القران الكريم

سورة الأنبياء

الاٴنبیَاء

بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِى غَفۡلَةٍ۬ مُّعۡرِضُونَ (١) مَا يَأۡتِيهِم مِّن ذِڪۡرٍ۬ مِّن رَّبِّهِم مُّحۡدَثٍ إِلَّا ٱسۡتَمَعُوهُ وَهُمۡ يَلۡعَبُونَ (٢) لَاهِيَةً۬ قُلُوبُهُمۡ‌ۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجۡوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلۡ هَـٰذَآ إِلَّا بَشَرٌ۬ مِّثۡلُڪُمۡ‌ۖ أَفَتَأۡتُونَ ٱلسِّحۡرَ وَأَنتُمۡ تُبۡصِرُونَ (٣) قَالَ رَبِّى يَعۡلَمُ ٱلۡقَوۡلَ فِى ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ‌ۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ (٤) بَلۡ قَالُوٓاْ أَضۡغَـٰثُ أَحۡلَـٰمِۭ بَلِ ٱفۡتَرَٮٰهُ بَلۡ هُوَ شَاعِرٌ۬ فَلۡيَأۡتِنَا بِـَٔايَةٍ۬ ڪَمَآ أُرۡسِلَ ٱلۡأَوَّلُونَ (٥) مَآ ءَامَنَتۡ قَبۡلَهُم مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَـٰهَآ‌ۖ أَفَهُمۡ يُؤۡمِنُونَ (٦) وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ إِلَّا رِجَالاً۬ نُّوحِىٓ إِلَيۡہِمۡ‌ۖ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّڪۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ (٧) وَمَا جَعَلۡنَـٰهُمۡ جَسَدً۬ا لَّا يَأۡڪُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَـٰلِدِينَ (٨) ثُمَّ صَدَقۡنَـٰهُمُ ٱلۡوَعۡدَ فَأَنجَيۡنَـٰهُمۡ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهۡلَڪۡنَا ٱلۡمُسۡرِفِينَ (٩) لَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ ڪِتَـٰبً۬ا فِيهِ ذِكۡرُكُمۡ‌ۖ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ (١٠) وَكَمۡ قَصَمۡنَا مِن قَرۡيَةٍ۬ كَانَتۡ ظَالِمَةً۬ وَأَنشَأۡنَا بَعۡدَهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ (١١) فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأۡسَنَآ إِذَا هُم مِّنۡہَا يَرۡكُضُونَ (١٢) لَا تَرۡكُضُواْ وَٱرۡجِعُوٓاْ إِلَىٰ مَآ أُتۡرِفۡتُمۡ فِيهِ وَمَسَـٰكِنِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡـَٔلُونَ (١٣) قَالُواْ يَـٰوَيۡلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ (١٤) فَمَا زَالَت تِّلۡكَ دَعۡوَٮٰهُمۡ حَتَّىٰ جَعَلۡنَـٰهُمۡ حَصِيدًا خَـٰمِدِينَ (١٥) وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَہُمَا لَـٰعِبِينَ (١٦) لَوۡ أَرَدۡنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهۡوً۬ا لَّٱتَّخَذۡنَـٰهُ مِن لَّدُنَّآ إِن ڪُنَّا فَـٰعِلِينَ (١٧)


(7) {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} هم أهل التوراة و الإنجيل كما جاء فى تفسير الشوكانى ونرى فى هذه الآية كيف فتح القرآن باباً لحوار الأديان والتعلم من الآخرين.

(8) تعنى أن رسل الله بشر مثلنا فلهم إحتياج جسدى مثل الباقين ولا ينبغى أن نتخذهم  أرباباً من دون الله أونجعلهم آلهة يعبدون من دون الله :

{وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ۗ أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ }، وقد أكد القرآن على بشرية الرسول فى أكثر من آية مثل {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ}.

 (11) {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} توضح الآية أن الظلم سبب أساسى فى إهلاك الأمم فالله لا يقبل الظلم وقد يصبر على قرية غير مؤمنة ولكنها عادلة ويهلك من يدعون الإيمان بسبب ظلمهم للضعفاء والأقليات {وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}.


بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَـٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُ ۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ۬‌ۚ وَلَكُمُ ٱلۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨) وَلَهُ ۥ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِ‌ۚ وَمَنۡ عِندَهُ ۥ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَلَا يَسۡتَحۡسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّہَارَ لَا يَفۡتُرُونَ (٢٠) أَمِ ٱتَّخَذُوٓاْ ءَالِهَةً۬ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ هُمۡ يُنشِرُونَ (٢١) لَوۡ كَانَ فِيہِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا‌ۚ فَسُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلۡعَرۡشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) لَا يُسۡـَٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسۡـَٔلُونَ (٢٣) أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦۤ ءَالِهَةً۬‌ۖ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَـٰنَكُمۡ‌ۖ هَـٰذَا ذِكۡرُ مَن مَّعِىَ وَذِكۡرُ مَن قَبۡلِى‌ۗ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡحَقَّ‌ۖ فَهُم مُّعۡرِضُونَ (٢٤) وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِىٓ إِلَيۡهِ أَنَّهُ ۥ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّآ أَنَا۟ فَٱعۡبُدُونِ (٢٥)


(18) {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ } الدنيا هى صراع بين الحق والباطل والخير والشر، يتمثل فى القيم العليا التى أوجدها الله فى ضمائرنا مثل الرحمة والمحبة والتواضع والشر فلا يخفى على أحد فالكل يعلم بضميره الذى خلقه الله فيه أن القسوة شروالظلم شر والكراهية شروإيذاء الآخرين شر وإستضعاف الأقليات شر، والله يقذف بالحق على الباطل فيدمغه  فمن أراد أن ينصر الله حقاً فلينصر قيم الحق والخير والجمال فى داخله على قيم القبح والبغضاء وهذا هو نصر الله الحقيقى.


وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ وَلَدً۬ا‌ۗ سُبۡحَـٰنَهُ ۥ‌ۚ بَلۡ عِبَادٌ۬ مُّكۡرَمُونَ (٢٦) لَا يَسۡبِقُونَهُ ۥ بِٱلۡقَوۡلِ وَهُم بِأَمۡرِهِۦ يَعۡمَلُونَ (٢٧) يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيہِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ وَهُم مِّنۡ خَشۡيَتِهِۦ مُشۡفِقُونَ (٢٨) ۞ وَمَن يَقُلۡ مِنۡہُمۡ إِنِّىٓ إِلَـٰهٌ۬ مِّن دُونِهِۦ فَذَٲلِكَ نَجۡزِيهِ جَهَنَّمَ‌ۚ كَذَٲلِكَ نَجۡزِى ٱلظَّـٰلِمِينَ (٢٩)


(26) فهم كلمة ” إبن ” بصورة مادية أى بمعنى أن الله تزوج و أنجب من أمرأة كما نفعل نحن هو مفهوم مرفوض فى القرآن و عند الكثيرين {أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ}، أما إن فهمها البعض بمعنى مجازى يفيد أن المسيح كلمة الله و روح منه فإن هذا المفهوم لا يختلف كثيراً عن مفهوم القرآن للمسيح { إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ }، وفى حقيقة الأمر فإن ما يهم فى الكلمات هو مفهومها وليس فقط أحرفها فلو فهم أحد مثلاً تعبير و {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} والمذكور فى القرآن بأن الله محدود فقط فى داخل هذا المكان ” الكعبة ” فقد خالف مفهوم القرآن للإله أما إن فهم كلمة ” بيتى ” بصورة مجازية بمعنى أنه مكان يستضيف الله فيه عباده ليعبدوه فالأمر يختلف تماماً و يتفق مع مفهوم القرآن للخالق وكذلك الحال فإن غيرنا من أتباع الديانات الآخرى يفهمون بعض الكلمات والمعانى فى كتبهم بصورة مجازية وليس حرفية، كما أن لدينا تعبيرات مجازية فى ديننا مثل {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} و {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} و {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} فنحن ايضاً نفهم كل هذه التعبيرات بمعنى مجازى و ليس حرفياً، والإختلاف فى المفاهيم الدينية قد يتسبب أحياناً فى بعض المشاكل و سماع مفهوم الآخر وكيف يرى الأشياء قد يفتح المجال لتقارب الأفكار أو يقلل من حدة الإختلاف فقد يظن البعض خطأً أننا نعبد الكعبة لأننا نتجه إليها وقت الصلاة فى حين أننا لا نرى الكعبة إلا رمزاً لتوحيد الناس على قبلة واحدة، ولو سألنا أحد عن حقيقة مفهومنا عن الكعبة وسمعه منا فسيعرف أننا لا نتعبد الى حجر على الإطلاق و أن الأمر لا يعدو أن يكون رمزاً، وكذلك الحال فقد نظن خطأ أن غيرنا من أهل الديانات الأخرى له مفهوم معين فى حين أننا لو سمعنا منه حقيقة مفهومه فقد يتبين لنا أنه يفكر بطريقة مختلفة تماماً عما كنا نظن، وفى نهاية الأمر فسواء أتفقنا مع مفهوم الآخرين أم لا فإن هذا لا يغير من الحقيقة القرآنية أنه ليس من حقنا حساب الآخرين لأن هذا حق لله وحده {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ *  ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم } و من الحقيقة القرآنية أننا علينا معاملة الآخرين بالحسنى طالما لم يقاتلونا فى الدين ولم يخرجونا من ديارنا ولم يظاهروا على إخراجنا :

  {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ *  إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }.


أَوَلَمۡ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّ ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضَ ڪَانَتَا رَتۡقً۬ا فَفَتَقۡنَـٰهُمَا‌ۖ وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ كُلَّ شَىۡءٍ حَىٍّ‌ۖ أَفَلَا يُؤۡمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلۡنَا فِى ٱلۡأَرۡضِ رَوَٲسِىَ أَن تَمِيدَ بِهِمۡ وَجَعَلۡنَا فِيہَا فِجَاجً۬ا سُبُلاً۬ لَّعَلَّهُمۡ يَہۡتَدُونَ (٣١) وَجَعَلۡنَا ٱلسَّمَآءَ سَقۡفً۬ا مَّحۡفُوظً۬ا‌ۖ وَهُمۡ عَنۡ ءَايَـٰتِہَا مُعۡرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّہَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ‌ۖ كُلٌّ۬ فِى فَلَكٍ۬ يَسۡبَحُونَ (٣٣) وَمَا جَعَلۡنَا لِبَشَرٍ۬ مِّن قَبۡلِكَ ٱلۡخُلۡدَ‌ۖ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ ٱلۡخَـٰلِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفۡسٍ۬ ذَآٮِٕقَةُ ٱلۡمَوۡتِ‌ۗ وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَيۡرِ فِتۡنَةً۬‌ۖ وَإِلَيۡنَا تُرۡجَعُونَ (٣٥) وَإِذَا رَءَاكَ ٱلَّذِينَ ڪَفَرُوٓاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَـٰذَا ٱلَّذِى يَذۡڪُرُ ءَالِهَتَكُمۡ وَهُم بِذِڪۡرِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ هُمۡ ڪَـٰفِرُونَ (٣٦) خُلِقَ ٱلۡإِنسَـٰنُ مِنۡ عَجَلٍ۬‌ۚ سَأُوْرِيكُمۡ ءَايَـٰتِى فَلَا تَسۡتَعۡجِلُونِ (٣٧) وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلۡوَعۡدُ إِن ڪُنتُمۡ صَـٰدِقِينَ (٣٨) لَوۡ يَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمۡ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ (٣٩) بَلۡ تَأۡتِيهِم بَغۡتَةً۬ فَتَبۡهَتُہُمۡ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ (٤٠) وَلَقَدِ ٱسۡتُہۡزِئَ بِرُسُلٍ۬ مِّن قَبۡلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنۡہُم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَہۡزِءُونَ (٤١) قُلۡ مَن يَكۡلَؤُڪُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحۡمَـٰنِ‌ۗ بَلۡ هُمۡ عَن ذِڪۡرِ رَبِّهِم مُّعۡرِضُونَ (٤٢) أَمۡ لَهُمۡ ءَالِهَةٌ۬ تَمۡنَعُهُم مِّن دُونِنَا‌ۚ لَا يَسۡتَطِيعُونَ نَصۡرَ أَنفُسِهِمۡ وَلَا هُم مِّنَّا يُصۡحَبُونَ (٤٣) بَلۡ مَتَّعۡنَا هَـٰٓؤُلَآءِ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡعُمُرُ‌ۗ أَفَلَا يَرَوۡنَ أَنَّا نَأۡتِى ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَآ‌ۚ أَفَهُمُ ٱلۡغَـٰلِبُونَ (٤٤) قُلۡ إِنَّمَآ أُنذِرُڪُم بِٱلۡوَحۡىِ‌ۚ وَلَا يَسۡمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ (٤٥)


(30-34)  يأخذنا القرآن فى هذه الآيات الى رحلة كونية منذ بدء خلق السماوات و الأرض:

  • {أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا (أى منضمين الأجزاء) فَفَتَقْنَاهُمَا}
  • ثم يأخذنا الى لحظات الخلق الأولى ونشأة الحياة {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}
  • ثم يحرك أبصارنا لنتأمل فى الجبال من حولنا {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ}
  • وننظر الى السماء من فوقنا {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا}
  • وتنتهى اللوحة القرآنية بالتأمل فى الليل والنهار{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}.

 فعلينا أن نستخدم حواسنا لنتأمل فى ملكوت الله حولنا {وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} فمن يرى جمال الله فى خلقه وفى ريشة طاووس أوجناح فراشة أو وردة تتساقط عليها قطرات الندى أو ثمرة تخرج من أكنانها فلا يسعه إلا أن يكون جميلاً فى خُلقه و رحيماً مع للآخرين.

(36)  نرى فى هذه الآية كيف كان رسول الله يتحمل الآذى والإستهزاء من الآخرين {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا} وبالرغم من هذا فإن الله تعالى أمره أن يرد على الإستهزاء بهذا :

  • {وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا},
  • {وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ},
  • {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ},
  • {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ},

و بهذا الخلق يتأسى الرسول برسل الله الذين قال فيهم {فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا}.

 (37) {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ} بعد أكثر من الف وأ ربعمائة عام على نزول هذه الآية – نرى عجائب الكون و قدرة الخالق فى كل مكان حولنا و صدق الله حين قال {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.

(38) {الَّذِينَ كَفَرُوا} تأتى كلمة كفروا مشاراً إليها ب “الذين” لتحدد سياق الحديث عن الذين يتكلم عنهم القرآن من كفار مكة.

 (43) {لَهُمْ آلِهَةٌ} كالأصنام التى كانت تٌعبد من دون الله مثل اللآت و العزى ومناة.

 (44)  يرى البعض أن هذه الآية قد تشير الى إنكماش الكرة الأرضية والذى عبر القرآن عنه بقوله {نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}.


 وَلَٮِٕن مَّسَّتۡهُمۡ نَفۡحَةٌ۬ مِّنۡ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَـٰوَيۡلَنَآ إِنَّا ڪُنَّا ظَـٰلِمِينَ (٤٦) وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٲزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَـٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٌ۬ شَيۡـًٔ۬ا‌ۖ وَإِن ڪَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٍ۬ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِہَا‌ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَـٰسِبِينَ (٤٧) وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ ٱلۡفُرۡقَانَ وَضِيَآءً۬ وَذِكۡرً۬ا لِّلۡمُتَّقِينَ (٤٨) ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّہُم بِٱلۡغَيۡبِ وَهُم مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشۡفِقُونَ (٤٩) وَهَـٰذَا ذِكۡرٌ۬ مُّبَارَكٌ أَنزَلۡنَـٰهُ‌ۚ أَفَأَنتُمۡ لَهُ ۥ مُنكِرُونَ (٥٠) ۞ وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَآ إِبۡرَٲهِيمَ رُشۡدَهُ ۥ مِن قَبۡلُ وَكُنَّا بِهِۦ عَـٰلِمِينَ (٥١) إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِىٓ أَنتُمۡ لَهَا عَـٰكِفُونَ (٥٢) قَالُواْ وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا لَهَا عَـٰبِدِينَ (٥٣) قَالَ لَقَدۡ كُنتُمۡ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُڪُمۡ فِى ضَلَـٰلٍ۬ مُّبِينٍ۬ (٥٤) قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا بِٱلۡحَقِّ أَمۡ أَنتَ مِنَ ٱللَّـٰعِبِينَ (٥٥) قَالَ بَل رَّبُّكُمۡ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلَّذِى فَطَرَهُنَّ وَأَنَا۟ عَلَىٰ ذَٲلِكُم مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ (٥٦)


(46-47) {يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} كما ذكرنا فى أيات أخرى أن أهم سبب فى هلاك الأمم السابقة كان هو ظلمهم للضعيف واليتيم والمسكين والأرملة {وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } و يضع لنا الله فى هاتين الآيتين مقابلة بين ظلم العباد {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِين} و بين العدل الالهى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا}، وندعوا الله تعالى أن نقابله بقلوب نقية ليس فيها شائبة من الظلم {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}، وذكر الآيات لحبة الخردل يستحوذ على الإهتمام لأنها تعتبر من أصغر الحبوب فى العالم وأكثرها صلابة وقد ضُرب بها المثل أيضاً فى الإنجيل حين قال المسيح عليه السلام {من كان لديه إيمان مثل حبة الخردل -أى فى صلابتها – لإستطاع أن يحرك جبلاً من مكانه}، وذكرت أيضاً حبة الخردل فى نصائح لقمان لأبنه :

{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ}.

 (48-50) وصفت التوراة بأنها هى {الْفُرْقَانَ} و{ضِيَاءً} و{ذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ} ووصف القرآن إنه {ذِكْرٌ} وكلمة ذكر تعنى إن هذه الكتب السماوية هى تذكرة للبشر بضميرهم الذى أوجده الله تعالى بداخلهم و كما قال القرآن {سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ} و{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} وقال أيضاً للرسول عليه السلام {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ}، وضمير الإنسان فى جميع الأزمنة وفى كل العصور يعرف الخير من الشر {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا  * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} – أى عرفها طريق الخير و طريق الشر، والضمير الذى لا يختلف عليه أثنان من البشر هو أن مساعدة المسكين والارملة واليتيم والرحمة والشفقة الرقة والإحسان والعطاء هى صفات الخير ولا أحد يختلف أن القتل والسرقة والإغتصاب والعنف وسفك الدماء هو شروذلك هو الضمير الذى جاء رسل الله ليذكرونا به.


 وَتَٱللَّهِ لَأَڪِيدَنَّ أَصۡنَـٰمَكُم بَعۡدَ أَن تُوَلُّواْ مُدۡبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمۡ جُذَٲذًا إِلَّا ڪَبِيرً۬ا لَّهُمۡ لَعَلَّهُمۡ إِلَيۡهِ يَرۡجِعُونَ (٥٨) قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِـَٔالِهَتِنَآ إِنَّهُ ۥ لَمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ (٥٩) قَالُواْ سَمِعۡنَا فَتً۬ى يَذۡكُرُهُمۡ يُقَالُ لَهُ ۥۤ إِبۡرَٲهِيمُ (٦٠) قَالُواْ فَأۡتُواْ بِهِۦ عَلَىٰٓ أَعۡيُنِ ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡهَدُونَ (٦١) قَالُوٓاْ ءَأَنتَ فَعَلۡتَ هَـٰذَا بِـَٔالِهَتِنَا يَـٰٓإِبۡرَٲهِيمُ (٦٢) قَالَ بَلۡ فَعَلَهُ ۥ ڪَبِيرُهُمۡ هَـٰذَا فَسۡـَٔلُوهُمۡ إِن ڪَانُواْ يَنطِقُونَ (٦٣) فَرَجَعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ فَقَالُوٓاْ إِنَّكُمۡ أَنتُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمۡ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا هَـٰٓؤُلَآءِ يَنطِقُونَ (٦٥) قَالَ أَفَتَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُڪُمۡ شَيۡـًٔ۬ا وَلَا يَضُرُّكُمۡ (٦٦) أُفٍّ۬ لَّكُمۡ وَلِمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ‌ۖ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ (٦٧) قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوٓاْ ءَالِهَتَكُمۡ إِن ڪُنتُمۡ فَـٰعِلِينَ (٦٨) قُلۡنَا يَـٰنَارُ كُونِى بَرۡدً۬ا وَسَلَـٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٲهِيمَ (٦٩) وَأَرَادُواْ بِهِۦ كَيۡدً۬ا فَجَعَلۡنَـٰهُمُ ٱلۡأَخۡسَرِينَ (٧٠) وَنَجَّيۡنَـٰهُ وَلُوطًا إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِى بَـٰرَكۡنَا فِيہَا لِلۡعَـٰلَمِينَ (٧١) وَوَهَبۡنَا لَهُ ۥۤ إِسۡحَـٰقَ وَيَعۡقُوبَ نَافِلَةً۬‌ۖ وَكُلاًّ۬ جَعَلۡنَا صَـٰلِحِينَ (٧٢)


(57-58) فعل إبراهيم ذلك وهو لم يزل فتى صغير {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} فقاده عقله الى إستخدام هذا الأسلوب لإقامة الحجة على قومه ولم يكن هدف إبراهيم تدمير الأصنام كى لا يعبدها الناس كما يظن البعض و إلا كان كسرها كلها ولم يكن ليترك كبيرهم،  فتركه لأكبر الأصنام يؤكد أن الهدف لم يكن تدمير ما يعبده غيره و إنما كان ما هداه عقله فى هذا السن الصغير لإقامة الحجة على قومه حين قال {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ}.

(68) و حينما نرى فى قصة إبراهيم الغوغاء من قومه وهم يضعونه فى النار ويريدون حرقه لا لشئ إلا أنه آمن بعقيدة مختلفة عن عقيدة الغالبية فإن ذلك يذكرنا ببشاعة جريمة قهر حرية العقيدة لمن يخالفنا الرأى, فمن حاول قهر إنسان لأجل فكره  أوعقيدته فلا فرق بينه وبين هؤلاء الذين حاولوا حرق إبراهيم لا لشئ إلا لأنه كان له فكر يختلف عنهم ، فالإنبياء لم يكونوا دعاة عنف وبالرغم من ذلك فقد حاول أقوامهم قهرهم لمجرد إختلافهم عنهم فى العقيدة وهنا تكمن الجريمة فى قهر إنسان مسالم لا يدعو الى العنف ولا الى الغلظة لمجرد أن فكره يختلف عن الآخرين {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} فقهر الآخرين على الفكر هو صفة الكافرين وليس صفة المؤمنين الحقيقين.


 وَجَعَلۡنَـٰهُمۡ أَٮِٕمَّةً۬ يَہۡدُونَ بِأَمۡرِنَا وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِمۡ فِعۡلَ ٱلۡخَيۡرَٲتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءَ ٱلزَّڪَوٰةِ‌ۖ وَكَانُواْ لَنَا عَـٰبِدِينَ (٧٣) وَلُوطًا ءَاتَيۡنَـٰهُ حُكۡمً۬ا وَعِلۡمً۬ا وَنَجَّيۡنَـٰهُ مِنَ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلَّتِى كَانَت تَّعۡمَلُ ٱلۡخَبَـٰٓٮِٕثَ‌ۗ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمَ سَوۡءٍ۬ فَـٰسِقِينَ (٧٤) وَأَدۡخَلۡنَـٰهُ فِى رَحۡمَتِنَآ‌ۖ إِنَّهُ ۥ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ (٧٥) وَنُوحًا إِذۡ نَادَىٰ مِن قَبۡلُ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُ ۥ فَنَجَّيۡنَـٰهُ وَأَهۡلَهُ ۥ مِنَ ٱلۡڪَرۡبِ ٱلۡعَظِيمِ (٧٦) وَنَصَرۡنَـٰهُ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَـٰتِنَآ‌ۚ إِنَّہُمۡ ڪَانُواْ قَوۡمَ سَوۡءٍ۬ فَأَغۡرَقۡنَـٰهُمۡ أَجۡمَعِينَ (٧٧) وَدَاوُ ۥدَ وَسُلَيۡمَـٰنَ إِذۡ يَحۡڪُمَانِ فِى ٱلۡحَرۡثِ إِذۡ نَفَشَتۡ فِيهِ غَنَمُ ٱلۡقَوۡمِ وَڪُنَّا لِحُكۡمِهِمۡ شَـٰهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمۡنَـٰهَا سُلَيۡمَـٰنَ‌ۚ وَڪُلاًّ ءَاتَيۡنَا حُكۡمً۬ا وَعِلۡمً۬ا‌ۚ وَسَخَّرۡنَا مَعَ دَاوُ ۥدَ ٱلۡجِبَالَ يُسَبِّحۡنَ وَٱلطَّيۡرَ‌ۚ وَڪُنَّا فَـٰعِلِينَ (٧٩) وَعَلَّمۡنَـٰهُ صَنۡعَةَ لَبُوسٍ۬ لَّڪُمۡ لِتُحۡصِنَكُم مِّنۢ بَأۡسِكُمۡ‌ۖ فَهَلۡ أَنتُمۡ شَـٰكِرُونَ (٨٠) وَلِسُلَيۡمَـٰنَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً۬ تَجۡرِى بِأَمۡرِهِۦۤ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِى بَـٰرَكۡنَا فِيہَا‌ۚ وَڪُنَّا بِكُلِّ شَىۡءٍ عَـٰلِمِينَ (٨١) وَمِنَ ٱلشَّيَـٰطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ ۥ وَيَعۡمَلُونَ عَمَلاً۬ دُونَ ذَٲلِكَ‌ۖ وَكُنَّا لَهُمۡ حَـٰفِظِينَ (٨٢) ۞ وَأَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُ ۥۤ أَنِّى مَسَّنِىَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٲحِمِينَ (٨٣) فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُ ۥ فَكَشَفۡنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرٍّ۬‌ۖ وَءَاتَيۡنَـٰهُ أَهۡلَهُ ۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةً۬ مِّنۡ عِندِنَا وَذِڪۡرَىٰ لِلۡعَـٰبِدِينَ (٨٤) وَإِسۡمَـٰعِيلَ وَإِدۡرِيسَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِ‌ۖ ڪُلٌّ۬ مِّنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ (٨٥) وَأَدۡخَلۡنَـٰهُمۡ فِى رَحۡمَتِنَآ‌ۖ إِنَّهُم مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ (٨٦) وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَـٰضِبً۬ا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَيۡهِ فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ أَن لَّآ إِلَـٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَـٰنَكَ إِنِّى ڪُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ (٨٧) فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُ ۥ وَنَجَّيۡنَـٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّ‌ۚ وَكَذَٲلِكَ نُـۨجِى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (٨٨) وَزَڪَرِيَّآ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُ ۥ رَبِّ لَا تَذَرۡنِى فَرۡدً۬ا وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡوَٲرِثِينَ (٨٩) فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُ ۥ وَوَهَبۡنَا لَهُ ۥ يَحۡيَىٰ وَأَصۡلَحۡنَا لَهُ ۥ زَوۡجَهُ ۥۤ‌ۚ إِنَّهُمۡ ڪَانُواْ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلۡخَيۡرَٲتِ وَيَدۡعُونَنَا رَغَبً۬ا وَرَهَبً۬ا‌ۖ وَڪَانُواْ لَنَا خَـٰشِعِينَ (٩٠) وَٱلَّتِىٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلۡنَـٰهَا وَٱبۡنَهَآ ءَايَةً۬ لِّلۡعَـٰلَمِينَ (٩١) إِنَّ هَـٰذِهِۦۤ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةً۬ وَٲحِدَةً۬ وَأَنَا۟ رَبُّڪُمۡ فَٱعۡبُدُونِ (٩٢) وَتَقَطَّعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡ‌ۖ ڪُلٌّ إِلَيۡنَا رَٲجِعُونَ (٩٣) فَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَهُوَ مُؤۡمِنٌ۬ فَلَا ڪُفۡرَانَ لِسَعۡيِهِۦ وَإِنَّا لَهُ ۥ ڪَـٰتِبُونَ (٩٤) وَحَرَٲمٌ عَلَىٰ قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَـٰهَآ أَنَّهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ (٩٥) حَتَّىٰٓ إِذَا فُتِحَتۡ يَأۡجُوجُ وَمَأۡجُوجُ وَهُم مِّن ڪُلِّ حَدَبٍ۬ يَنسِلُونَ (٩٦)


(73-90) فى جميع قصص الأنبياء لم نر ولو نبياً واحداً يعتدى على أحد أويستخدم العنف لإكراه غيره على فكره أو دينه أو عقيدته بل على العكس من ذلك تماماً نرى أن الظالمين فى كل العصور هم الذين يدعون الى إستخدام العنف ضد كل من يخالفهم فى الرأى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا}، فهل يا ترى نتبع هؤلاء الظالمين فى أسلوبهم مع المختلفين عنهم أم يا ترى نتبع رسل الله فى دعوتهم المسالمة التى ترفض العنف والإكراه، و هذه بعض التعبيرات المستخدمة فى الآيات و مفاهيمها :

  • {فِعْلَ الْخَيْرَاتِ} هو فعل الخير للآخرين مثل مساعدة الآخرين ورعاية المريض والعطف على المحتاج.
  • {الْخَبَائِثَ} مثل قطع الطريق والإغتصاب وقهرالضعيف وفعل ما يستنكره الناس جميعاً {وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ}.
  • يعلمنا الله هنا أن الله عز وجلّ يؤتى الحكمة من يشاء فهاهو الله وقد فهم سليمان الأمر مع أنه الأصغر سنا من داود {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} وذلك يعلمنا أن نحترم رأى الإنسان حتى ولو كان صغيراً فقد يكون الله أعطاه حكمة فى بعض الاشياء أكثر من من هم أكبر منه سناً.
  • {الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} كانت الجبال تُسبِّح مع داود من جمال تسبيحاته فقال الله فى آية أخرى {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ (أى سبحى) وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} وكأن الآية تقول أن حتى الحديد لان (من الفعل يلين) (من جمال تسبيحاتك يا داود، ومن تسبيحات داود الجميلة هذه الكلمات) “أين أهرب من وجهك يا الله …إن صعدت فى السماوات فأنت هناك ..و إن فرشت فى الهاوية فها أنت .. لم تختف عنك عظامى حينما رقدت فى أعماق الأرض … أنت يا من نسجتنى فى بطن امى “.

 (89) نتعلم أدب الحديث مع الله حين نرى زكريا يناجيه فلم يكد ينتهى من كلمته {رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا} إلا وقد تلاها بكلمة {وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} أى أنه حتى و لو لم تعطنى إبناً فأنت خير من يرثنى يا الله.

 (90)  نتأمل فى هذه الآية واحداً من أعجب و أجمل وأروع التعبيرات القرآنية – فالمنطق الطبيعى يقول أن السياق كان يأتى بإصلاح زوجة زكريا أوجعلها قادرة على الحمل أولاً ثم يأتى بعد ذلك وهب يحي له،  لكن هنا ويا للعجب فالقرآن يعرضها بالعكس تماماً فيأتى وهب يحي قبل إصلاح الزوجة {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ} ثم جاء بعد ذلك {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ}، وهذا التعبير إن كان يدل على شئ فإنما يدل على السيطرة المطلقة لله على كل ما فى الوجود فحينما يصدر الأمر الإلهى بوهب يحي فإنه حادث لا محالة وكل ما فى الوجود حتى الأرحام تأتمر بأمره لكى تتم المشيئة الإلهية فلا شئ يقف أمام مشيئته، وذلك أيضاً يذكرنا بقوله {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} فخاطب الله الشئ قبل أن يخلقه و ذلك لأن الله إن أراد خلقه فى مشيئته فأصبح فى حكم الموجود.

(92)  هنا وضع الله تعالى أسساً للبشر وهى أن كل البشرية هى أمة واحدة لابد أن تتعاون فى عمل الخيرات وإصلاح الأرض و التخفيف من آلام الآخرين، فعلينا أن نتصرف كأمة واحدة، فسواء كنا مسلمين أو مسيحيين أو يهود أوغيرهم فنحن جميعا من مخلوقات الله وجعلنا أمة واحدة {إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} فكلنا أخوة فى هذه الأمة وفى الإنسانية.

(94) {فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} ( كفران تعنى رفض و عدم القبول)  أى أن أى انسان يعمل أعمالاً صالحة مثل مساعدة الضعفاء والمحتاجين وعلاج المرضى ونشر معانى المحبة والسلام و هو مؤمن بوجود الخالق فهو مقبول عند الله تعالى، و قد إستخدم القرآن تعبير {مَنْ} حتى يعمم المعنى فيشمل الجميع مع إختلافهم :

{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }.


وَٱقۡتَرَبَ ٱلۡوَعۡدُ ٱلۡحَقُّ فَإِذَا هِىَ شَـٰخِصَةٌ أَبۡصَـٰرُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَـٰوَيۡلَنَا قَدۡ ڪُنَّا فِى غَفۡلَةٍ۬ مِّنۡ هَـٰذَا بَلۡ ڪُنَّا ظَـٰلِمِينَ (٩٧) إِنَّڪُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَهَا وَٲرِدُونَ (٩٨) لَوۡ كَانَ هَـٰٓؤُلَآءِ ءَالِهَةً۬ مَّا وَرَدُوهَا‌ۖ وَڪُلٌّ۬ فِيہَا خَـٰلِدُونَ (٩٩) لَهُمۡ فِيهَا زَفِيرٌ۬ وَهُمۡ فِيهَا لَا يَسۡمَعُونَ (١٠٠) إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰٓ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ عَنۡہَا مُبۡعَدُونَ (١٠١) لَا يَسۡمَعُونَ حَسِيسَهَا‌ۖ وَهُمۡ فِى مَا ٱشۡتَهَتۡ أَنفُسُهُمۡ خَـٰلِدُونَ (١٠٢) لَا يَحۡزُنُهُمُ ٱلۡفَزَعُ ٱلۡأَڪۡبَرُ وَتَتَلَقَّٮٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕڪَةُ هَـٰذَا يَوۡمُكُمُ ٱلَّذِى ڪُنتُمۡ تُوعَدُونَ (١٠٣) يَوۡمَ نَطۡوِى ٱلسَّمَآءَ ڪَطَىِّ ٱلسِّجِلِّ لِلۡڪُتُبِ‌ۚ كَمَا بَدَأۡنَآ أَوَّلَ خَلۡقٍ۬ نُّعِيدُهُ ۥ‌ۚ وَعۡدًا عَلَيۡنَآ‌ۚ إِنَّا كُنَّا فَـٰعِلِينَ (١٠٤)


(97-100) يعاتب الله هنا الكافرين بظلمهم فها هم الآن يقولون {بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ}، فهم قد إتخذوا أهواءهم إلهة من دون الله و إتبعوا شياطين الإنس والجن التى تأمرهم بالظلم والعدوان فأصبحوا فى عداد الظالمين، والإله الحقيقى لمن ينشر العداوة و البغضاء هو الشيطان {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ}، وأفعال الإنسان تدلل على إلهه الحقيقى فإن كان إلهه الله عزوجلّ كانت ثمرة عبوديته لله محبة و رحمة وخيراً ومن كان يعبد الشيطان فإن ثمرة ذلك كراهية و قسوة و بغضاء و عدواناً و ظلماً، والإنسان أمامه خياران إما أن يكون إلهه الله ويظهر ذلك فى أعماله وإما أن يكون إلهه الشيطان {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } وعلى الإنسان أن يختار أى الطريقين يتبع.


وَلَقَدۡ ڪَتَبۡنَا فِى ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّـٰلِحُونَ (١٠٥) إِنَّ فِى هَـٰذَا لَبَلَـٰغً۬ا لِّقَوۡمٍ عَـٰبِدِينَ (١٠٦) وَمَآ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَةً۬ لِّلۡعَـٰلَمِينَ (١٠٧) قُلۡ إِنَّمَا يُوحَىٰٓ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُڪُمۡ إِلَـٰهٌ۬ وَٲحِدٌ۬‌ۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ (١٠٨) فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ ءَاذَنتُڪُمۡ عَلَىٰ سَوَآءٍ۬‌ۖ وَإِنۡ أَدۡرِىٓ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ۬ مَّا تُوعَدُونَ (١٠٩) إِنَّهُ ۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ وَيَعۡلَمُ مَا تَڪۡتُمُونَ (١١٠) وَإِنۡ أَدۡرِى لَعَلَّهُ ۥ فِتۡنَةٌ۬ لَّكُمۡ وَمَتَـٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ۬ (١١١) قَـٰلَ رَبِّ ٱحۡكُم بِٱلۡحَقِّ‌ۗ وَرَبُّنَا ٱلرَّحۡمَـٰنُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ (١١٢)


(105) {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ} هوكتاب موحى لنبى الله داود {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} ويُطلق عليه أيضاً مزامير النبى داود وفيها تبتلاته وتسبيحاته الى الله، و “الذكر” هنا هو التوراة فقد جاء داود بعد موسى.

(107) {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} أى أن الله تعالى لم يرسل رسوله الكريم إلا رحمة للناس وذلك يجعلنا نرفض وبشدة اى إفتراء عليه يصفه بغير ذلك فمن كذب عل الرسول و كتب عنه أو ذكر فى قصة حياته شيئاً يتعارض مع مفهوم {رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} فعلينا أن نتبرأ منه و مما قال، والرحمة تشمل الحب والتسامح و العطاء وحسن المعاملة.

(109) {فَإِن تَوَلَّوْا } لم يأمر الله نبيه أن يرفع سيفه على من تولى أوترك الدين أو رفض إتباعه فلم يرسله الرحمن ليكون جباراً فى الأرض {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ} ولم يرسله ربه إلا كما ذكر فى الآية السابقة {إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، فأمره أنه إذا تولى أحد (أى رفض إتباع الدين) أن يقول له {آذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۖ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } وقد تجلى ذلك يوم فتح مكة حين قال الرسول لمن حاربه و ظلمه و طرده هو و من معه ” أذهبوا فأنتم الطلقاء “. و هذا هو محمد عليه السلام الحقيقى فلم يكرههم على دينه أو فكره كما يريد البعض أن يفعل ولم يطالبهم بدفع خراج أو جزية، وآيات القرآن ليس أكثر منها وضوحاً فى موقف الله من مبدأ حرية الإختيار وحرية العقيدة وهذه بعض الأمثلة على ذلك {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} و {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} و {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} و{فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ} و{وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ۖ أَنتُم بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ} وليس أكثر إجمالاً وتفصيلاً من هذا إلا قوله تعالى { وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّ}.

أضف تعليق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: