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٍ۬ (١٩٢) رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعۡنَا مُنَادِيً۬ا يُنَادِى لِلۡإِيمَـٰنِ أَنۡ ءَامِنُواْ بِرَبِّكُمۡ فَـَٔامَنَّاۚ رَبَّنَا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَڪَفِّرۡ عَنَّا سَيِّـَٔاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلۡأَبۡرَارِ (١٩٣) رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخۡزِنَا يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِۗ إِنَّكَ لَا تُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ (١٩٤) فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّى لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَـٰمِلٍ۬ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٍ۬ۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِى سَبِيلِى وَقَـٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡہُمۡ سَيِّـَٔاتِہِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّـٰتٍ۬ تَجۡرِى مِن تَحۡتِہَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ ثَوَابً۬ا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عِندَهُ ۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ (١٩٥)
(187) هذه الآية الرائعة تعلمنا واحداً من أهم الدروس القرآنية ألا وهو عدم كتمان آيات الله عن الناس، وللأسف الشديد يقوم البعض بكتمان آيات الله التى تتعارض مع ما يريدون الإقتناع به :
- فمثلاً من يريد إستخدام العنف مع غير المسلمين يكتم الآية الكريمة :
{ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ },
و من يريد إستخام العنف مع زوجته يتناسى آية { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ }
و التى لا تضع إستخدام العنف واحداً من الخيارات,
- والذى يريد نشرالدين من خلال الحروب يتغافل عن الآيات التالية :
{ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } و { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } و { وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ } و { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } و { فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } و { ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ }.
- ومن أراد أن يصدرالأحكام على الآخرين و يتهمهم بأنهم ضالون وكفرة وأن جزاءهم جهنم أغمض الطرف عن :
{ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم } و { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ } و { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ } و { وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ },
- و من أراد أن يعامل غيرالمسلمين أومن يخالفه فى العقيدة بغلظة فهو فى حقيقة الأمر يمحو آية :
{ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } من ذاكرته .
- ومن أراد أن يعادى ويكره غير المسلمين فهو يتغافل عن الآية الكريمة :
{ لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ }.
- و من أراد أن يفجر نفسه فى عملية إنتحارية تقتل عشوائياً سواء فى الأسواق أو فى دورعبادة أوغيرها من الأماكن التى يرتادها الآمنون فقد كفر بآية :
{ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا } فهو لا يدرى كم نفس بريئة قٌتلت بسبب جريمته الشنعاء.
- و من أراد تعظيم السلف و تقديس كل ما كتبوه وما جاءوا به وإتباعهم بلا فكرولاعقل نسى عتاب الله على الأمم السابقة :
{ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ }, و غفل عن قصة إبراهيم و التى ذكر الله فيها أن إبراهيم وصل فيها الى الله لأنه فكرو رفض إتباع قومه دون تفكير.
- و من أراد إصدار الأحكام على الأشياء فيحل هذا ويحرم ذاك كيفما أراد فقد نسى قوله تعالى :
{ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ }.
- و من أراد التكلم بأقوال إدعى أن الرسول قالها لمجرد أنه قرأها فى كتاب ما تصرف وكأنه لم يسمع هذه الآيات :
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا } و { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ }.أن ينكر حق التوبه عن الآخرين أو أن أن ان ينكر حق التوبةللآخرين
(188) تٌعلمنا هذه الآية أن الإنسان لا ينبغى أن يأخذ حق غيره فى المدح أو فى الأجرإذا لم يكن هو صاحب العمل أو الفعل :
{ يُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا}،
فعلى سبيل المثال لايحق للمؤمن أن يضع إسمه على كتاب لم يؤلفه و يأخذ المدح والأجرعلى ذلك، فالمؤمن الحقيقى لابد أن يتحرى الصدق كما فى الآيات التالية :
{قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} ,{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ},{الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَار }.
(189-194) يدعونا القرآن الكريم دائماً الى التأمل فى ملكوت الله وفى عجائبه وآياته التى لا تنتهى وكما قال القرآن :
{قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}.
(195) {وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا} شُرع القتال فى الإسلام فقط للدفاع عن النفس وموقف القرآن صريح فى تحريم أى إعتداء على الآخرين, وقد وضع القرآن شروطاً للقتال كما يلى :
- دفاع عن النفس حينما يبدء الآخرون المعتدون القتال :
{ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } و { وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ }.
- ألا يكون عدواناً على الآخرين { وَلَا تَعْتَدُوا }.
- ألا يكون لإكراه الآخرين على الدين {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.
- ألا يكون فيه ظلم لأحد {وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا}.
- معاملة الأسرى بالحسنى {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}.
- أن يٌغيث العدو إذا إستغاث به فى لحظة ما {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ}.
- ألا يستعبد الأسرى و أن يعاملهم كما ذكرالقرآن {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً }.
- أن يجنح للسلم فوراً إذا عرض عليه {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}.
- ألا يكسرميثاقاً مع أحد حتى لو كان ذلك لنصرة مسلمين مثله {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ}.
ألا يقتل نفساً بغير نفس { مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ} فالقتل العشوائى أو العمليات الإنتحارية التى تؤدى الى قتل ولو برئ واحد كطفل لم يذنب أوإمرأة عجوز لم تخطىء يخرج الإنسان من ملة الإسلام و يحشره فى جهنم فى زمرة المجرمين و القتلة .
لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى ٱلۡبِلَـٰدِ (١٩٦) مَتَـٰعٌ۬ قَلِيلٌ۬ ثُمَّ مَأۡوَٮٰهُمۡ جَهَنَّمُۚ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ (١٩٧) لَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ جَنَّـٰتٌ۬ تَجۡرِى مِن تَحۡتِہَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيہَا نُزُلاً۬ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۗ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٌ۬ لِّلۡأَبۡرَارِ (١٩٨) وَإِنَّ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡڪِتَـٰبِ لَمَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡہِمۡ خَـٰشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشۡتَرُونَ بِـَٔايَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنً۬ا قَلِيلاًۗ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ (١٩٩) يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ (٢٠٠)
(196-197) توجه الآية الحديث الى الرسول عليه السلام لتقول له أن مصير كفار مكة الذين حاربوه وطردوه سيكون فى يوم القيامة جهنم كما ذكرت الآية, فلا يغرنه إستمتاعهم بالدنيا وتنقلهم من هنا الى هناك فى تجارتهم والتى كانت رائجة فى ذلك العصر، فتمتُع كفارمكة بالدنيا لا يعنى رضاء الله عنهم خاصة بعد أن حرموا الرسول و الذين معه من أبسط حقوقهم التى كفلها الله تعالى لهم ألا وهى حرية العقيدة وحرية العبادة، وعلينا أن نتعلم من ذلك فلا نحرم غيرنا من حقه فى حرية العقيدة والعبادة وإلا أصبحنا لا نفرق شيئا عن كفار مكة { فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُر }.
(199) تؤكد أن الآيات السابقة و التى كانت تتحدث عن أهل الكتاب كانت تتكلم عن فئة معينة بعينها من أهل الكتاب, فها هوالقرآن يذكر فئة أخرى تختلف عن الفئة المذكورة سابقاً فى الكثير من الآيات من هذه السورة ليدلل على مفهوم عدم تعميم الآيات السابقة على كل أهل الكتاب، فالمؤمن الحقيقى عليه أن يعامل الجميع مهما إختلفت عقائده عنهم بالحسنى { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } وان يبرهم ويقسط إليهم :
{ لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }.