بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
نٓۚ وَٱلۡقَلَمِ وَمَا يَسۡطُرُونَ (١) مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٍ۬ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجۡرًا غَيۡرَ مَمۡنُونٍ۬ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ۬ (٤) فَسَتُبۡصِرُ وَيُبۡصِرُونَ (٥) بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ (٧) فَلَا تُطِعِ ٱلۡمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّواْ لَوۡ تُدۡهِنُ فَيُدۡهِنُونَ (٩) وَلَا تُطِعۡ كُلَّ حَلَّافٍ۬ مَّهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ۬ مَّشَّآءِۭ بِنَمِيمٍ۬ (١١) مَّنَّاعٍ۬ لِّلۡخَيۡرِ مُعۡتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلِّۭ بَعۡدَ ذَٲلِكَ زَنِيمٍ (١٣) أَن كَانَ ذَا مَالٍ۬ وَبَنِينَ (١٤)إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ءَايَـٰتُنَا قَالَ أَسَـٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ (١٥) سَنَسِمُهُ ۥ عَلَى ٱلۡخُرۡطُومِ (١٦)
(1) {وَالْقَلَمِ } يقسم الله تعالى بقدرة الإنسان على الكتابة {وَمَا يَسْطُرُونَ} فقدرة الإنسان على الكتابة هى من أعظم عجائب الخالق لدرجة أن الجزء من العقل البشرى المسئول عن حركة أصابع اليد فى الكتابة هو أكثر تعقيداً بكثير وأكبر حجماً بمراحل من الجزء الذى يتحكم فى الأرجل بأكملها, فالتحكم فى الكتابة يفوق مستواه التعقيدى أى تصور بشرى فالجزء الخاص بالكتابة فى العقل البشرى يدرك ما يريد أن يكتبه الإنسان عبر شفرات كهربائية وكيميائية ثم يقوم بتحويل هذه الإرادة الى إشارات لعضلات اليد والأصابع كى يكتب الإنسان ما يريد.
(4) {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} حينما نقرأ هذه الآية و نقارنها ببعض الأكاذيب التى إفتراها البعض على الرسول لتشويه صورته و تشويه هذا المعنى الجميل الذى وصفه الله به {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}, ومن يحب الرسول حقاً لابد أن ينزه الرسول عما لحق به من أكاذيب فى بعض الكتب تشوه صورته.
(10-13) {مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} حرم الله تعالى الإعتداء على الآخرين منذ بداية الدعوة فها هو يصف واحداً من عتاة الظالمين بأنه معتدٍ أثيم، و معانى الكلمات هى :
{مَّهِينٍ} هو الكذاب أو كثير الشر,
{هَمَّازٍ} أى الذى يغتاب الناس,
{مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ} أى بخيل بالمال ويمنع عمل الخيرات,
{مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} أى متجاوز الحد فى الظلم,
{عُتُلٍّ} أى غليظ الطباع ونقارن ذلك بخلق القرآن الذى يدعوا الى الرحمة وينهى عن الغلظة {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.
{زَنِيمٍ} أى معروف عنه الشر فهو شرير فيظلم الناس بأفعاله فيستوجب غضب الله عليه.
إِنَّا بَلَوۡنَـٰهُمۡ كَمَا بَلَوۡنَآ أَصۡحَـٰبَ ٱلۡجَنَّةِ إِذۡ أَقۡسَمُواْ لَيَصۡرِمُنَّہَا مُصۡبِحِينَ (١٧) وَلَا يَسۡتَثۡنُونَ (١٨) فَطَافَ عَلَيۡہَا طَآٮِٕفٌ۬ مِّن رَّبِّكَ وَهُمۡ نَآٮِٕمُونَ (١٩) فَأَصۡبَحَتۡ كَٱلصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنَادَوۡاْ مُصۡبِحِينَ (٢١) أَنِ ٱغۡدُواْ عَلَىٰ حَرۡثِكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَـٰرِمِينَ (٢٢) فَٱنطَلَقُواْ وَهُمۡ يَتَخَـٰفَتُونَ (٢٣) أَن لَّا يَدۡخُلَنَّہَا ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكُم مِّسۡكِينٌ۬ (٢٤) وَغَدَوۡاْ عَلَىٰ حَرۡدٍ۬ قَـٰدِرِينَ (٢٥) فَلَمَّا رَأَوۡهَا قَالُوٓاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ (٢٦) بَلۡ نَحۡنُ مَحۡرُومُونَ (٢٧) قَالَ أَوۡسَطُهُمۡ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ لَوۡلَا تُسَبِّحُونَ (٢٨) قَالُواْ سُبۡحَـٰنَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ (٢٩) فَأَقۡبَلَ بَعۡضُہُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ۬ يَتَلَـٰوَمُونَ (٣٠) قَالُواْ يَـٰوَيۡلَنَآ إِنَّا كُنَّا طَـٰغِينَ (٣١) عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبۡدِلَنَا خَيۡرً۬ا مِّنۡہَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَٲغِبُونَ (٣٢) كَذَٲلِكَ ٱلۡعَذَابُۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأَخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ (٣٣) إِنَّ لِلۡمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّہِمۡ جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجۡعَلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ كَٱلۡمُجۡرِمِينَ (٣٥) مَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ (٣٦) أَمۡ لَكُمۡ كِتَـٰبٌ۬ فِيهِ تَدۡرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمۡ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمۡ لَكُمۡ أَيۡمَـٰنٌ عَلَيۡنَا بَـٰلِغَةٌ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَـٰمَةِۙ إِنَّ لَكُمۡ لَمَا تَحۡكُمُونَ (٣٩) سَلۡهُمۡ أَيُّهُم بِذَٲلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَآءُ فَلۡيَأۡتُواْ بِشُرَكَآٮِٕہِمۡ إِن كَانُواْ صَـٰدِقِينَ (٤١) يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٍ۬ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ (٤٢) خَـٰشِعَةً أَبۡصَـٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٌ۬ۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَـٰلِمُونَ (٤٣) فَذَرۡنِى وَمَن يُكَذِّبُ بِہَـٰذَا ٱلۡحَدِيثِۖ سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ (٤٤) وَأُمۡلِى لَهُمۡۚ إِنَّ كَيۡدِى مَتِينٌ (٤٥)
(35) {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} نلاحظ أن عكس {الْمُسْلِمِينَ} ليس كلمة {الْكَافِرِينَ} و لكن كلمة {الْمُجْرِمِينَ} وذلك يشير الى أن معنى الإسلام الحقيقى هو التعايش فى سلام مع الآخرين وعدم إيذائهم، فالمسلمون موجودون فى كل العصور فإن كل من يدعو الى السلام يسمى ” مسلماً ” وذلك لا يعنى بالضرورة أنه يتبع الديانة الإسلامية, فكلمة مسلم لغوياً تعنى ” التعايش فى سلام ” وهى تختلف عن مفهومها العقائدى لإتباع أركان وشعائر معينة، وعلى النقيض من “المسلمين” يكون “المجرمون” وهم الذين يستخدمون العنف و الغلظة وينشرون الذعر فى قلوب الناس بدلاً من المحبة والسلام ومن لا يسالم الناس فهو ليس بمسلم حتى لو فعل جميع أركان الديانة الإسلامية, وفى حديث عن الرسول عليه السلام أن ” المسلم من سلم الناس من يده ولسانه “.
أَمۡ تَسۡـَٔلُهُمۡ أَجۡرً۬ا فَهُم مِّن مَّغۡرَمٍ۬ مُّثۡقَلُونَ (٤٦) أَمۡ عِندَهُمُ ٱلۡغَيۡبُ فَهُمۡ يَكۡتُبُونَ (٤٧) فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومٌ۬ (٤٨) لَّوۡلَآ أَن تَدَٲرَكَهُ ۥ نِعۡمَةٌ۬ مِّن رَّبِّهِۦ لَنُبِذَ بِٱلۡعَرَآءِ وَهُوَ مَذۡمُومٌ۬ (٤٩) فَٱجۡتَبَـٰهُ رَبُّهُ ۥ فَجَعَلَهُ ۥ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ (٥٠)
(46) {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا} لا يسأل الرسل الناس أجراً على العلم و المعرفة فالنور الذى معهم ليس ملكاً لهم بل هو من الله تعالى وما أخذوه مجاناً اعطوه مجاناً {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ}, {اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ}.
وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَـٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ ۥ لَمَجۡنُونٌ۬ (٥١) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكۡرٌ۬ لِّلۡعَـٰلَمِينَ (٥٢)
(51) {إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} يذكرنا القرآن بالإيذاء الذى تعرض له الرسول عليه السلام من المشركين أى من مشركى مكة وقد تحمل عليه السلام هذا الإيذاء {وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي}، وبرغم هذا الإيذاء فقد أمر الرسول بالعفو والصفح عمن آذوه والإستغفار لهم كما جاء فى قوله تعالى {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}, {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} و قد تجلى ذلك حين غفر الرسول للذين ظلموه من أهل مكة و قال لهم “إذهبوا فأنتم الطلقاء”.