بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
سُورَةٌ أَنزَلۡنَـٰهَا وَفَرَضۡنَـٰهَا وَأَنزَلۡنَا فِيہَآ ءَايَـٰتِۭ بَيِّنَـٰتٍ۬ لَّعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ (١) ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِى فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٲحِدٍ۬ مِّنۡہُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٍ۬ۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِہِمَا رَأۡفَةٌ۬ فِى دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأَخِرِۖ وَلۡيَشۡہَدۡ عَذَابَہُمَا طَآٮِٕفَةٌ۬ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (٢)
تتعرض هذه السورة الكريمة لبعض الأحكام الإنتقالية التى كانت ضرورية لمرحلة معينة فى بداية الدعوة الإسلامية للحفاظ على أمن و سلامة المجتمع، وقد فهم بعض المسلمين الأوائل المعنى العام من القرآن فتصرفوا بمفهومه العام ومبادئه العليا وليس بالمفهوم الحرفى الضيق فلم يعبدوا الحرف وتحركوا بروح القرآن وليس فقط بكلماته {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا}، فها هوعلى سبيل المثال “عمر بن الخطاب” رضى الله عنه يوقف حد السرقة ويمنع العمل به لأنه رأى أنه لا يناسب ظروف المجتمع و هذا المثل فى حد ذاته يرد على هؤلاء الذين يريدون تنفيذ الآيات بصورة حرفية دون أى إكتراث لآيات القرآن الآخرى و مبادئه الواضحة التى تجعلنا نفهم الأمر بصورة مختلفة.
وفى عصرنا الحالى فإن ما يناسب المجتمعات وما يسمى بالعرف العالمى والذى أتفق عليه سائر البشر و تعاهدوا عليه مثل ميثاق حقوق الإنسان وغيرها من المواثيق الدولية التى يجب إحترامها {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ (أى المواثيق) بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} ومن رحمة الله تعالى بنا أن جعل إتباع الأعراف البشرية كالعرف العالمى جزءاً لا يتجزء من دينه الحنيف، وقد أمر سبحانه و تعالى بإتباع الأعراف العالمية التى يتفق عليها البشر فقال {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} و هو أمر إلهى علينا أن نضعه دائماً فى إعتبارنا ونصب أعيننا لأنه أمر إلهى .
(2) {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} سنعرض فى الأسطر التالية بعض المفاهيم لهذه الآية :
المفهوم الأول : يرى البعض أن إضافة أداة التعريف ” ال ” تفيد التخصيص فى وقت الرسول لحالة بعينها، فالآية لم تقل “من زنت” أو “من زنا” إنما خصصتها بإضافة ال للتعريف فقالت ” الزانية ” و ” الزانى “، وذلك مثل أن يقول لك أخوك على الهاتف لقد ذهبت الى “البيت” أو أن يقول لك ذهبت الى “بيت”، فالأولى والتى إستخدم فيها أداة التعريف تعنى لك بيتاً معيناً, والثانية أى التى بدون أداة التعريف تعمم المعنى على أى بيت، وكذلك الحال فإن إستخدام أداة التعريف فى هذه الآية ” ال ” يفيد التخصيص فى موقف بعينه.
المفهوم الثانى : يرى آخرون مثل الإمام محمد عبده أن إضافة ” ال ” تدلل على الذين إحترفوا الزنا وممارسته علانية فلا يطلق على من درس مرة واحدة “المدرس” وإنما يطلق عليه المدرس حين يكون التدريس وظيفته وإحترافه.
المفهوم الثالث : يرى البعض أن الآية كان الهدف منها منع الفجور فى الشارع وليس منع الزنا نفسه لإشتراطها أربعة شهود بعلم اليقين، فتبعاً للقرآن لو دخل رجل و إمراءة الى غرفة مغلقة لا يحق لأحد أن يتجسس عليهما لقوله تعالى {وَلَا تَجَسَّسُوا} ولا يحق لأحد أن يظن فيهما أى سوء { إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ }، والأية بإشتراطها الشهود الأربعة هى دلالة على أنها أساساً لحماية الشارع من هذه الممارسات بصورة علنية أمام الجميع،. وفى الكثير من المجتمعات يوجد قوانين تحمى الشارع من هذه الممارسات بصورة علانية.
المفهوم الرابع : أن عقوبة الجلد كانت مناسبة للعرف فى ذلك العصر أما فى العصر الحالى فإن إتباع العرف العالمى و الذى يمنع العقوبات البدنية أصبح هو الأمر الإلهى المناسب لعصرنا {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}، وقد يتساءل البعض هل أباح لنا القرآن أن نأخذ بآيات وأن نمنع العمل بأخرى تبعاً لظروف عصرنا والإجابة هى بنعم فالقرآن كان واضحاً صريحاً فى إباحة ذلك و إجازته فى قوله تعالى {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم}، ذلك يعنى أن هناك الأحسن الأقل حسناً فى آيات القرآن وذلك تبعاً للظروف التى نعيش فيها وقد نفذ عمر بن الخطاب هذا المفهوم القرآنى العظيم بدون أى تردد حين أوقف العمل بحد السرقة بعد أن رأى أن تطبيقه لم يكن مناسباً فى وقت من الأوقات.
ٱلزَّانِى لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةً۬ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٌ۬ۚ وَحُرِّمَ ذَٲلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (٣) وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَأۡتُواْ بِأَرۡبَعَةِ شُہَدَآءَ فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَـٰنِينَ جَلۡدَةً۬ وَلَا تَقۡبَلُواْ لَهُمۡ شَہَـٰدَةً أَبَدً۬اۚ وَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ (٤) إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِ ذَٲلِكَ وَأَصۡلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ۬ رَّحِيمٌ۬ (٥) وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ أَزۡوَٲجَهُمۡ وَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ شُہَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُمۡ فَشَهَـٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَہَـٰدَٲتِۭ بِٱللَّهِۙ إِنَّهُ ۥ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ (٦) وَٱلۡخَـٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَـٰذِبِينَ (٧) وَيَدۡرَؤُاْ عَنۡہَا ٱلۡعَذَابَ أَن تَشۡہَدَ أَرۡبَعَ شَہَـٰدَٲتِۭ بِٱللَّهِۙ إِنَّهُ ۥ لَمِنَ ٱلۡكَـٰذِبِينَ (٨) وَٱلۡخَـٰمِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيۡہَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ (٩) وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُ ۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَڪِيمٌ (١٠)
(3)نلاحظ أن الآية تتكلم عن الزانية و الزانى و ليس ” من زنت ” أو” من زنى ” و الفارق كبير فى الحالتين فإستخدام ” ال ” كما ذكرنا يفيد إحتراف الشئ كمهنة، وقيل كما جاء فى الشوكانى أن هذه الآية نزلت فى وضع خاص فى بدء الإسلام حين كان البعض يتزوجون من محترفات الزنا ليتكسبون من ذلك، وجدير بالذكر هنا أنه إن من تاب وآمن وعمل صالحاً فإن الله يبدل سيئاتهم حسنات :
{وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا *يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} فحتى إذا إقترفوا فى السابق خطيئة مثل إحتراف الزنا فإذا كان الله تعالى يتوب على الإنسان إن تاب و يبدل سيئاته حسنات كما ذكر القرآن فبالتالى يحل الزواج منهن فى هذه الحالة.
(4-5) يوضح القرآن هنا مدى بشاعة جريمة التشهير بالناس والقذف فى أعراضهم وهى جريمة بشعة بكل المقاييس وقد تتسبب فى دمار أسر وجروح نفسية لا تلتئم للمجنى عليها، والخوض فى الأعراض هو بهتان عظيم يجعل صاحبه غير مقبول الشهادة بالإضافة الى العقوبة المذكورة، وفى بعض المجتمعات الشرقية فإن الخوض فى أعراض النساء قد يتسبب فى جريمة قتل و لذا شدد القرآن على بشاعة و تجريم هذا الفعل، وكما ذكرنا سابقأً فإن تطبيق مثل هذه القوانين يعتمد على المواثيق الدولية و الأعراف العالمية والتى تتغير مع تغير الزمان {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}.
(6-9) تعلمنا هذه الآيات واحداً من أهم المبادئ فى القرآن الكريم ونتعلم منها أن الزوج إذا رأى زوجته فى حالة زنا فإن القرآن لم يعطه أى حق فى ضربها أو إيذائها أو حتى الإنفعال عليها، وإنما أعطاه حقاً واحداً فقط وهو أن يذهب للقضاء ليشتكى ويشهد عليها كما ذكرت الايات.
و لابد أن نميز بين العادات القبلية والطبائع الشخصية الظالمة والتى يمارسها البعض وينسبونها للإسلام ظلماً وعدواناً و يظنون أن الله أحل لهم ذلك وبين ما أباحه وأقره القرآن الكريم فى مثل هذه الحالات، وهؤلاء الذين يعتدون على زوجاتهم فى مثل هذه الحاله أو يحللون لأنفسهم قتلهن فهم كالذين قال فيهم القرآن :
{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } وليس هناك فاحشة أبشع من فاحشة القتل فالقرآن لم يجز إيذاء الزوجة أوضربها أوتعنيفها أو قتلها إذا رآها الزوج فى حالة زنا، ولم يعط القرآن للزوج فى مثل هذه الحالة إلا حق اللجوء للقضاء، وقد لايعجب ذلك البعض وإن لم يعجبهم ذلك فأحرى بهم أن يقولوا أن القرآن وآياته لا تعجبهم من أن يرتكبوا جريمة ثم يبررونها بدين الله.
فعلينا أن نتعلم من هذه الآيات ألا نترك الأهواء والطبائع الشخصية وفكر المجتمع يتحكم فينا فنفعل جريمة ونبيح فعلها لأنفسنا تحت مسمى الشرف والفضيلة فلا شرف لمن يضرب بآيات القرآن عرض الحائط فيؤذى إنساناً ويقتل نفساً بغير حق، مثل هذه الحالات و التى يتعارض فيها ما قاله القرآن مع أفكارهم وطبائعهم المجتمعية أن يقولوا {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}، ومن عجائب الأمور أن نرى أناساً يبيحون ضرب الزوجة إذا لم تطع زوجها فى حين أن الله تعالى لم يعط الرجل الحق فى إستخدام أى عنف معها حتى لو رأها تزنى أمامه.
إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُو بِٱلۡإِفۡكِ عُصۡبَةٌ۬ مِّنكُمۡۚ لَا تَحۡسَبُوهُ شَرًّ۬ا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَيۡرٌ۬ لَّكُمۡۚ لِكُلِّ ٱمۡرِىٍٕ۬ مِّنۡہُم مَّا ٱكۡتَسَبَ مِنَ ٱلۡإِثۡمِۚ وَٱلَّذِى تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُ ۥ مِنۡہُمۡ لَهُ ۥ عَذَابٌ عَظِيمٌ۬ (١١) لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتُ بِأَنفُسِہِمۡ خَيۡرً۬ا وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفۡكٌ۬ مُّبِينٌ۬ (١٢) لَّوۡلَا جَآءُو عَلَيۡهِ بِأَرۡبَعَةِ شُہَدَآءَۚ فَإِذۡ لَمۡ يَأۡتُواْ بِٱلشُّہَدَآءِ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡكَـٰذِبُونَ (١٣) وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُ ۥ فِى ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأَخِرَةِ لَمَسَّكُمۡ فِى مَآ أَفَضۡتُمۡ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٤) إِذۡ تَلَقَّوۡنَهُ ۥ بِأَلۡسِنَتِكُمۡ وَتَقُولُونَ بِأَفۡوَاهِكُم مَّا لَيۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡمٌ۬ وَتَحۡسَبُونَهُ ۥ هَيِّنً۬ا وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ۬ (١٥) وَلَوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ قُلۡتُم مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَڪَلَّمَ بِہَـٰذَا سُبۡحَـٰنَكَ هَـٰذَا بُہۡتَـٰنٌ عَظِيمٌ۬ (١٦) يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثۡلِهِۦۤ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ (١٧) وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأَيَـٰتِۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٨) إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَـٰحِشَةُ فِى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ۬ فِى ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأَخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ (١٩) وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡڪُمۡ وَرَحۡمَتُهُ ۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٌ۬ رَّحِيمٌ۬ (٢٠) ۞ يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٲتِ ٱلشَّيۡطَـٰنِۚ وَمَن يَتَّبِعۡ خُطُوَٲتِ ٱلشَّيۡطَـٰنِ فَإِنَّهُ ۥ يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُ ۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدً۬ا وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّى مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ۬ (٢١)
(11-20) يعلمنا القرآن من قصة حادثة الإفك إن إتهام أى إنسان من غير دليل هو خطأ عظيم فتشويه سمعة الناس يهدم أسراً ويتسبب فى مشاكل كثيرة ووصف الله فاعليه بأنهم يريدون أن تشيع الفاحشة وهى الكذب والبهتان على الناس بغير دليل، و يرسى القرآن مبدءاً هاماً هنا وهو أن من يتهم الناس بغير دليل قاطع هو خطأ يستوجب العقوبة، وفى الكثير من المجتمعات يحاكم البعض لجريمة تشويه سمعة الآخرين.
(21) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} يرمز الشيطان فى القرآن الى نوازع الشر بداخل الإنسان فهو الذى يدعونا الى العداوة و البغضاء {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} وينشر الكراهية بين الناس ليحارب إرادة الله فى الأرض وهى أن نتعايش فى سلام مع بعضنا البعض ويجعلنا نفعل عكس تلك الإرادة الإلهية و التى تتمثل فى هذه المعانى السامية :
- التعارف مع الشعوب و الحضارات الآخرى {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا},
- العيش فى سلام مع الآخرين {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً},
- عدم السخرية من غيرنا من الشعوب أو الأفراد {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ},
- الإلتزام بقيم العدل والإحسان فى معاملة الناس {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ },
- الإنفاق و مساعدة المحتاج { فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ },
- عدم إكراه أحد على أداء شعائر الدين{ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ },
- حرية العقيدة { فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ},
- إطعام المسكين و المحتاجين { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا },
- أن يختار الإنسان أجمل التعبيرات حين يخاطب الآخرين { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا },
- الصفح عن الناس { فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ }.
فمن فعل عكس ما تأمر به هذه الآيات فقد إتبع خطوات الشيطان الذى يأمر بالفحشاء والمنكر ولا فحشاء أو منكر أعظم من تحدى إرادة الله المذكورة فى الآيات السابقة و مبادءه العليا.
وَلَا يَأۡتَلِ أُوْلُواْ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤۡتُوٓاْ أُوْلِى ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِينَ وَٱلۡمُهَـٰجِرِينَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ۬ رَّحِيمٌ (٢٢) إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ ٱلۡغَـٰفِلَـٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ لُعِنُواْ فِى ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأَخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ۬ (٢٣) يَوۡمَ تَشۡہَدُ عَلَيۡہِمۡ أَلۡسِنَتُهُمۡ وَأَيۡدِيہِمۡ وَأَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ (٢٤) يَوۡمَٮِٕذٍ۬ يُوَفِّيہِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلۡحَقَّ وَيَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ ٱلۡمُبِينُ (٢٥) ٱلۡخَبِيثَـٰتُ لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَـٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَـٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَـٰتِۚ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَۖ لَهُم مَّغۡفِرَةٌ۬ وَرِزۡقٌ۬ ڪَرِيمٌ۬ (٢٦) يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتًا غَيۡرَ بُيُوتِڪُمۡ حَتَّىٰ تَسۡتَأۡنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَهۡلِهَاۚ ذَٲلِكُمۡ خَيۡرٌ۬ لَّكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ (٢٧) فَإِن لَّمۡ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَدً۬ا فَلَا تَدۡخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤۡذَنَ لَكُمۡۖ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ٱرۡجِعُواْ فَٱرۡجِعُواْۖ هُوَ أَزۡكَىٰ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٌ۬ (٢٨) لَّيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَدۡخُلُواْ بُيُوتًا غَيۡرَ مَسۡكُونَةٍ۬ فِيہَا مَتَـٰعٌ۬ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا تَكۡتُمُونَ (٢٩)
(22) { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا } العفو و الصفح عن الآخرين من أهم الصفات التى ينبغى أن يتحلى بهما المؤمن الحقيقى و هى صفات لابد من تطبيقها مع الجميع سواءً كانوا صغاراً أم كباراً و مع أصدقائه و أقاربه و جيرانه والعفو هو مبدأ إلهى أساسى للتعامل بين البشر، فلو أن كل واحد منا لم يصفح ولم يعف عن غيره لتحول العالم الى بوتقة كراهية، فالذى يطفئ نار الكراهية هو العفو والصفح و قد أٌمر الرسول الكريم بذلك حينما قال له ربه { فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ* إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ } ووصف الله عباده بقوله {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}، وقد ضرب لنا الرسول علبه السلام أجمل قدوة فى العفو عمن ظلمه فبعد أن عذبه مشركو مكة ثم عاد إليها بعد سنين عديدة عفا و صفح عنهم و قال لهم ” إذهبوا فأنتم الطلقاء “. و على الإنسان أن يطهر قلبه و نفسه {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} كى يكون عفوه و صفحه عن الآخرين صادقاً من القلب و ليس مجرد كلمات باللسان فكما قال تعالى { فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ }.
(23-26) تتحدث الآيات عن الذين يخوضون فى أعراض النساء و يتهموهن بفساد أخلاقى و توعد هؤلاء الله عز و جل فقال عنهم أنهم {لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}، فإتهام الآخرين و تشويه سمعتهم بغير دليل هو جريمة فى حق المجتمع بأكمله وعواقبها قد تكون وخيمة، ومن يتهم الناس و يُجرّح فى أخلاقهم وصفهم القرآن بأنهم {الْخَبِيثَاتُ ، وَالْخَبِيثُونَ} أما من يحفظ لسانه عن الخوض فى أعراض الآخرين فقد و صفهم القرآن بقوله {وَالطَّيِّبَاتُ ، وَالطَّيِّبُونَ}.
(27-28) كان بعض البدو وقت نزول القرآن يدخلون على بيوت غيرهم دون أى إستئذان فجاء القرآن يعلمهم بعض مبادئ التعامل الراقى والتحضر وهى الإستئذان قبل دخول بيوت الغير، نتعلم من ذلك أن القرآن يشجع لإتجاه المجتمع لمزيد من الحضارة و الرقى وإحترام خصوصية الآخرين.
(29) {بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ} المقصود بذلك هو دخول المحال العامة والمتاجر فلا حاجة للإستئذان قبل دخولها لأنها ليست مخصصة للسكن ومفتوحة للجميع ليدخلوها لكى يشتروا منها.
قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٲلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ (٣٠) وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَـٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاۖ وَلۡيَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِہِنَّۖ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوۡ ءَابَآٮِٕهِنَّ أَوۡ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَآٮِٕهِنَّ أَوۡ أَبۡنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ إِخۡوَٲنِهِنَّ أَوۡ بَنِىٓ إِخۡوَٲنِهِنَّ أَوۡ بَنِىٓ أَخَوَٲتِهِنَّ أَوۡ نِسَآٮِٕهِنَّ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَـٰنُهُنَّ أَوِ ٱلتَّـٰبِعِينَ غَيۡرِ أُوْلِى ٱلۡإِرۡبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفۡلِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يَظۡهَرُواْ عَلَىٰ عَوۡرَٲتِ ٱلنِّسَآءِۖ وَلَا يَضۡرِبۡنَ بِأَرۡجُلِهِنَّ لِيُعۡلَمَ مَا يُخۡفِينَ مِن زِينَتِهِنَّۚ وَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ (٣١)
(30) {مِنْ أَبْصَارِهِمْ} {مِنْ} هنا للتبعيض أى بعضاً من أبصارهم و ليس كلها فالعبرة ليست بالنظر الى شئ ما ولكن بالأفكار السيئة التى تصحب النظرة، فإذا كان بصر الإنسان قد يدعوه الى فعل شرير أوغير لائق فينصح بغضه (أو التقليل منه).
(31) {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ} لا تعنى الإكراه فمبدأ القرآن واضح فى هذا الأمر {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ولا تبيح الإجبار {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ} ولا تعطى حق السيطرة على المرأة {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} فقل هى كلمة بغرض النصح بشئ يناسب المجتمع فى ذلك العصر، وسبب نزول هذه الآيات هو منع التحرش الجنسى فى ذلك المجتمع حينذاك فقد كان البعض يتحرش بالمرأة إذا أبدت زينتها فكان الأمر بعدم إبداء الزينة هو لحماية المرأة من ذلك التحرش فى ذلك المجتمع {فَلَا يُؤْذَيْنَ}.
و مع تغير الزمان والمكان نرى الآن فى بعض المجتمعات الغربية والتى تبيح للمرأة أن ترتدى ما تشاء أن حالات التحرش بالمرأة بالشارع هى أقل بكثير جداً من معدلات التحرش فى المجتمعات التى تمنع المرأة من حرية إرتداء ما تشاء، وذلك يدلل على أن أحترام المرأة و عدم التحرش بها ينبع أساساً من ثقافة المجتمع و طريقة تفكيره وليس فقط نتيجة ما ترتديه، قد تتعرض المرأة وهى ترتدى زياً يغطيها كاملاً فى بعض الدول الإسلامية أكثر بمراحل مما قد تتعرض له من ترتدى زياً عارياً فى البلاد الغربية، ولأجل ذلك فإن القرآن قال {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ}، وخلاصة القول أن النصح فى الآية كان بهدف حماية المرأة ومنع التحرش ضدها.
وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَـٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّـٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآٮِٕڪُمۡۚ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغۡنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ وَٲسِعٌ عَلِيمٌ۬ (٣٢) وَلۡيَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغۡنِيَہُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱلَّذِينَ يَبۡتَغُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَـٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ إِنۡ عَلِمۡتُمۡ فِيہِمۡ خَيۡرً۬اۖ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِىٓ ءَاتَٮٰكُمۡۚ وَلَا تُكۡرِهُواْ فَتَيَـٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَآءِ إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنً۬ا لِّتَبۡتَغُواْ عَرَضَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَمَن يُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَٲهِهِنَّ غَفُورٌ۬ رَّحِيمٌ۬ (٣٣) وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ ءَايَـٰتٍ۬ مُّبَيِّنَـٰتٍ۬ وَمَثَلاً۬ مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمَوۡعِظَةً۬ لِّلۡمُتَّقِينَ (٣٤)
(32-34) {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ} (أنكحوا أى زوجوا) و (الأيامى هى جمع أيم وهو الغير متزوج أو الغير متزوجة) وكما نرى فإن هذه الآية تدعو الى مساعدة غير المتزوجين على الزواج لأن ذلك قد يساعدهم على الإستقرار وبناء أسرة ويقلل من إحتمالات إتجهاههم للفساد، ويلاحظ هنا ان مساعدة الشابات والشباب على الزواج جاء بفعل الأمر {أَنكِحُوا} أى زوجوا – وذلك على خلاف بعض الأشياء الأخرى التى جاءت فقط كنصح وإرشاد وليس بصيغة الأمر مثل فعل” قل” – و ذلك للدلالة على أهمية هذا الأمر.
و لفهم بعض التعبيرات المستخدمة فى الاية مثل “عبادكم” و “إمائكم” و ” ما ملكت أيمانكم “فتياتكم “.
أَمَه ( مفرد إماء) :
– هى طائفه من الرقيق كانت موجوده وقت نزول الإسلام و قد أمر الإسلام بالإحسان إليهن و جعل الجميع من إماء و أحرار متساوين أمام الله { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }
– وحرم الإستعلاء على الآخرين { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ }
– وقد أمر القرآن الكريم فى أكثر من موقع بتحرير العبيد (الرقاب) { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ }
– و جزءً من الصدقات ينبغى أن يذهب لتحريرالرقيق ( الرقاب ) فى جميع بقاع الأرض { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ}.
– وقد حرم القرآن الكريم إتخاذ أسرى الحرب كرقيق {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}, والقرآن لا يُحل أو يسمح بأى علاقة جنسية مع ما كان يطلق عليها بالأمة، النقطة القادمة ستوضح الفارق بين الأمَه وماملكت اليمين فلا توجد آية واحدة فى القرآن تسمح بوجود علاقة من هذا النوع مع الإماء والعلاقة الوحيدة المقبولة معهن هى نفس العلاقة مع الزوجات {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَان} و{وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ}.
ما ملكت أيمانكم : ترد كلمة “أيْمَان” فى القرآن الكريم أساساً بمعنى العهد و الميثاق {وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ} و {وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} و{وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} فكلمة ما ملكت أيمانكم تعنى أنها تملك العهد من شخص ما أمام الله و أمام الناس وعلى هذا الإنسان تحمل مسئوليته والحفاظ على عهده {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا}, والعهد هنا سواء كان مع من تملك اليمين أوالأيمان مشروطاً بشرط الإرتباط و العلاقة بين الرجل و المرأة فى القرآن وهى كما فى الآية {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ } و إذا كان هذا العهد مكتوباً تسمى ما عقدت أيمانكم كما فى الآية {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ }، وقد ذكر القرآن أن العهد والذى كان شفوياً فى العصور السابقة كان ينبغى كتابته إذا أرادت المرأة ذلك كما الآية {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ}.
الزوجة : هى من تعيش فعلاً مع الشخص و تشاركه فى حياته فيكونا زوجين, وقد قال الله لآدم {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} فقد أصبحت تسمى زوجته لأنها كانت تشاركه حياته.
الخطبة : هو إتفاق مبدئى على التعارف بغرض الزواج و أياً كان المسمى فإن العلاقة الوحيدة المقبولة فى القرآن هى من خلال إرتباط مُعلن و يمين مغلظ وعهد لا ينكسر وعلانية فتكون العلاقة كالحصن الذى أُنشىء ليبقى و ليكون ظاهراً أمام الجميع كما فى فوله تعالى{ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ }.
و لفهم مفهوم القرآن عن الرق برجاء مراجعة سورة النساء آية (25).
{وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} ويرى البعض أن إكراه أى فتاة على الزواج من شخص لا تريده أو ترفضه هو عند الله تعالى أحد أنواع “البغاء” لأن المرأة تجبر فيه على معاشرة إنسان لا تريده، وفى هذا المضمون قد يشير تعبير {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} الى أن الفتاة تريد أن تتزوج بإرادتها ممن تريد.
۞ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشۡكَوٰةٍ۬ فِيہَا مِصۡبَاحٌۖ ٱلۡمِصۡبَاحُ فِى زُجَاجَةٍۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّہَا كَوۡكَبٌ۬ دُرِّىٌّ۬ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ۬ مُّبَـٰرَڪَةٍ۬ زَيۡتُونَةٍ۬ لَّا شَرۡقِيَّةٍ۬ وَلَا غَرۡبِيَّةٍ۬ يَكَادُ زَيۡتُہَا يُضِىٓءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارٌ۬ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ۬ۗ يَہۡدِى ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَيَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَـٰلَ لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَىۡءٍ عَلِيمٌ۬ (٣٥) فِى بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَيُذۡڪَرَ فِيہَا ٱسۡمُهُ ۥ يُسَبِّحُ لَهُ ۥ فِيہَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأَصَالِ (٣٦) رِجَالٌ۬ لَّا تُلۡهِيہِمۡ تِجَـٰرَةٌ۬ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِۙ يَخَافُونَ يَوۡمً۬ا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَـٰرُ (٣٧) لِيَجۡزِيَہُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٍ۬ (٣٨) وَٱلَّذِينَ ڪَفَرُوٓاْ أَعۡمَـٰلُهُمۡ كَسَرَابِۭ بِقِيعَةٍ۬ يَحۡسَبُهُ ٱلظَّمۡـَٔانُ مَآءً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَهُ ۥ لَمۡ يَجِدۡهُ شَيۡـًٔ۬ا وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ ۥ فَوَفَّٮٰهُ حِسَابَهُ ۥۗ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ (٣٩) أَوۡ كَظُلُمَـٰتٍ۬ فِى بَحۡرٍ۬ لُّجِّىٍّ۬ يَغۡشَٮٰهُ مَوۡجٌ۬ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡجٌ۬ مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَابٌ۬ۚ ظُلُمَـٰتُۢ بَعۡضُہَا فَوۡقَ بَعۡضٍ إِذَآ أَخۡرَجَ يَدَهُ ۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَٮٰهَاۗ وَمَن لَّمۡ يَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُ ۥ نُورً۬ا فَمَا لَهُ ۥ مِن نُّورٍ (٤٠)
(35){نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ} حين نقرأ هذه الكلمات الربانية لا يسعنا إلا أن نطلب من الله نور السماوات و الأرض أن يجعل لنا نوراً فى قلوبنا وفى كلماتنا وفى أفعالنا حتى يرى الناس نوره فيعرفونه :
{أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا}.
(36) إستخدم الله كلمة { بُيُوتٍ } بدون أداة التعريف “ال ” حتى يعمم المعنى المذكور فى الآية على كل مكان يعبد فيه الخالق سواء كان ذلك صوامع أو بيع أو صلوات أو مساجد وهى أماكن تعبد اليهود والمسلمسن والمسيحيين وغيرهم من أهل الديانات و العقائد الأخرى :
{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا}.
(39) {أَعْمَالُهُمْ} وصف القرآن أعمال الكافرين فى الكثير من آياته فكما رأينا فى قصص الأنبياء السابقين فقد كانوا يعتدون على رسل الله ويطردوهم من ديارهم لا لشئ إلا أنهم كانوا يؤمنون بدين آخر أو فكر مختلف عن مجتمعهم وعما جاء به آباؤهم {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ۖ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ}، ونلاحظ إستخدام القرآن لكلمة { أَعْمَالُهُمْ } وليس عقيدتهم لأن ما يهم فى الأمر هو أعمال الإنسان و هل هى صالحة أم لا.
أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ ۥ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلطَّيۡرُ صَـٰٓفَّـٰتٍ۬ۖ كُلٌّ۬ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُ ۥ وَتَسۡبِيحَهُ ۥۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ (٤٢) أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزۡجِى سَحَابً۬ا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيۡنَهُ ۥ ثُمَّ يَجۡعَلُهُ ۥ رُكَامً۬ا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَـٰلِهِۦ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ۬ فِيہَا مِنۢ بَرَدٍ۬ فَيُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ وَيَصۡرِفُهُ ۥ عَن مَّن يَشَآءُۖ يَكَادُ سَنَا بَرۡقِهِۦ يَذۡهَبُ بِٱلۡأَبۡصَـٰرِ (٤٣) يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِى ذَٲلِكَ لَعِبۡرَةً۬ لِّأُوْلِى ٱلۡأَبۡصَـٰرِ (٤٤) وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ۬ مِّن مَّآءٍ۬ۖ فَمِنۡہُم مَّن يَمۡشِى عَلَىٰ بَطۡنِهِۦ وَمِنۡہُم مَّن يَمۡشِى عَلَىٰ رِجۡلَيۡنِ وَمِنۡہُم مَّن يَمۡشِى عَلَىٰٓ أَرۡبَعٍ۬ۚ يَخۡلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ ڪُلِّ شَىۡءٍ۬ قَدِيرٌ۬ (٤٥) لَّقَدۡ أَنزَلۡنَآ ءَايَـٰتٍ۬ مُّبَيِّنَـٰتٍ۬ۚ وَٱللَّهُ يَہۡدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٲطٍ۬ مُّسۡتَقِيمٍ۬ (٤٦)
(41-46) القرآن فى هذه الآيات يحرك أبصارنا كى نتأمل فى خلق الرحمن من حولنا ونسبح اسمه مثلما تسبح طيور السماء وكما سبحت الجبال مع داود، فها هى الطير صافات يسبحن بأسمه وها هو السحاب و الليل و النهار وكل دابة فى الارض تنطق بعظمة خالقها.
وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ۬ مِّنۡہُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٲلِكَۚ وَمَآ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ (٤٧) وَإِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَہُمۡ إِذَا فَرِيقٌ۬ مِّنۡہُم مُّعۡرِضُونَ (٤٨) وَإِن يَكُن لَّهُمُ ٱلۡحَقُّ يَأۡتُوٓاْ إِلَيۡهِ مُذۡعِنِينَ (٤٩) أَفِى قُلُوبِہِم مَّرَضٌ أَمِ ٱرۡتَابُوٓاْ أَمۡ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيۡہِمۡ وَرَسُولُهُ ۥۚ بَلۡ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ (٥٠) إِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ أَن يَقُولُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۚ وَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ (٥١) وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ۥ وَيَخۡشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقۡهِ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡفَآٮِٕزُونَ (٥٢) ۞ وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَـٰنِہِمۡ لَٮِٕنۡ أَمَرۡتَہُمۡ لَيَخۡرُجُنَّۖ قُل لَّا تُقۡسِمُواْۖ طَاعَةٌ۬ مَّعۡرُوفَةٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ (٥٣) قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيۡڪُم مَّا حُمِّلۡتُمۡۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهۡتَدُواْۚ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَـٰغُ ٱلۡمُبِينُ (٥٤)
(47-53) تكررت كلمة { لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ } عدة مرات فى هذه الآيات ( آية 48 و 51 ) و قد وضح الله لرسوله فى القرآن الكريم هذه المبادئ :
- أن لايجبر أحداً { وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ } أو يكره أحداً { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } حينما يحتكم إليه فالأمر متروك لمن أراد أن يُحكّمَه ( أى أن الأمر كان بصورة إختيارية ) { فَإِن جَاءُوكَ } و ” إن ” هى أداة شرط تفيد الإحتمال.
- أنه إذا حكم بين الناس فعليه أن يحكم بكتاب الله { فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ } و{ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ } و{ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ }.
- أن كتاب الله مفصل { أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا }.
(54) { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } طاعة الله والرسول تكون بإتباع الكتاب الذى أوحاه الله و نطق به الرسول الكريم فوظيفة الرسول كما وضحها القرآن هى البلاغ { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ }، والله و رسوله ليسا مصادر مختلفة للدين فكما قال الله للرسول {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا} أى أن يبشر و ينذر بالقرآن و كما ذكر القرآن { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا }، ويوم القيامة يعاتب الرسول محمد عليه السلام أمته على شئ واحد فقط و هو هجر القرآن فكما قالت الآية { وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا } فلم يعاتب الرسول أمته على هجر أى كتاب آخر فهو الكتاب الذى قال عنه الله { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ } وقال { فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } وقال { مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ } وقال { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } فهو الكتاب العزيز الذى {لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }. فطاعة الله و الرسول هى بإتباع القرآن لأن حكمهما واحد كما وضح فى إستخدام ضمير المفرد و ليس المثنى فى الآيات التالية { وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ } ولم يقل ” ليحكما ” و قوله تعالى { وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } فلم يقل ” يرضوهما “، و كما قيل عنه عليه السلام إنه كان ” قرآنا يمشى على الأرض “.
وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِى ٱلۡأَرۡضِ ڪَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَہُمُ ٱلَّذِى ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّہُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنً۬اۚ يَعۡبُدُونَنِى لَا يُشۡرِكُونَ بِى شَيۡـًٔ۬اۚ وَمَن ڪَفَرَ بَعۡدَ ذَٲلِكَ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ (٥٥) وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ لَعَلَّڪُمۡ تُرۡحَمُونَ (٥٦) لَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مُعۡجِزِينَ فِى ٱلۡأَرۡضِۚ وَمَأۡوَٮٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ (٥٧)
(55)
- التمكين فى الدين {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ} هو أن يكون الإنسان مُمكناً أى عنده القدرة أن يتعبد الى خالقه وأن يصلى إليه بحرية دون أن يمنعه أحد من العبادة،
- وقوله فى آية أخرى {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ } أى أنهم هم الذين إستطاعوا أن يصلوا ويتزكوا ولا تعنى إكراه الآخرين على أداء شعائر الدين أو إجبارهم على ذلك أو السيطرة عليهم بنظام دينى معين رغماً عن إرادتهم فإن ذلك فى حد ذاته هو خروج عن ملة الإسلام و تحد صارخ لآيات الله،
- فالقرآن الكريم لا يبيح إكراه الناس فى الدين {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖقَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}
- ولا يقبل إجبار الناس على عبادة الله {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ}
- ولا يريد أن يسيطر على الناس بإسم الدين { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ }
- فالله تعالى لا يريد منع البشر من حق الإختيار وقد كفله الله بنفسه لهم { فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ }.
- فكل إنسان على وجه الأرض مُمْكّن من التعبد الى خالقه والصلاة إليه فهو مُمْكّن من دينه .
- فعلى سبيل المثال منعت بعض الدول الشيوعية المسلمين وغيرهم من أداء الصلاة و إقامة الشعائر وفى هذه الحالة كان المسلمون ” غير ممكنين ” فى الأرض لأنهم لم يكونوا يستطيعوا أن يتعبدوا الى الله.
- أما بعد سفر بعض هؤلاء الى دول أخرى مثل أمريكا و الدول الأوربية و إستراليا وغيرها من الدول الغربية فأصبحوا يستطيعون إقامة الصلاة والتعبد الى الله بحرية فهم فى هذه الحالة أصبحوا ” مُمْكّنين ” فى الأرض لأنهم يستطيعوا إقامة الصلاة والزكاة.
(57) { الَّذِينَ كَفَرُوا } لأحظ إستخدام أداة التعريف { الَّذِينَ } للحديث بخصوصية عن كفار و مشركى مكة الذين منعوا المسلمين الآوائل من عبادة الله و الصلاة إليه { أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ }، وهؤلاء كما ذكرت الآية
{ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۖ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ }.
يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسۡتَـٔۡذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتۡ أَيۡمَـٰنُكُمۡ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَبۡلُغُواْ ٱلۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَـٰثَ مَرَّٲتٍ۬ۚ مِّن قَبۡلِ صَلَوٰةِ ٱلۡفَجۡرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِنۢ بَعۡدِ صَلَوٰةِ ٱلۡعِشَآءِۚ ثَلَـٰثُ عَوۡرَٲتٍ۬ لَّكُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ وَلَا عَلَيۡهِمۡ جُنَاحُۢ بَعۡدَهُنَّۚ طَوَّٲفُونَ عَلَيۡكُم بَعۡضُڪُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ۬ۚ كَذَٲلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأَيَـٰتِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ۬ (٥٨) وَإِذَا بَلَغَ ٱلۡأَطۡفَـٰلُ مِنكُمُ ٱلۡحُلُمَ فَلۡيَسۡتَـٔۡذِنُواْ ڪَمَا ٱسۡتَـٔۡذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَٲلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَڪُمۡ ءَايَـٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَڪِيمٌ۬ (٥٩) وَٱلۡقَوَٲعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّـٰتِى لَا يَرۡجُونَ نِكَاحً۬ا فَلَيۡسَ عَلَيۡهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعۡنَ ثِيَابَهُنَّ غَيۡرَ مُتَبَرِّجَـٰتِۭ بِزِينَةٍ۬ۖ وَأَن يَسۡتَعۡفِفۡنَ خَيۡرٌ۬ لَّهُنَّۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ۬ (٦٠) لَّيۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجٌ۬ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجٌ۬ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِيضِ حَرَجٌ۬ وَلَا عَلَىٰٓ أَنفُسِڪُمۡ أَن تَأۡكُلُواْ مِنۢ بُيُوتِڪُمۡ أَوۡ بُيُوتِ ءَابَآٮِٕڪُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أُمَّهَـٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ إِخۡوَٲنِڪُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَخَوَٲتِڪُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَعۡمَـٰمِڪُمۡ أَوۡ بُيُوتِ عَمَّـٰتِڪُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَخۡوَٲلِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ خَـٰلَـٰتِڪُمۡ أَوۡ مَا مَلَڪۡتُم مَّفَاتِحَهُ ۥۤ أَوۡ صَدِيقِڪُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡڪُمۡ جُنَاحٌ أَن تَأۡڪُلُواْ جَمِيعًا أَوۡ أَشۡتَاتً۬اۚ فَإِذَا دَخَلۡتُم بُيُوتً۬ا فَسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ تَحِيَّةً۬ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُبَـٰرَڪَةً۬ طَيِّبَةً۬ۚ ڪَذَٲلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَڪُمُ ٱلۡأَيَـٰتِ لَعَلَّڪُمۡ تَعۡقِلُونَ (٦١) إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَإِذَا ڪَانُواْ مَعَهُ ۥ عَلَىٰٓ أَمۡرٍ۬ جَامِعٍ۬ لَّمۡ يَذۡهَبُواْ حَتَّىٰ يَسۡتَـٔۡذِنُوهُۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَـٔۡذِنُونَكَ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ فَإِذَا ٱسۡتَـٔۡذَنُوكَ لِبَعۡضِ شَأۡنِهِمۡ فَأۡذَن لِّمَن شِئۡتَ مِنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمُ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ۬ رَّحِيمٌ۬ (٦٢) لَّا تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيۡنَڪُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم بَعۡضً۬اۚ قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمۡ لِوَاذً۬اۚ فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦۤ أَن تُصِيبَہُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَہُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣) أَلَآ إِنَّ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قَدۡ يَعۡلَمُ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ وَيَوۡمَ يُرۡجَعُونَ إِلَيۡهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَىۡءٍ عَلِيمُۢ (٦٤)
(58-59) تتكلم هذه الآيات عن أمور تخص المجتمع فى ذلك العصر و الهدف منها تعليم الناس إحترام خصوصية الآخرين.
ملكت أيمانكم كلمة ” الأيمان ” تأتى فى القرآن غالباً بمعنى العهود فتعبير ” ملكت أيمانكم ” أى تملك عهداً بالزواج و الإرتباط الأسرى وهذه الآية تتكلم عن مرحلة العهد و ميثاق الإرتباط قبل أن يتم الزواج الفعلى أى ” عقدة النكاح ” و لفهم المزيد عن هذا الأمر برجاء مراجعة سورة البقرة آية (221).
(60) {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} إشارة الى الكبيرات فى السن، وهذه الآية تجيز كسر بعض القواعد المجتمعية و إعطاء إستثناءات لمن له ظروف خاصة مثل الكبار فى السن، ونتعلم من ذلك مراعاة الظروف و الإحتياجات الخاصة عند وضع بعض القواعد و القوانين المجتمعية.
(62-63) تعلمنا هذه الآية إحترام من هو فى منزلة القائد لمجموعة أو لدولة.