بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
أَتَىٰٓ أَمۡرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسۡتَعۡجِلُوهُۚ سُبۡحَـٰنَهُ ۥ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ (١) يُنَزِّلُ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةَ بِٱلرُّوحِ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۤ أَنۡ أَنذِرُوٓاْ أَنَّهُ ۥ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّآ أَنَا۟ فَٱتَّقُونِ (٢) خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ تَعَـٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ (٣) خَلَقَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ۬ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ۬ مُّبِينٌ۬ (٤) وَٱلۡأَنۡعَـٰمَ خَلَقَهَاۗ لَڪُمۡ فِيهَا دِفۡءٌ۬ وَمَنَـٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡڪُلُونَ (٥) وَلَكُمۡ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسۡرَحُونَ (٦) وَتَحۡمِلُ أَثۡقَالَڪُمۡ إِلَىٰ بَلَدٍ۬ لَّمۡ تَكُونُواْ بَـٰلِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ ٱلۡأَنفُسِۚ إِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفٌ۬ رَّحِيمٌ۬ (٧) وَٱلۡخَيۡلَ وَٱلۡبِغَالَ وَٱلۡحَمِيرَ لِتَرۡڪَبُوهَا وَزِينَةً۬ۚ وَيَخۡلُقُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ (٨) وَعَلَى ٱللَّهِ قَصۡدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنۡهَا جَآٮِٕرٌ۬ۚ وَلَوۡ شَآءَ لَهَدَٮٰڪُمۡ أَجۡمَعِينَ (٩)
(1) { يُشْرِكُونَ } قد يشرك الأنسان بعبادة أصنام حين يظن إنها هى التى خلقته و خلقت الكون, إما إتجاه الإنسان ناحية حجر كما نفعل نحن بالإتجاه الى القبلة وقت الصلاة دون أن نؤمن بأن هذا الحجر ( الكعبة ) هو الذى خلقنا وخلق السماوات و الأرض فإن ذلك لا يدخل تحت باب الشرك، وقد يشرك الإنسان بأن يتبع هواه فيظلم الآخرين أويخدعهم وفى ذلك قال تعالى {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا } ومن معانى الشرك أيضاً أن يتخذ شخص ما مٌشرعاً له فى الدين بدلاً من الله عز و جل {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ}.
(2) { الرُّوحِ }
- قد يرمز الله تعالى هنا الى روحه التى وهبت الحياة {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا}
- وقد ترمز الى كلمات الله { وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا },
- و قد ترمز أحيانا الى الملاك جبريل عليه السلام {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ }.
- و قد يكون لها مفاهيم أخرى { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا } – و كان ذلك مع العذراء مريم ليبشرها بالمسيح عليه السلام.
- وفى نهاية الأمر فإن الروح أمر من أمور الله لا يعلمها إلا هو { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا }.
(4-9) من عجائب الله فى خلقه تسخير الأنعام لنا فحين نتأمل الأبل أو الجمال على سبيل المثال :{ أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } نرى أن الله تعالى أوجد فى مخها كميات ضخمة من مادة ” الإندورفينات ” و هى مواد لها تأثير مخدر فى غاية القوة فتجعل الجمل خاضعاً لتذليل الإنسان له فنرى طفلاً صغيراً يجلس على ظهر الجمل و يقوده ولو إختفت هذه المواد من أدمغة الأنعام لأصبح من المستحيل تسخيرها أو تذليلها للإنسان.
هُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً۬ۖ لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابٌ۬ وَمِنۡهُ شَجَرٌ۬ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠) يُنۢبِتُ لَكُم بِهِ ٱلزَّرۡعَ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلۡأَعۡنَـٰبَ وَمِن ڪُلِّ ٱلثَّمَرَٲتِۗ إِنَّ فِى ذَٲلِكَ لَأَيَةً۬ لِّقَوۡمٍ۬ يَتَفَڪَّرُونَ (١١) وَسَخَّرَ لَڪُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرَٲتُۢ بِأَمۡرِهِۦۤۗ إِنَّ فِى ذَٲلِكَ لَأَيَـٰتٍ۬ لِّقَوۡمٍ۬ يَعۡقِلُونَ (١٢) وَمَا ذَرَأَ لَڪُمۡ فِى ٱلۡأَرۡضِ مُخۡتَلِفًا أَلۡوَٲنُهُ ۥۤۗ إِنَّ فِى ذَٲلِكَ لَأَيَةً۬ لِّقَوۡمٍ۬ يَذَّڪَّرُونَ (١٣) وَهُوَ ٱلَّذِى سَخَّرَ ٱلۡبَحۡرَ لِتَأۡڪُلُواْ مِنۡهُ لَحۡمً۬ا طَرِيًّ۬ا وَتَسۡتَخۡرِجُواْ مِنۡهُ حِلۡيَةً۬ تَلۡبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّڪُمۡ تَشۡكُرُونَ (١٤) وَأَلۡقَىٰ فِى ٱلۡأَرۡضِ رَوَٲسِىَ أَن تَمِيدَ بِڪُمۡ وَأَنۡہَـٰرً۬ا وَسُبُلاً۬ لَّعَلَّڪُمۡ تَہۡتَدُونَ (١٥) وَعَلَـٰمَـٰتٍ۬ۚ وَبِٱلنَّجۡمِ هُمۡ يَہۡتَدُونَ (١٦) أَفَمَن يَخۡلُقُ كَمَن لَّا يَخۡلُقُۗ أَفَلَا تَذَڪَّرُونَ (١٧) وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ۬ رَّحِيمٌ۬ (١٨) وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعۡلِنُونَ (١٩) وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَخۡلُقُونَ شَيۡـًٔ۬ا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ (٢٠) أَمۡوَٲتٌ غَيۡرُ أَحۡيَآءٍ۬ۖ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ (٢١) إِلَـٰهُكُمۡ إِلَـٰهٌ۬ وَٲحِدٌ۬ۚ فَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأَخِرَةِ قُلُوبُہُم مُّنكِرَةٌ۬ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ (٢٢) لَا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُ ۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ (٢٣) وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡۙ قَالُوٓاْ أَسَـٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحۡمِلُوٓاْ أَوۡزَارَهُمۡ كَامِلَةً۬ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِۙ وَمِنۡ أَوۡزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيۡرِ عِلۡمٍۗ أَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَ (٢٥) قَدۡ مَڪَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنۡيَـٰنَهُم مِّنَ ٱلۡقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيۡہِمُ ٱلسَّقۡفُ مِن فَوۡقِهِمۡ وَأَتَٮٰهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ (٢٦)
(10-17) يحرك القرآن فى هذه الآيات أبصارنا وأفئدتنا وعقولنا فى ملكوت السماوات والأرض فمن وصف السماوات و الأرض ينتقل القرآن الى الثمرات والنجوم و الجبال فيتوه العقل فى ملكوت الله اللانهائى ولا يسعه إلا أن يقول :
{ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ }.
ثُمَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ يُخۡزِيهِمۡ وَيَقُولُ أَيۡنَ شُرَڪَآءِىَ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تُشَـٰٓقُّونَ فِيہِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ إِنَّ ٱلۡخِزۡىَ ٱلۡيَوۡمَ وَٱلسُّوٓءَ عَلَى ٱلۡڪَـٰفِرِينَ (٢٧) ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّٮٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ ظَالِمِىٓ أَنفُسِہِمۡۖ فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا ڪُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۭۚ بَلَىٰٓ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (٢٨) فَٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٲبَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيہَاۖ فَلَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ (٢٩) ۞ وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡۚ قَالُواْ خَيۡرً۬اۗ لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِى هَـٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٌ۬ۚ وَلَدَارُ ٱلۡأَخِرَةِ خَيۡرٌ۬ۚ وَلَنِعۡمَ دَارُ ٱلۡمُتَّقِينَ (٣٠) جَنَّـٰتُ عَدۡنٍ۬ يَدۡخُلُونَہَا تَجۡرِى مِن تَحۡتِہَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُۖ لَهُمۡ فِيہَا مَا يَشَآءُونَۚ كَذَٲلِكَ يَجۡزِى ٱللَّهُ ٱلۡمُتَّقِينَ (٣١) ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّٮٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ طَيِّبِينَۙ يَقُولُونَ سَلَـٰمٌ عَلَيۡكُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (٣٢) هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕڪَةُ أَوۡ يَأۡتِىَ أَمۡرُ رَبِّكَۚ كَذَٲلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِن ڪَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ (٣٣) فَأَصَابَهُمۡ سَيِّـَٔاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَہۡزِءُونَ (٣٤)
(27-28) يضع هنا القرآن الكريم أحد المفاهيم لكلمة ” الكافرين ” و هم الذين وصفهم الله بقوله { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ } أوبمعنى آخر فإن صفتهم الرئيسية هى الظلم و الذى إعتبره القرآن من أشد الكبائر و الموبقات فى جهنم فقال تعالى {وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} ومن معانى الظلم الإعتداء على الآخرين و لذلك نلاحظ قوله تعالى فى الآية أن هؤلاء الظالمين ألقوا السلم يوم القيامة ” {فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ} أى أعلنوا إنهم يريدون التعايش فى سلام مع الآخرين دون أن يظلموهم أو يعتدوا عليهم و لكن ذلك بعد فوات الآوان و حين لا ينفع الندم و لقد كان كفار مكة دائمى الإعتداء على المؤمنين الأوائل وظلموهم ظلماً شديداً كما بين لنا القرآن.
وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدۡنَا مِن دُونِهِۦ مِن شَىۡءٍ۬ نَّحۡنُ وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن دُونِهِۦ مِن شَىۡءٍ۬ۚ كَذَٲلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ فَهَلۡ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلَّا ٱلۡبَلَـٰغُ ٱلۡمُبِينُ (٣٥) وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِى ڪُلِّ أُمَّةٍ۬ رَّسُولاً أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنۡهُم مَّنۡ حَقَّتۡ عَلَيۡهِ ٱلضَّلَـٰلَةُۚ فَسِيرُواْ فِى ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ (٣٦) إِن تَحۡرِصۡ عَلَىٰ هُدَٮٰهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَہۡدِى مَن يُضِلُّۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ (٣٧)
(35) {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}
- أى ما على الرسل إلا البلاغ فليس عليهم هداية الناس كما قال تعالى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }،
- ولا يحق لهم أن يحاسبوهم فكما قال القرآن {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ } و {إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّي ۖ لَوْ تَشْعُرُونَ} و{فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}
- ولا يحق لهم أيضا إكراه أحد على عقيدتهم أوفكرهم كما علمنا كتاب الله فى الآيات الكريمة {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ} و{ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} و {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.
وعلينا الإقتداء برسل الله فنعرف أن مسئوليتنا هى البلاغ لا أكثر من ذلك ولا أقل.
وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَـٰنِهِمۡۙ لَا يَبۡعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُۚ بَلَىٰ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقًّ۬ا وَلَـٰكِنَّ أَڪۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ (٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِى يَخۡتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّہُمۡ كَانُواْ ڪَـٰذِبِينَ (٣٩) إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَىۡءٍ إِذَآ أَرَدۡنَـٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُ ۥ كُن فَيَكُونُ (٤٠) وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِى ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمۡ فِى ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةً۬ۖ وَلَأَجۡرُ ٱلۡأَخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ (٤١) ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَڪَّلُونَ (٤٢)
(38-39) تكلم القرآن هنا فى قضية البعث وخلقنا مرة أخرى, فكما نرى فى هذه الآية فإن مشركى مكة أقسموا جهد إيمانهم أن الله لا يبعث من يموت, و قد أوضح لنا الله الأمر فى القرآن الكريم بقوله :
- { أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ ۚ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ }
وهو سؤال بسيط لكل ذى عقل وهو يعنى أن الذى خلقنا أول مرة لن يواجه أويجد أى صعوبة أن يخلقنا تارة أخرى، فهو كما نرى يخلق دون عناء فنرى بيضة يخلق فيها طائراً و يصنع داخلها عظاماً وعضلات وريشاً وأعيناً وقلباً نابضاً و دماً ورئتين وكليتين وغدداً صماءاً و جهازاًعصبياً فائق التعقيد فى بضعة أسابيع فقط، فيخرج منها أجمل الطيور وقد يخرج من بعضها ثعبان أوتمساح أو سلحفاء ونرى بديع السماوات والأرض يبدع الفراشات داخل شرانقها ويزركش القواقع فى قيعان البحار والمحيطات ولا نراه يواجه ولو للحظة واحدة أى صعوبة أوعناءاً فى خلقها فهل هناك صعوبة أن يعيدنا للحياة من بعد الموت تارة اخرى؟
- و كما قال تعالى فى سورة الإسراء {فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا ۖ قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}.
(40) نتعجب هنا من قول الله تعالى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} فسبحان ربى و هو يتكلم عن الإرادة الإلهية ” فالشئ ” كما فى الآية قد وجد فى علم الله ومشيئته قبل أن يُخلق، فبالرغم إنه لم يُخلق بعد يخاطبه الله تعالى بقوله {نَّقُولَ لَهُ} وكأنه موجود بالفعل لأن مجرد وجود الشئ فى الإرادة الالهية فهو حادث لا محالة، ولذا فإن الله يخاطبه و كأنه موجود فيحدثه بقوله { نَّقُولَ لَهُ } حتى قبل أن يوجد و يذكرنا ذلك بقول الله تعالى لمريم حينما بشرها بالمسيح عليه السلام فقال لها عن حملها بالمسيح انه {كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا} فحملت به العذراء فوراً كما قالت الآيات فى سورة مريم {فَحَمَلَتْهُ}، فأمْر الله كما نرى حين يصدر هو حادثٌ لا محالة.
وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالاً۬ نُّوحِىٓ إِلَيۡہِمۡۚ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ (٤٣) بِٱلۡبَيِّنَـٰتِ وَٱلزُّبُرِۗ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّڪۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡہِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤) أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن يَخۡسِفَ ٱللَّهُ بِہِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ يَأۡتِيَهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ (٤٥) أَوۡ يَأۡخُذَهُمۡ فِى تَقَلُّبِهِمۡ فَمَا هُم بِمُعۡجِزِينَ (٤٦) أَوۡ يَأۡخُذَهُمۡ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ۬ فَإِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفٌ۬ رَّحِيمٌ (٤٧) أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَىۡءٍ۬ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلَـٰلُهُ ۥ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَٱلشَّمَآٮِٕلِ سُجَّدً۬ا لِّلَّهِ وَهُمۡ دَٲخِرُونَ (٤٨) وَلِلَّهِ يَسۡجُدُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَمَا فِى ٱلۡأَرۡضِ مِن دَآبَّةٍ۬ وَٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ وَهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ (٤٩) يَخَافُونَ رَبَّہُم مِّن فَوۡقِهِمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ ۩ (٥٠) ۞ وَقَالَ ٱللَّهُ لَا تَتَّخِذُوٓاْ إِلَـٰهَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ۬ وَٲحِدٌ۬ۖ فَإِيَّـٰىَ فَٱرۡهَبُونِ (٥١) وَلَهُ ۥ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِبًاۚ أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ (٥٢) وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةٍ۬ فَمِنَ ٱللَّهِۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيۡهِ تَجۡـَٔرُونَ (٥٣) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنكُمۡ إِذَا فَرِيقٌ۬ مِّنكُم بِرَبِّہِمۡ يُشۡرِكُونَ (٥٤) لِيَكۡفُرُواْ بِمَآ ءَاتَيۡنَـٰهُمۡۚ فَتَمَتَّعُواْۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ (٥٥) وَيَجۡعَلُونَ لِمَا لَا يَعۡلَمُونَ نَصِيبً۬ا مِّمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡۗ تَٱللَّهِ لَتُسۡـَٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَفۡتَرُونَ (٥٦) وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ ٱلۡبَنَـٰتِ سُبۡحَـٰنَهُ ۥۙ وَلَهُم مَّا يَشۡتَہُونَ (٥٧)
(43) {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} قيل هم أهل التوراة ويتضح ذلك فى قوله تعالى {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ}. والزبور هو الكتاب المُوحى الى النبى داود و يعرف أيضاً بالمزامير.
(45) {السَّيِّئَاتِ} مثل القتل والظلم والسرقة والإغتصاب والإعتداء على الآمنين فمن يرتكب أياً من هذه الجرائم فقد يكون له سوء العذاب كما ذكرت الآية { أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ }.
(49) {يَسْجُدُ} أى يخضع لله فكل الوجود خاضع له من ذراته الى أجرامه السماوية ومن خلاياه الى كائناته فالكل خاضع لأوامر الله من خلال قوانينه الطبيعية.
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُ ۥ مُسۡوَدًّ۬ا وَهُوَ كَظِيمٌ۬ (٥٨) يَتَوَٲرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦۤۚ أَيُمۡسِكُهُ ۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ يَدُسُّهُ ۥ فِى ٱلتُّرَابِۗ أَلَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ (٥٩) لِلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأَخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوۡءِۖ وَلِلَّهِ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (٦٠) وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلۡمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيۡہَا مِن دَآبَّةٍ۬ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٍ۬ مُّسَمًّ۬ىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ لَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةً۬ۖ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ (٦١) وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكۡرَهُونَ وَتَصِفُ أَلۡسِنَتُهُمُ ٱلۡكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۖ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلنَّارَ وَأَنَّہُم مُّفۡرَطُونَ (٦٢) تَٱللَّهِ لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٍ۬ مِّن قَبۡلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَـٰنُ أَعۡمَـٰلَهُمۡ فَهُوَ وَلِيُّہُمُ ٱلۡيَوۡمَ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ۬ (٦٣) وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِى ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِۙ وَهُدً۬ى وَرَحۡمَةً۬ لِّقَوۡمٍ۬ يُؤۡمِنُونَ (٦٤)
(58-59) كان موقف القرأن واضحاً فى تحريم و تجريم وأد الإناث أى قتل الأطفال الإناث ودفنهن و هن لازلن على قيد الحياة كما كان يمارسه بعض عرب الجاهلية، و قد سفه القرأن من فكرهم وإعتقادهم أن المرأة مصدر مهانة أو مذلة أوعارفقال عن هذا الفكر المتعصب ضد المرأة {أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}، وذلك يؤكد إحترام النفس البشرية الى أقصى درجة وأيضا يدلل على الرفض المطلق لمبدأ أن المرأة تجلب العار والخزى على أهلها فالكل مخلوق سواء رجالاً أو نساءاً من نفس واحدة {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}، ونلاحظ إستخدام القرآن فى الآية الأخيرة لتعبير المفرد {مِنْهَا} للدلاله على إننا مخلوقون من نفس واحدة.
(61) يؤكد أن الله تعالى أكثر من مرة فى كتابه العزيز على خطورة ” الظلم ” فعلينا أن نتوخى الحذر فى كل أقوالنا أو معاملاتنا حتى لا نظلم أى إنسان و قال تعالى {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}، ومن أشد أنواع الظلم هو أن يظلم إنسان أخاه الإنسان لأنه أضعف منه وذلك يسمى بالإستضعاف وهو من أشد الجرائم عند الله تعالى ومن أبشعها على الإطلاق، وإستضعاف الآخرين كان من دواعى هلاك الطاغية فرعون حينما أستضعف بنى اسرائيل { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }.
(62) تعلمنا هذه الآية أن نختار أحسن ما عندما لنعطى المحتاجين أو المساكين و قد قال الله تعالى فى آية أخرى {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}.
(64) أنزل الله تعالى كتابه العزيز {تبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} ليعرف الناس طريق الله وهو طريق الخير و المحبة والسلام و الشفقة و التواضع والإنسانية ويبتعدوا عن طريق الشر الذى يدعوا الى العنف والقتل وسفك الدماء، فالكتاب كما ذكر القرآن فى الآية أنه “رحمة ” فمن إستخدم كتاب الله لهدف غير ذلك فقد حاد عن هدف القرآن الأساسى للبشر{ وهدى و رحمة لقوم يؤمنون} والقتل ليس برحمة و الظلم ليس برحمة و البطش ليس برحمة والغلظة ليست برحمة و القسوة ليست برحمة.
وَٱللَّهُ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً۬ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِہَآۚ إِنَّ فِى ذَٲلِكَ لَأَيَةً۬ لِّقَوۡمٍ۬ يَسۡمَعُونَ (٦٥) وَإِنَّ لَكُمۡ فِى ٱلۡأَنۡعَـٰمِ لَعِبۡرَةً۬ۖ نُّسۡقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهِۦ مِنۢ بَيۡنِ فَرۡثٍ۬ وَدَمٍ۬ لَّبَنًا خَالِصً۬ا سَآٮِٕغً۬ا لِّلشَّـٰرِبِينَ (٦٦) وَمِن ثَمَرَٲتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلۡأَعۡنَـٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنۡهُ سَڪَرً۬ا وَرِزۡقًا حَسَنًاۗ إِنَّ فِى ذَٲلِكَ لَأَيَةً۬ لِّقَوۡمٍ۬ يَعۡقِلُونَ (٦٧) وَأَوۡحَىٰ رَبُّكَ إِلَى ٱلنَّحۡلِ أَنِ ٱتَّخِذِى مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتً۬ا وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعۡرِشُونَ (٦٨) ثُمَّ كُلِى مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٲتِ فَٱسۡلُكِى سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً۬ۚ يَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٌ۬ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٲنُهُ ۥ فِيهِ شِفَآءٌ۬ لِّلنَّاسِۗ إِنَّ فِى ذَٲلِكَ لَأَيَةً۬ لِّقَوۡمٍ۬ يَتَفَكَّرُونَ (٦٩) وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ ثُمَّ يَتَوَفَّٮٰكُمۡۚ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرۡذَلِ ٱلۡعُمُرِ لِكَىۡ لَا يَعۡلَمَ بَعۡدَ عِلۡمٍ۬ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ۬ قَدِيرٌ۬ (٧٠) وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ۬ فِى ٱلرِّزۡقِۚ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّى رِزۡقِهِمۡ عَلَىٰ مَا مَلَڪَتۡ أَيۡمَـٰنُہُمۡ فَهُمۡ فِيهِ سَوَآءٌۚ أَفَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ (٧١)
(65-69) يعود بنا القرآن فى هذه الآيات مرة أخرى لنتأمل فى ملكوت السماوات والأرض :
- فيحرك أبصارنا تارة للسماء {وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً }
- وتارة الى الأرض { فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ }
- ثم يوجه أبصارنا الى التأمل فى خلق الأنعام {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً}
- وتنتهى رحلة التأملات القرآنية بدعوتنا للنظر الى والتفكر فى الزرع ولثمار {وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ}.
- ولايقف القرآن عند ذلك فينتقل بنا أيضاً للحديث عن أحد آياته وهى النحل وكيف يصنع العسل { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }.
(70) {لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} فى الكبر يصاب البعض بأمراض الشيخوخة التى قد تذهب بالعقل و تجعله يفقد كل ما تعلمه فى الماضى ولأجل ذلك فعلينا الأهتمام بالناس فى الكبر و معاملتهم بصبر وعطف و رحمة.
(71) فضّل الله كلّ إنسان بصفات تختلف عما فضل به الآخرين فالبعض فُضل فى الرزق والآخر فى الصحة و البعض فضل فى المواهب الفنية والإبداعية وكلها فضل من الله، وكلمة {مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} أى تملك عهداً بالإرتباط أوالإقتران بشخص ما (فكلمة الأيمان تأتى فى القرآن بمعنى العهود – برجاء مراجعة التعليق على سورة البقرة آية 221 لمزيد من الشرح)، والآية تعنى أن الذى فى وضع أفضل لأنه يظن أن الوفاء بالعهد أوالأيمان فى يده هو ليس بالحقيقة أفضل من الطرف الآخر الذى تم معاهدته لأن الله هو الذى رزق بالقدرة على الوفاء بالعهد، فمن يفى بالعهد هو يعطى من رزق الله لعباد الله فكلاهما لا يملك الرزق فهم {فِيهِ سَوَاءٌ} أى لا فارق بين من هو فى وضع أفضلية بقدرته على العطاء أو الوفاء بالعهد ومن هو فى وضع أقل ينتظر من الطرف الآخر أن يوفى بعهده أو يعطيه من رزق الله، فلا يمن أحد بعد ذلك على أحد أنه أوفى بعهده أو أعطاه من رزق الله فالكل متساوون عند الله.
وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٲجً۬ا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٲجِڪُم بَنِينَ وَحَفَدَةً۬ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَـٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَـٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ (٧٢) وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ رِزۡقً۬ا مِّنَ ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِ شَيۡـًٔ۬ا وَلَا يَسۡتَطِيعُونَ (٧٣) فَلَا تَضۡرِبُواْ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡثَالَۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ (٧٤) ۞ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبۡدً۬ا مَّمۡلُوكً۬ا لَّا يَقۡدِرُ عَلَىٰ شَىۡءٍ۬ وَمَن رَّزَقۡنَـٰهُ مِنَّا رِزۡقًا حَسَنً۬ا فَهُوَ يُنفِقُ مِنۡهُ سِرًّ۬ا وَجَهۡرًاۖ هَلۡ يَسۡتَوُ ۥنَۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَڪۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ (٧٥) وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً۬ رَّجُلَيۡنِ أَحَدُهُمَآ أَبۡڪَمُ لَا يَقۡدِرُ عَلَىٰ شَىۡءٍ۬ وَهُوَ ڪَلٌّ عَلَىٰ مَوۡلَٮٰهُ أَيۡنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأۡتِ بِخَيۡرٍۖ هَلۡ يَسۡتَوِى هُوَ وَمَن يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَٲطٍ۬ مُّسۡتَقِيمٍ۬ (٧٦) وَلِلَّهِ غَيۡبُ ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَآ أَمۡرُ ٱلسَّاعَةِ إِلَّا كَلَمۡحِ ٱلۡبَصَرِ أَوۡ هُوَ أَقۡرَبُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ ڪُلِّ شَىۡءٍ۬ قَدِيرٌ۬ (٧٧) وَٱللَّهُ أَخۡرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ شَيۡـًٔ۬ا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَـٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۙ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (٧٨) أَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ مُسَخَّرَٲتٍ۬ فِى جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱللَّهُۗ إِنَّ فِى ذَٲلِكَ لَأَيَـٰتٍ۬ لِّقَوۡمٍ۬ يُؤۡمِنُونَ (٧٩) وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۢ بُيُوتِڪُمۡ سَكَنً۬ا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ ٱلۡأَنۡعَـٰمِ بُيُوتً۬ا تَسۡتَخِفُّونَهَا يَوۡمَ ظَعۡنِكُمۡ وَيَوۡمَ إِقَامَتِڪُمۡۙ وَمِنۡ أَصۡوَافِهَا وَأَوۡبَارِهَا وَأَشۡعَارِهَآ أَثَـٰثً۬ا وَمَتَـٰعًا إِلَىٰ حِينٍ۬ (٨٠) وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَـٰلاً۬ وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡجِبَالِ أَڪۡنَـٰنً۬ا وَجَعَلَ لَكُمۡ سَرَٲبِيلَ تَقِيڪُمُ ٱلۡحَرَّ وَسَرَٲبِيلَ تَقِيكُم بَأۡسَڪُمۡۚ كَذَٲلِكَ يُتِمُّ نِعۡمَتَهُ ۥ عَلَيۡڪُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡلِمُونَ (٨١) فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَـٰغُ ٱلۡمُبِينُ (٨٢) يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنڪِرُونَہَا وَأَڪۡثَرُهُمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ (٨٣) وَيَوۡمَ نَبۡعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ۬ شَهِيدً۬ا ثُمَّ لَا يُؤۡذَنُ لِلَّذِينَ ڪَفَرُواْ وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ (٨٤) وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلۡعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنۡہُمۡ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ (٨٥) وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ شُرَڪَآءَهُمۡ قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰٓؤُلَآءِ شُرَڪَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدۡعُواْ مِن دُونِكَۖ فَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلَ إِنَّكُمۡ لَڪَـٰذِبُونَ (٨٦) وَأَلۡقَوۡاْ إِلَى ٱللَّهِ يَوۡمَٮِٕذٍ ٱلسَّلَمَۖ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ (٨٧) ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدۡنَـٰهُمۡ عَذَابً۬ا فَوۡقَ ٱلۡعَذَابِ بِمَا ڪَانُواْ يُفۡسِدُونَ (٨٨) وَيَوۡمَ نَبۡعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍ۬ شَهِيدًا عَلَيۡهِم مِّنۡ أَنفُسِہِمۡۖ وَجِئۡنَا بِكَ شَہِيدًا عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِۚ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ تِبۡيَـٰنً۬ا لِّكُلِّ شَىۡءٍ۬ وَهُدً۬ى وَرَحۡمَةً۬ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ (٨٩)
(72) كلمة “الكفر” تعنى أكثر من معنى :
- فقد تعنى الظلم {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ },
- وقد تعنى عدم شكر الله على نعمه {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا},
- وقد تعنى عدم الإيمان بالله و قهر الآخرين {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا},
- وقد تعنى رفض شئ كما قال إبراهيم ومن معه لقومهم المشركين {إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ}.
- وقد تأتى كلمة ” كفر ” أيضاً بمعنى الإيمان كما فى قوله تعالى { فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ }.
- والكفر بالله هو مسئولية صاحبه { مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ } لأن الله تعالى أعطى البشر حرية الإعتقاد {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}.
(75-77) لنتأمل قليلاً فى هذا المثل يتكلم الله تعالى عن {عَبْدًا مَّمْلُوكًا} وهذا العبد يرمز به الله الى من يعبد الشيطان و الذى يأمر بالعداوة و البغضاء { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } فأصبح هذا العبد لا يقدر على شئ فأينما يوجهه مالكه (أى الشيطان) فهو لا يأتى بخير.
و على النقيض من ذلك تماماً من يملك إرادته فيفعل الخير ويعطى الآخرين مما اعطاه الله وينفق منه سراً و جهراً، وهنا تقع المقابلة من العبد الذى يمتلكه الشيطان فيأمره بالشر والبخل والأنانية ومن يعبد الله الذى يأمر بفعل الخيرات و العطاء و الإنفاق.
أما المثل الثانى فيستخدم كلمة البكم لمن يصمت على الشر فلا ينتقده و يرى الظلم و العدوان على الضعيف ولا ينطق إعتراضاً عليه و يرى عدم العدل واضحاً جلياً فلا ينطق ببنت شفة ، فهل يستوى هذا و من يأمر بالعدل، وفى ذكر العدل علينا أن نذكر هذه الآيات :
- {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ}
- و{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ} (حتى لو كان قول الحق ضد قريبك ),
- و{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ} (أى أن الإنسان عليه أن يعدل حتى لو كان فى مصلحة من يكرهه أو يعاديه ) .
(82) {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ} يقول الله تعالى لرسوله هنا :
- أنه إذا دعا قوماً الى دينه ثم {تَوَلَّوْا} أى رفضوا هذا الدين وأعرضوا عنه فإن مسئوليته تقف عند البلاغ ولا شئ غير البلاغ،
- وإستخدام تعبير القصر {إِنَّمَا} تبين حدود وظيفة الرسول على من يريد إتباعه والإقتداء بسنته أن يقف عند حدود البلاغ بالدين ولا يتعداه:
- فليس من حق الرسول إجبار الآخرين على فكره {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ},
- أوقتالهم على نشر دعوته {وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ},
- أو إكراههم عليها {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}. فالرسول جاء كما قال القرآن الكريم لهدف واحد وهو البلاغ و ذلك يكون بالحكمة و الموعظة الحسنة { ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ }.
(85) يؤكد القرآن الكريم هنا على خطورة ” الظلم ” فهو من أشد الجرائم عند الله تعالى وأبشع أنواع الفواحش ، وظلم الإنسان لغيره قد يكون فى تعامل مالى أوفى معاملة قاسية أو فى عدم العدل أو إستغلال حاجته وقت ضعفه وكل هذه من الموبقات التى نستعيذ بالله أن نقع فى شرها.
(86) { الَّذِينَ أَشْرَكُوا } أستخدمت الآية أداة الإشارة ” الذين “هنا لتحدد الحديث فى مشركى مكة، ولو آراد الله تعميم المعنى لأستخدم تعبير ” من أشرك ” بدلاً من تعبير ” الذين أشركوا ” والذى يخصص المعنى.
(88) {الَّذِينَ كَفَرُوا} أستخدمت أداة التعريف هنا لتحدد الحديث فى مشركى مكة فلاحظ إستخدام تعبير ” الذين كفروا ” يخصص المعنى بدلاً من تعبير ” من كفر ” و الذى يعممه.
{صَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} سبيل الله هو العدل و الحق و السلام وعمل الخيرات والصد عن سبيل الله هو الصد عن هذه المبادئ العظيمة و فعل عكسها كإشاعه الظلم و العنف بين الناس، والآية التالية توضح لنا ما هو سبيل الله أو صراطه المستقيم { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }.
۞ إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَـٰنِ وَإِيتَآىِٕ ذِى ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنڪَرِ وَٱلۡبَغۡىِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّڪُمۡ تَذَكَّرُونَ (٩٠) وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ إِذَا عَـٰهَدتُّمۡ وَلَا تَنقُضُواْ ٱلۡأَيۡمَـٰنَ بَعۡدَ تَوۡڪِيدِهَا وَقَدۡ جَعَلۡتُمُ ٱللَّهَ عَلَيۡڪُمۡ كَفِيلاًۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ (٩١) وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّتِى نَقَضَتۡ غَزۡلَهَا مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٍ أَنڪَـٰثً۬ا تَتَّخِذُونَ أَيۡمَـٰنَكُمۡ دَخَلاَۢ بَيۡنَكُمۡ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِىَ أَرۡبَىٰ مِنۡ أُمَّةٍۚ إِنَّمَا يَبۡلُوڪُمُ ٱللَّهُ بِهِۦۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ مَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ (٩٢) وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَڪُمۡ أُمَّةً۬ وَٲحِدَةً۬ وَلَـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِى مَن يَشَآءُۚ وَلَتُسۡـَٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (٩٣) وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ أَيۡمَـٰنَكُمۡ دَخَلاَۢ بَيۡنَڪُمۡ فَتَزِلَّ قَدَمُۢ بَعۡدَ ثُبُوتِہَا وَتَذُوقُواْ ٱلسُّوٓءَ بِمَا صَدَدتُّمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَلَكُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ۬ (٩٤) وَلَا تَشۡتَرُواْ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ ثَمَنً۬ا قَلِيلاًۚ إِنَّمَا عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرٌ۬ لَّكُمۡ إِن ڪُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ (٩٥) مَا عِندَكُمۡ يَنفَدُۖ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ۬ۗ وَلَنَجۡزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوٓاْ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا ڪَانُواْ يَعۡمَلُونَ (٩٦) مَنۡ عَمِلَ صَـٰلِحً۬ا مِّن ذَڪَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٌ۬ فَلَنُحۡيِيَنَّهُ ۥ حَيَوٰةً۬ طَيِّبَةً۬ۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا ڪَانُواْ يَعۡمَلُونَ (٩٧) فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيۡطَـٰنِ ٱلرَّجِيمِ (٩٨) إِنَّهُ ۥ لَيۡسَ لَهُ ۥ سُلۡطَـٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَڪَّلُونَ (٩٩) إِنَّمَا سُلۡطَـٰنُهُ ۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوۡنَهُ ۥ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِۦ مُشۡرِكُونَ (١٠٠) وَإِذَا بَدَّلۡنَآ ءَايَةً۬ مَّڪَانَ ءَايَةٍ۬ۙ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفۡتَرِۭۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ (١٠١) قُلۡ نَزَّلَهُ ۥ رُوحُ ٱلۡقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهُدً۬ى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ (١٠٢) وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّهُمۡ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ ۥ بَشَرٌ۬ۗ لِّسَانُ ٱلَّذِى يُلۡحِدُونَ إِلَيۡهِ أَعۡجَمِىٌّ۬ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِىٌّ۬ مُّبِينٌ (١٠٣) إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِـَٔايَـٰتِ ٱللَّهِ لَا يَہۡدِيہِمُ ٱللَّهُ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) إِنَّمَا يَفۡتَرِى ٱلۡكَذِبَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِـَٔايَـٰتِ ٱللَّهِۖ وَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡڪَـٰذِبُونَ (١٠٥) مَن ڪَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ إِيمَـٰنِهِۦۤ إِلَّا مَنۡ أُڪۡرِهَ وَقَلۡبُهُ ۥ مُطۡمَٮِٕنُّۢ بِٱلۡإِيمَـٰنِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلۡكُفۡرِ صَدۡرً۬ا فَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٌ۬ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ۬ (١٠٦) ذَٲلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا عَلَى ٱلۡأَخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِى ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡڪَـٰفِرِينَ (١٠٧) أُوْلَـٰٓٮِٕكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَـٰرِهِمۡۖ وَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡغَـٰفِلُونَ (١٠٨) لَا جَرَمَ أَنَّهُمۡ فِى ٱلۡأَخِرَةِ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ (١٠٩)
(90) بالرغم أن الله تعالى ” يأمر ” و “ينهى ” فى هذه الآية فلم نر سياطاً تنزل من السماء لتعاقب من لا يتبع هذه الأوامر أو ينتهى عن هذه النواهى، وذلك يدلل على أن الأمر و النهى -عكس ما يتصور البعض – فإنه يعنى بأى صورة من الصور إجبار الناس أو إستخدام العنف معهم لإجبارهم على فعل أو عدم فعل شئ ما، وكذلك الحال فى قوله تعالى {الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ} فلا مجال لإستخدام العنف أو إكراه الأخرين لفعل معروف أو الإنتهاء عن منكر، ولا يوجد وسيلة فى الدعوة إلا ما ذكر الله تعالى { ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ }، فمن حاول إكراه الآخرين على فعل ما يظنه ” معروفاً ” أو إجبارهم عل ترك ما يظن أنه ” منكر ” فقد خالف صريح القرآن، وجدير بالذكر هنا أن معنى مفهوم المعروف و المنكر يختلف عن معنى مفهوم الحلال و الحرام، فالمعروف هو ما تعارف عليه البشر مثل مساعدة المحتاجين و المنكر هو ما أنكروه بضمائرهم مثل القتل و السرقة ، أما الحلال و الحرام فهى تعبيرات دينية خاصة قد تختلف بإختلاف الشرائع.
(91) كلمة {أَيْمَانَ} تأتى فى القرآن بمعنى عهود، وهذه بعض الأمثلة :
- {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ }
- و{ لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ }
- و{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}
- و{ بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ }
- و{وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ }.
(92) { أَيْمَانَكُمْ } أى عهودكم.
(94) { أَيْمَانَكُمْ } أى عهودكم.
(102) {رُوحُ الْقُدُسِ} هى روح الله التى أيدت المسيح عليه السلام.
(105) {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ} يحذرنا الله تعالى من خطورة الكذب ويأمرنا بالصدق فى كلماتنا وعهودنا :
- {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}
- و{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} فعدم قول الصدق و الحقيقة و الكذب على الناس أثم عظيم عند الله تعالى.
(109) {مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} يوضح القرآن الكريم أن الله تعالى غضب على من شرح بالكفر صدراً ولكن ذلك لا يعنى إعطاء أى مخلوق الحق فى حسابه أو أن يحرمه من حقه فى إختيار ما أراد فبالرغم من غضب الله على من يكفر به فهو نفسه سبحانه و تعالى هو من أعطاه الحق فى إختيار ذلك الطريق {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}، فإذا كان الله أعطاه حق الإختيار بين الإيمان و الكفر فمن نحن حتى نحرمه من هذا الحق؟
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَـٰهَدُواْ وَصَبَرُوٓاْ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورٌ۬ رَّحِيمٌ۬ (١١٠) ۞ يَوۡمَ تَأۡتِى ڪُلُّ نَفۡسٍ۬ تُجَـٰدِلُ عَن نَّفۡسِہَا وَتُوَفَّىٰ ڪُلُّ نَفۡسٍ۬ مَّا عَمِلَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ (١١١) وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً۬ قَرۡيَةً۬ ڪَانَتۡ ءَامِنَةً۬ مُّطۡمَٮِٕنَّةً۬ يَأۡتِيهَا رِزۡقُهَا رَغَدً۬ا مِّن كُلِّ مَكَانٍ۬ فَڪَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٲقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا ڪَانُواْ يَصۡنَعُونَ (١١٢) وَلَقَدۡ جَآءَهُمۡ رَسُولٌ۬ مِّنۡہُمۡ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَهُمۡ ظَـٰلِمُونَ (١١٣) فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَڪُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً۬ طَيِّبً۬ا وَٱشۡڪُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ (١١٤) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡڪُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٍ۬ وَلَا عَادٍ۬ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ۬ رَّحِيمٌ۬ (١١٥)
(110) {هَاجَرُوا} الهجرة قد تكون مادية من أرض الى أرض { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ } تفادياً لظلم ما وقع على الإنسان أوتكون معنوية بأن يهاجر الإنسان من حياة الظلم والبغى و العدوان الى حياة السلام و المحبة والرحمة {وأهجرهم هجرا جميلا}.
{جَاهَدُوا} والجهاد مشتق من كلمة جهد وهو بذل المجهود وقد يكون جهاداً مادياً أو معنوياً:
- فالجهاد المادى يكون ببذل “الجهد” لمساعدة الآخرين والمحتاجين فمد يدك الى أحد لمساعدته على الخروج من مأزق هو الجهاد الحقيقى.
- وبذل الوقت و الجهد لمساعدة المرضى والعجزة هو جهاد فى سبيل الله
- وإنفاق المال لعمل مشاريع تفيد الإنسانية و تساعد فى علاج الأمراض هو جهاد مأجور عند الله تعالى،
- والجهاد المعنوى فيكون بجهاد النفس الأمارة بالسوء فمقاومة نزعات الشر و البغضاء والكراهية داخل الإنسان هى أعظم درجات الجهاد كما ذُكرعن الرسول قوله أن الجهاد الأكبر هو جهاد النفس.
{لَا يُظْلَمُونَ} الله هو العادل الذى لا يظلم فقد قال عن ذاته و نفسه {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} وقال { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا }، فمن أراد أن يتحلى بصفات الله أى يكون ربانيا {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} فلا يظلم أحداً، وذُكر فى الحديث القدسى ” يا عبادى إنى قد حرمت الظلم على نفسى فلا تظالموا “.
(112) {بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} أى بسبب أفعالهم الظالمة مثل إستضعافهم للأقليات التى تعيش معهم و قهرهم لليتيم و الأرملة و المسكين.
(113) {فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} كما ذكرنا سابقاً فإن الله لا يقبل الظلم و نذكر هنا قوله تعالى {وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }.
(115) {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} الإضطرار قد يكون لأسباب عديدة منها الجوع الشديد أو يكون لظروف إقتصادية أو إجتماعية، والهدف من تحريم بعض الأطعمة والأشربة هو تدريب النفس على طاعة الله و العبرة فى النهاية هى تقوى الله وعمل الصالحات كما قال تعالى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ }، وعلينا ملاحظة أن الله تعالى لم يصف أى عقاب أوعذاب معين إذا تناوله الإنسان لأن الأمر هو تدريب النفس، وذلك على العكس تماماً من توعده بالعذاب والعقاب لمن يظلمون الآخرين {وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا}.
وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُڪُمُ ٱلۡكَذِبَ هَـٰذَا حَلَـٰلٌ۬ وَهَـٰذَا حَرَامٌ۬ لِّتَفۡتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ لَا يُفۡلِحُونَ (١١٦) مَتَـٰعٌ۬ قَلِيلٌ۬ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ۬ (١١٧) وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا مَا قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُۖ وَمَا ظَلَمۡنَـٰهُمۡ وَلَـٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَہُمۡ يَظۡلِمُونَ (١١٨) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوٓءَ بِجَهَـٰلَةٍ۬ ثُمَّ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِ ذَٲلِكَ وَأَصۡلَحُوٓاْ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورٌ۬ رَّحِيمٌ (١١٩) إِنَّ إِبۡرَٲهِيمَ كَانَ أُمَّةً۬ قَانِتً۬ا لِّلَّهِ حَنِيفً۬ا وَلَمۡ يَكُ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ (١٢٠) شَاڪِرً۬ا لِّأَنۡعُمِهِۚ ٱجۡتَبَٮٰهُ وَهَدَٮٰهُ إِلَىٰ صِرَٲطٍ۬ مُّسۡتَقِيمٍ۬ (١٢١) وَءَاتَيۡنَـٰهُ فِى ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةً۬ۖ وَإِنَّهُ ۥ فِى ٱلۡأَخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ (١٢٢) ثُمَّ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ أَنِ ٱتَّبِعۡ مِلَّةَ إِبۡرَٲهِيمَ حَنِيفً۬اۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِڪِينَ (١٢٣) إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبۡتُ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِۚ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحۡكُمُ بَيۡنَہُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ فِيمَا ڪَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ (١٢٤) ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَـٰدِلۡهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦۖ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ (١٢٥) وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ وَلَٮِٕن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٌ۬ لِّلصَّـٰبِرِينَ (١٢٦) وَٱصۡبِرۡ وَمَا صَبۡرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِۚ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَلَا تَكُ فِى ضَيۡقٍ۬ مِّمَّا يَمۡڪُرُونَ (١٢٧) إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحۡسِنُونَ (١٢٨)
(116) قد يتساءل القارئ لماذا يجرم القرآن هؤلاء الذين يقولون {هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ} فما المشكلة فى ذلك؟ المشكلة فى عملية التحريم بصورة مطلقة أوالتحليل بصورة مطلقة هو أن ما نظنه حلالاً قد يصبح فى لحظة أخرى أشد أنواع الحرام و العكس صحيح، فعلى سبيل المثال فإن شرب كوب من الماء هو حلال مطلق فى عرف الكثيرين ولكن إذا كان هناك إنسان يموت عطشاً وكان شرب هذا الكوب سيتسبب فى موته، حينئذٍ يكون شرب هذا الكوب هو جريمة قتل محرمة فى جميع الأديان، وعلى العكس تماماً من ذلك فإنه إذا كان هناك إنسان يموت عطشاً و كان إنقاذ حياته فى شرب قليل من الخمر فإن شرب الخمر فى هذه الحاله يكون حلالاً لأن الإنسان فى حالة أضطرار، أى أن ما كنا نصفه بأنه حرام أصبح حلالاً لحظة أخرى نظراً لإختلاف الظروف.
و لأجل ذلك فعلينا إعمال ضمائرنا فى كل شئ فما نظنه حلالاً قد يكون هو الحرام ذاته إن تسبب فى ظلم إنسان فالطلاق على سبيل المثال قد يكون حلالاً ولكن إذا طلق رجل زوجته لأجل كبر سنها أولمرضها فإن بشاعة هذا الظلم لا توجد كلمات لوصفها، وقد يتساءل البعض كيف إذاً يعرف أن تصرفاته مع الآخرين هى حلال أم حرام، والأمر يحتاج لشئ بسيط وهو أن يضع الإنسان نفسه فى مكان الطرف الآخر ثم يسأل نفسه كيف يود أن يعامله الآخرون فى هذه الحالة؟ أو بمعنى آخر عامل الناس كما تحب أن يعاملوك.
(119) {إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} تعلمنا هذه الآية أن باب التوبة مفتوح لكل من أخطأ إذا تاب وأصلح، وتذكرنا هذه الآية أيضاً بقوله تعالى :
- {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
- وبقوله { غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ }
- وبقوله { إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }.
(120-123) بالرغم أن إبراهيم لم يكن عنده كتاب كامل مثل التوراة والإنجيل والقرآن إلا أن ملته فى توحيد الخالق و البحث عنه و التأمل فى خلقه والكرم والتسامح وإستخدام الحجة و المنطق بدلاً من العنف أصبحت قدوة لكل من بعده من الأنبياء يقول تعالى :
- {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }
- و{ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ ۚ نَفْسَهُ } ( و سفيه من السفه أى منعدم الفكر والعقل, لأنه لم يستخدم العقل والفكر كما فعل إبراهيم ).
(124) {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} أى ليس لأحد غير ربك الحق فى الحكم على الآخرين ولا حتى أنت يا محمد، وذلك المعنى يتفق أيضاً مع هذه الآيات الكريمة {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} ( أى أن الحكم على البشر ونعتهم بالإيمان أوالكفر هو حق لله وحده ).
(125) {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } الدعوة الى الله لا تكون إلا بالكلمة الطيبة و الحسنى و أى شئ يخالف ذلك أو يستخدم العنف أو الإكراه أو الإجبار فليس من الدين فى شئ.
(126) {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} تعلمنا هذه الآية أن الإنسان لا ينبغى أن يتجاوز مبادئ العدل حينما يأخذ حقه من شخص آخر.