بَرَآءَةٌ۬ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۤ إِلَى ٱلَّذِينَ عَـٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ (١) فَسِيحُواْ فِى ٱلۡأَرۡضِ أَرۡبَعَةَ أَشۡہُرٍ۬ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِى ٱللَّهِۙ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخۡزِى ٱلۡكَـٰفِرِينَ (٢) وَأَذَٲنٌ۬ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۤ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَڪۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِىٓءٌ۬ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَۙ وَرَسُولُهُ ۥۚ فَإِن تُبۡتُمۡ فَهُوَ خَيۡرٌ۬ لَّڪُمۡۖ وَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِى ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣) إِلَّا ٱلَّذِينَ عَـٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ثُمَّ لَمۡ يَنقُصُوكُمۡ شَيۡـًٔ۬ا وَلَمۡ يُظَـٰهِرُواْ عَلَيۡكُمۡ أَحَدً۬ا فَأَتِمُّوٓاْ إِلَيۡهِمۡ عَهۡدَهُمۡ إِلَىٰ مُدَّتِہِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ (٤)
حدد القرآن فى بداية هذه السورة عمن يتحدث فهو يتحدث عن فئة خاصة من المشركين فى عهد الرسول فهم {الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ} فالآيات لا تتكلم عن كل المشركين وبالقطع ليس عن كل من أشرك بل فقط تتكلم عن هذه الفئة المحددة والتى عاهدت الرسول على عدم العدوان عليه وعلى من معه ثم نكثوا عهدهم عدة مرات {الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ} فإعلان الحرب و القتال فى هذه السورة كان مخصصاً فقط فى هؤلاء، وبالرغم من عدوانهم على المسلمين الأوائل ونقضهم عهدهم فى كل مرة فقد أمر القرآن بما يلى :
{فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا}.
و المتدبر فى آيات سورة التوبة بدقة كما أمرنا الله {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} يرى بوضوح شديد أن جميع الآيات التى تأمر بالقتال فى هذه السورة لم تستخدم ولو لمرة واحدة تعبير العموم (أى الذى يعمم المعنى) مثل “من أشرك” أو “من كفر” ولكن كلها وبدون إستثناء واحد معرفة بأداة تعريف مثل “ال” أو “الذين” أو بضمير الغائب, لتخصصها فقط فى هذه الفئة المذكورة أعلاه و فى تلك الحقبة التاريخية ولا يجوز لمؤمن بالله واليوم الآخر تحريف آيات الله عن معانيها أو مقاصدها فيحاول تعميم معنى الآيات بعد أن خصصها الله تعالى بوضوح فى فئة بعينها.
و إليكم بعض الأمثلة على ما تم شرحة لنرى إستخدام وسائل التعريف المختلفة كى نفهم هذه السورة بصورة صحيحة:
المثل الأول :{الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ} و”من” هنا للتبعيض أى البعض منهم قط.
المثل الثانى :{أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ} (“أل” التعريف تحدد طائفة بعينها).
المثل الثالث : { وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا } ( أى الذين تتحدث عنهم هذه الآيات).
المثل الرابع :{فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } (ونلاحظ تعريف المشركين بالألف و اللأم “ال”).
المثل الخامس : {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} و{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ } يعود ضمير الغائب “هم” على المذكورين فى الآية السابقة (13) {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}, {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} وغيرها من الآيات و التعبيرات اللغوية التى تؤكد على خصوصية السياق فى هذه السورة بمواقف معينة و أحداث تاريخية خاصة.
فكما نرى بوضوح أن هذه السورة لم تذكر و لو لمرة واحدة تعبير “من كفر” أو “من أشرك” وإنما تكلمت فقط عن المشركين والكافرين الذين بدءوا العدوان على المسلمين الأوائل وعذبوهم لأجل دينهم وشردوهم، وموقف القرآن من معاملة غير المسلمين يتجلى بوضوح فى الآية الآتية من سورة الممتحنة :
{لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }.
فكل آيات القرآن الكريم عامةً وهذه السورة خاصةً حينما تتحدث عن القتال فإنها محددة ومقيدة بمبادئ القرآن العامة مثل
{وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} و {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا } و { وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا }.
ولفهم هذه السورة علينا أن نتصور أن مجموعة من الناس تصارع من أجل البقاء فكان العتاب القرآنى على من يتخلف عن المشاركة فى الدفاع عن المستضعفين فى الأرض (وذلك مقارنة بعصرنا الحالى كمن تخلى عن الدفاع عن أمته وقت إعتداء ظالم عليها), أو من رفض الدفاع عن مستضعين فى الأرض وقت إستغاثتهم به لمساعدتهم ضد ظالم يريد إبادتهم، ولتوضيح المعنى فالعتاب فى بعض آيات سورة التوبة للمتخاذلين عن القتال لم يكن عتاباً عن التخاذل عن عدوان وإنما كان عتاباً عن عدم الدفاع عن المستضعفين كمن تخاذل عن الدفاع عن اليهود فى المحارق النازية أو تخلى عن مسلمى البوسنة فى حرب الإبادة ضدهم أو رفض الدفاع عن المستضعفين فى راوندة حين قتل وذبح مئات الآلاف منهم, فالآيات التى تعاتب عن التخاذل عن الجهاد فى هذه السورة مثل :
آية (44) {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ}.
وآية (45) { إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ}.
وآية (46) { وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ}.
وآية (65) { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ}.
والآيات (81-87) {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ *فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ۖ إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ * وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ *وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ *وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ *رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ }
وهذا بالإضافة الى الآيات :
(93-96) {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ۚ رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ ۚ قُل لَّا تَعْتَذِرُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ ۚ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ ۖ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ ۖ إِنَّهُمْ رِجْسٌ ۖ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ ۖ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}.
وكل هذه الآيات تتكلم عن التخاذل عن نصرة المظلومين والمستضعفين فى الأرض و ليس عن التخاذل عن الإعتداء فالأخير حرمه الله على المسلمين الحقيقين .
ولا يوجد أبلغ من قول الله تعالى فى الآيتين التاليتين ليوضح لنا أن أسباب القتال فى الفترة الأولى من تاريخ الإسلام كانت لرد عدوان عليهم أو للدفاع مستضعفين فى الأرض
{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } و{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا}.
وتتجلى روح القرآن الحقيقية حينما يذكر القرآن وسط سورة التوبة ووسط لحظات القتال الدامية والتى تجعلنا فى بعض اللحظات وكأننا نكاد نشم غبار المعارك ففى وسط هذه الحظات حينما يقع واحد من المشركين المعتدين الذين بدءوا بالعدوان فى لحظة ضعف ويستنجد بواحد من المؤمنين الأوائل ويطلب منه أن يجيره فكان على المؤمن أن ينسى أن هذا المقاتل كان يريد قتله من بضع لحظات فقط وأن المشركين هم الذين بدءوا بالعدوان وأنهم عذبوا المؤمنين فى مكة, فعليه أن ينسى كل ذلك حينما يستجير به هذا الإنسان وعليه أن ينفذ أمر الله تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ }، ولو كان القرآن الكريم يدعو الى القتل لأجل القتل ويدعو الى سفك الدماء كما يتهمه البعض لكان أمر ذلك المسلم بقتل المشرك فى لحظة ضعفه بدلاً من معاملته هذه المعاملة الإنسانية، وذلك إن كان يدل على شئ فإنما يدل على أن الأصل فى الإسلام هو الرحمة والإنسانية والتسامح والسلام وأن القتال والحرب كانا فقط فى وقت معين لصد إعتداء الآخرين.
(1) {بَرَاءَةٌ من الله ورسوله إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ}
” البراءة” (أى فترة الهدنة) هنا الى المشركين الذين تم إبرام عهد معهم و هم فريقان:
الفريق الأول : الذين ينكثون عهدهم فى كل مرة و ذكرهم القرآن بقوله :
{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ },
والفريق الثانى
هم الذين إحترموا المعاهدات والمواثيق فى التعايش بسلام وعدم العدوان على غيرهم وهؤلاء قال فيهم الآيات {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ } أى طالما حافظوا على العهد فحافظوا على عهدكم معهم أيضاً من صفات المؤمنين الوفاء بالعهد { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا } وعدم نقض الميثاق {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ}.
(2) {الَّذِينَ كَفَرُوا} لاحظ التخصيص بإستخدام أداة التعريف “أل”.
(5) علينا أن نتساءل من هم “هؤلاء” المشركون الذين أمرالمؤمنون الأوائل بقتالهم, هم الذين كما ذكر القرآن إرتكبوا الجرائم التالية :
- {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} وتعنى أنهم كانوا لا يرحمون أى مؤمن.
- {وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أى هم الذين بدءوا بالعدوان.
- {نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم} أى حنثوا بجميع عهود السلام مع المسلمين الأوائل .
- {وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} أى هم الذين إعتدوا على المؤمنين الأوائل و بدءوا بقتالهم.
و المتأمل فى الآيات السابقة يرى أن أوامر القتال فى هذه السورة كانت دفاعاً عن النفس بهدف البقاء وليس بهدف العدوان, و الدليل على ذلك قوله تعالى فى نفس السورة :
{ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} .
فلو كان الهدف العام بطشاً و عنفاً وسفك دماء لأمر الله بقتل هذا المشرك الذى بدأ بالعدوان على المسلمين الأوائل وهو الآن فى لحظة ضعف ويطلب المساعدة، ولكن على العكس من ذلك تماماً أمر القرآن بمساعدة هذا المشرك ومد يد العون إليه لإخراجه من مأزقه ثم الإطمئنان عليه حتى يصل الى مكان آمن، فلو كان الهدف هو ذبح غير المسلمين وإعلان الحرب عليهم لما قال القرآن {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}, وإذا كانت أوامر القتال بهدف إكراه الناس على الدين لأكره محمد عليه السلام أهل مكة على الدخول فى الإسلام بعد فتح مكة ولما قال لهم ” إذهبوا فأنتم الطلقاء ” فلم يطلب منهم جزية أو خراجاً ولم يأمر بقتلهم ولم يلزمهم بإتباع دينه تنفيذاً لأمر الله تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}.
و علينا أن نتعلم حين نقرأ آيات القرآن أن نضع آياته الآخرى فى إعتبارنا وألا نأخذ بعضها ونُهمل الباقى وألا نَستقطع الآيات عن سياقها لنخدم أغراضاً خاصة فنحن نكون بذلك كالذين قالوا {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ} ونسوا أن يكملوا {وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ} أو نكون كمن وصفهم الله :
{ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ }.
فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡہُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ ڪُلَّ مَرۡصَدٍ۬ۚ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّڪَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ۬ رَّحِيمٌ۬ (٥) وَإِنۡ أَحَدٌ۬ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُ ۥۚ ذَٲلِكَ بِأَنَّہُمۡ قَوۡمٌ۬ لَّا يَعۡلَمُونَ (٦) ڪَيۡفَ يَكُونُ لِلۡمُشۡرِڪِينَ عَهۡدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِۦۤ إِلَّا ٱلَّذِينَ عَـٰهَدتُّمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۖ فَمَا ٱسۡتَقَـٰمُواْ لَكُمۡ فَٱسۡتَقِيمُواْ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ (٧) ڪَيۡفَ وَإِن يَظۡهَرُواْ عَلَيۡڪُمۡ لَا يَرۡقُبُواْ فِيكُمۡ إِلاًّ۬ وَلَا ذِمَّةً۬ۚ يُرۡضُونَكُم بِأَفۡوَٲهِهِمۡ وَتَأۡبَىٰ قُلُوبُهُمۡ وَأَڪۡثَرُهُمۡ فَـٰسِقُونَ (٨) ٱشۡتَرَوۡاْ بِـَٔايَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنً۬ا قَلِيلاً۬ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِۦۤۚ إِنَّہُمۡ سَآءَ مَا ڪَانُواْ يَعۡمَلُونَ (٩) لَا يَرۡقُبُونَ فِى مُؤۡمِنٍ إِلاًّ۬ وَلَا ذِمَّةً۬ۚ وَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡمُعۡتَدُونَ (١٠) فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّڪَوٰةَ فَإِخۡوَٲنُكُمۡ فِى ٱلدِّينِۗ وَنُفَصِّلُ ٱلۡأَيَـٰتِ لِقَوۡمٍ۬ يَعۡلَمُونَ (١١)
(5-11) {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} نلاحظ أن القرآن الكريم لم يقل “فإن أسلموا” ولم يقل” فإن إعتنقوا الإسلام “ولم يذكرأنهم” شهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله ” أى إعلان الشهادة و الدخول فى الدين ولم يذكر أنهم “آمنوا بالقرآن” , إذا فالآية هنا قد تكون تتكلم عن معنى آخر غير إتباع أركان الإسلام كما نعرفها، والسؤال هنا ماذا قد تعنى الآية فى هذه الحالة ؟
{فَإِن تَابُوا} تعنى تابوا عن العدوان وعن تعذيب المسلمين الآوائل.
{وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} أى أنهم أصبحت لهم صلة حقيقية مع الله تظهر فى أعمالهم فيعيشوا فى سلام مع الآخرين، وللصلاة عدة مفاهيم تؤثر وتغير من الإنسان وهى :
المفهوم الأول:
أنها وسيلة هدفها الرئيسى هو ذكر الله {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}.
المفهوم الثانى :
هى وسيلة لتطهير النفس البشرية لتمنعها من فعل الشركما ذكر الله تعالى فى قوله {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ}.
المفهوم الثالث :
تأتى الصلاة أيضاً بمعنى الدعاء للشخص ومباركته كما فى الآيات {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (أمر الله تعالى نبيه بالصلاة على المؤمنين أى بالدعاء لهم)، ونرى نفس المعنى فى قوله تعالى {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ} (أى يبارك الله عملهم الصالح) بالإضافة الى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا}.
المفهوم الرابع :
قد تأتى الصلاة أيضاً بمعنى التسبيح كما فى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ}، وتبعاً لهذه الآية فإن تسبيح الله و ذكر أسمه والتأمل فى ملكوته هو أحد أنواع الصلاة.
المفهوم الخامس :
هو أن الصلاة واحدة من العبادات تهدف الى التقرب الى الله كما فى {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}.
و الزكاة تعنى فى اللغه طهارة النفس {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} أى نقاها من الأفكار الشريرة، فالمقصود بالزكاة هنا طهارة النفس والتى تتجلى فى عمل الخيرات والتسامح مع الناس،. فإن تغير الذى قاتل المسلمين الأوائل و أعتدى عليهم وعذبهم وأوقف إستخدام العنف كوسيلة للتعامل وتغيرت معاملته, سواء دخل فى ديانة الإسلام أم لا فإنه أخ فى الدين أى فى صناعة السلام، فالمعنى الحقيقى للإسلام والذى كان موجوداً قبل مجئ القرآن هو تفعيل السلام على الأرض، فكلمة إسلام مشتقه من سلم – أسلم – إسلام (أى تفعيل السلام فى الأرض ) مثل صلح – أصلح – إصلاح ( أى الإصلاح فى الأرض ).
و علينا دائماً أن نلاحظ الفرق بين الإسلام وهى حالة التعايش فى سلام والتى دعى إليها كل الأنبياء والمرسلين والمصلحين و لذلك قال عنهم القرآن أنهم مسلمون وبين الديانة الإسلامية بأركانها الخمسة والتى تؤمن ايضا “بالإسلام” كمبدأ و طريق حياة أى “دين”فالقرآن الكريم لا يقبل بأى صورة من الصور إكراه الناس على عبادة الله :
{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}
و قال أيضاً {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ}
و قال جل و على { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } و { وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ }.
و جدير بالذكر أن التوبة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ليست فقط موجودة فى الديانة الإسلامية ولكن موجودة فى العقائد الأخرى :
فإبراهيم كان يصلى {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ}
وموسى كان يصلى {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}
وجميع أنبياء الله كانوا يصلوا بلغات و طرق مختلفة و كما قال تعالى {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاة }.
وَإِن نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَـٰنَهُم مِّنۢ بَعۡدِ عَهۡدِهِمۡ وَطَعَنُواْ فِى دِينِڪُمۡ فَقَـٰتِلُوٓاْ أَٮِٕمَّةَ ٱلۡڪُفۡرِۙ إِنَّهُمۡ لَآ أَيۡمَـٰنَ لَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ يَنتَهُونَ (١٢) أَلَا تُقَـٰتِلُونَ قَوۡمً۬ا نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَـٰنَهُمۡ وَهَمُّواْ بِإِخۡرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوڪُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٍۚ أَتَخۡشَوۡنَهُمۡۚ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَوۡهُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ (١٣) قَـٰتِلُوهُمۡ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَيۡدِيڪُمۡ وَيُخۡزِهِمۡ وَيَنصُرۡكُمۡ عَلَيۡهِمۡ وَيَشۡفِ صُدُورَ قَوۡمٍ۬ مُّؤۡمِنِينَ (١٤) وَيُذۡهِبۡ غَيۡظَ قُلُوبِهِمۡۗ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٥) أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تُتۡرَكُواْ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَلَمۡ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَلِيجَةً۬ۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ (١٦)
(12-16) {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } أى ينتهوا ويكفوا عن العدوان فكما قال القرآن :
{فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا}.
{وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم} أى لم يحترموا عهودهم فالأيمان هى العهود.
{ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ } أى حاربوا طريق التعايش فى سلام, فكما ذكرنا أن الإسلام فى معناه الحقيقى هو أن نعيش فى سلام مع الآخرين.
{فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } أى أن القتال هنا يهدف فقط لإنهاء عدوانهم { لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } وذلك يتضح فى الآية التالية التى توضح أسباب القتال فى هذا الموقف الخاص {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ( أى إنتهكوا معاهدات السلام وأعلنوا الحرب عليكم) وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ ( أى طردوه ) وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ( أى أنهم هم الذين بدءوا بالعدوان ) }.
فأوامر القتال هنا كانت ضد أناس بدءوا بالعدوان وأخلفوا عهودهم بالسلام وواصلوا الحرب على آمنين لإجبارهم على ترك دينهم، ونتعلم من ذلك ألا نكون مثل كفار مكة والمذكورين فى الآيات فلا نعتدى على أحد ونحترم عهودنا مع الآخرين ولا نجبر أحد على ترك دينه وإتباع ما نؤمن به, فإن فعلنا ذلك فإننا إذا لا نفرق عنهم شيئا.
و حين يذكر الله قوله تعالى {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} فإنه يعنى قاتلوا هؤلاء الذين أعلنوا القتال عليكم و لم يحترموا مواثيق وعهود السلام معكم ومحاولة إخراج هذه الآيات عن سياقها و تعميمها على من لم يقاتلونا ولم يعتدوا علينا هو جريمة فى حق الله و الرسول و القرآن والإسلام.
شُرع القتال فى الإسلام فقط للدفاع عن النفس وموقف القرآن صريح فى تحريم أى إعتداء على الآخرين, وقد وضع القرآن شروطاً للقتال كما يلى :
- دفاع عن النفس حينما يبدأ الآخرون المعتدون القتال {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} و{وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}.
- ألا يكون عدواناً على الآخرين {وَلَا تَعْتَدُوا}.
- ألا يكون لإكراه الآخرين على الدين {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.
- ألا يكون فيه ظلم لأحد {وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا }.
- معاملة الأسرى بالحسنى {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}.
- أن يٌغيث العدو إذا إستغاث به فى لحظة ما {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ}.
- ألا يستعبد الأسرى و أن يعاملهم كما ذكر القرآن {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}.
- أن يجنح للسلم فوراً إذا عرض عليه {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}.
- ألا يكسر ميثاقاً مع أحد حتى لو كان ذلك لنصرة مسلمين مثله “{وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ}.
- ألا يقتل نفساً بغير نفس {أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} فالقتل العشوائى أو العمليات الإنتحارية التى تؤدى الى قتل و لو برئ واحد كطفل لم يذنب أو إمرأة عجوز لم تخطىء يخرج الإنسان من ملة الإسلام و يحشره فى جهنم فى زمرة المجرمين و القتلة .
وعلينا دائما محاولة فهم آيات القرآن بعضها مع بعض وإستيعاب المرحلة التاريخية المرتبطة بنزول بعض الآيات فكما يوضح لنا القرآن مثلا فى هذه السورة أن قتال المؤمنين الأوائل كان لدرء ومنع الظلم والعدوان وتعذيب أناس مسالمين، و نلاحظ إستخدام القرآن لضمير الغائب “هم” فى أكثر من آية ليخصص المعنى فى فئة معينة باغية ومعتدية يتحدث عنها، و المواقف التاريخية والآيات الخاصة بها لا ينبغى أن تجعلنا نغفل عن الآيات المحكمات والتى تدعوا الى العيش فى سلام مع الناس كافة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} و عدم العدوان {وَلَا تَعْتَدُوا} و التعارف على الشعوب الآخرى و مبادئهم و أفكارهم وعقائدهم {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}، ومن يخرج عن هذا النظام إللإهى و يدعو الى العنف وسفك الدماء و العدوان على الآمنين فقد خرج عن ملة الإسلام.
مَا كَانَ لِلۡمُشۡرِكِينَ أَن يَعۡمُرُواْ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ شَـٰهِدِينَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِم بِٱلۡكُفۡرِۚ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ وَفِى ٱلنَّارِ هُمۡ خَـٰلِدُونَ (١٧) إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأَخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّڪَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ (١٨) ۞ أَجَعَلۡتُمۡ سِقَايَةَ ٱلۡحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأَخِرِ وَجَـٰهَدَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِۚ لَا يَسۡتَوُ ۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا يَہۡدِى ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ (١٩) ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَـٰهَدُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٲلِهِمۡ وَأَنفُسِہِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡفَآٮِٕزُونَ (٢٠) يُبَشِّرُهُمۡ رَبُّهُم بِرَحۡمَةٍ۬ مِّنۡهُ وَرِضۡوَٲنٍ۬ وَجَنَّـٰتٍ۬ لَّهُمۡ فِيہَا نَعِيمٌ۬ مُّقِيمٌ (٢١) خَـٰلِدِينَ فِيہَآ أَبَدًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ ۥۤ أَجۡرٌ عَظِيمٌ۬ (٢٢)
(17) {لِلْمُشْرِكِينَ} : أستخدام تعبير “المشركين” بدل من “من أشرك” و تعريفها ب “أل” تعنى الحديث عن مشركى مكة فى عصر نزول القرآن.
(18-22) عمارة مساجد الله لا تكون فقط بالبناء المادى وقوالب الحجارة بل تكون أكثر بالإيمان الروحى بالخالق و العطف على الفقراء و المحتاجين و هذا أعظم, ونتذكر هنا قول الله تعالى :
{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }.
و”الجهاد” له اكثر من معنى فى القرآن فهى :
- مقاومة المعتدين الذين يبدءون بالعدوان فلا يحق لمسلم أن يبدأ هوعدواناً على الآخرين {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ويحق له الدفاع عن نفسه فى حالة واحدة فقط وهى إذا تم الإعتداء عليه, فالجهاد الحقيقى – فى هذا المعنى – هو عملية دفاعية لإنقاذ الإنسان من الهلاك ولا يحق لأحد أن يستخدم هذا التعبير لتبرير إعتدائه على الآخرين فالدفاع عن النفس مشروع فى كل القيم الإنسانية أما الإعتداء فهو منكر ومرفوض فيها جميعاً و هو يخرج الإنسان عن ملة الإسلام والتى تعنى كما ذكرنا سابقاً صناعة السلام فى الأرض والعيش فى سلام مع الآخرين.
- جهاد النفس ضد الشهوات ونوازع الشر (رجعنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر ألا وهو جهاد النفس ” حديث شريف “) .
- محاولة الوصول الى الله و معرفته عن طريق التأمل فى آياته وعجائبه فى الخلق {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا }.
- الدعوة الى الله بالقرآن – و ليس بالسيف{وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا كبيرا} و الهاء هنا تعود على القرآن, فالجهاد الحقيقى يكون بالكلمة وليس بالعنف أو بالغلظة {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}.
- إنفاق المال لإطعام المحتاجين و الضعفاء {وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ}.
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَابَآءَكُمۡ وَإِخۡوَٲنَكُمۡ أَوۡلِيَآءَ إِنِ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡڪُفۡرَ عَلَى ٱلۡإِيمَـٰنِۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ (٢٣) قُلۡ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُڪُمۡ وَإِخۡوَٲنُكُمۡ وَأَزۡوَٲجُكُمۡ وَعَشِيرَتُكُمۡ وَأَمۡوَٲلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَـٰرَةٌ۬ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَـٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَآ أَحَبَّ إِلَيۡڪُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍ۬ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِىَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَہۡدِى ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَـٰسِقِينَ (٢٤) لَقَدۡ نَصَرَڪُمُ ٱللَّهُ فِى مَوَاطِنَ ڪَثِيرَةٍ۬ۙ وَيَوۡمَ حُنَيۡنٍۙ إِذۡ أَعۡجَبَتۡڪُمۡ كَثۡرَتُڪُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنڪُمۡ شَيۡـًٔ۬ا وَضَاقَتۡ عَلَيۡڪُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ ثُمَّ وَلَّيۡتُم مُّدۡبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ ۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودً۬ا لَّمۡ تَرَوۡهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَذَٲلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَـٰفِرِينَ (٢٦) ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِ ذَٲلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ۬ رَّحِيمٌ۬ (٢٧) يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسٌ۬ فَلَا يَقۡرَبُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ بَعۡدَ عَامِهِمۡ هَـٰذَاۚ وَإِنۡ خِفۡتُمۡ عَيۡلَةً۬ فَسَوۡفَ يُغۡنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۤ إِن شَآءَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَڪِيمٌ۬ (٢٨) قَـٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ ۥ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلۡحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡڪِتَـٰبَ حَتَّىٰ يُعۡطُواْ ٱلۡجِزۡيَةَ عَن يَدٍ۬ وَهُمۡ صَـٰغِرُونَ (٢٩)
(23) {لَا تَتَّخِذُوا} “لا” فى هذه الآية هى “لا الناهية” وعندما نقرأها فى القرآن لابد أن نفهمها فى حدود ما حدده القرآن و فى ضوء الآيات الأخرى التى تشرح لنا عن من ينهانا القرآن حينما يستخدم لا الناهية يقول القرآن الكريم :
{ لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ – إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }.
فالآيات المذكورة فى سورة التوبة و التى تنهى عن إتخاذ الآباء والإخوان أولياء إن إستحبوا الكفر على الإيمان هى محددة فقط فى الذين ينطبق عليهم قول الله {قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ }، فتعبير “إنما” فى اللغة العربية هو تعبير قصر وذلك يعنى أن الله لا ينهى عن البر والعلاقة الطيبة مع أى إنسان إلا إذا قاتلنا فى الدين و أخرجنا من ديارنا و ظاهر على إخراجنا، ومحاولة أخذ بعض الآيات من سياقها من سورة التوبة والتى نزلت فى موقف خاص وإغفال آيات القرآن الآخرى مثل آية سورة الممتحنه والتى توضح العلاقات بين البشر – هو تحريف لمقاصد كتاب الله و كتم لآياته.
فى المرحلة الأولى من تاريخ الإسلام حين كان الجهاد دفاعاً عن النفس ضد عتاة معتدين وبعد أن إنتهى هذا الوضع التاريخى و قال القرآن {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} قال {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً } أصبح الجهاد الحقيقى هو جهاد النفس ضد رغبات الشر والجشع والكراهية والبغضاء وهو جهاد لإعلاء الروح على الجسد والمحبة على الكراهية وهو جهاد القلب ليكون نقياً محباً لجميع البشرعلى إختلاف عقائدهم و أفكارهم، والجهاد أيضا فى معناه الحقيقى هو محاولة لإعلاء كلمة الله لتفعيل (صناعة) السلام فى الأرض ليتفق مع معنى الإسلام الحقيقى، فحينما نقرأ كلمة “جهاد” فى القرآن الكريم علينا أن نعى أن مفهومها أكبر وأوسع وأشمل من مجرد لحظات مؤقتة حدثت فى تاريخ الإسلام وقت الحروب و لفهم المعانى المختلفة لمعنى الجهاد أنظر التعليق على الآيات (18-22) من هذه السورة.
(25) العبرة التى نتعلمها من هذه الآية هو ألا نغتر بقوتنا فكما ذكر عن المسيح عليه السلام قوله فى الإنجيل ” قبل الكسر يكون الغرور ” و علينا أن نعرف دائما أننا ضعفاء وأن الله هو الذى يعطينا القوة والقدرة {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ}.
(26) {الْكَافِرِينَ} نلاحظ مرة أخرى إستخدام أداة التعريف “أل” لتخصيص المعنى فى هذه الحقبة التاريخية.
(27) { وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ } أى أن الله تعالى يفتح باب غفرانه ويتوب على من يشاء هو وليس من نشاء نحن – فليس لبشر التدخل والتأله فيقول أن فلاناً سيغفر له وأن الآخر لن يغفر له, فالله تعالى وحده هو صاحب الحق والمشيئة فى الغفران لمن يشاء وإدخاله جناته (أى فى الغفران لمن يشاء) لأنه هو الأعلم بكل الظروف المحيطة بالإنسان وبالتالى يضعها فى الإعتبار حين يحاسب البشر ، فمن نراه آثما قد يكون ضحية لمرض ما أو لظروف قاسية لا نعلمها نحن, فعلينا توخى الحذر فى إصدار الأحكام على البشر لأن ذلك يجعلنا وكأننا ننازع الله فى مشيئته بأن يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء, فحتى رسول الله لم يكن يدرى ولم يكن يعرف ماذا سيحدث له و للآخرين فى يوم الحساب {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ}.
(28) يتكلم القرآن مرة أخرى هنا عن {الْمُشْرِكِينَ} و قد عرفهم القرآن بالألف واللام “ال” حتى يحددهم فقط فى هؤلاء المشركين الذين عذبوا وقاتلوا المؤمنين الأوائل و ليس فى “كل من أشرك”، وتنهى الآية أن يقرب هؤلاء “المشركين” المسجد الحرام لأن أيديهم كانت ملوثة بدماء الأبرياء وقد أستخدم القرآن هنا “لا” الناهية فقال {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ}, و لفهم عن من ينهى القرآن نقرأ هذه الآية {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }.
(29) حينما يستخدم القرآن تعبير {الَّذِينَ} فإنه يعرف عمن يتكلم عنهم و يحددهم فى حقبة معينة من الزمان والمكان فلم تقل الآية ” قاتلوا من لا يؤمن بالله و اليوم الآخر ” (وبالتالى تعمم معنى الآية) بل قالت {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} فتحددها بوضوح فى مجموعة معينه من أهل الكتاب قاتلوا المسلمين الأوائل فى بداية الإسلام أو ساعدوا كفار مكة فى إعتدائهم على المسلمين الأوائل، وحين نقرأ مثل هذه الآيات علينا أن نضع فى إعتبارنا آيات القرآن الأخرى التى تشرح مفهوم القتال وتحدده فى تلك الفترة التاريخية, كما ورد فى التعليق على الآيات (12-16) فى هذه السورة.
وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَى ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِۖ ذَٲلِكَ قَوۡلُهُم بِأَفۡوَٲهِهِمۡۖ يُضَـٰهِـُٔونَ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ ڪَفَرُواْ مِن قَبۡلُۚ قَـٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۚ أَنَّىٰ يُؤۡفَڪُونَ (٣٠) ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَـٰنَهُمۡ أَرۡبَابً۬ا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُوٓاْ إِلَـٰهً۬ا وَٲحِدً۬اۖ لَّآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۚ سُبۡحَـٰنَهُ ۥ عَمَّا يُشۡرِڪُونَ (٣١) يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٲهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُ ۥ وَلَوۡ ڪَرِهَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ (٣٢)
(30) {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} كما شرحنا سابقا فى سورة المائدة آية (64) إن القرآن يتحدث عن طوائف مختلفة من بنى إسرائيل بإستخدام تعبيرات لغوية مختلفة فمثلا :
{الَّذِينَ هَادُوا} أى رجعوا الى الله ,
{الْيَهُودُ} قبائل فى الجزيرة العربية فى عصر الرسول,
و{أَصْحَابَ السَّبْتِ} أهل قرية من بنى إسرائيل فى عصر من العصور السابقة . و الذين ذكر أنهم قالوا أن { عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ } هم طائفة اليهود وليس كل بنى إسرائيل, فعلى سبيل المثال معظم بنى إسرائيل فى عصرنا الحالى لا يسمعون عن عزير ولا يقولون أنه أبن الله، وقوله تعالى {وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ } يستدعى التحليل, فالقرآن اعترض دائما على المفهوم المادى والجسدى لكلمة “إبن” والذى يفترض أن الله تعالى تزوج وأنجب (تعالى الله عن ذلك) فقال القرآن {أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ}، وهناك مفهوم مجازى لكلمة الإبن لا علاقة له بالمعنى السابق وإنما يعنى روح الله وكلمته كما ذكر القرآن الكريم {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ}، والأمر فى هذه الحالة يختلف لأن مفهوم الكلمة هو ما يهم فعندنا على سبيل المثال لو فهم أحد آية {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} والتى قالها الله لإبراهيم بمعنى أن الله يسكن فى هذا البيت وأنه محدود بحدوده فقد خرج هذا الشخص عن مفهوم القرآن لله, أما إن فهمها بمعنى مجازى فهذا أمر آخر، وكذلك الحال فى كلمة إبن فمن فهمها بصورة جسدية كما ذكرنا فذلك مخالف للقرآن أما إن فهمها بمعنى مجازى فالأمر يختلف تماماً.
(31) تتكلم هذه الآية عن عبادة رجال الدين وجعلهم آلهة بدلاً من الله تعالى وكإحقاق ٍ للحق فإن معظم التوراة والإنجيل يتكلمان عن إلهٍ واحدٍ فقيل فى التوراة “إسمع يا إسرائيل الرب إلهك رب واحد”, وقال الإنجيل “لكى يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ” و ذلك يتفق تماماً مع ما جاء به القرآن الكريم {إِنَّ إِلَٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ}.
هُوَ ٱلَّذِىٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُ ۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُ ۥ عَلَى ٱلدِّينِ ڪُلِّهِۦ وَلَوۡ ڪَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ (٣٣) ۞ يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ ڪَثِيرً۬ا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَيَأۡكُلُونَ أَمۡوَٲلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَـٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۗ وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَہَا فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ۬ (٣٤)
(33) { وَدِينِ الْحَقِّ } ذكر القرآن الكريم هذه الآية ليعرفنا ما هو الدين والطريق الذى إرتضاه لنا فقال {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} وملة إبراهيم تدعو الى البحث عن الله للوصول إليه عبر التفكر فى خلقه {وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ }.
و تدعوا ملة إبراهيم للسلام والإبتعاد عن العنف فحينما قال له أبوه {لَأَرْجُمَنَّكَ} رد عليه إبراهيم بقوله {سَلَامٌ عَلَيْكَ} ولما ألقاه قومه فى النار لأنهم إعتبروه مرتداً عن دينهم كان رد إبراهيم فى نهاية الأمر {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا}.
وحينما أرسل اللهُ رسولَه محمداً بالهدى ودين الحق فقد أرسله بملة الخليل إبراهيم :
{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } و { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }.
و الإسلام بمعنى التعايش فى سلام مع البشر (وليس بمعنى إتباع القرآن أركان الديانة الإسلامية ) كان هو ملة إبراهيم و ملة الأنبياء وملة محمد عليهم جميعاً صلوات الله و سلامه لأن جميعهم دعوا الى السلام فى الأرض وكل من يدعو الى السلام و يفعله أى يعمل جاهداً لإقراره فهو يتبع ملة إبراهيم أو الدين الحقيقى الذى أراد الله أن يظهره على الدين كله، فكما ذكرنا سابقاً فإن المعنى اللغوى لكلمة إسلام هو مشتق من سلم – أسلم – مسلم – إسلام كمثل صلح – اصلح – صلاح – مصلح – إصلاح، فكما إن الإصلاح هو تفعيل الإصلاح فى الأرض فإن الإسلام هو تفعيل السلام فى الأرض، ولأجل ذلك ذكر الله تعالى أن كثيراً من الأنبياء السابقين لمحمد كانوا مسلمين بالرغم من أنهم لم يكونوا يعرفون القرآن ولم يتبعوأ أركان الديانة الإسلامية كما نعرفها نحن ومع ذلك وصفوا أنهم مسلمون وأن دينهم الإسلام بالرغم من إختلاف كتبهم السماوية لأنهم كانوا يريدون إرساء السلام فى الأرض.
(34) {كَثِيرًا مِّنَ} لا تعنى الكل ولا تعنى الغالبية العظمى فالمعنى الأول (أى الكل) يعبر عنه بالقول ” أن كل الأحبار و الرهبان ” و المعنى الثانى (أى الغالبية العظمى) يعبر عنها بقول “إن أكثر الأحبار والرهبان” فقال القرآن الكريم :
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ }، ولو كان “كثير” تعنى الأغلبية لقال ” وقليل حق عليه العذاب ” فكلمة {كَثِيرٌ} تعنى عدد ليس بقليل و لكن لا تعنى الغالبية العظمى.
و فى جميع الحالات فإن القرآن يتحدث هنا عن بعض الأحبار والرهبان فى عهد الرسول وهى تتفق مع ما ذُكر فى التايخ وقت العصور الوسطى من تحكم رجال الدين فى شئون بعض الأمم وإستغلال الدين للسيطرة على الناس، وللأسف الشديد فبدلاً من أن نتعلم من ذلك فقد وقع بعضنا فى نفس الخطأ فنرى فى بعض بقاع الأرض تدخل و إستغلال نفوذ بعض رجال الدين بهدف السيطرة على الناس و إستغلالهم، ولا يسعنا هنا إلا أن نذكر أيضا أنه على الرغم من أن القرآن الكريم إنتقد بعض رجال الدين فى فترة تاريخية لأنهم إستغلوا نفوذهم لمصالحهم الخاصة فإنه أيضا أقر{ مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ }، ونتعلم من القرآن أنه لا يجوز محاسبة أىً من رجال الدين فى العصر الحالى بأخطاء حدثت من السابقين لهم فى وقت آخر فى التاريخ فقد قال القرآن صراحةً {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ}
يَوۡمَ يُحۡمَىٰ عَلَيۡهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكۡوَىٰ بِہَا جِبَاهُهُمۡ وَجُنُوبُہُمۡ وَظُهُورُهُمۡۖ هَـٰذَا مَا ڪَنَزۡتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡنِزُونَ (٣٥) إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّہُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثۡنَا عَشَرَ شَہۡرً۬ا فِى ڪِتَـٰبِ ٱللَّهِ يَوۡمَ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضَ مِنۡہَآ أَرۡبَعَةٌ حُرُمٌ۬ۚ ذَٲلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُۚ فَلَا تَظۡلِمُواْ فِيہِنَّ أَنفُسَڪُمۡۚ وَقَـٰتِلُواْ ٱلۡمُشۡرِڪِينَ كَآفَّةً۬ ڪَمَا يُقَـٰتِلُونَكُمۡ ڪَآفَّةً۬ۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ (٣٦) إِنَّمَا ٱلنَّسِىٓءُ زِيَادَةٌ۬ فِى ٱلۡڪُفۡرِۖ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ ۥ عَامً۬ا وَيُحَرِّمُونَهُ ۥ عَامً۬ا لِّيُوَاطِـُٔواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُۚ زُيِّنَ لَهُمۡ سُوٓءُ أَعۡمَـٰلِهِمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِى ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡڪَـٰفِرِينَ (٣٧) يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمۡ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ أَرَضِيتُم بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مِنَ ٱلۡأَخِرَةِۚ فَمَا مَتَـٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فِى ٱلۡأَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (٣٨) إِلَّا تَنفِرُواْ يُعَذِّبۡڪُمۡ عَذَابًا أَلِيمً۬ا وَيَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَڪُمۡ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيۡـًٔ۬اۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ ڪُلِّ شَىۡءٍ۬ قَدِيرٌ (٣٩)
(36) {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} الأشهر الحرم هى أربعة أشهر فى العام لتعلم الناس قيمة التعايش فى سلام سوياً وسميت أشهر حرام لأن الله تعالى حرم فيها القتال {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ(أى جرم كبير)} وحرم فيها أيضاً الظلم {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}، وأحل القتال فى تلك الفترة فى حالة واحدة وهى الدفاع عن النفس و منع العدوان، وقوله تعالى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} لا يجوز أن يستقطع وحده دون ذكر باقى الآية {كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً}, فعلة القتال كما هو واضح هى الدفاع عن النفس، وإستقطاع الجزء الأول وحده {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} دون ذكر باقى الآية هو تحريف لآيات الله عن معانيها.
(37) {النَّسِيءُ} هو تقديم أو تأخير الأشهر الحُرُم لأغراض شخصية – فكان بعض العرب يغيرون فى ميقات الأشهر الحرم حتى يحللوا لأنفسهم إعلان حرب على الآخرين، واعتبر القرآن هذا تلاعباً بالدين ورفضه تماماً ووصفه بقوله {زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}, وذلك يعلمنا أن محاولة التلاعب بآيات الله وتغير معانيها ومقاصدها بهدف خدمة أغراض شخصية هو جريمة فى حق الله تعالى قد تصل بالإنسان الى درجة الكفر.
(38) {انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} كما ذكرنا سابقاً فإن أصل الدين هو العيش فى سلام مع الآخرين {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}, وأن القتال شُرع للمسلمين الأوائل فى الحالات التالية:
- رد العدوان والدفاع عن النفس { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا }.
- الدفاع عن المستضعفين الذين كانوا يعذبون لإخراجهم من دينهم :
{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا }.
- الدفاع عن أهل الديانات الآخرى إذا إعتدى عليهم ظالم والدفاع عن أماكن عبادتهم و مقدساتهم {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا }.
و كانت مرحلة القتال فى تلك الفترة من تاريخ الإسلام صراعاً من أجل البقاء ودفاعاً عن النفس, ثم جاء الأمر الإلهى {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} و{ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} ليقر مرحلة جديدة يتعايش فيها الجميع فى سلام وإن كانت قد حدثت الكثير من التجاوزات التاريخية من الكثيرين بعد ذلك فإنه يتناقض مع روح القرآن والكثير من الآيات مثل {وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }.
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ ڪَفَرُواْ ثَانِىَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِى ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَـٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَڪِينَتَهُ ۥ عَلَيۡهِ وَأَيَّدَهُ ۥ بِجُنُودٍ۬ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ ڪَلِمَةَ ٱلَّذِينَ ڪَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَڪَلِمَةُ ٱللَّهِ هِىَ ٱلۡعُلۡيَاۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠) ٱنفِرُواْ خِفَافً۬ا وَثِقَالاً۬ وَجَـٰهِدُواْ بِأَمۡوَٲلِڪُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِۚ ذَٲلِكُمۡ خَيۡرٌ۬ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ (٤١) لَوۡ كَانَ عَرَضً۬ا قَرِيبً۬ا وَسَفَرً۬ا قَاصِدً۬ا لَّٱتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِنۢ بَعُدَتۡ عَلَيۡہِمُ ٱلشُّقَّةُۚ وَسَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسۡتَطَعۡنَا لَخَرَجۡنَا مَعَكُمۡ يُہۡلِكُونَ أَنفُسَہُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّہُمۡ لَكَـٰذِبُونَ (٤٢) عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعۡلَمَ ٱلۡكَـٰذِبِينَ (٤٣) لَا يَسۡتَـٔۡذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأَخِرِ أَن يُجَـٰهِدُواْ بِأَمۡوَٲلِهِمۡ وَأَنفُسِہِمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّمَا يَسۡتَـٔۡذِنُكَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأَخِرِ وَٱرۡتَابَتۡ قُلُوبُهُمۡ فَهُمۡ فِى رَيۡبِهِمۡ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥) ۞ وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُ ۥ عُدَّةً۬ وَلَـٰكِن ڪَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِيلَ ٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡقَـٰعِدِينَ (٤٦) لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالاً۬ وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَـٰلَكُمۡ يَبۡغُونَڪُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ وَفِيكُمۡ سَمَّـٰعُونَ لَهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ (٤٧) لَقَدِ ٱبۡتَغَوُاْ ٱلۡفِتۡنَةَ مِن قَبۡلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلۡأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَظَهَرَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَهُمۡ ڪَـٰرِهُونَ (٤٨) وَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ ٱئۡذَن لِّى وَلَا تَفۡتِنِّىٓۚ أَلَا فِى ٱلۡفِتۡنَةِ سَقَطُواْۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُۢ بِٱلۡڪَـٰفِرِينَ (٤٩) إِن تُصِبۡكَ حَسَنَةٌ۬ تَسُؤۡهُمۡۖ وَإِن تُصِبۡكَ مُصِيبَةٌ۬ يَقُولُواْ قَدۡ أَخَذۡنَآ أَمۡرَنَا مِن قَبۡلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمۡ فَرِحُونَ (٥٠) قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا ڪَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَٮٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَڪَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ (٥١) قُلۡ هَلۡ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلَّآ إِحۡدَى ٱلۡحُسۡنَيَيۡنِۖ وَنَحۡنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمۡ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ۬ مِّنۡ عِندِهِۦۤ أَوۡ بِأَيۡدِينَاۖ فَتَرَبَّصُوٓاْ إِنَّا مَعَڪُم مُّتَرَبِّصُونَ (٥٢) قُلۡ أَنفِقُواْ طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهً۬ا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمۡۖ إِنَّكُمۡ ڪُنتُمۡ قَوۡمً۬ا فَـٰسِقِينَ (٥٣) وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡہُمۡ نَفَقَـٰتُهُمۡ إِلَّآ أَنَّهُمۡ ڪَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمۡ ڪُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمۡ كَـٰرِهُونَ (٥٤) فَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٲلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَـٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَہُم بِہَا فِى ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُہُمۡ وَهُمۡ كَـٰفِرُونَ (٥٥) وَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّہُمۡ لَمِنڪُمۡ وَمَا هُم مِّنكُمۡ وَلَـٰكِنَّهُمۡ قَوۡمٌ۬ يَفۡرَقُونَ (٥٦) لَوۡ يَجِدُونَ مَلۡجَـًٔا أَوۡ مَغَـٰرَٲتٍ أَوۡ مُدَّخَلاً۬ لَّوَلَّوۡاْ إِلَيۡهِ وَهُمۡ يَجۡمَحُونَ (٥٧) وَمِنۡہُم مَّن يَلۡمِزُكَ فِى ٱلصَّدَقَـٰتِ فَإِنۡ أُعۡطُواْ مِنۡہَا رَضُواْ وَإِن لَّمۡ يُعۡطَوۡاْ مِنۡہَآ إِذَا هُمۡ يَسۡخَطُونَ (٥٨) وَلَوۡ أَنَّهُمۡ رَضُواْ مَآ ءَاتَٮٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ ۥ وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤۡتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَرَسُولُهُ ۥۤ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَٲغِبُونَ (٥٩) ۞ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَـٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَـٰكِينِ وَٱلۡعَـٰمِلِينَ عَلَيۡہَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُہُمۡ وَفِى ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَـٰرِمِينَ وَفِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۖ فَرِيضَةً۬ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَڪِيمٌ۬ (٦٠) وَمِنۡہُمُ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلنَّبِىَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ۬ۚ قُلۡ أُذُنُ خَيۡرٍ۬ لَّڪُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤۡمِنُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ وَرَحۡمَةٌ۬ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ۬ (٦١) يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ لِيُرۡضُوڪُمۡ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ ۥۤ أَحَقُّ أَن يُرۡضُوهُ إِن ڪَانُواْ مُؤۡمِنِينَ (٦٢) أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّهُ ۥ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ۥ فَأَنَّ لَهُ ۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدً۬ا فِيہَاۚ ذَٲلِكَ ٱلۡخِزۡىُ ٱلۡعَظِيمُ (٦٣) يَحۡذَرُ ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيۡهِمۡ سُورَةٌ۬ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِى قُلُوبِہِمۡۚ قُلِ ٱسۡتَہۡزِءُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخۡرِجٌ۬ مَّا تَحۡذَرُونَ (٦٤) وَلَٮِٕن سَأَلۡتَهُمۡ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا ڪُنَّا نَخُوضُ وَنَلۡعَبُۚ قُلۡ أَبِٱللَّهِ وَءَايَـٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَہۡزِءُونَ (٦٥) لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَـٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَآٮِٕفَةٍ۬ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآٮِٕفَةَۢ بِأَنَّہُمۡ ڪَانُواْ مُجۡرِمِينَ (٦٦) ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَـٰفِقَـٰتُ بَعۡضُهُم مِّنۢ بَعۡضٍ۬ۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمُنڪَرِ وَيَنۡہَوۡنَ عَنِ ٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَقۡبِضُونَ أَيۡدِيَہُمۡۚ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَہُمۡۗ إِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِينَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ (٦٧) وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَـٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَـٰفِقَـٰتِ وَٱلۡكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيہَاۚ هِىَ حَسۡبُهُمۡۚ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ۬ مُّقِيمٌ۬ (٦٨) كَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ ڪَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنكُمۡ قُوَّةً۬ وَأَكۡثَرَ أَمۡوَٲلاً۬ وَأَوۡلَـٰدً۬ا فَٱسۡتَمۡتَعُواْ بِخَلَـٰقِهِمۡ فَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِخَلَـٰقِكُمۡ ڪَمَا ٱسۡتَمۡتَعَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُم بِخَلَـٰقِهِمۡ وَخُضۡتُمۡ كَٱلَّذِى خَاضُوٓاْۚ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فِى ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأَخِرَةِۖ وَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ (٦٩)
(40-69) تتحدث هذه المجموعة من الآيات عن مواقف تعاون فيها بعض المنافقين مع مشركى مكة ضد المسلمين الأوائل و يتطرق الحديث فى الآيات عن مواقف بعينها وحوار بين الرسول و بين بعض هؤلاء، ومحاولة البعض فهم هذه الآيات خارج سياقها التاريخى الفعلى أو محاولة تعميم معانيها على آخرين لاعلاقة لهم بهذه المواقف وفى أزمنة أخرى هو لىّ لمعانى القرآن وإخراج آياته عن سياقها ويتعارض تماماً مع مبادئ القرآن القطعية والتى لا تجيز محاسبة أى إنسان بذنب إنسان آخر أو محاسبة أى قوم بذنب أقوام آخرين فلا أوضح ولا أبلغ من قوله تعالى والذى ذكره فى أكثر من موقع فى القرآن الكريم
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ }.
أَلَمۡ يَأۡتِہِمۡ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ قَوۡمِ نُوحٍ۬ وَعَادٍ۬ وَثَمُودَ وَقَوۡمِ إِبۡرَٲهِيمَ وَأَصۡحَـٰبِ مَدۡيَنَ وَٱلۡمُؤۡتَفِڪَـٰتِۚ أَتَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَـٰتِۖ فَمَا ڪَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَـٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَہُمۡ يَظۡلِمُونَ (٧٠) وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٍ۬ۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ۥۤۚ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ سَيَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ۬ (٧١) وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ جَنَّـٰتٍ۬ تَجۡرِى مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيہَا وَمَسَـٰكِنَ طَيِّبَةً۬ فِى جَنَّـٰتِ عَدۡنٍ۬ۚ وَرِضۡوَٲنٌ۬ مِّنَ ٱللَّهِ أَڪۡبَرُۚ ذَٲلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ (٧٢)
(70) حينما نتأمل فى قصص هؤلاء الأنبياء فى القرآن الكريم نتعلم منهم أنهم لم يستخدموا العنف أبداً فى نشر دعوتهم وأن رسالتهم كانت واحدة :
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }.
ونرى أيضا فى قصص هؤلاء أن الذين كانوا يستخدمون العنف لنشر فكرهم أو منع فكر من يخالفهم من الإنتشار كانوا هم الكافرون وهم المشركون :
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا }.
ونتعجب فى عصرنا الحالى حين نرى أن الذين يدعون الإيمان بالله من بعض الجماعات المتطرفة هم الذين يستخدمون العنف بإسم الله لمنع الفكر المخالف لهم ولقهره ولإجبار الآخرين على إتباع عقائدتهم، وكان الأحرى بهؤلاء الذين نسوا قول الله تعالى :
{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} و قوله { فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} ونسوا أن يأخذوا العبرة من قصص الأنبياء السابقين {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ }.
فكان أولى بهم أن يقتدوا بهؤلاء الأنبياء الذين دعوا الى الله بالحسنى بدلاً من أن يقتدوا بالكافرين والمشركين فى تلك العصور، وإتخاذ هؤلاء الأنبياء قدوة هو تأسى برسول الله الذى قال الله له :
{أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}.
فمن يلجأ لإستخدام العنف لنشر فكره فهو العاجز الضعيف الذى لا يجد الحجة القوية لإقتاع الآخرين فيلجأ للعنف لإثبات فكره.
(71) {المعروف} هو ما تعارف البشر عليه مثل عمل الخير و مساعدة المحتاج والعطف على الضعيف، أما “المنكر” فهو ما ينكره كافة البشر بضمائرهم مثل الجرائم والإغتصاب وهتك العرض والإعتداء على الآمنين، ويختلف المعروف والمنكر عن الحلال والحرام، فالحلال ليس بالضرورة أن يكون متعارفاً عليه (معروفاً) لأنه يختلف بين دين ودين و عقيدة وأخرى، والحرام ليس بالضرورة أن يكون منكراً من الجميع فأكل لحم الخنزير قد يكون حراماًعند البعض ولكنه ليس محرماً عند آخرين، والأمر بالمعروف و النهى عن المنكر لا يعنى على الإطلاق إكراه الناس على شئ فقال تعالى :
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ} فلا نرى الله يُنزل سياطاً من السماء على الناس إذا عصوا أوامره وفعلوا ما نهاهم عنه، فالأمر والنهى لا يعنيان الإكراه أو إجبار الآخرين
لأن الله تعالى أراد ان يعطى البشر حق الإختيار فكما قال تعالى :
{فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} و {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} و{وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ} و{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.
(72) يلفت هنا القرأن نظرنا الى أن رضوان الله الحقيقى ليس فقط بالأشياء المادية فى الجنة وإنما برضاه علينا والتواجد معه فى الآخرة وذلك هو أكبر وأعظم من كل الأشياء المادية التى يتمناها الإنسان فى الجنة :
{ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }.
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلنَّبِىُّ جَـٰهِدِ ٱلۡڪُفَّارَ وَٱلۡمُنَـٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡہِمۡۚ وَمَأۡوَٮٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ (٧٣) يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدۡ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلۡكُفۡرِ وَڪَفَرُواْ بَعۡدَ إِسۡلَـٰمِهِمۡ وَهَمُّواْ بِمَا لَمۡ يَنَالُواْۚ وَمَا نَقَمُوٓاْ إِلَّآ أَنۡ أَغۡنَٮٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ ۥ مِن فَضۡلِهِۦۚ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيۡرً۬ا لَّهُمۡۖ وَإِن يَتَوَلَّوۡاْ يُعَذِّبۡہُمُ ٱللَّهُ عَذَابًا أَلِيمً۬ا فِى ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأَخِرَةِۚ وَمَا لَهُمۡ فِى ٱلۡأَرۡضِ مِن وَلِىٍّ۬ وَلَا نَصِيرٍ۬ (٧٤) ۞ وَمِنۡہُم مَّنۡ عَـٰهَدَ ٱللَّهَ لَٮِٕنۡ ءَاتَٮٰنَا مِن فَضۡلِهِۦ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ (٧٥) فَلَمَّآ ءَاتَٮٰهُم مِّن فَضۡلِهِۦ بَخِلُواْ بِهِۦ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ (٧٦) فَأَعۡقَبَہُمۡ نِفَاقً۬ا فِى قُلُوبِہِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ يَلۡقَوۡنَهُ ۥ بِمَآ أَخۡلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا ڪَانُواْ يَكۡذِبُونَ (٧٧) أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَٮٰهُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ (٧٨) ٱلَّذِينَ يَلۡمِزُونَ ٱلۡمُطَّوِّعِينَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فِى ٱلصَّدَقَـٰتِ وَٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهۡدَهُمۡ فَيَسۡخَرُونَ مِنۡہُمۡۙ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنۡہُمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٩) ٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ أَوۡ لَا تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ إِن تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ سَبۡعِينَ مَرَّةً۬ فَلَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ ذَٲلِكَ بِأَنَّہُمۡ ڪَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَہۡدِى ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَـٰسِقِينَ (٨٠) فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَـٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَـٰهِدُواْ بِأَمۡوَٲلِهِمۡ وَأَنفُسِہِمۡ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِى ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّ۬اۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ (٨١) فَلۡيَضۡحَكُواْ قَلِيلاً۬ وَلۡيَبۡكُواْ كَثِيرً۬ا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ (٨٢) فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآٮِٕفَةٍ۬ مِّنۡہُمۡ فَٱسۡتَـٔۡذَنُوكَ لِلۡخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخۡرُجُواْ مَعِىَ أَبَدً۬ا وَلَن تُقَـٰتِلُواْ مَعِىَ عَدُوًّاۖ إِنَّكُمۡ رَضِيتُم بِٱلۡقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ۬ فَٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡخَـٰلِفِينَ (٨٣) وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٍ۬ مِّنۡہُم مَّاتَ أَبَدً۬ا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦۤۖ إِنَّہُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَـٰسِقُونَ (٨٤) وَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٲلُهُمۡ وَأَوۡلَـٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَہُم بِہَا فِى ٱلدُّنۡيَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُہُمۡ وَهُمۡ ڪَـٰفِرُونَ (٨٥) وَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٌ أَنۡ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَـٰهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱسۡتَـٔۡذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوۡلِ مِنۡهُمۡ وَقَالُواْ ذَرۡنَا نَكُن مَّعَ ٱلۡقَـٰعِدِينَ (٨٦) رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِہِمۡ فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ (٨٧) لَـٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ ۥ جَـٰهَدُواْ بِأَمۡوَٲلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ وَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ لَهُمُ ٱلۡخَيۡرَٲتُۖ وَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ (٨٨) أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ جَنَّـٰتٍ۬ تَجۡرِى مِن تَحۡتِہَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيہَاۚ ذَٲلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ (٨٩) وَجَآءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِيُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ۥۚ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ ڪَفَرُواْ مِنۡہُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ۬ (٩٠) لَّيۡسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرۡضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٍ۬ۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌ۬ رَّحِيمٌ۬ (٩١) وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوۡكَ لِتَحۡمِلَهُمۡ قُلۡتَ لَآ أَجِدُ مَآ أَحۡمِلُڪُمۡ عَلَيۡهِ تَوَلَّواْ وَّأَعۡيُنُهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ (٩٢) ۞ إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسۡتَـٔۡذِنُونَكَ وَهُمۡ أَغۡنِيَآءُۚ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِہِمۡ فَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ (٩٣) يَعۡتَذِرُونَ إِلَيۡكُمۡ إِذَا رَجَعۡتُمۡ إِلَيۡہِمۡۚ قُل لَّا تَعۡتَذِرُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَڪُمۡ قَدۡ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنۡ أَخۡبَارِڪُمۡۚ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُ ۥ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَـٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (٩٤) سَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَڪُمۡ إِذَا ٱنقَلَبۡتُمۡ إِلَيۡہِمۡ لِتُعۡرِضُواْ عَنۡہُمۡۖ فَأَعۡرِضُواْ عَنۡہُمۡۖ إِنَّہُمۡ رِجۡسٌ۬ۖ وَمَأۡوَٮٰهُمۡ جَهَنَّمُ جَزَآءَۢ بِمَا ڪَانُواْ يَكۡسِبُونَ (٩٥) يَحۡلِفُونَ لَڪُمۡ لِتَرۡضَوۡاْ عَنۡہُمۡۖ فَإِن تَرۡضَوۡاْ عَنۡہُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَرۡضَىٰ عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَـٰسِقِينَ (٩٦) ٱلۡأَعۡرَابُ أَشَدُّ ڪُفۡرً۬ا وَنِفَاقً۬ا وَأَجۡدَرُ أَلَّا يَعۡلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ۬ (٩٧) وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغۡرَمً۬ا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَآٮِٕرَۚ عَلَيۡهِمۡ دَآٮِٕرَةُ ٱلسَّوۡءِۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ۬ (٩٨) وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَـٰتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَٲتِ ٱلرَّسُولِۚ أَلَآ إِنَّہَا قُرۡبَةٌ۬ لَّهُمۡۚ سَيُدۡخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِى رَحۡمَتِهِۦۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ۬ رَّحِيمٌ۬ (٩٩) وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَـٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَـٰنٍ۬ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنۡہُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّـٰتٍ۬ تَجۡرِى تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيہَآ أَبَدً۬اۚ ذَٲلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ (١٠٠) وَمِمَّنۡ حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مُنَـٰفِقُونَۖ وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِۖ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعۡلَمُهُمۡۖ نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡۚ سَنُعَذِّبُہُم مَّرَّتَيۡنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ۬ (١٠١) وَءَاخَرُونَ ٱعۡتَرَفُواْ بِذُنُوبِہِمۡ خَلَطُواْ عَمَلاً۬ صَـٰلِحً۬ا وَءَاخَرَ سَيِّئًا عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡہِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ۬ رَّحِيمٌ (١٠٢) خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٲلِهِمۡ صَدَقَةً۬ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيہِم بِہَا وَصَلِّ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٌ۬ لَّهُمۡۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣) أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَأۡخُذُ ٱلصَّدَقَـٰتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ (١٠٤) وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُ ۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَـٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّہَـٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (١٠٥) وَءَاخَرُونَ مُرۡجَوۡنَ لِأَمۡرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُہُمۡ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيۡہِمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ۬ (١٠٦) وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسۡجِدً۬ا ضِرَارً۬ا وَڪُفۡرً۬ا وَتَفۡرِيقَۢا بَيۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَإِرۡصَادً۬ا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَيَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ يَشۡہَدُ إِنَّہُمۡ لَكَـٰذِبُونَ (١٠٧) لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدً۬اۚ لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِۚ فِيهِ رِجَالٌ۬ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ (١٠٨) أَفَمَنۡ أَسَّسَ بُنۡيَـٰنَهُ ۥ عَلَىٰ تَقۡوَىٰ مِنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٲنٍ خَيۡرٌ أَم مَّنۡ أَسَّسَ بُنۡيَـٰنَهُ ۥ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ۬ فَٱنۡہَارَ بِهِۦ فِى نَارِ جَهَنَّمَۗ وَٱللَّهُ لَا يَہۡدِى ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ (١٠٩) لَا يَزَالُ بُنۡيَـٰنُهُمُ ٱلَّذِى بَنَوۡاْ رِيبَةً۬ فِى قُلُوبِهِمۡ إِلَّآ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١١٠)
(73-110) تتحدث هذه المجموعة من الآيات عن فئة محددة من المشركين الذين قاتلوا المسلمين فى بداية الإسلام وتتواصل الآيات لتصف بعض الملابسات التاريخية الخاصة بذلك العصر، فالآيات كما نرى لا تتحدث عن كل من كفر أو كل من نافق أو كل من أشرك ولكن تتحدث عن الكافرين والمنافقين والمشركين فعرفتهم بالألف واللام حتى تحدد معنى الآيات فى فئة بعينها، والقرآن ضرب الله لنا فيه من كل مثل فشرح لنا قصص الأنبياء وتكلم عن مواقف خاصة فى عصر الرسول مثل هذه الآيات وأقر مبادئ عامة للإنسانية جمعاء، وحين نقرأ هذه الآيات من سورة التوبة لابد أن نضع مبادئ القرآن العظمى أمام أعيننا حتى لا نُخرج هذه الآيات من مضمونها التاريخى وحتى لا ننتهك مبادئ القرآن وأحكامه الأزلية.
ومن هذه المبادئ ما يلى :
- تحريم إكراه أحد فى أمور الدين {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.
- حرية الفكر والعقيدة حق إلاهى كفله الله لجميع البشر{فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}.
- تحريم الإعتداء على الآخرين {وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.
- إعلاء السلام كوسيلة للتعايش {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}.
- مد يد العون الى أى مستجير حتى لو كان عدو وقع فى مأزق {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ}.
و علينا جميعا أن نضع هذه المبادئ العامة نصب أعيننا و فهم الآيات المذكورة فى سياقها ومضمونها التاريخى والزمنى، و لنقرأ بعض هذه الآيات ولنرى كيف أن القرآن خصصها فقط فى مجموعة بعينها يتكلم عنها فنقرأ التالى :
{جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} لاحظ إستخدام “ال” التعريف وعدم إستخدام تعبير العموم “من كفر” و “من نافق”.
و إذا قرأنا {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا} و{وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ} و{فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا} نتساءل من المقصود ب “هم ” التى يتحدث عنهم القرآن فهى بالقطع مجموعة بعينها تتكلم عنها الآيات، وبنفس النظرة والتحليل نقرأ هذه الآيات أيضا ً{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ},{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} و{الْمُخَلَّفُونَ} و{طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ} و{وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم} و{أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ} و{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} فمن الواضح ان القرآن يتحدث عن مواقف خاصة وعن فئة بعينها عرفها ب” ال ” أو ب ” الذين ” أو أشار إليهم بضمير الغائب “هم “.
۞ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَٲلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقۡتُلُونَ وَيُقۡتَلُونَۖ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقًّ۬ا فِى ٱلتَّوۡرَٮٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ وَٱلۡقُرۡءَانِۚ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِۚ فَٱسۡتَبۡشِرُواْ بِبَيۡعِكُمُ ٱلَّذِى بَايَعۡتُم بِهِۦۚ وَذَٲلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ (١١١) ٱلتَّـٰٓٮِٕبُونَ ٱلۡعَـٰبِدُونَ ٱلۡحَـٰمِدُونَ ٱلسَّـٰٓٮِٕحُونَ ٱلرَّٲڪِعُونَ ٱلسَّـٰجِدُونَ ٱلۡأَمِرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلۡمُنڪَرِ وَٱلۡحَـٰفِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (١١٢) مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِڪِينَ وَلَوۡ ڪَانُوٓاْ أُوْلِى قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّہُمۡ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَحِيمِ (١١٣) وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَٲهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوۡعِدَةٍ۬ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ ۥۤ أَنَّهُ ۥ عَدُوٌّ۬ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنۡهُۚ إِنَّ إِبۡرَٲهِيمَ لَأَوَّٲهٌ حَلِيمٌ۬ (١١٤) وَمَا ڪَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوۡمَۢا بَعۡدَ إِذۡ هَدَٮٰهُمۡ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَىۡءٍ عَلِيمٌ (١١٥) إِنَّ ٱللَّهَ لَهُ ۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ يُحۡىِۦ وَيُمِيتُۚ وَمَا لَڪُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِىٍّ۬ وَلَا نَصِيرٍ۬ (١١٦) لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِىِّ وَٱلۡمُهَـٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ڪَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ۬ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّهُ ۥ بِهِمۡ رَءُوفٌ۬ رَّحِيمٌ۬ (١١٧) وَعَلَى ٱلثَّلَـٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتۡ عَلَيۡہِمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ وَضَاقَتۡ عَلَيۡهِمۡ أَنفُسُهُمۡ وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلۡجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّآ إِلَيۡهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡ لِيَتُوبُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ (١١٨) يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ (١١٩) مَا ڪَانَ لِأَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ وَمَنۡ حَوۡلَهُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلَا يَرۡغَبُواْ بِأَنفُسِہِمۡ عَن نَّفۡسِهِۦۚ ذَٲلِكَ بِأَنَّهُمۡ لَا يُصِيبُهُمۡ ظَمَأٌ۬ وَلَا نَصَبٌ۬ وَلَا مَخۡمَصَةٌ۬ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَطَـُٔونَ مَوۡطِئً۬ا يَغِيظُ ٱلۡڪُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنۡ عَدُوٍّ۬ نَّيۡلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلٌ۬ صَـٰلِحٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (١٢٠) وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً۬ صَغِيرَةً۬ وَلَا ڪَبِيرَةً۬ وَلَا يَقۡطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا ڪُتِبَ لَهُمۡ لِيَجۡزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا ڪَانُواْ يَعۡمَلُونَ (١٢١) ۞ وَمَا كَانَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لِيَنفِرُواْ ڪَآفَّةً۬ۚ فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٍ۬ مِّنۡہُمۡ طَآٮِٕفَةٌ۬ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡہِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ (١٢٢) يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَـٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ ٱلۡڪُفَّارِ وَلۡيَجِدُواْ فِيكُمۡ غِلۡظَةً۬ۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ (١٢٣) وَإِذَا مَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٌ۬ فَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ أَيُّڪُمۡ زَادَتۡهُ هَـٰذِهِۦۤ إِيمَـٰنً۬اۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَزَادَتۡهُمۡ إِيمَـٰنً۬ا وَهُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ۬ فَزَادَتۡہُمۡ رِجۡسًا إِلَىٰ رِجۡسِهِمۡ وَمَاتُواْ وَهُمۡ ڪَـٰفِرُونَ (١٢٥)
(111) بعد إنتهاء فترة القتال فى المرحلة الأولى من تاريخ الإسلام والتى شرعت فقط لمنع العدوان ودفاعاً عن النفس (لمعرفة القواعد القرآنية ومبادئه فى القتال برجاء مراجعة التعليق على آية (13) من سورة آل عمران) أصبح القتال الحقيقى هو قتال العدو الحقيقى للإنسان وهو الشيطان{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}، وهذا هو العدو الحقيقى الذى على الإنسان أن يحاربه داخل نفسه, فينصر الخير بداخله وينتصرعلى الكراهية و العداوة {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ}، فمن يقتل نزعات الشر بداخله فهو المنتصر الحقيقى فى هذه الحرب على الشيطان.
(112) {التَّائِبُونَ}:
أى النادمون عن فعل الشر والذين عاهدوا أنفسهم ألا يعودوا إليه.
{الْحَامِدُونَ} :
أى لايكل لسانهم عن شكر الله ولاتكل أيديهم عن مساعدة المحتاجين تعبيراً عن حمدهم لله وشكرهم له سبحانه على نعمه.
{السَّائِحُونَ} :
أى تسيح أعينهم وأفئدتهم تأملاً فى ملكوت الله فى كل مكان حولهم.
{الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ} :
قد يكون السجود والركوع مادياً بحركة الجسد وقد يعنى ركوعاً و سجود الروح والقلب لله كما سجد كل الوجود له كما قال تعالى :
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِى الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ }.
(113-114) كان هذا النهى عن الإستغفار للمشركين خاصاً بهؤلاء المشركين الذين قاتلوا الرسول والمومنين فى بداية الدعوة, والذين ذكرهم الله فى قوله :
{ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }.
ونلاحظ إستخدام أداة التعريف “ال” فلم يقل القرآن ” ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا “لمن أشرك” وإنما عرفها وحددها بأداة التعريف “ال”، وكان النهى عن الإستغفار لهؤلاء المشركين فى هذه الآية تعبيراً عن بشاعة جرمهم فى طردهم الأبرياء من ديارهم {وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ}, و {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ}، ونلاحظ أيضاً إن إبراهيم حينما تبرأ من أبيه كان ذلك بسبب أن أباه كان ينوى قتله ورجمه فقال له {لَأَرْجُمَنَّكَ}، فعلينا دائما أن نعى الفرق بين من أشرك ولكنه لم يعلن حرباً على من آمن بالله و بين {الْمُشْرِكِينَ} الذين عذبوا المؤمنين و المؤمنات وبطشوا بهم.
(116) {يُحْيِي وَيُمِيتُ} الله هو الذى {يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } وهو الذى يحى القلوب بنور معرفته :
{أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يمشى به فى الناس} وهو الذى يحى العظام و هو رميم :
{قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ *قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}.
(117) الله هو الذى يقبل التوبة عن عباده وهو الذى وصف نفسه بقوله {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} وهو القائل فى كتابه العزيز {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} و هو سبحانه القائل {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }. وفى هذه الآية من سورة التوبة نرى الله تعالى يتوب على رسوله والمهاجرين والأنصار بعد أن زاغت قلوب بعضهم ثم شعروا بذنبهم و أرادوا الرجوع إليه.
(121-125) تتحدث هذه الآيات كغيرها من الآيات فى سورة التوبة عن أحداث ومواقف بعينها حدثت فى زمن الرسول عليه السلام .
أَوَلَا يَرَوۡنَ أَنَّهُمۡ يُفۡتَنُونَ فِى ڪُلِّ عَامٍ۬ مَّرَّةً أَوۡ مَرَّتَيۡنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمۡ يَذَّڪَّرُونَ (١٢٦) وَإِذَا مَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٌ۬ نَّظَرَ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ هَلۡ يَرَٮٰڪُم مِّنۡ أَحَدٍ۬ ثُمَّ ٱنصَرَفُواْۚ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَہُم بِأَنَّہُمۡ قَوۡمٌ۬ لَّا يَفۡقَهُونَ (١٢٧) لَقَدۡ جَآءَڪُمۡ رَسُولٌ۬ مِّنۡ أَنفُسِڪُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡڪُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٌ۬ رَّحِيمٌ۬ (١٢٨) فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ حَسۡبِىَ ٱللَّهُ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَلَيۡهِ تَوَڪَّلۡتُۖ وَهُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ (١٢٩)
(126) { يُفْتَنُونَ } أى يختبرون .
(128) تعلمنا هذه الآية الحلم والرأفه مع الآخرين والقرآن الكريم يستخدم كلمة المؤمنين على كل من يعيش مع الآخرين فى أمان، فكلمة مؤمن لا تعنى اتباع القرآن فقط كما يظن البعض, فقد ذكر الله كلمة {مُّؤْمِنٌ} على أناس قبل القرآن {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ}، وذكر الله عن نبيه موسى قوله {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}, وقال لنا لتوضيح الأمر أن كل من يعيش فى سلام مع الآخرين فهو مؤمن {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}، أى لا تقولوا لمن يعيش معكم فى سلام أنه ليس بمؤمن.
(129) { فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } توضح خاتمة سورة التوبة حقيقة ما يريده الله من السورة وتضع قاعدة عامة لا تختلف بالزمان ولا بالمكان فقالت الآية {فَإِن تَوَلَّوْا} أى لم يؤمنوا ولم يتبعوك ورفضوا ما جئت به بأن يقول لهم {حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}، فلم تأمره الآية أن يرفع سيفاً على من تولى ورفض الإيمان بما جاء به وإنما قالت له المعنى المذكور سابقاً، ويتفق ذلك تماماً مع معانى الآيات الآخرى مثل :
{وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ} و{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ} – {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}.