بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٍ۬ وَٲحِدَةٍ۬ وَخَلَقَ مِنۡہَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡہُمَا رِجَالاً۬ كَثِيرً۬ا وَنِسَآءً۬ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبً۬ا (١) وَءَاتُواْ ٱلۡيَتَـٰمَىٰٓ أَمۡوَٲلَہُمۡۖ وَلَا تَتَبَدَّلُواْ ٱلۡخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِۖ وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٲلَهُمۡ إِلَىٰٓ أَمۡوَٲلِكُمۡۚ إِنَّهُ ۥ كَانَ حُوبً۬ا كَبِيرً۬ا (٢) وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِى ٱلۡيَتَـٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٲحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَـٰنُكُمۡۚ ذَٲلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ (٣)
- يلاحظ القارئ أن الله تعالى قد بدأ سورة النساء بالفطرة الإلهية وسنته فى الخلق آلا وهى خلق زوج واحد لإمرأة واحدة { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً }، والملاحظ هنا أن الله تعالى إستخدم تعبير “منهما “وليس” منهم ” ليؤكد أن سنة الله الحقيقية هى وجود زوجة واحدة وليس عدة زوجات للإنسان، أى أن هذه الآية تدلل على أن تعدد الزوجات ليس هو سنة الله وليس هوالفطرة التى خلق الله الإنسان عليها، وتدل الآية أيضاً على أن قبول التعدد فى مرحلة فى تاريخ الإسلام كان فقط نتيجة ظروف تاريخية معينه فى المجتمع حين ذاك, وأضطر القرآن الكريم لمواجهة مشكلة كانت موجودة بالفعل فى المجتمع وقت بدء الدعوة، وسنّ قوانين لتنظيم وضع إجتماعى موجود بالفعل لا يعنى إباحته أو إجازته.
و لو كانت سنة الله هى تعدد الزوجات لخلق الله لآدم فى بداية الخلق أكثرمن زوجة بدلا من زوجة واحدة، فمن الواضح أن الفطرة الإلهية وسنة الله فى الخلق هى زوج واحد لزوجة واحدة { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا } وكما قال الله تعالى أيضاً فى محكم كتابه الكريم عن فطرته فى الخلق { فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ }، فإن كان القرآن الكريم لظروف إستثنائية فى ذلك العصر ناقش ونظم ووضع قيوداً على تعدد الزوجات فإن ذلك لا يغير فطرة الله وسنته فى خلق الإنسان وهى عدم التعدد فكما قال فى الآية { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا } ولم يقل “وخلق منها أزواجها ” أو “وبث منهم
بصيغة الجمع، ومن الملاحظ أيضاً أن قول الله تعالى { خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } تعنى إحترام الإنسانية وإنهاء العنصرية لأن البشر جميعاً مع إختلاف ألوانهم و أعراقهم و دياناتهم قدخلقوا من نفس واحدة.
- يدعوا الله تعالى دائماً الى رعاية اليتامى فى محنهم فقال فى كتابه الكريم { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ } وقال :
{ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا } و قال فى يوم الحساب فى لحظة عتاب على البشر {كَلَّا ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ }.
(3) بالرغم أن الفطرة الآلهية كما ذكرت الآية الأولى فى هذه السورة هى عدم تعدد الزوجات فإن تحريم التعدد بصورة مطلقة و فجائية فى مجتمع كان التعدد مباحاً فيه كان سينتهى بتشتيت وتدمير الكثيرمن الأسر وكان سيخلق مشاكل إجتماعية للكثيرين من هذه الأسر وقد عالج القرآن الكريم هذا الموقف الشائك كما يلى :
– أقر المبدء الأصلى فى بداية الخليقة و هو عدم التعدد { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ }.
– وضع شروطاً تقيد من عملية التعدد وتجعله فى الواقع صعب التنفيذ فإشترط القرآن العدل { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } ثم أقرأن البشرلن يستطيعوا أن يعدلوا بين النساء { وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ }، وبالنظرالى الآيتين سوياً نرى أن قبول التعدد كان فقط وضعاً إستثنائياً فى تلك الحقبة الزمنية و ليس هو الأصل أو الفطرة.
و ما ملكت “أيمانكم” تأتى كلمة “أيمان” فى القرآن الكريم بمعنى العهد والميثاق { ؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَان} و { وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} و{ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ } فكلمة ما ملكت أيمانكم تعنى أنها تملك الأيمان أى العهد والميثاق بالإرتباط من شخص ما أمام الله وأمام الناس وعلى هذا الشخص تحمل مسئوليته والحفاظ على عهده { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا}, والعهد هنا سواء كان مع من تملك اليمين اوالأيمان مشروط بشروط الإرتباط والعلاقة بين الرجل والمرأة فى القرآن و هى كما فى الآية { مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ } وإذا كان هذا العهد مكتوباً كعقد تسمى ما “عقدت أيمانكم” كما فى الآية { وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ }.
و لم يقف القرآن عند إشتراط العدل لإجازة أو إباحة التعدد فى هذه المرحلة بل إنه إشترط أيضاً بأداة شرط واضحة أن قبول الزواج من أكثر من واحدة كان مشروطاً بأن يكون هدفه رعاية اليتامى فقالت الآية { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ } فلم يترك الأمرمفتوحاً للنزوات والأهواء كما يظن البعض وإنما وضع شرطاً إنسانياً له، و ما يفعله البعض فى هذا العصر بأن يتزوجوا بأكثرمن واحدة إرضاء لنزواتهم ظناً منهم أنه مباح لهم بصورة مطلقة لا يُخالف الفطرة الألهية وحسب بل يتعارض مع الفطرة المذكورة فى أول السورة { وَبَثَّ مِنْهُمَا } وتحدى الشرط الإلهى بأن يكون الهدف مشروطاً برعاية اليتامى { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ } ويعرضون أنفسهم لعدم العدل كما قال القرآن { وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا } أو بمعنى آخر يصبحوا ظالمين ويحق عليهم قول الله { وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا }.
وخلاصة القول أن الفطرة الإلهية هى زوجة واحدة للإنسان وأن التعدد أُبيح فى وقت نزول القرآن لأنه كان واقعاً يترتب على تجريمه كوارث إجتماعية لا حصرلها و كانت إباحته مشروطة برعاية اليتامى ومقيدة بالعدل وعدم الظلم.
مفردات : تعول أى ( تظلم ), طاب لكم أى ( مقبول لديكم ).
وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَـٰتِہِنَّ نِحۡلَةً۬ۚ فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَىۡءٍ۬ مِّنۡهُ نَفۡسً۬ا فَكُلُوهُ هَنِيٓـًٔ۬ا مَّرِيٓـًٔ۬ا (٤) وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٲلَكُمُ ٱلَّتِى جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِيَـٰمً۬ا وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِيہَا وَٱكۡسُوهُمۡ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلاً۬ مَّعۡرُوفً۬ا (٥) وَٱبۡتَلُواْ ٱلۡيَتَـٰمَىٰ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغُواْ ٱلنِّكَاحَ فَإِنۡ ءَانَسۡتُم مِّنۡہُمۡ رُشۡدً۬ا فَٱدۡفَعُوٓاْ إِلَيۡہِمۡ أَمۡوَٲلَهُمۡۖ وَلَا تَأۡكُلُوهَآ إِسۡرَافً۬ا وَبِدَارًا أَن يَكۡبَرُواْۚ وَمَن كَانَ غَنِيًّ۬ا فَلۡيَسۡتَعۡفِفۡۖ وَمَن كَانَ فَقِيرً۬ا فَلۡيَأۡكُلۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِذَا دَفَعۡتُمۡ إِلَيۡہِمۡ أَمۡوَٲلَهُمۡ فَأَشۡہِدُواْ عَلَيۡہِمۡۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبً۬ا (٦) لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ۬ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٲلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ۬ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٲلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِيبً۬ا مَّفۡرُوضً۬ا (٧) وَإِذَا حَضَرَ ٱلۡقِسۡمَةَ أُوْلُواْ ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰڪِينُ فَٱرۡزُقُوهُم مِّنۡهُ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلاً۬ مَّعۡرُوفً۬ا (٨) وَلۡيَخۡشَ ٱلَّذِينَ لَوۡ تَرَكُواْ مِنۡ خَلۡفِهِمۡ ذُرِّيَّةً۬ ضِعَـٰفًا خَافُواْ عَلَيۡهِمۡ فَلۡيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡيَقُولُواْ قَوۡلاً۬ سَدِيدًا (٩) إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡڪُلُونَ أَمۡوَٲلَ ٱلۡيَتَـٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡڪُلُونَ فِى بُطُونِهِمۡ نَارً۬اۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرً۬ا (١٠) يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِىٓ أَوۡلَـٰدِڪُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ فَإِن كُنَّ نِسَآءً۬ فَوۡقَ ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِن كَانَتۡ وَٲحِدَةً۬ فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ وَلِأَبَوَيۡهِ لِكُلِّ وَٲحِدٍ۬ مِّنۡہُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ ۥ وَلَدٌ۬ۚ فَإِن لَّمۡ يَكُن لَّهُ ۥ وَلَدٌ۬ وَوَرِثَهُ ۥۤ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ ٱلثُّلُثُۚ فَإِن كَانَ لَهُ ۥۤ إِخۡوَةٌ۬ فَلِأُمِّهِ ٱلسُّدُسُۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٍ۬ يُوصِى بِہَآ أَوۡ دَيۡنٍۗ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ لَا تَدۡرُونَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ لَكُمۡ نَفۡعً۬اۚ فَرِيضَةً۬ مِّنَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمً۬ا (١١) ۞ وَلَڪُمۡ نِصۡفُ مَا تَرَكَ أَزۡوَٲجُڪُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ۬ۚ فَإِن ڪَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ۬ فَلَڪُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَڪۡنَۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٍ۬ يُوصِينَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍ۬ۚ وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡتُمۡ إِن لَّمۡ يَڪُن لَّكُمۡ وَلَدٌ۬ۚ فَإِن ڪَانَ لَڪُمۡ وَلَدٌ۬ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَڪۡتُمۚ مِّنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٍ۬ تُوصُونَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍ۬ۗ وَإِن كَانَ رَجُلٌ۬ يُورَثُ ڪَلَـٰلَةً أَوِ ٱمۡرَأَةٌ۬ وَلَهُ ۥۤ أَخٌ أَوۡ أُخۡتٌ۬ فَلِكُلِّ وَٲحِدٍ۬ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُۚ فَإِن ڪَانُوٓاْ أَڪۡثَرَ مِن ذَٲلِكَ فَهُمۡ شُرَڪَآءُ فِى ٱلثُّلُثِۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٍ۬ يُوصَىٰ بِہَآ أَوۡ دَيۡنٍ غَيۡرَ مُضَآرٍّ۬ۚ وَصِيَّةً۬ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ۬ (١٢) تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٍ۬ تَجۡرِى مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٲلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ (١٣) وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ ۥ يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَـٰلِدً۬ا فِيهَا وَلَهُ ۥ عَذَابٌ۬ مُّهِينٌ۬ (١٤) وَٱلَّـٰتِى يَأۡتِينَ ٱلۡفَـٰحِشَةَ مِن نِّسَآٮِٕڪُمۡ فَٱسۡتَشۡہِدُواْ عَلَيۡهِنَّ أَرۡبَعَةً۬ مِّنڪُمۡۖ فَإِن شَہِدُواْ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِى ٱلۡبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّٮٰهُنَّ ٱلۡمَوۡتُ أَوۡ يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً۬ (١٥) وَٱلَّذَانِ يَأۡتِيَـٰنِهَا مِنڪُمۡ فَـَٔاذُوهُمَاۖ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ ڪَانَ تَوَّابً۬ا رَّحِيمًا (١٦)
(4) إذا أعطى الرجل هدية آو مهراً لزوجته فلا يحق له أن يأخذها أو يأخذ منها أى شئ بغيررضاها الكامل, الغرض من هذا الأمر هوالحفاظ على حقوق المرأة وعدم ظلمها وعلينا الحفاظ على هذا المبدأ القرآنى فى كل التعاملات مع المرأة.
وإذا كان إتجاه القرآن فى ذلك العصر هوالحفاظ على حقوق المرأة وحمايتها فعلينا فى هذا العصر أيضاً إتباع هذا المنهج القرآنى بإعطاء المرأة المزيد من الحقوق.
(5) { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ } تعلمنا هذه الآية إحترام المسئولية والأمانه التى أعطاها الله لنا، فالمال مسئولية فلا يجوز إعطاؤه لأى إنسان إذا كان سيستخدمه بسفه أو بغيرعقل أوفى عمل شرأوإيذاء الآخرين, ولكن ذلك كما نرى فى الآية لا يتعارض على الإطلاق مع معاملة هذا الإنسان بالحسنى إذا إحتاج طعاماً أو ملبساً فى لحظة ما.
(6) يكرر الله تعالى هنا الإهتمام باليتيم والحفاظ على أمواله ويأمرنا بإعطائه أمواله وميراثه طالما أصبح راشداً و يأمرنا بعدم إعطائه المال قبل هذه المرحلة من النضوج الفكرى حتى لا ينفقه فيما لا يفيد، وعند إعطائه ميراثه ينبغى أن يوجد من يشهد على ذلك.
(7-10) عند تقسيم التركة يعطى الجميع حقوقهم وأنصبتهم فى الميراث فلا ينبغى ظلم الضعيف بل يعطى كما قال القرآن كل ذى حق حقه, ويعاود القرآن التذكرة بروح الإسلام الحقيقية وهى الإنفاق على المحتاجين :
{ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا }, و تحذرنا هذه الآيات بصورة لا هوادة فيها من المساس باليتيم أو ظلمه :
{ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا }.
(10-12) { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } هذه القواعد المنظمة للميراث والمذكورة فى القرآن تٌنفذ كما قال القرآن الكريم بعد تنفيذ وصية المتوفى وبعد سداد أى ديون مستحقة عليه، وقبول الوصية وإعتبارها مقدمة على القواعد الأخرى فى الميراث هو رحمة من الله لأن كل عصر يختلف عن الآخر وكل أسرة لها ظروفها الخاصة, فقد يرى صاحب المال أن أحد أبنائه مريض أوضعيف أوأن إحدى بناته تحتاج مالاً أكثرمن إخوانها لظروف خاصة فيضع وصية يراها تتحرى العدل مع أبنائه أوآخرين، فالقرآن الكريم وقواعده المذكورة فى الميراث لابد وأن تنفذ فى ضوء مبادئ القرآن العليا والعظمى والتى ترفض الظلم و تأمر بالعدل والإحسان.
(15-16) ينظر البعض لمفهوم هاتين الآيتين من زوايا مختلفة وفيه آراء متعددة كما يلى : “الفاحشة” المقصود بالفاحشة هنا هو ممارسة الزنا فى العلن وأمام الجميع أى فى مكان عام { فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ } ولا علاقة له بالأفعال والعلاقات الخاصة والشخصية للإنسان فى بيته أى ليست فى العلن.
– الرأى الأول : أن هذا الأمر نزل فى موقف خاص لأن القرآن لو كان يريد التعميم لقال “ومن تأتى الفاحشة” بدلاً من { وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ }، فإستخدام التعبير “من” يعمم المعنى أما إستخدام تعبير”اللآتى” وتعبير “من نسائكم” فهو يخصص المعنى ويحدده فى موقف بعينه ومجموعة خاصة من النساء وقت نزول الاية.
– الرأى الثانى : الآية لا تُعطى الحق لأى إنسان فى معاقبة إبنته أوأخته إذا أقامت علاقة مع شخص ما حتى لو رأها معه فى وضع مخل فلا يجوزله أن يمسسها بأى سوء كما هوالحال فى الزوج الذى يرى زوجته تخونه وليس له الحق تبعاً للقرآن أن يفعل أى شئ إلا أن يشتكيها فى المحكمة للقاضى “آية الملاعنة” فى سورة النور، فالأمر هنا كان لمنع المجاهرة بالعلاقات الحميمة فى الشارع وليس لمنع الفعل نفسه, فكلمة “فاحشة” تعنى علانية الفعل فى الشوارع والطرقات العامة, وذلك على عكس “الإثم” الذى يكون فى الأغلب سراً.
– الرأى الثالث : يرى البعض أن تعبير{ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا } هوأن العقوبة المذكورة وهى السجن { فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ } كانت فقط لإشارة الى بشاعة الفعل (وهو المجاهرة بممارسة الزنا علانية فى الشوارع ), وذلك لأن العقوبة تُلغى إذا تاب الشخص، فالآية القرآنية {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} تعنى مسامحة الشخص إذا تاب عن فعل هذا الإثم علانية لأن الله تعالى قال :
{ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ }.
فإن بدل الله سيئات أحد حسنات و سامحه فمن نحن حتى نعاقبه ؟!!.
و الأمر فى مجمله كما ذكرنا هو لمنع المجاهرة بالزنا فى الطرقات وهذا الأمر مطبق فى الكثير من دول العالم و التى برغم إحترامها للحرية الشخصية للإنسان فى جميع صورها ولكنها ترفض ممارسة الزنا أو العلاقة الحميمة فى الطرقات حفاظاً على مشاعر الآخرين والأطفال
– الرأى الرابع : أن الله تعالى ترك للناس حرية إختيار ما يناسب عصرهم فى شئونهم المجتمعية وقوله عز و جلّ وأمر بالعرف تفتح المجال لتبنى العرف العالمى مثل ميثاق حقوق الإنسان فى مثل هذه الأمورلأن القرآن قال { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } وهذا أمر إلهى علينا دائماً أخذه فى الإعتبار، وكما فعل عمر بن الخطاب بإيقاف تنفيذ الحد البدنى فى السرقة بعام الرمادة فلا يوجد ما يمنع إيقاف العمل ببعض القواعد المجتمعية (والتى شُرعت لتنظيم المجتع وقت نزول القرآن و كانت فى كثيرمن الأحوال مخصصة لموقف بعينه) وإتباع الأعراف العالمية والتى على سبيل المثال تمنع العقوبات البدنية.
إِنَّمَا ٱلتَّوۡبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسُّوٓءَ بِجَهَـٰلَةٍ۬ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ۬ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيۡہِمۡۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَڪِيمً۬ا (١٧) وَلَيۡسَتِ ٱلتَّوۡبَةُ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ حَتَّىٰٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ إِنِّى تُبۡتُ ٱلۡـَٔـٰنَ وَلَا ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمۡ ڪُفَّارٌۚ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمً۬ا (١٨) يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرۡهً۬اۖ وَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ لِتَذۡهَبُواْ بِبَعۡضِ مَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَـٰحِشَةٍ۬ مُّبَيِّنَةٍ۬ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـًٔ۬ا وَيَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيۡرً۬ا ڪَثِيرً۬ا (١٩) وَإِنۡ أَرَدتُّمُ ٱسۡتِبۡدَالَ زَوۡجٍ۬ مَّڪَانَ زَوۡجٍ۬ وَءَاتَيۡتُمۡ إِحۡدَٮٰهُنَّ قِنطَارً۬ا فَلَا تَأۡخُذُواْ مِنۡهُ شَيۡـًٔاۚ أَتَأۡخُذُونَهُ ۥ بُهۡتَـٰنً۬ا وَإِثۡمً۬ا مُّبِينً۬ا (٢٠) وَكَيۡفَ تَأۡخُذُونَهُ ۥ وَقَدۡ أَفۡضَىٰ بَعۡضُڪُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ۬ وَأَخَذۡنَ مِنڪُم مِّيثَـٰقًا غَلِيظً۬ا (٢١) وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُڪُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُ ۥ ڪَانَ فَـٰحِشَةً۬ وَمَقۡتً۬ا وَسَآءَ سَبِيلاً (٢٢) حُرِّمَتۡ عَلَيۡڪُمۡ أُمَّهَـٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَٲتُڪُمۡ وَعَمَّـٰتُكُمۡ وَخَـٰلَـٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ وَأُمَّهَـٰتُڪُمُ ٱلَّـٰتِىٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَٲتُڪُم مِّنَ ٱلرَّضَـٰعَةِ وَأُمَّهَـٰتُ نِسَآٮِٕكُمۡ وَرَبَـٰٓٮِٕبُڪُمُ ٱلَّـٰتِى فِى حُجُورِڪُم مِّن نِّسَآٮِٕكُمُ ٱلَّـٰتِى دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُواْ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡڪُمۡ وَحَلَـٰٓٮِٕلُ أَبۡنَآٮِٕڪُمُ ٱلَّذِينَ مِنۡ أَصۡلَـٰبِڪُمۡ وَأَن تَجۡمَعُواْ بَيۡنَ ٱلۡأُخۡتَيۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورً۬ا رَّحِيمً۬ا (٢٣) ۞ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَـٰنُڪُمۡۖ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٲلِڪُمۡ أَن تَبۡتَغُواْ بِأَمۡوَٲلِكُم مُّحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَـٰفِحِينَۚ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡہُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً۬ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا تَرَٲضَيۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِيضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمً۬ا (٢٤)
(17) فتح الله تعالى باب التوبة للجميع و هذه الآية توضح إنه مهما عظمت أخطاء الإنسان أوخطاياه فإن الله تعالى هو صاحب الحق الأوحد فى حساب البشر يمحو ذنوبه وأخطاءه بمجرد إعلان الإنسان توبته فإن غفر الله لبشر هل يكون لنا الحق فى أن نحاسبه.
(18) ليس معنى أن الله أعد للكافرين عذاباً أليماً أن من حق إنسان آخر أن يحاسب أحداً على كفره فالله وحده هو صاحب هذا الحق, فالكفروالإيمان حق مكفول للبشر من الله تعالى { فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ }، ومحاولة حساب الآخرين أونعتهم بالكفر هى تأله على الله وتخرج الإنسان من ملة الإسلام فقد قال تعالى لنبيه الكريم :
{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} وقال {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ} و قال {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} ولذلك فإن المؤمن الحقيقى ينأى بنفسه عن حساب البشرأو نعتهم بالكفرأو وصفهم بالضلال، و من حقنا أن نرى عملاً ما أنه “كفر” ولكن ليس من حقنا أن نصف إنساناً ما بأنه “كافر” لأن فى هذا تعدعلى حق الله فى الحساب.
(19) تدلل هذه الآية على أن منهج القرآن هو حماية حقوق المرأة فى عصر كان يهضم حقها فى كثير من الأمور فإن أردنا أن نتبع نفس النهج القرآنى فعلينا أن نرفع من شأن المرأة و ندافع عن حقوقها المهضومة.
(20) يحذر الله تعالى فى هذه الآية من أى محاولة لظلم الزوجة الأولى فى حالة الطلاق والزواج من أخرى ، فمهما أعطى الزوج لزوجته الأولى فليس من حقه أن يأخذ منه شيئاً :
{ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا },
و نلاحظ فى هذه الآية الكريمة كيف وصف الله الزواج بأنه ميثاق غليظ والمؤمنون الحقيقيون هم من وصفهم الله بقوله {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ}، ووصف علاقة الزواج أوالإرتباط بأنها ميثاق غليظ ونهيه عن نقض الميثاق يؤكد مدى إحترام القرآن لميثاق الزواج أوالإرتباط وكراهيته للطلاق لدرجة تقارب التحريم.
(22) { آبَاؤُكُم } تُطلَق كلمة الآباء على الأب والجدود و الأعمام والأخوال فمثلاً قال نبى الله يوسف {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ}، و قد تطلق أيضاً على كل من هو فى منزلة الأب والمربى فقال القرآن { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ } ويقال تاريخياً أنه عمه، وتطلق كلمة آباء أيضاً على كبارالقوم الذين شاركوا فى تربية الإنسان و صناعة فكره فهم بمثابة آباء له حتى وإن لم يلدوه {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } فالآباء هنا تعنى كل الكبار الذين شاركوا فى تنشئة الإنسان و صناعة فكره، وجدير بالذكرهنا التفرقة بين كلمة آباء – والتى قد تعنى الوالد أوالأعمام أوالأجداد أو كبارالأقرباء أوالمعارف – وكلمة والد – و التى تعنى الأب الجسدى { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ }.
(23) يذكر القرآن فى هذه الآيات المحرمات فى الزواج والذى يسمى “غشيان المحارم” والزواج من المحرمات و المعروف بأسم غشيان المحارم هى جريمة أخلاقية فى جميع الأعراف البشرية وينظرإليها على إنهاء جريمة شنعاء فى جميع المجتمعات الإنسانية.
(24) { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } لا يحل الزواج من أى إمرأة متزوجة قبل أن يتم طلاقها من زوجها، و فى عصور الإسلام الأولى و مجتمع الصحراء, كانت الكثير من النساء كنتيجة للحروب و ضعف الإتصالات حين ذاك و فى صراع قبائل العرب, يفقدن أزواجهن ولا يعلمن إن كان أزواجهن أحياءاً أو أمواتاً، وكنتيجة لهذه الظروف الغير طبيعية أحل القرآن الإرتباط بهؤلاء النساء بدلاً من تركها كالمعلقة لا تعرف لسنوات طويلة إن كان زوجها حياً أم ميتاً فأباح القرآن لها كسرعقد زواجها به والسماح لها بالإرتباط مرة أخرى.
ومن الجدير بالذكر هنا أن نوضح أن أوامرالقرآن الصريحة لا تجيز أخذ رقيق بعد الحروب فكما قال القرآن {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} وأن هذه الأوضاع المجتمعية الشائكة لم يخلقها القرآن بل كانت موجودة قبل نزوله و مناقشتها أووضع حلول أوقواعد لتنظيمها لايعنى بأى صورة قبول القرآن لذلك الظلم الذى كان يحدث فى تلك البيئة، فعلى سبيل المثال وضع قواعد فى بعض المجتمعات الغربية لتنظيم حقوق الطفل الذى حملت به أمه كنتيجة إغتصابها أو سفاحاً لا يعنى قبول مبدأ الإغتصاب أوالسفاح وإنما هووسيلة لتقليل الظلم المترتب عنه.
ويلاحظ فى هذه الآية إستخدام القرآن تعبير {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}, ويظن الكثيرون خطأ أن كلمة إستمتعتم تعنى معنى جسدياً وتناسى هؤلاء أن تعبير “المتاع والتمتع” هذه الكلمات لم تأتِ ولو لمرة واحدة بمعنى جسدى ٍ وهذه بعض الأمثلة على ذلك :
{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} ( و تعنى هنا المال و الكسوة و الطعام ),
و{ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} ( و تعنى هنا المال و الكسوة و الطعام ),
و{مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} ( تعنى أيضاً المال و الكسوة و الطعام ),
و{فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَ الْحَجِّ} ( تعنى التحلل من الإحرام ),
و{لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ} (مقصود بها المحلات التجارية التى فيها طعام و مشتروات ).
فكما يلاحظ فإن قصر مفهوم كلمة إستمتعتم على العلاقة الجسدية هو مفهوم قاصرولا يعبرعن إستخدام القرآن للآية، وفى تلك العصوروالتى كانت المرأة مهضومة حقوقها فى أغلب الأحيان فإن إثارة قضية تعويض المرأة مالياً عن مجهودها الذى بذلته فى إنشاء الأسرة كما ذكرت الآية يعد بمثابة ثورة لحماية حقوق المرأة فى ذلك العصر، وعلينا فى هذا العصرإتباع نفس النهج القرآنى فى إعطاء المرأة المزيد من الحقوق إن أردنا حقاً إتباع القرآن .
وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلاً أَن يَنڪِحَ ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَـٰنُكُم مِّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَـٰنِكُمۚ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٍ۬ۚ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ مُحۡصَنَـٰتٍ غَيۡرَ مُسَـٰفِحَـٰتٍ۬ وَلَا مُتَّخِذَٲتِ أَخۡدَانٍ۬ۚ فَإِذَآ أُحۡصِنَّ فَإِنۡ أَتَيۡنَ بِفَـٰحِشَةٍ۬ فَعَلَيۡہِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِۚ ذَٲلِكَ لِمَنۡ خَشِىَ ٱلۡعَنَتَ مِنكُمۡۚ وَأَن تَصۡبِرُواْ خَيۡرٌ۬ لَّكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ۬ رَّحِيمٌ۬ (٢٥) يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمۡ وَيَہۡدِيَڪُمۡ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِڪُمۡ وَيَتُوبَ عَلَيۡكُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ۬ (٢٦) وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡڪُمۡ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّہَوَٲتِ أَن تَمِيلُواْ مَيۡلاً عَظِيمً۬ا (٢٧) يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمۡۚ وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَـٰنُ ضَعِيفً۬ا (٢٨)
(25) وقت نزول القرآن كان الرق نظاماً موجوداً على أرض الواقع وكان إلغاؤه بصورة مطلقة وفورية قد يؤدى الى إضطرابات إجتماعية لا حصر لها، و قدعالج القرآن هذه المشكلة – أى الرق – بأساليب متعدده منها منع أخذ الأسرى فى الرق { إِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}, وفى نفس الوقت شجع القرآن على فك الرقاب وتحرير الرقيق و لذلك جعله كفارة عن الأخطاء أو كوسيلة لدخول الجنة والزحزحة من النار{ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ }، و بالإضافة الى ذلك فقد منع القرآن الظلم و سوء المعاملة الذى كان ملازماً للرق بأن أمر بمعاملة جميع الناس بالحسنى { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا }, وساوى القرآن بين كل البشر حينما قال فى بداية هذه السورة {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ}، وأهم من كل ما سبق أن القرآن الكريم أقر بوضوح بأن جزءً كبيراً من أموال الصدقات لابد أن ينفق على تحريرالعبيد فى كافة أنحاء العالم { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ }، وهذه المقدمة تجعلنا ندرك أن القرآن لم يخلق مشكلة الرق فقد كانت موجودة قبل نزوله لكنه حاول حلها ومنع الظلم المقترن بها.
ففى هذه الآية على سبيل المثال يتعرض القرآن لقضية إستغلال الرقيقات (الفتيات) فى عملية البغاء فقال تعالى { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ( أى غفور رحيم لهن لأنه تم إكراههن )، وقد نصح القرآن فى العهود الأولى للإسلام أن يتزوجوا من هؤلاء الفتيات و يجعلوهن محصنات أى لهن حصن الزواج من بيت و حقوق، وبذلك يشجعهن على ترك البغاء ويشجع المجتمع على تقبلهن و نسيان ماضيهن :
{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۚ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ }.
و نظراً لظروف هؤلاء الفتيات النفسية والإجتماعية فإنه بعد زواجها تعاقب فقط بنصف العقوبة المقررة على المحصنة إن زنت فى مكان عام والتى لم تكن تحترف البغاء :
{ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ }.
والأمر الأخير أى مراعاه الظروف النفسية والإجتماعية للآخرين تفتح لنا المجال لمراعاة هذه الظروف أيضاً مع أى إنسان يخطئ فى حق المجتمع، وفى حالة الزواج من هؤلاء الفتيات اللآتى كن يجبرن على ممارسة البغاء فإن القرآن أقر بأن تكون العلاقة معهن لابد أن تتبع نفس العلاقة الزوجية المذكورة فى القرآن أولاً أن تكون بعهد أو ميثاق (أى تملك الأيمان) وأن تكون خاضعة لمبدأ محصنين غير مسافحين أومتخذى أخدان ( أى زواج أقيم لكى يبقى ويتم الإعلان عنه وبنية الإستمراروليس بهدف التلاعب بالمرأة ) :
{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۚ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ }.
والشروط الثلاثة المذكروة أساسية لشرعية الإرتباط بين الرجل و المرأة :
– محصنات أى بنية الإستمرارفى العلاقة والإعلان عنها أمام الجميع (كما فى حالة بناء الحصن) فالإنسان يبنى الحصن ليبقى ويكون ظاهراً ومعلناً أمام الجميع.
– غير مسافحات أى ليس إستغلالاً للمرأة فى الدعارة.
– غير متخذات أخدان أى ليس بهدف جعل المرأة فقط كعشيقة بلاحقوق.
فأى إرتباط شرعى بين الرجل والمرأة تحت أى مسمى لابد وأن يكون مستوفياً هذه الشروط الثلاث ، فالزواج بغرض خداع المرآة وبنية تطليقها بعد فترة من الزمن أو أكل حقوقها أوعدم إعطائها حقوقها كاملة هو فعل آثم غير مقبول عند الله تعالى.
فالأمر فى الإرتباط الشرعى ليس فى مسماه سواء بإستخدام كلمة زوجة أوصاحبة عهد “ملكت أيمان” أوقرينة أو غيرها من المسميات فما يهم هو إستيفاء هذه الشروط الثلاثة ، فإن تزوج رجل بإمرأة ورفض الإعلان عن زواجه أوفى نيته تطليقها بعد فترة محددة أوحرمانها من حقوقها فقد إرتكب إثماً عظيماً.
يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡڪُلُوٓاْ أَمۡوَٲلَكُم بَيۡنَڪُم بِٱلۡبَـٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَـٰرَةً عَن تَرَاضٍ۬ مِّنكُمۡۚ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمً۬ا (٢٩) وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٲلِكَ عُدۡوَٲنً۬ا وَظُلۡمً۬ا فَسَوۡفَ نُصۡلِيهِ نَارً۬اۚ وَڪَانَ ذَٲلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًا (٣٠) إِن تَجۡتَنِبُواْ ڪَبَآٮِٕرَ مَا تُنۡہَوۡنَ عَنۡهُ نُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَنُدۡخِلۡڪُم مُّدۡخَلاً۬ كَرِيمً۬ا (٣١) وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ۬ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ۬ مِّمَّا ٱڪۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ۬ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ ڪَانَ بِكُلِّ شَىۡءٍ عَلِيمً۬ا (٣٢) وَلِڪُلٍّ۬ جَعَلۡنَا مَوَٲلِىَ مِمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٲلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَۚ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتۡ أَيۡمَـٰنُڪُمۡ فَـَٔاتُوهُمۡ نَصِيبَہُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ ڪَانَ عَلَىٰ ڪُلِّ شَىۡءٍ۬ شَهِيدًا (٣٣)
(29) أ قر الله تعالى فى هذه الآية مبدئين أساسيين فى الإسلام و هما :
- تحريم إستغلال الآخرين فلا يجوز التعامل المادى ولا يكون حلالاً إلا برضاء الطرفين { إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ }.
- و أقرت الآية أيضاً بتحريم قتل النفس البشرية { وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ }، وأكل أموال الناس بالباطل قد يشمل سرقة الأموال أوالرشوة لأخذ حق الآخرين أوبخس قيمة الأشياء إستغلالاً لحاجة الشخص أو الكذب أوالغش أوالخداع فى التعاملات المالية.
(32) { وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ }
تعلمنا هذه الآية عدم الحقد على الآخرين فلا ينبغى للإنسان أن يحسد جاره أوأى إنسان آخرعلى ما عنده بل ينبغى أن يحاول كل واحد منا الإرتقاء بنفسه بدلاً من تمنى ما هو عند الغير،ومن الأفضل أن يتعلم الإنسان أسباب النجاح والعوامل المؤدية إليه بدلاً من أن يضيع طاقته فى حسد وحقد وتمنى زوال ما عند الآخرين.
(33) يؤكد القرآن هنا على مبدأ أساسى فى العلاقات المالية وهوإعطاء كل ذى حق حقه وتذكر الآيات أيضاً على إعطاء الحق لقرينة الإنسان حتى وإن لم تنتقل لمنزل الزوجية بعد والمذكورة فى هذه الآية بكلمة { وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ }، والآية لم تعط نفس الحق للمخطوبة التى لم يتم عمل عقد إرتباط رسمى معها، وعلينا دائماً أن نلاحظ أن تطبيق آيات الميراث يتم بعد تنفيذ الوصية.
ٱلرِّجَالُ قَوَّٲمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ۬ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٲلِهِمۡۚ فَٱلصَّـٰلِحَـٰتُ قَـٰنِتَـٰتٌ حَـٰفِظَـٰتٌ۬ لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ وَٱلَّـٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِى ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَڪُمۡ فَلَا تَبۡغُواْ عَلَيۡہِنَّ سَبِيلاًۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّ۬ا ڪَبِيرً۬ا (٣٤) وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَيۡنِہِمَا فَٱبۡعَثُواْ حَكَمً۬ا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمً۬ا مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصۡلَـٰحً۬ا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيۡنَہُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرً۬ا (٣٥)
(34) { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ } فى هذه الآية تعنى أنهم مسئولون لأن المرأة كانت فى هذا العصر فى وضع ضعف فكان الهدف من هذه المسؤلية هوحماية المرأة والحفاظ على حقوقها، والمسئوليه عن المرأة لا تعنى كما يظن البعض خطأً “حق التأديب” بل هو مسئولية درء الظلم عنها وحماية حقوقها، وقد إستخدم القرآن تعبير “قوامون” أى مسئولون, ولم يستخدم تعبير “مسيطرون” والفارق شاسع بينهما فالأولى تعنى مسئولية عن حماية الشخص والحفاظ على حقوقه أما الثانية فتعنى الهيمنه وحرمان الشخص من حريته والتسلط عليه و التحكم فيه وعلينا مراعاة الفارق بين هذين التعبيرين. و قد ذكر الله تعالى أنه قائم علينا { أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ } و قوامة الله علينا لم تحرمنا من حرية الفكر و الإيمان و الكفر و إتخاذ القرارات و السفر و العمل و لم تجبرنا على أخذ إذنه و موافقته قبل إتخاذ أياً من هذه القرارات. و ذلك يوضح لنا أن محاولة فهم البعض قوامة الرجل على المرأة فى هذه الآية على أنها حق الرجل للسيطرة على المرأة هو مفهوم خاطئ و يتناقض مع مفهوم القرآن لكلمة ” قوامون”.
{ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } ونلاحظ أن القرآن لم يقل “بما فضل الرجال على النساء” بل قال فلكل منهم سواء الرجال أوالنساء فضل على الآخر ببعض الصفات والمميزات، وتعبير{وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} كان يصف حالة العصرحينما كان الرجل هوالمسئول مالياً عن المرأة ومع تغيرالظروف أصبح العرف السائد هو أن المرأة تشارك الرجل هذه المسئوليات وكما قال القرآن الكريم {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } و العرف الآن هو مشاركة المرأة للرجل وتحمل المسئولية المادية معه .
فهم الكثيرون هذه الآية { فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ } بأنها إباحة لضرب الزوجة فى حالة عدم طاعة زوجها وتسبب هذا المفهوم الخاطئ فى جرائم كثيرة فى حق المرأة وظلم وإمتهان لها للأسف الشديد كان ذلك كله ولا يزال يرتكب بإسم الدين، ولفهم هذه الآية بصورة صحيحة علينا مراعاة ما يلى:
اولاً لا يوجد علاقة مقبولة عند الله بين الزوج والزوجة إلا أن تتبع المبدأ القرآنى{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وإستخدام العنف لاهوإمساك بمعروف ولا هو تسريح بإحسان, فأى إستخدام عنف مع الزوجة يتعارض تماماً مع أوامر الله ورسوله الواضحة فى كتابه الكريم بالإمساك بالمعروف أوالمفارقة بالإحسان.
ثانياً : إستخدم القرآن تعبيرالجمع(اللاتى) فى{وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} والذى يدل على أن الحديث يدور حول مجموعة ولم يستخدم تعبيرالمفرد كالذى إستخدمه فى قوله { وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا }, و لذا فإن إستخدام القرآن لتعبير{وَاللَّاتِي} يدل على أن الآية لم تكن بالضرورة موجهة للزوج فى علاقته مع زوجته و إنما كانت موجهة حين ذاك للمجتمع للحفاظ على أمنه فى حالة نشوزالبعض أى إرتكاب جرائم تهدد أمن المجتمع.
وفى هذه الحالة فإن المسئولين عن أمن المجتمع كان من حقهم إستخدام هذه الوسائل الثلاثة المذكورة فى مواجهة اللواتى يستخدمن العنف أو يعتدين على أمن الآخرين، والمواجهة المذكورة كانت العظة “فعظهن” ثم إعتزالهن إجتماعياً فتعبير “المضاجع يعنى “الآرايك” أى جمع أريكة (ويقال فى لسان العرب يجلس مضطجعاً على أريكته) فمعنى “هجرهن فى المضاجع ” هو إشارة الى عدم مجالستهن فى المجالس الإجتماعية كوسيلة للضغط المجتمعى عليهن للعدول عن تصرفاتهن المؤذية للآخرين، ثم عزلهن بعيداً عن المجتمع فكلمة “يضرب” تعنى الإبتعاد أو الإبعاد مثل تعبير “يضرب فى الأرض” اى يبتعد عن مكانه.
و جدير بالذكر أن تعبير “يضرب” إستخدم بعدة معانٍ فى القرآن ذاته فجاء بمعنى الإبتعاد أوالسفر كما فى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ}, ومعنى آخرمثل ضرب الأمثال كما فى الآية {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} فلا يعنى أن الله تعالى إستخدم العنف مع المثل، وكذلك قال القرآن {فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} أى عزلنا آذانهم عن السمع.
ثالثاً : إذا كان القرآن الكريم لا يسمح للرجل بضرب زوجته إذا رآها تزنى مع رجل آخرفكما أوضح القرآن فى سورة النورالآيات (6-10) أنه من حقه فقط أن يشتكيها للقاضى أوللمحكمة لتتم عملية “الملاعنة”، فكيف يعقل أن يكون من حق الزوج أن يستخدم العنف مع زوجته إذا خالفت بعض أوامره؟ !! ، فى حين أنه ليس من حقه أن يمسها بأى أذى إن وجدها تزنى مع رجل آخركما ذكرالقرآن بوضوح فى سورة النور.
و على ذلك فإن التفسيرات التى تبيح للرجل ضرب زوجته لا تتعارض مع الفطرة السليمة بالتعايش مع الزوجة بمودة ورحمة فحسب {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} ، والعنف لا هو مودة ولا رحمة ، ولكنها أيضاً تتعارض مع مفهوم القرآن عن الزواج والذى يسمح بإحتمالين فقط لاثالث لهما فى التعامل مع الزوجة {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}.
رابعاً : فتح لنا القرآن أيضاً المجال لإتباع العرف العالمى ومواثيق حقوق المرأة وذلك فى قوله تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} والأخير يشمل الأعراف الدولية المتفق عليها.
(35) تعنى هذه الآية أنه فى حالة إحتدام الخلاف بين الزوج و زوجته وحين يصل الأمر الى إحتمال الإنفصال أو الطلاق فينصح بأن تحضر الزوجة حكماً من أهلها و يحضر الزوج حكماً من أهله كمحاولة للصلح و ذلك حتى لايظلم أحد الطرفين الطرف الآخرفكلاهما ممثل بصورة مساوية للآخر، ونتعلم من هذه الآية مبداًعاماً و هو أن الصلح هو أفضل عند الله من الطلاق {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}، ومما يساعد على الصلح فى حالة الخلاف بين الزوجين أن يطبق الإنسان آيات القرآن التى تدعوا للعفو والمغفرة والعفو عن الآخرين على أخطائهم ومن هذه الآيات :
{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}و{ قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى } و {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} و {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} و {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ}.
فإذا كان الله تعالى يأمرنا بالعفو والتسامح مع الغرباء فكيف الحال مع زوجة الإنسان وشريكة حياته.
۞ وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـًٔ۬اۖ وَبِٱلۡوَٲلِدَيۡنِ إِحۡسَـٰنً۬ا وَبِذِى ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِى ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَـٰنُكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن ڪَانَ مُخۡتَالاً۬ فَخُورًا (٣٦) ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِ وَيَڪۡتُمُونَ مَآ ءَاتَٮٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡڪَـٰفِرِينَ عَذَابً۬ا مُّهِينً۬ا (٣٧) وَٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٲلَهُمۡ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأَخِرِۗ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيۡطَـٰنُ لَهُ ۥ قَرِينً۬ا فَسَآءَ قَرِينً۬ا (٣٨) وَمَاذَا عَلَيۡہِمۡ لَوۡ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأَخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِمۡ عَلِيمًا (٣٩)
(36) أمرالله تعالى فى هذه الآية بالإحسان الى الوالدين و اليتامى والمساكين والجار والصاحب وعابر السبيل ،و الإحسان يعنى العطاء والمحبة ويلا حظ أن الآية لم تحدد عقيدة الجارأوالصاحب أواليتيم فالمعاملة بالإحسان تشمل كل إنسان أياً كان فكره أو دينه أوعقيدته، وجدير بالذكركما ذكرنا سابقاً أن تعبيرما ملكت أيمانكم يعنى من تملك العهد والأيمان بالإرتباط لعمل أسره ( الأيمان تأتى بمعنى العهود والمواثيق كما تم شرحه فى التعليق على الآية (221) من سورة البقرة )، وهذا الإرتباط خاضع لجميع قواعد الزواج لضرورة إعلانه ونية إستمراره {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ }.
(37) { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ } أعتبر القرآن البخل والشُح بالمال نوعاً من أنواع الكفر فختمت الآيات الكريمة التى تتكلم عن البخل بقوله {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا}.
(38-39) يحثنا القرآن الكريم على الإنفاق فى سبيل الله مما رزقنا به مثل المال والطعام والكساء، والعطاء يكون لجميع البشرالمحتاجين أياً كانت عقائدهم أوأفكارهم لأن من يعطى محتاجاً أوضعيفاً أومسكيناً فهو يعطى الله نفسه و هو الذى نفخ من روحه فى هذا الإنسان {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ }.
و مبادئ الإنفاق فى القرآن الكريم هى كما يلى :
المبدأ الأول : ألا يكون نفاقاً للناس بل يكون خالصاً لوجه الله تعالى كما ورد فى قوله {وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ}.
المبدأ الثانى : أن يكون سراً وعلانية {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ }, فالإنفاق فى السرهودلالة الإيمان الحقيقى والإنفاق فى العلن يشجع الآخرين على إنتهاج نفس النهج أى الإنفاق.
المبدأ الثالث : أن يكون الإنفاق للإنسان المحتاج مهما كانت أفكاره أودينه أوعقيدته فقال تعالى{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} ويلاحظ إستخدام التعبير”النكرة” حتى تعمم الآية على جميع البشر فلم يقل القرآن المسكين أواليتيم المسلم إنما جعلها بدون إستخدام أى أداة تعريف حتى تشمل الجميع.
المبدأ الرابع :أن يسارع الإنسان فى عمل الخيرات {أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}.
المبدء الخامس : عدم إتباع الإنفاق مناً ولا أذى حتى لا يحبط العمل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ }.
إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ۬ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً۬ يُضَـٰعِفۡهَا وَيُؤۡتِ مِن لَّدُنۡهُ أَجۡرًا عَظِيمً۬ا (٤٠) فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٍ۬ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ شَہِيدً۬ا (٤١) يَوۡمَٮِٕذٍ۬ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوۡ تُسَوَّىٰ بِہِمُ ٱلۡأَرۡضُ وَلَا يَكۡتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثً۬ا (٤٢) يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُواْۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٌ۬ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآٮِٕطِ أَوۡ لَـٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءً۬ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدً۬ا طَيِّبً۬ا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (٤٣)
(40) من صفات الله عز و جل عدم الظلم وعلى الإنسان أن يتحلى بهذه الصفة كى يكون ربانياً {وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} فى أخلاقه وأفعاله وتصرفاته فلا يظلم أحدا {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا }، وقد حذرالله تعالى بشدة من الظلم فقال { وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا }.
(41) تذكرنا هذه الآيات أن الرسول عليه السلام سيأتى كشهيد على أمته يوم القيامة, وهذه الشهادة كما بين القرآن الكريم ستكون على هجرالقرآن :
{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}.
(42) { وَعَصَوُا الرَّسُولَ } عصيان الرسول يكون بعدم إتباع الكتاب الذى جاء معه ويذكرنا القرآن بلحظة فى يوم القيامة حين يشهد الرسول على قومه فيقول {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا }، وعلى المؤمن الحقيقى مراعاة ما ينسبه الى الرسول من أقوال وكلمات لأنه يوم القيامة لن يستطيع أى إنسان كتمان أى قول نسبه كذباً الى الرسول, والكذب على الله بإفتراء أقوال ونسبتها الى رسوله هوإثم عظيم و على المؤمن توخى الحذر عند نسبة أى كلمة للرسول لأنه كما قال صلى الله علية و سلم “من كذب على عمداً فليتبوء مقعده من النار” وذلك المعنى يتفق مع قوله تعالى { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ }.
و ذكر كما جاء فى كتاب “صحيح مسلم” أن الرسول قال لمن معه “لا تكتبوا عنى شيئاً غير القرآن ومن كتب غير القرآن شيئاً فليمحه “، وقد حذر الله تعالى رسوله الكريم من التقول عليه ولوببضع كلمات فقال فى محكم كتابه العزيز { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ},
وقد إستخدم القرآن الكريم تعبير “أقاويل” وهى تصغير”أقوال” وكذلك إستخدم كلمة “بعض” أى حتى لو كانت شيئاً قليلاً جداً لكى يبين لنا خطورة الإفتراء على الله كذباً مهما صغر.
و على الإنسان حينما يقرأ كلمة منسوبة الى الرسول فى أى كتاب غيرالقرآن أن يتحقق من ثلاثة أشياء رئيسية قبل قبول ما يقرأ أو يسمع وقبل أن يذكرها للآخرين :
أولاً ألا يكون الكلام متناقضاً مع القرآن الكريم.
ثانياً ألايتناقض مع مكارم الأخلاق المعروفه عن الرسول { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }.
ثالثاً ألا يختلف مع ضمير الإنسان ويتعارض معه فالله تعالى خلق معرفة للخير وللشرفى ضمائرنا { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا }.
فإن جاءنا أحد بكلام منسوب الى الرسول ولكنه يتعارض مع القرآن الكريم أو لا يتفق مع الخلق العظيم الموصوف به الرسول أو يتعارض مع ضمائرنا فأعلم أن الرسول لم يقله وحذار من إتباعه.
(43) الأصل فى الصلاة هو أن يعلم الإنسان ويفقه ما يقول، فالله لايريدنا ببغاوات تكرركلاماً لا تعقله { كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً } ولا يريدنا قردة نفعل حركات بدون تفكر, ولذلك نهى القرآن عن الصلاة فى حالة عدم الوعى الكامل، وكلمة “سُكارى” تعنى ذاهبى العقل وغير قادرين على الفهم السليم و ذلك قد يكون نتيجة لشراب مؤثرعلى العقل مثل كمية معينة من المواد الكحلية أو دواء أوقلة نوم أوإرهاق شديد أو حمى وقد أوضح القرآن الكريم كلمة “سُكارى” فى هذه الآية والتى تصف حال الناس فى يوم القيامة {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ} أى ذاهبى العقول، فالصلاة عبادة روحية يتقرب بها العبد الى ربه و يكون على حالة صلة معه وهى ليست مجرد ترديد كلمات أوحركات فقد كان كفار مكة يصلون {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً }.
وللدلالة أن الصلاة الحقيقية هى إقتراب قلب الإنسان من ربه وليست هى الحركات المادية فقد أباح القرآن أن يصلى الإنسان أحياناً بدون الحركات التقليدية للصلاة { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} أى وأنتم تمشون على أرجلكم – أو محمولون فوق دابة، وأيضاً قد يصلى الإنسان أحياناً بغيروضوء إن لم يكن هناك ماء (أى التيمم) و قد صلى الرسول فى غار حراء قبل نزول القرآن وقبل الله صلاته، وخلاصة الأمرأن القرآن يريد منا أن نعقل {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ } ونتدبر{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} ما نقول فى صلاتنا وأن يكون هدفها الرئيسى هو ذكر الله { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} وليس مجرد أداءٍ حركىٍ و تكرار كلماتٍ دون أن نفهمها.
وكلمة {لَامَسْتُمُ } هى تعبيرعن المعاشرة الجسدية وليس فقط اللمس كما يظن البعض، فاللمس هو شئ لحظى أما الملامسة وهوالمستخدم فى الآية {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} فهو يفيد الإستمرارية كناية عن العلاقة الزوجية, فمثلاً نحن نقول “قتل” و”قاتَل”(أى إستمر فى القتال) مثل “لمس” و”لامس” ( أى إستمر فى الملامسة ) فالتعبيرالأول يعنى الفعل اللحظى و الثانى يعنى الإستمرارية.
أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبً۬ا مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِ يَشۡتَرُونَ ٱلضَّلَـٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ (٤٤) وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِأَعۡدَآٮِٕكُمۡۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيًّ۬ا وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيرً۬ا (٤٥) مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَيَقُولُونَ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَٱسۡمَعۡ غَيۡرَ مُسۡمَعٍ۬ وَرَٲعِنَا لَيَّۢا بِأَلۡسِنَتِہِمۡ وَطَعۡنً۬ا فِى ٱلدِّينِۚ وَلَوۡ أَنَّہُمۡ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَا وَٱسۡمَعۡ وَٱنظُرۡنَا لَكَانَ خَيۡرً۬ا لَّهُمۡ وَأَقۡوَمَ وَلَـٰكِن لَّعَنَہُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً۬ (٤٦) يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلۡنَا مُصَدِّقً۬ا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبۡلِ أَن نَّطۡمِسَ وُجُوهً۬ا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰٓ أَدۡبَارِهَآ أَوۡ نَلۡعَنَہُمۡ كَمَا لَعَنَّآ أَصۡحَـٰبَ ٱلسَّبۡتِۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولاً (٤٧) إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٲلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفۡتَرَىٰٓ إِثۡمًا عَظِيمًا (٤٨) أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَہُمۚ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّى مَن يَشَآءُ وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩) ٱنظُرۡ كَيۡفَ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۖ وَكَفَىٰ بِهِۦۤ إِثۡمً۬ا مُّبِينًا (٥٠) أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبً۬ا مِّنَ ٱلۡڪِتَـٰبِ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡجِبۡتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـٰٓؤُلَآءِ أَهۡدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلاً (٥١) أُوْلَـٰٓٮِٕكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَہُمُ ٱللَّهُۖ وَمَن يَلۡعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ ۥ نَصِيرًا (٥٢) أَمۡ لَهُمۡ نَصِيبٌ۬ مِّنَ ٱلۡمُلۡكِ فَإِذً۬ا لَّا يُؤۡتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيرًا (٥٣) أَمۡ يَحۡسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ ءَاتَٮٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۖ فَقَدۡ ءَاتَيۡنَآ ءَالَ إِبۡرَٲهِيمَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَءَاتَيۡنَـٰهُم مُّلۡكًا عَظِيمً۬ا (٥٤) فَمِنۡہُم مَّنۡ ءَامَنَ بِهِۦ وَمِنۡہُم مَّن صَدَّ عَنۡهُۚ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (٥٥) إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَـٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِيہِمۡ نَارً۬ا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَـٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمً۬ا (٥٦) وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٍ۬ تَجۡرِى مِن تَحۡتِہَا ٱلۡأَنۡہَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيہَآ أَبَدً۬اۖ لَّهُمۡ فِيہَآ أَزۡوَٲجٌ۬ مُّطَهَّرَةٌ۬ۖ وَنُدۡخِلُهُمۡ ظِلاًّ۬ ظَلِيلاً (٥٧) ۞ إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَـٰنَـٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرً۬ا (٥٨)
(44-46) إستخدام القرآن لتعبيرات مثل {الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ} بدلاً من إستخدام “من أوتوا الكتاب” وإستخدام {مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا } بدلاً من “الذين هادوا” تفيد تخصيص المعنى فى طائفة خاصة وعدم تعميمه على الجميع.
ونلاحظ فى هذه الآيات أن القرآن إستخدم تعبير{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} ولم يستخدم تعبير “يحرفون الكلم” فقط، فالتعبيرالأول المستخدم فى الآية يعنى تغيير مفهوم الكلمات والمقصود منها, أما التعبير الثانى – و هو ما لم يستخدمه القرآن – فيعنى تغيير الكلمات أنفسها والفارق بين التعبيرين كبير.
(47) علينا أن نفرق بين “أصحاب السبت” و “بنى إسرائيل” فاللعن هنا كان لطائفة محددة من بنى إسرائيل فى عصر سابق من العصور ولا يجوز تعميمه على كل بنى إسرائيل والذين قال فيهم القرآن {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} ففيهم الكثير من الأنبياء مثل يوسف وموسى وهارون وداود وسليمان و أيوب و زكريا ويحيى والمسيح عليهم جميعاً سلام الله, ولعن بنى إسرائيل على لسان البعض يعنى لعن هؤلاء الأنبياء أيضاً لأنهم كلهم من بنى إسرائيل, فعلينا توخى الحذرفيما نقول حتى لا نخطىء فى حق هؤلاء الأنبياء و المرسلين{ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ}.
(48-49) ربط الله تعالى فى هذه الآيات بين قضيتين هامتين وهما تزكية الآخرين أى إعتبارهم أهل ثقة والكذب على الله و الرسول، فتصديق الآخرين وإعتبارهم أهل ثقة لا يجوزلأحد لأن الله وحده هو صاحب الحق فى ذلك { بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ } وقال لنا أيضاً { فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ }، فكما نرى فى الآيات فإن الله تعالى وحده هو صاحب الحق فى تزكية من يشاء، وتزكية الآخرين فى أمور الدين وإتباعهم بدون تفكيرأومراجعة كما ذكر الله تعالى فى قوله{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم} قد يؤدى الى إفتراء الكذب على الله كما قالت الآية بعد ذلك {انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا} فعلى الإنسان أن يتحرى كل كلمة تقال له فى الدين حتى لا تتسبب ثقته وتزكيته لبعض الأشخاص فى أن يفترى على الله كذباً.
(51-55) نلاحظ مرة أخرى أستخدام تعبير{أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ} (أى الذين عرفوا جزءاً صغيراً من الكتاب فقط وليس كله) بدلاً من إستخدام تعبير “الذين أوتوا الكتاب” فالأولى تفيد تخصيص المعنى لطائفة محدودة يتكلم عنها القرآن وقت نزول هذه الآيات ولايجوزلنا تعميم المعنى على الذين أوتوا الكتاب فالقرآن دقيق فى إستخدام تعبيراته.
(56) يقول تعالى فى كتابه الكريم عن وصفه لجهنم {ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ} فيرى البعض أن مثل هذه الآيات هى للتخويف أى أن المعنى يكون مجازياً وليس بالضرورة حرفياً، وسواء كان المعنى حرفياً أومجازياً فقد جعل الله جهنم عقاباً للظالمين والطغاه{ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِّلطَّاغِينَ مَآبًا} و أعطى لنفسه الحق ن يغفر الذنوب جميعاً إن شاء {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }، وحين يستخدم القرآن تعبير”الذين كفروا” فإنه يشيرالى كفار مكة الذين حاربوا الرسول والمؤمنين الأوائل وأخرجوهم من ديارهم لا لشئ إلاأنهم يقولوا ربنا الله، وكانت جريمة هؤلاء الكافرين الأساسية أنهم حرمواغيرهم من حرية إختيارعقيدتهم و من ممارستها أو الدعوة إليها، فعلينا ألا نحرم غيرنا من حرية العقيدة التى كفلها الله للبشر{فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } وإلا أصبحنا مثل هؤلاء الكافرين ولا نفرق عنهم شيئاً.
(57) {لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} تشير كلمة {مُّطَهَّرَةٌ} الى النقاء والروحانية ومنها قوله تعالى {فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}.
(58) هذه الآية تضع مبدئين أساسيين من مبادئ الإسلام الحقيقى ألا وهما :
المبدأ الأول إعادة الأمانات الى أهلها .
والمبدأ الثانى هوالعدل بين البشر.
وهذان المبدءان لابد من تطبيقهما مع الناس كافة مهما كانت دياناتهم وعقائدهم، والحكم بين الناس بالعدل قد يقتضى بالحكم لصالح غير المسلم ضد المسلم فالعدل أساس الإيمان {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} وقد قالها القرآن جلية واضحة بصورة لا تحتمل التأويل{كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ}.
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَـٰزَعۡتُمۡ فِى شَىۡءٍ۬ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأَخِرِۚ ذَٲلِكَ خَيۡرٌ۬ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلاً (٥٩) أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِۦ وَيُرِيدُ ٱلشَّيۡطَـٰنُ أَن يُضِلَّهُمۡ ضَلَـٰلاَۢ بَعِيدً۬ا (٦٠) وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيۡتَ ٱلۡمُنَـٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودً۬ا (٦١) فَكَيۡفَ إِذَآ أَصَـٰبَتۡهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّآ إِحۡسَـٰنً۬ا وَتَوۡفِيقًا (٦٢) أُوْلَـٰٓٮِٕكَ ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ مَا فِى قُلُوبِہِمۡ فَأَعۡرِضۡ عَنۡہُمۡ وَعِظۡهُمۡ وَقُل لَّهُمۡ فِىٓ أَنفُسِہِمۡ قَوۡلاَۢ بَلِيغً۬ا (٦٣) وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابً۬ا رَّحِيمً۬ا (٦٤) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِىٓ أَنفُسِہِمۡ حَرَجً۬ا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمً۬ا (٦٥) وَلَوۡ أَنَّا كَتَبۡنَا عَلَيۡہِمۡ أَنِ ٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ أَوِ ٱخۡرُجُواْ مِن دِيَـٰرِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ۬ مِّنۡہُمۡۖ وَلَوۡ أَنَّہُمۡ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِۦ لَكَانَ خَيۡرً۬ا لَّهُمۡ وَأَشَدَّ تَثۡبِيتً۬ا (٦٦) وَإِذً۬ا لَّأَتَيۡنَـٰهُم مِّن لَّدُنَّآ أَجۡرًا عَظِيمً۬ا (٦٧) وَلَهَدَيۡنَـٰهُمۡ صِرَٲطً۬ا مُّسۡتَقِيمً۬ا (٦٨) وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡہِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّہَدَآءِ وَٱلصَّـٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ رَفِيقً۬ا (٦٩) ذَٲلِكَ ٱلۡفَضۡلُ مِنَ ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيمً۬ا (٧٠) يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذۡرَڪُمۡ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُواْ جَمِيعً۬ا (٧١) وَإِنَّ مِنكُمۡ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنۡ أَصَـٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٌ۬ قَالَ قَدۡ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَىَّ إِذۡ لَمۡ أَكُن مَّعَهُمۡ شَہِيدً۬ا (٧٢) وَلَٮِٕنۡ أَصَـٰبَكُمۡ فَضۡلٌ۬ مِّنَ ٱللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمۡ تَكُنۢ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُ ۥ مَوَدَّةٌ۬ يَـٰلَيۡتَنِى كُنتُ مَعَهُمۡ فَأَفُوزَ فَوۡزًا عَظِيمً۬ا (٧٣) ۞ فَلۡيُقَـٰتِلۡ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشۡرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأَخِرَةِۚ وَمَن يُقَـٰتِلۡ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقۡتَلۡ أَوۡ يَغۡلِبۡ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمً۬ا (٧٤) وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٲنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّ۬ا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا (٧٥) ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱلطَّـٰغُوتِ فَقَـٰتِلُوٓاْ أَوۡلِيَآءَ ٱلشَّيۡطَـٰنِۖ إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَـٰنِ كَانَ ضَعِيفًا (٧٦) أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمۡ كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡہِمُ ٱلۡقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ۬ مِّنۡہُمۡ يَخۡشَوۡنَ ٱلنَّاسَ كَخَشۡيَةِ ٱللَّهِ أَوۡ أَشَدَّ خَشۡيَةً۬ۚ وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبۡتَ عَلَيۡنَا ٱلۡقِتَالَ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٍ۬ قَرِيبٍ۬ۗ قُلۡ مَتَـٰعُ ٱلدُّنۡيَا قَلِيلٌ۬ وَٱلۡأَخِرَةُ خَيۡرٌ۬ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظۡلَمُونَ فَتِيلاً (٧٧) أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِى بُرُوجٍ۬ مُّشَيَّدَةٍ۬ۗ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٌ۬ يَقُولُواْ هَـٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٌ۬ يَقُولُواْ هَـٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلٌّ۬ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَـٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثً۬ا (٧٨) مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٍ۬ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ۬ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَـٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً۬ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَہِيدً۬ا (٧٩) مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرۡسَلۡنَـٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظً۬ا (٨٠) وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ۬ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنۡ عِندِكَ بَيَّتَ طَآٮِٕفَةٌ۬ مِّنۡہُمۡ غَيۡرَ ٱلَّذِى تَقُولُۖ وَٱللَّهُ يَكۡتُبُ مَا يُبَيِّتُونَۖ فَأَعۡرِضۡ عَنۡہُمۡ وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً (٨١) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَـٰفً۬ا ڪَثِيرً۬ا (٨٢) وَإِذَا جَآءَهُمۡ أَمۡرٌ۬ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِى ٱلۡأَمۡرِ مِنۡہُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُ ۥ مِنۡہُمۡۗ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡڪُمۡ وَرَحۡمَتُهُ ۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّيۡطَـٰنَ إِلَّا قَلِيلاً۬ (٨٣) فَقَـٰتِلۡ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفۡسَكَۚ وَحَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأۡسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأۡسً۬ا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً۬ (٨٤) مَّن يَشۡفَعۡ شَفَـٰعَةً حَسَنَةً۬ يَكُن لَّهُ ۥ نَصِيبٌ۬ مِّنۡہَاۖ وَمَن يَشۡفَعۡ شَفَـٰعَةً۬ سَيِّئَةً۬ يَكُن لَّهُ ۥ كِفۡلٌ۬ مِّنۡهَاۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىۡءٍ۬ مُّقِيتً۬ا (٨٥) وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ۬ فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡہَآ أَوۡ رُدُّوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَىۡءٍ حَسِيبًا (٨٦) ٱللَّهُ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۚ لَيَجۡمَعَنَّكُمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَـٰمَةِ لَا رَيۡبَ فِيهِۗ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثً۬ا (٨٧) ۞ فَمَا لَكُمۡ فِى ٱلۡمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيۡنِ وَٱللَّهُ أَرۡكَسَہُم بِمَا كَسَبُوٓاْۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَهۡدُواْ مَنۡ أَضَلَّ ٱللَّهُۖ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ ۥ سَبِيلاً۬ (٨٨) وَدُّواْ لَوۡ تَكۡفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً۬ۖ فَلَا تَتَّخِذُواْ مِنۡہُمۡ أَوۡلِيَآءَ حَتَّىٰ يُہَاجِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَخُذُوهُمۡ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡۖ وَلَا تَتَّخِذُواْ مِنۡہُمۡ وَلِيًّ۬ا وَلَا نَصِيرًا (٨٩) إِلَّا ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَہُم مِّيثَـٰقٌ أَوۡ جَآءُوكُمۡ حَصِرَتۡ صُدُورُهُمۡ أَن يُقَـٰتِلُوكُمۡ أَوۡ يُقَـٰتِلُواْ قَوۡمَهُمۡۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمۡ عَلَيۡكُمۡ فَلَقَـٰتَلُوكُمۡۚ فَإِنِ ٱعۡتَزَلُوكُمۡ فَلَمۡ يُقَـٰتِلُوكُمۡ وَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ عَلَيۡہِمۡ سَبِيلاً۬ (٩٠) سَتَجِدُونَ ءَاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأۡمَنُوكُمۡ وَيَأۡمَنُواْ قَوۡمَهُمۡ كُلَّ مَا رُدُّوٓاْ إِلَى ٱلۡفِتۡنَةِ أُرۡكِسُواْ فِيہَاۚ فَإِن لَّمۡ يَعۡتَزِلُوكُمۡ وَيُلۡقُوٓاْ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوٓاْ أَيۡدِيَهُمۡ فَخُذُوهُمۡ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡۚ وَأُوْلَـٰٓٮِٕكُمۡ جَعَلۡنَا لَكُمۡ عَلَيۡہِمۡ سُلۡطَـٰنً۬ا مُّبِينً۬ا (٩١) وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٍ أَن يَقۡتُلَ مُؤۡمِنًا إِلَّا خَطَـًٔ۬اۚ وَمَن قَتَلَ مُؤۡمِنًا خَطَـًٔ۬ا فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٍ۬ مُّؤۡمِنَةٍ۬ وَدِيَةٌ۬ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦۤ إِلَّآ أَن يَصَّدَّقُواْۚ فَإِن كَانَ مِن قَوۡمٍ عَدُوٍّ۬ لَّكُمۡ وَهُوَ مُؤۡمِنٌ۬ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٍ۬ مُّؤۡمِنَةٍ۬ۖ وَإِن ڪَانَ مِن قَوۡمِۭ بَيۡنَڪُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَـٰقٌ۬ فَدِيَةٌ۬ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ وَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٍ۬ مُّؤۡمِنَةٍ۬ۖ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ تَوۡبَةً۬ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَڪِيمً۬ا (٩٢) وَمَن يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنً۬ا مُّتَعَمِّدً۬ا فَجَزَآؤُهُ ۥ جَهَنَّمُ خَـٰلِدً۬ا فِيہَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَلَعَنَهُ ۥ وَأَعَدَّ لَهُ ۥ عَذَابًا عَظِيمً۬ا (٩٣) يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلَا تَقُولُواْ لِمَنۡ أَلۡقَىٰٓ إِلَيۡڪُمُ ٱلسَّلَـٰمَ لَسۡتَ مُؤۡمِنً۬ا تَبۡتَغُونَ عَرَضَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فَعِندَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ ڪَثِيرَةٌ۬ۚ كَذَٲلِكَ ڪُنتُم مِّن قَبۡلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡڪُمۡ فَتَبَيَّنُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرً۬ا (٩٤)
(59-72) { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } :
طاعة الرسول تكون بإتباع ما يحكم به وقد أمرالله رسولنا الكريم بأنه إن جاء أحد يحتكم إليه فعليه أن يحكم كما ذكرت هذه الآيات {وأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} و{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} و{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}، وكان العرب فى حكم الجاهلية يحتكمون لأحكام الجاهلية و كان بعضها ظالماً, فنزلت الآية الكريمة {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، وقد تختلف الشرائع (القوانين التنظيمية للمجتمع)الألهية بإختلاف العصور والأمم أما الأحكام الألهية و هى المبادئ العامة للدين مثل العدل ومنع الظلم والرحمة والمغفرة فهى ثابته فى كل العصور وفى كل الرسالات الألهية ، وقد أمر الله تعالى الرسول عليه السلام أن يحكم بالقرآن فمن أطاعه فقد أطاع الله لأن القرآن هو كلام الله, وقد وُصف عليه السلام بأنه “كان قرآناً يمشى على الأرض”.
(74-91) تتحدث هذه الآيات عن القتال و لفهم مبدء القتال فعلينا مراجعة تفسير آية (13) فى سورة آل عمران، و الأصل فى الإسلام هو االتعايش فى سلام مع الآخرين وقد شُرّع القتال فقط فى حالة الدفاع عن النفس إذا بدأ الآخرون بالعدوان {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، وأمرالمسلمين فى ذلك العصر أن يوقفوا القتال فوراً إذا أوقف المعتدى عدوانه {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا}.
وإستقطاع البعض لأجزاء من الآيات مثل {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ} و {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} دون توضيح من المقصود ب “هم” فى الآية الأولى و عدم إكمال الآية الثانية بقوله { كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً } ودون ذكرالآيات الداعية للسلام فى القرآن ودون توضيح أن هذا فقط كان لصد عدوان – لكى يبرروا رغبتهم الشيطانية فى العنف وسفك الدماء والسيطرة على الآخرين بإسم الدين – هو جريمة بشعة فى حق الله ورسوله، وقد ذكر القرآن إستقطاع آيات الله من القرآن لتحريف معانيها التى نزلن لأجلها فى قوله {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ}، وذلك أشد إثماً من الكفر وكتمان لآيات الله :
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ }.
وإظهارآيات كانت محددة فى مرحلة القتال فى بدء الإسلام و إهمال مبادئ القرآن وآياته الداعية للسلام هو نوع من الكفر كما توضحة الآيات التالية :
{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ }.
فبإختصار فعلى المسلم الحقيقى أخذ آيات القرآن كلها فى إعتباره وعدم الإنصياع وراء دعاة الحرب والعنف الذين يعرضون جزءاً من القرآن ويكتمون الكثير من آياته الداعية للعيش فى سلام مع الآخرين {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ}، وإظهارآيات القتال التى تصف لحظات تاريخية بعينها وإخفاء الآيات الداعية للسلام كمثل الذين جعلوا الدين قراطيس يبدونها ويخفون كثيراً منها كما قال القرآن {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا}.
(92-94) كلمة مؤمن فى القرآن لا تعنى كما يظن البعض إتباع الوحى المنزل على الرسول عليه السلام فكل من يتعايش مع الآخرين فى سلام وأمان فهو مؤمن فقال القرآن {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ ( أى يعيش معكم فى سلام ) لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاة الدُّنْيَا }، وقد ذكر القرآن فى قصة موسى أن رجلاً من قدماء المصريين (الفراعنة) كان مؤمناً وذكره الله فى قوله {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} وقال سحرة فرعون حينما رأوا الآيات {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ} فها هو القرآن يستخدم كلمة مؤمنين على أُناس لا يتبعون القرآن ولا يعرفون عنه شيئاً ووصفهم القرآن بالمؤمنين لأنهم أرادوا أن يعيشوا مع الآخرين فى محبة وأمان وسلام، ومن ذلك نتعلم أن جميع الآيات التى تدعوا للإخوة والمحبة والتآلف بين المؤمنين تطبق على كل من يعيش معنا فى سلام أياً كان دينه أوعقيدته لأنه فى حقيقة الأمرمؤمن.
لَّا يَسۡتَوِى ٱلۡقَـٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ غَيۡرُ أُوْلِى ٱلضَّرَرِ وَٱلۡمُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٲلِهِمۡ وَأَنفُسِہِمۡۚ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَـٰهِدِينَ بِأَمۡوَٲلِهِمۡ وَأَنفُسِہِمۡ عَلَى ٱلۡقَـٰعِدِينَ دَرَجَةً۬ۚ وَكُلاًّ۬ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَـٰهِدِينَ عَلَى ٱلۡقَـٰعِدِينَ أَجۡرًا عَظِيمً۬ا (٩٥) دَرَجَـٰتٍ۬ مِّنۡهُ وَمَغۡفِرَةً۬ وَرَحۡمَةً۬ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورً۬ا رَّحِيمًا (٩٦) إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّٮٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ ظَالِمِىٓ أَنفُسِہِمۡ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمۡۖ قَالُواْ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِينَ فِى ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوٓاْ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَٲسِعَةً۬ فَتُہَاجِرُواْ فِيہَاۚ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ مَأۡوَٮٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا (٩٧) إِلَّا ٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٲنِ لَا يَسۡتَطِيعُونَ حِيلَةً۬ وَلَا يَہۡتَدُونَ سَبِيلاً۬ (٩٨) فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعۡفُوَ عَنۡہُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوًّا غَفُورً۬ا (٩٩) ۞ وَمَن يُہَاجِرۡ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ يَجِدۡ فِى ٱلۡأَرۡضِ مُرَٲغَمً۬ا كَثِيرً۬ا وَسَعَةً۬ۚ وَمَن يَخۡرُجۡ مِنۢ بَيۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ يُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُ ۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورً۬ا رَّحِيمً۬ا (١٠٠) وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِى ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْۚ إِنَّ ٱلۡكَـٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوًّ۬ا مُّبِينً۬ا (١٠١) وَإِذَا كُنتَ فِيہِمۡ فَأَقَمۡتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلۡتَقُمۡ طَآٮِٕفَةٌ۬ مِّنۡہُم مَّعَكَ وَلۡيَأۡخُذُوٓاْ أَسۡلِحَتَہُمۡ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلۡيَكُونُواْ مِن وَرَآٮِٕڪُمۡ وَلۡتَأۡتِ طَآٮِٕفَةٌ أُخۡرَىٰ لَمۡ يُصَلُّواْ فَلۡيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلۡيَأۡخُذُواْ حِذۡرَهُمۡ وَأَسۡلِحَتَہُمۡۗ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ تَغۡفُلُونَ عَنۡ أَسۡلِحَتِكُمۡ وَأَمۡتِعَتِكُمۡ فَيَمِيلُونَ عَلَيۡڪُم مَّيۡلَةً۬ وَٲحِدَةً۬ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡڪُمۡ إِن كَانَ بِكُمۡ أَذً۬ى مِّن مَّطَرٍ أَوۡ كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَن تَضَعُوٓاْ أَسۡلِحَتَكُمۡۖ وَخُذُواْ حِذۡرَكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡكَـٰفِرِينَ عَذَابً۬ا مُّهِينً۬ا (١٠٢) فَإِذَا قَضَيۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡڪُرُواْ ٱللَّهَ قِيَـٰمً۬ا وَقُعُودً۬ا وَعَلَىٰ جُنُوبِڪُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَـٰبً۬ا مَّوۡقُوتً۬ا (١٠٣) وَلَا تَهِنُواْ فِى ٱبۡتِغَآءِ ٱلۡقَوۡمِۖ إِن تَكُونُواْ تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ يَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَۖ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرۡجُونَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٠٤)
(95) الجهاد له مفاهيم عديدة فى القرآن كما يلى :
– مقاومة المعتدين الذين يبدأوا العدوان فلا يحق لمسلم أن يبدأ هوعدواناً على الآخرين{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ويحق له الدفاع عن نفسه فى حالة واحدة فقط وهى إذا تم الإعتداء عليه, فالجهاد الحقيقى– فى هذا المعنى – هوعملية دفاعية لإنقاذ الإنسان من الهلاك ولا يحق لأحد أن يستخدم هذا التعبير لتبريرإعتدائه على الآخرين فالدفاع عن النفس مشروع فى كل القيم الإنسانية أما الإعتداء فهو منكرو مرفوض فيها جميعاً وهو يخرج الإنسان عن ملة الإسلام و التى تعنى كما ذكرنا سابقاً صناعة السلام فى الأرض والعيش فى سلام مع الآخرين.
- جهاد النفس ضد الشهوات و نوازع الشر (رجعنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبرألا وهو جهاد النفس ” حديث شريف ” ) .
- محاولة الوصول الى الله و معرفته عن طريق التأمل فى آياته وعجائبه فى الخلق {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}.
- الدعوة الى الله بالقرآن – وليس بالسيف {وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا كبيرا} والهاء هنا تعود على القرآن, فالجهاد الحقيقى يكون بالكلمة وليس بالعنف أوبالغلظة {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ }.
- إنفاق المال لإطعام المحتاجين والضعفاء {وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ}.
و حيث أن القتال شُرع فقط للدفاع عن النفس فى مرحلة محدودة فى تاريخ الإسلام, فالمجاهدون الحقيقيون الآن هم الذين يبذلون “جهداً” فى عمل الخيرات و نشرالسلام والمحبة بين الناس وهذا هوالجهاد الذى يتوافق مع معنى كلمة إسلام بمعنى نشروتفعيل السلام فى الأرض.
(97-100) يقرالقرآن فى هذه الآية مبدءاً عاماً وهو أن المستضعف فى الأرض عليه أن يحاول أن يهاجرإن إستطاع بدلاً من أن يظلم نفسه كما قالت الآية، وظلم النفس قد يكون بعمل ما يتناقض مع مبادئ القرآن العليا والتى تحرم قتل النفس و الإغتصاب والإفساد فى الأرض وقتل الأبرياء، فلا يصح لمؤمن حقيقى أن يرتكب مثل هذه الجرائم متعللاً بأنه مستضعف فى اللأرض فأرض الله واسعة :
{ وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً}
و قد ذكر الله تعالى عن موسى عليه السلام قوله حين قتل نفساً بريئة {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي }، فعلى المؤمن الحقيقى إذا خٌير بين أن يظلم نفسه بإرتكاب جرائم مثل القتل أوالإرهاب لأنه مستضعف فى الأرض و بين الهجرة فعليه كما قال القرآن محاولة الهجرة لأنه لاشئ فى الدين يبيح إرتكاب مثل هذه الجرائم. و أفضل للإنسان أن يُقتَل كما حدث مع الصالح هابيل فى بداية الخليقة من أن يقتل نفس بريئة { مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا }.
(101-103) يضع الله لنا هنا مجموعة من المفاهيم لفهم الصلاة هى :
المفهوم الأول: أنها وسيلة هدفها الرئيسى هو ذكر الله {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}.
المفهوم الثانى : هى وسيلة لتطهير النفس البشرية لتمنعها من فعل الشر كما ذكر الله تعالى فى قوله {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ }.
المفهوم الثالث : تأتى الصلاة أيضاً بمعنى الدعاء للشخص ومباركته كما فى الآيات{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (أمر الله تعالى نبيه بالصلاة على المؤمنين أى بالدعاء لهم ).
و نرى نفس المعنى فى قوله تعالى{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } (أى يبارك الله عملهم الصالح) بالإضافة الى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }.
المفهوم الرابع : قد تأتى الصلاة أيضاً بمعنى التسبيح كما فى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ}، و تبعاً لهذه الآية فإن تسبيح الله وذكر أسمه والتأمل فى ملكوته هو أحد أنواع الصلاة.
المفهوم الخامس : هو أن الصلاة واحدة من العبادات تهدف الى التقرب الى الله كما فى {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}.
(104)علينا أن نتذكر دائماً أن القتال شُرع فقط للدفاع عن النفس وحماية الأنفس من عدوان بدأه الآخرون وأن الإسلام الحقيقى هوالعيش بسلام مع الآخرين فى حب ورحمة {وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ } وليس بالعنف ولا بالغلظة {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.
شُرع القتال فى الإسلام فقط للدفاع عن النفس و موقف القرآن صريح فى تحريم أى إعتداء على الآخرين, و قد وضع القرآن شروطاً للقتال كما يلى :
- دفاع عن النفس حينما يبدء الآخرون المعتدين القتال{ َقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } و{وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}.
- ألا يكون عدواناً على الآخرين { وَلَا تَعْتَدُوا }.
- ألا يكون لإكراه الآخرين على الدين { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ }.
- ألا يكون فيه ظلم لأحد { وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا }.
- معاملة الأسرى بالحسنى { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا }.
- أن يٌغيث العدو إذا إستغاث به فى لحظة ما {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ}.
- ألا يستعبد الأسرى و أن يعاملهم كما ذكر القرآن { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً }.
- أن يجنح للسلم فوراً إذا عرض عليه {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}.
- ألا يكسر ميثاقاً مع أحد حتى لو كان ذلك لنصرة مسلمين مثله {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ}.
ألا يقتل نفساً بغير نفس {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ} فالقتل العشوائى أو العمليات الإنتحارية التى تؤدى الى قتل و لو برئ واحد كطفل لم يذنب أو إمرأة عجوز لم تخطىء يخرج الإنسان من ملة الإسلام و يحشره فى جهنم فى زمرة المجرمين و القتلة .
إِنَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِتَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَٮٰكَ ٱللَّهُۚ وَلَا تَكُن لِّلۡخَآٮِٕنِينَ خَصِيمً۬ا (١٠٥) وَٱسۡتَغۡفِرِ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورً۬ا رَّحِيمً۬ا (١٠٦) وَلَا تُجَـٰدِلۡ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخۡتَانُونَ أَنفُسَہُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمً۬ا (١٠٧) يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمۡ إِذۡ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرۡضَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطًا (١٠٨) هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ جَـٰدَلۡتُمۡ عَنۡہُمۡ فِى ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فَمَن يُجَـٰدِلُ ٱللَّهَ عَنۡہُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيۡہِمۡ وَڪِيلاً۬ (١٠٩) وَمَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا أَوۡ يَظۡلِمۡ نَفۡسَهُ ۥ ثُمَّ يَسۡتَغۡفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُورً۬ا رَّحِيمً۬ا (١١٠) وَمَن يَكۡسِبۡ إِثۡمً۬ا فَإِنَّمَا يَكۡسِبُهُ ۥ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمً۬ا (١١١) وَمَن يَكۡسِبۡ خَطِيٓـَٔةً أَوۡ إِثۡمً۬ا ثُمَّ يَرۡمِ بِهِۦ بَرِيٓـًٔ۬ا فَقَدِ ٱحۡتَمَلَ بُہۡتَـٰنً۬ا وَإِثۡمً۬ا مُّبِينً۬ا (١١٢) وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ وَرَحۡمَتُهُ ۥ لَهَمَّت طَّآٮِٕفَةٌ۬ مِّنۡهُمۡ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَہُمۡۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىۡءٍ۬ۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمۡ تَكُن تَعۡلَمُۚ وَكَانَ فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ عَظِيمً۬ا (١١٣) ۞ لَّا خَيۡرَ فِى ڪَثِيرٍ۬ مِّن نَّجۡوَٮٰهُمۡ إِلَّا مَنۡ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوۡ مَعۡرُوفٍ أَوۡ إِصۡلَـٰحِۭ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٲلِكَ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمً۬ا (١١٤) وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا (١١٥) إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٲلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَـٰلاَۢ بَعِيدًا (١١٦)
(105) حينما يحكم الرسول فإنه يحكم كما توضح هذه الآيات :
{ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ } و { فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ( أى القرآن ) } و { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًالِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } و{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا }،
فكان رسول الله إذاً يحكم بكتاب الله ومبادئه إذا طلب منه الناس أن يحكم بينهم.
(110-112) وضع الله تعالى لنا قواعد للإستغفار أو طلب المغفرة منه و هذه القواعد هى :
– أن يشعر الإنسان بخطئه و يطلب المغفرة من الله { قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي}.
– أن الخطأ هو مسئولية الشخص الذى فعله ولاينبغى أن يلوم الآخرين على خطئه { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ }.
– إتهام الآخرين ظلماً بإقتراف خطأ لم يرتكبوه هى جريمة كبيرة فى حق الله تعالى وكما وصفها القرآن فهى { بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا }, فمن فعل خطأ ما أوإرتكب إثماً فعليه أن يعترف بذلك ولا يتهم الآخرين به.
(113) وصفت آيات القرآن بالحكمة {ذَٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ}، ووصف الله الكتاب و الحكمة على أنهما شئ واحد فقال عز وجل {الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ} و لم يقل “بهما“. وقد وصف الله التوراة بقوله {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ } فالله لم يؤتى موسى ثلاث كتب ولكن أعطاه كتاباً واحداً وصفه بعدة صفات.
(114) يتناجى الأشرارفيما بينهم بإيذاء الآخرين أوبإستخدام العنف وإشعال نارالكراهية {إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ} .
أما الأبرار فيتناجون بالآتى :
– تشجيع الصدقات لرعاية المحتاجين .
– الآمر بالمعروف أى ما تعارف عليه معظم البشر من إحترام النفس البشرية وحرمتها تجريم السرقة والقتل والظلم بكل أنواعه.
– الإصلاح بين الناس وإحلال السلام فى الأرض.
(115) { وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } التوعد بالعقاب كما فى هذه الآية هو حق لله فهو وحده صاحب الحق فى العقاب و المغفرة.
(116) { وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا } حذر القرآن من خطورة الشرك حتى لا نقع فيه ولكنه جعل حساب البشرحقاً لله وحده فهو يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء فمن نراه مشركاً اليوم فقد يتوب الى الله يوماً ما و يصبح أفضل منا ويتجلى هذا الأمر فى الموقف الذى وصفه الله تعالى يوم القيامة {وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ } فكان هؤلاء يظنون أن غيرهم أشراروفوجئوا يوم القيامة بأن من يظنون أنهم أشرارليسوا من أهل جهنم كما توقعوا و ذلك لأنهم قد يكونوا تابوا الى الله أوغفر الله لهم لأنهم كانوا ضحية ظروف وعوامل نفسية وإجتماعية الله وحده أعلم بها.
و لتوضيح هذا الأمر لنتصور أن هناك نهراً إسمه “نهر الحقيقة” وأن الحقيقية عند نقطة 100 عند نهايته وأننا نرى إنساناً عند نقطة 95 وإنساناً آخرعند نقطة 5, فللوهلة الأولى قد نتصور أن الإنسان الذى هوعند نقطة 95 أفضل من الآخرلأنه أقرب الى الحقيقة, ولوعلمنا أن الذى عند نقطة 95 قد بدأ عند نقطة المائة وأنه يتباعد عنها وأن الذى عند نقطة 5 قد بدأ عند نقطة الصفر وأنه يحاول جاهداً الوصول الى الحقيقة – لأدركنا أن الذى عند نقطة 5 قد يكون أفضل عند الله من الشخص الآخر لأنه بذل جهداً للوصول الى الحقيقة، وجدير بالذكر فى التعليق على هذه الآية أن نذكر مفهوم الشرك فى القرآن { وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا } حيث الأية تحدثنا عن الشرك.
ومفهوم الشرك فى القرآن يشمل ما يلى :
- إتخاذ إلهٍ غيرالله تعالى يشاركه فى خلق السماوات والأرض {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ }.-
- إتخاذ مشرع ٍ فى الدين غيرالله تعالى{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ }.
- دعاء أوثان أوأصنام ظناً أنهم أكثر قدرة من الله { إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }.
و نوضح هنا أن هذا الأمر يختلف عن زيارة الأضرحة و قراءة الفاتحة لبعض الصالحين فأغلب من يزور هذه الأضرحة يدعو الله تعالى ويدين له بالعبادة والألوهية ويرى الأضرحة فقط كوسيلة للوصول الى الله و ليس إلهاً بديلاً عنه {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ }. والدليل على أن من يزورون الأضرحة لا يعبدونها من دون الله هوأنهم وقت الصلاة يشيحون بوجوههم عنها ليتوجهوا الى الله تعالى بالتعبد وليس الى سواه، فعلى سبيل المثال يزور ملايين المسلمين قبرالرسول فى المدينة المنورة ولا يعنى ذلك أن كل هؤلاء مشركون.
إِن يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦۤ إِلَّآ إِنَـٰثً۬ا وَإِن يَدۡعُونَ إِلَّا شَيۡطَـٰنً۬ا مَّرِيدً۬ا (١١٧) لَّعَنَهُ ٱللَّهُۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنۡ عِبَادِكَ نَصِيبً۬ا مَّفۡرُوضً۬ا (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ وَلَأَمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّڪُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَـٰمِ وَلَأَمُرَنَّہُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيۡطَـٰنَ وَلِيًّ۬ا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانً۬ا مُّبِينً۬ا (١١٩) يَعِدُهُمۡ وَيُمَنِّيہِمۡۖ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَـٰنُ إِلَّا غُرُورًا (١٢٠) أُوْلَـٰٓٮِٕكَ مَأۡوَٮٰهُمۡ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنۡہَا مَحِيصً۬ا (١٢١)
(117) { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا } أستخدم القرآن كلمة إناثاً ليس إمتهاناً للأنثى ولكن لأن لغة العرب وقت نزول القرآن كانت تستخدم هذا التعبير للكناية عن الضعف وليس لمعناه الظاهرى كجنس أو نوع، فالقرآن نزل بلسان قومه حتى يفهمه الناس فى عصره {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ}، ومن المعروف أن اللغة العربية مليئة بالخيال و الإستعارات و الكنايات والكثيرمنها مستخدم فى القرآن لإيضاح المعنى.
(119) { وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا } “الشيطان” فى القرآن الكريم هو رمز للشر والكراهية وقال الله تعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ } فأى فكر أو فعل يزيد من العداوة والكراهية بين الناس هوعمل من عمل الشيطان, وعلى النقيض من ذلك فإن أى عمل يحث على عكس ذلك أى السلام والمحبة بين البشر فهو عمل ربانى، وقد أمرنا الله تعالى أن نكون ربانيين فى فكرنا وفعلنا وأخلاقنا {وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}.
وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٍ۬ تَجۡرِى مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيہَآ أَبَدً۬اۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقًّ۬اۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلاً۬ (١٢٢) لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِىِّ أَهۡلِ ٱلۡڪِتَـٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءً۬ا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُ ۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيًّ۬ا وَلَا نَصِيرً۬ا (١٢٣) وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِن ذَڪَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٌ۬ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرً۬ا (١٢٤) وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينً۬ا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُ ۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٌ۬ وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَٲهِيمَ حَنِيفً۬اۗ وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٲهِيمَ خَلِيلاً۬ (١٢٥) وَلِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَمَا فِى ٱلۡأَرۡضِۚ وَڪَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَىۡءٍ۬ مُّحِيطً۬ا (١٢٦) وَيَسۡتَفۡتُونَكَ فِى ٱلنِّسَآءِۖ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيڪُمۡ فِيهِنَّ وَمَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡڪُمۡ فِى ٱلۡكِتَـٰبِ فِى يَتَـٰمَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّـٰتِى لَا تُؤۡتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرۡغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلۡوِلۡدَٲنِ وَأَن تَقُومُواْ لِلۡيَتَـٰمَىٰ بِٱلۡقِسۡطِۚ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٍ۬ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِۦ عَلِيمً۬ا (١٢٧)
(122-124) { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} فى هذه الآيات يُقر القرآن مبدءاً راسخاً وهوأن الإنسان محاسب فى الأساس على عمله وأياً كان إنتماؤه الدينى والعقائدى { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } وكما وضح القرآن لنا فإن أى إنسان يعيش فى سلام مع الآخرين ولا يؤذيهم فهو مؤمن {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}.
(125) { أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} أى خضع له خضوعاً تاماً فملة إبراهيم هى الخضوع لله الواحد وذلك قد يكون من خلال إتباع شرائع مختلفة مثل التوراة والإنجيل والقرآن فكل هذه الشرائع نابعة من ملة إبراهيم.
وملة إبراهيم تشمل ما يلى :
– عبادة الله الواحد { فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ }.
– التفكر فى ملكوت الله {وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ }.
– إكرام الضيف {فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}.
– القنوت لله والتقرب منه {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا}.
– الشكر الدائم لنعم الله {شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.
– الحلم والتسامح {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ}.
– رد الإساءة بالإحسان وذلك يتجلى حين حاول أبو إبراهيم أن يرجمه فقال له “لأرجمنك” كان رد خليل الرحمن عليه هو قوله {سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۖ} فلم يرد إبراهيم على العنف بالعنف لكن بالحلم والتسامح.
– إستخدام الحجة لا العنف لإقناع الآخرين { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ }.
– الفكر و التفكرللوصول الى الحقيقة فلو إتبع إبراهيم قومه دون أن يضع إحتمالاً أنهم خطأ لأصبح مثلهم ونرى فى قصة إبراهيم أنه وصل الى الله بفكره فعبد كوكباً ثم عبد القمر ثم عبد الشمس ثم وصل بعد ذلك لحقيقة الإله الواحد. أى أن إبراهيم مر بمراحل من االشك قبل أن يصل الى الإيمان، ولوكان أحد المتشددين قتل إبراهيم حينما قال عن القمر هذا ربى لما عاش خليل الرحمن ولما أصبح أبا الأنبياء ومثلهم الأعلى .
و لقد قال القرآن { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }.
(127) { وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ } العبرة والغرض من الآية هو الحفاظ على حق الضعيف مثل اليتيم و الأرملة وعدم إستغلال وضعه وضعفه لظلمه فإن الله تعالى هوالمدافع دائماً عن حق الضعفاء { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ }.
وَإِنِ ٱمۡرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعۡلِهَا نُشُوزًا أَوۡ إِعۡرَاضً۬ا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡہِمَآ أَن يُصۡلِحَا بَيۡنَہُمَا صُلۡحً۬اۚ وَٱلصُّلۡحُ خَيۡرٌ۬ۗ وَأُحۡضِرَتِ ٱلۡأَنفُسُ ٱلشُّحَّۚ وَإِن تُحۡسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرً۬ا (١٢٨) وَلَن تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ فَلَا تَمِيلُواْ ڪُلَّ ٱلۡمَيۡلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلۡمُعَلَّقَةِۚ وَإِن تُصۡلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورً۬ا رَّحِيمً۬ا (١٢٩) وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغۡنِ ٱللَّهُ ڪُلاًّ۬ مِّن سَعَتِهِۦۚ وَكَانَ ٱللَّهُ وَٲسِعًا حَكِيمً۬ا (١٣٠) وَلِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَمَا فِى ٱلۡأَرۡضِۗ وَلَقَدۡ وَصَّيۡنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلِڪُمۡ وَإِيَّاكُمۡ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَمَا فِى ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدً۬ا (١٣١) وَلِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَمَا فِى ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً (١٣٢) إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡڪُمۡ أَيُّہَا ٱلنَّاسُ وَيَأۡتِ بِـَٔاخَرِينَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ ذَٲلِكَ قَدِيرً۬ا (١٣٣) مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأَخِرَةِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعَۢا بَصِيرً۬ا (١٣٤)
(128) {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} يدعو الله تعالى للصلح بين الزوجين دليلاً على بغضه للطلاق لأن الطلاق يدمرالأسرة و يؤثرعلى الأطفال بصورة سلبية, وقد وضع الله أكثرمن وسيلة للمرأة إذا وصلت الخلافات بينها وبين زوجها الى درجة حرجة ومن حقها إشراك بعض الأهل لعمل صلح أوإيجاد حل إن كانت تريد ذلك, ومن حقها أيضاً ترك الزوج والإنفصال عنه بعد إعطائه شئ ٍ من التعويض المادى الذى يتناسب مع حالتها ووضعها :
{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ }.
(129) حينما نرى الآيتين {وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } و {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} سوياً يتضح لنا أن القرآن قيد تعدد الزوجات فى عصره بوضع شرط مستحيل تنفيذه وهو إقامة العدل، فمن قال أنه يستطيع أن يعدل فى هذا الأمرفقد تحدى قول الله {وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } ومن أقرأنه لايستطيع العدل كما قال الله فعليه تطبيق قول الله {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}.
وقد كان من الصعب تحريم التعدد بصورة مطلقة وقت نزول القرآن لما يتبعه من تدميرأسر بأكملها لأن التعدد كان موجودًا بالفعل قبل نزول القرآن فلا يلام القرآن على وجوده، وكان الأمريحتاج الى حكمة فى إدارة الموقف فأوضح القرآن أن فطرة الخلق هى زوج وزوجة واحدة {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} و وضع شروطاً تقيدالفعل مثل إشتراط أن يكون فقط بهدف رعاية اليتامى {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ} وإشتراط العدل مع الإقرار بإستحالته كما ذكرنا، و تغيير النظم الإجتماعية السائدة هى عملية تحتاج بعض الوقت وكان من الصعب تغييرها بسهولة بين عشية و ضحاها.
۞ يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٲمِينَ بِٱلۡقِسۡطِ شُہَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَٲلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَۚ إِن يَكُنۡ غَنِيًّا أَوۡ فَقِيرً۬ا فَٱللَّهُ أَوۡلَىٰ بِہِمَاۖ فَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلۡهَوَىٰٓ أَن تَعۡدِلُواْۚ وَإِن تَلۡوُ ۥۤاْ أَوۡ تُعۡرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرً۬ا (١٣٥) يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلَّذِى نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡڪِتَـٰبِ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰٓٮِٕكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأَخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَـٰلاَۢ بَعِيدًا (١٣٦) إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرً۬ا لَّمۡ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغۡفِرَ لَهُمۡ وَلَا لِيَہۡدِيَہُمۡ سَبِيلاَۢ (١٣٧) بَشِّرِ ٱلۡمُنَـٰفِقِينَ بِأَنَّ لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمًا (١٣٨) ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلۡكَـٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ أَيَبۡتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلۡعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلۡعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعً۬ا (١٣٩) وَقَدۡ نَزَّلَ عَلَيۡڪُمۡ فِى ٱلۡكِتَـٰبِ أَنۡ إِذَا سَمِعۡتُمۡ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ يُكۡفَرُ بِہَا وَيُسۡتَہۡزَأُ بِہَا فَلَا تَقۡعُدُواْ مَعَهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيۡرِهِۦۤۚ إِنَّكُمۡ إِذً۬ا مِّثۡلُهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلۡمُنَـٰفِقِينَ وَٱلۡكَـٰفِرِينَ فِى جَهَنَّمَ جَمِيعًا (١٤٠) ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمۡ فَإِن كَانَ لَكُمۡ فَتۡحٌ۬ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوٓاْ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡ وَإِن كَانَ لِلۡكَـٰفِرِينَ نَصِيبٌ۬ قَالُوٓاْ أَلَمۡ نَسۡتَحۡوِذۡ عَلَيۡكُمۡ وَنَمۡنَعۡكُم مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ فَٱللَّهُ يَحۡكُمُ بَيۡنَڪُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِۗ وَلَن يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَـٰفِرِينَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ سَبِيلاً (١٤١) إِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَـٰدِعُهُمۡ وَإِذَا قَامُوٓاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً۬ (١٤٢) مُّذَبۡذَبِينَ بَيۡنَ ذَٲلِكَ لَآ إِلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ وَلَآ إِلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ ۥ سَبِيلاً۬ (١٤٣) يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡكَـٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيۡڪُمۡ سُلۡطَـٰنً۬ا مُّبِينًا (١٤٤) إِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِينَ فِى ٱلدَّرۡكِ ٱلۡأَسۡفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمۡ نَصِيرًا (١٤٥) إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ وَٱعۡتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخۡلَصُواْ دِينَهُمۡ لِلَّهِ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَسَوۡفَ يُؤۡتِ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَجۡرًا عَظِيمً۬ا (١٤٦) مَّا يَفۡعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِڪُمۡ إِن شَكَرۡتُمۡ وَءَامَنتُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاڪِرًا عَلِيمً۬ا (١٤٧) ۞ لَّا يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلۡجَهۡرَ بِٱلسُّوٓءِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ إِلَّا مَن ظُلِمَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (١٤٨) إِن تُبۡدُواْ خَيۡرًا أَوۡ تُخۡفُوهُ أَوۡ تَعۡفُواْ عَن سُوٓءٍ۬ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّ۬ا قَدِيرًا (١٤٩) إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيۡنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيَقُولُونَ نُؤۡمِنُ بِبَعۡضٍ۬ وَنَڪۡفُرُ بِبَعۡضٍ۬ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيۡنَ ذَٲلِكَ سَبِيلاً (١٥٠) أُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ حَقًّ۬اۚ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَـٰفِرِينَ عَذَابً۬ا مُّهِينً۬ا (١٥١) وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَلَمۡ يُفَرِّقُواْ بَيۡنَ أَحَدٍ۬ مِّنۡہُمۡ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ سَوۡفَ يُؤۡتِيهِمۡ أُجُورَهُمۡۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورً۬ا رَّحِيمً۬ا (١٥٢) يَسۡـَٔلُكَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَـٰبِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيۡہِمۡ كِتَـٰبً۬ا مِّنَ ٱلسَّمَآءِۚ فَقَدۡ سَأَلُواْ مُوسَىٰٓ أَكۡبَرَ مِن ذَٲلِكَ فَقَالُوٓاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهۡرَةً۬ فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ بِظُلۡمِهِمۡۚ ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَـٰتُ فَعَفَوۡنَا عَن ذَٲلِكَۚ وَءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ سُلۡطَـٰنً۬ا مُّبِينً۬ا (١٥٣) وَرَفَعۡنَا فَوۡقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَـٰقِهِمۡ وَقُلۡنَا لَهُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدً۬ا وَقُلۡنَا لَهُمۡ لَا تَعۡدُواْ فِى ٱلسَّبۡتِ وَأَخَذۡنَا مِنۡہُم مِّيثَـٰقًا غَلِيظً۬ا (١٥٤) فَبِمَا نَقۡضِہِم مِّيثَـٰقَهُمۡ وَكُفۡرِهِم بِـَٔايَـٰتِ ٱللَّهِ وَقَتۡلِهِمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقٍّ۬ وَقَوۡلِهِمۡ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَلۡ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيۡہَا بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً۬ (١٥٥) وَبِكُفۡرِهِمۡ وَقَوۡلِهِمۡ عَلَىٰ مَرۡيَمَ بُہۡتَـٰنًا عَظِيمً۬ا (١٥٦) وَقَوۡلِهِمۡ إِنَّا قَتَلۡنَا ٱلۡمَسِيحَ عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ لَفِى شَكٍّ۬ مِّنۡهُۚ مَا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٍ إِلَّا ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينَۢا (١٥٧) بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيۡهِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمً۬ا (١٥٨) وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡہِمۡ شَہِيدً۬ا (١٥٩) فَبِظُلۡمٍ۬ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا عَلَيۡہِمۡ طَيِّبَـٰتٍ أُحِلَّتۡ لَهُمۡ وَبِصَدِّهِمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيرً۬ا (١٦٠) وَأَخۡذِهِمُ ٱلرِّبَوٰاْ وَقَدۡ نُہُواْ عَنۡهُ وَأَكۡلِهِمۡ أَمۡوَٲلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَـٰطِلِۚ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَـٰفِرِينَ مِنۡہُمۡ عَذَابًا أَلِيمً۬ا (١٦١) لَّـٰكِنِ ٱلرَّٲسِخُونَ فِى ٱلۡعِلۡمِ مِنۡہُمۡ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَۚ وَٱلۡمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَٱلۡمُؤۡتُونَ ٱلزَّڪَوٰةَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأَخِرِ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ سَنُؤۡتِيہِمۡ أَجۡرًا عَظِيمًا (١٦٢)
(135) { كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} تضع هذه الآية الكريمة واحداً من أهم مبادئ وأسس القرآن وهى أن الإنسان ينبغى أن يقول كلمة الحق والصدق حتى لو كانت على نفسه أوعلى الأقربين وذلك يعنى أن لو كان الحق لصالح من يظنه الإنسان عدواً له فإن الإنسان المؤمن لابد أن ينطق بكلمة الحق حتى لو كانت تؤيد عدوه، والشهادة بالحق حتى لوكانت لصالح عدو ٍأوكانت ضد الإنسان نفسه أوضد عائلته ومجتمعه هى من أعظم الخصال الإيمانية فبدونها يكون الإنسان خارج حدود الإيمان الحقيقى، فإن كان عدوى أو من أكره له الحق فى شئ ما فلابد أن أعترف به وأقره لكى أكون عادلاً فى حكمى { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ }.
(136) مبادئ الإيمان فى القرآن هى الإيمان بالله و ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ولكن علينا دائماً أن نتذكر أنه ليس من حقنا الحكم على إيمان الآخرين فذلك حق لله وحده وأى تدخل فى الحكم على الآخرين أوحسابهم فى الدنيا بنعتهم بالإيمان أوبالكفر هوتدخل سافر فى حق مطلق لله تعالى لا يشاركه فيه أحد ألا وهو حساب البشر{إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم }.
(137) تقر هذه الآية و تؤكد على مبدأ حرية العقيدة فها هو الله عزّ وجلّ يذكر أُناساً آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا وبرغم تحذيره من الكفرفإنه لم يعط لأى بشرحق التدخل فى إختيارهم الفكرى أو محاسابتهم أومعاقابتهم، وقد أقر الرحمن مبدأ حرية العقيدة بوضوح فقال {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } ولقد حذر الله عزوجل رسوله الكريم أن يتدخل أوحتى يفكرأن يتدخل لمنع الناس من حرية الإختيار بين الإيمان والكفر فقال له {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ} و {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} و {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} و {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ }، وهذا هوالإسلام ومن أراد إبتداع دينٍ آخر يبيح له التدخل فى حرية العقيدة التى كفلها الله لعباده فقد خرج عن ملة الإسلام الحقيقى.
(137-147) يتحدث القرآن هنا عن مجموعة خاصة فى عهد الرسول أعلنت الإيمان ولكن فى نفس الوقت إتحدت مع وأيدت كفارمكة فى تعذيب المسلمين الأوائل فكانت هذه الفئة والمعرفة فى القرآن ب “ال” التعريف (المنافقين) مشاركة فى جريمة قتل وتعذيب وتشريد ضد الأبرياء، وتكررإستخدام أداة التعريف “ال” فى هذه الآيات فى أكثر من موقع كما يلاحظ حتى يحدد الله الكلام و الحديث عن فئة بعينها، ومن الملاحظ إستخدام أداة التعريف “ال” فى التعبيرات الآتية وذلك حتى يتم تخصيص المعنى لمجموعة معينة فى زمن معين حتى لايتم تعميمه على الجميع “الذين يتربصون” , و”للكافرين” و “المنافقين” ولوأراد الله تعميم هذه الآيات لأستخدم التعبيرات “من يتربص” و “كفر” و “من نافق” بدلاً من التعبيرات السابقة .
و فى نهاية الأمر بعد كل هذه الآيات قال تعالى {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أى أن الله إحتفظ لنفسه بالحق الأوحد فى إصدارالأحكام على الناس.
{إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ }.
ويعلمنا القرآن أن الأسلوب الوحيد المقبول عند الله حين نرى البعض يستهزىء بآيات الله ويسخرمنها ألا نجلس معهم وقت الإستهزاء بالآيات كتعبيرعن الإعتراض عليهم، ولكن بمجرد أن يقف الإستهزاء بآيات الله فعلى الإنسان أن يجالسهم مرة أخرى { فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ }, وذلك الخلق القرآنى الرفيع هوعكس ما يفعله البعض من تشنج أوإستخدام العنف أحياناً مع من يستهزىء بآيات الله, فأمرالقرآن كان بعدم الجلوس معهم فقط فى وقت الإستهزاء بالآيات و الإنسحاب بهدوء من المجلس دون تشنج أو عصبية أوإستخدام أى عنف.
(148) تُقر هذه الآية واحدة من أهم القواعد القرآنية وهى أن الله تعالى لا يحب الجهر بالقول السئ الذى يؤذى مشاعر الآخرين أو يذم فيهم, فلا يحل لمؤمن أن يتكلم بسوء عن أى إنسان آخر أو يقدح فيه أو يذمه وعلينا أن نتقى الله ونكف عن الحديث بسوء عن الآخرين { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }، وهذا بالقطع لا يشمل شكوى الإنسان للقضاء من ظلم وقع عليه من شخص آخر فهذا لا يعتبر جهراً بالسوء من القول.
(149) يحثنا القرآن الكريم بإسلوب راقٍ على العفوعن الآخرين إن أخطأوا فى حقنا { أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ }، ويذكرالله عن صفاته أنه عفوٌ غفورٌ{إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} وعلينا أن نتحلى بهذه الصفات حتى نكون من الربانين فكما قال القرآن لنا { كُونُوا رَبَّانِيِّينَ }، ولم يقف القرآن فقط عند درجة العفوعن المخطئين فى حقنا بل أمرنا بأكثر من ذلك وهو أن نرد على السيئة بالحسنة {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } ولا يصل الى هذه المنزلة الرفيعة – أى الرد على الإساءة بالإحسان – إلا قليلون {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } (أى من يُعطى هذه الصفة وهى صفة الإحسان الى من يسئ إليه )، فعلينا أن نتعلم ونعلم أطفالنا هذه الصفة الحميدة فى معاملة الآخرين فبدلاً من الرد على من يسئ إلينا بالسباب واللعان أن نرد بكلمة (سامحك الله) وبذلك نتحلى بخلق القرآن الحقيقى.
(152) { وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ } يدعونا القرآن الكريم الى عدم التفرقه بين رسل الله سواءً فى المحبة أوفى التقدير أوفى الإحترام فكلهم من المصطفين الأخيار،و ذلك يعنى أنه ليس من حقنا أن نقول أن هناك رسولاً أعظم من الآخر أو أنه يفوقه فى المنزلة.
(153) { ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَٰلِكَ } تدل هذه الآية على أن الله عفوغفورفبعد أن عبد البعض العجل من بعد ما جاءتهم البينات تجلّت الرحمة الألهية فى قوله تعالى {فَعَفَوْنَا عَن ذَٰلِكَ} ونتعلم هنا عدم إصدارأى أحكام على البشرأونعتهم بأنهم من أهل جهنم، فإذا رأينا إنساناً يعبد عجلاً فقد يتسرع البعض فيقول أنه من أهل جهنم فى حين أن الله قد يغفر له ذلك كما حدث مع بنى إسرائيل فقال لهم بعد أم عبدوا العجل {فَعَفَوْنَا عَن ذَٰلِكَ}، فلسنا نحن الذين نقرر إذا كان الله تعالى سيعفو عن شخص ما أم لا.
۞ إِنَّآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ كَمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ نُوحٍ۬ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٲهِيمَ وَإِسۡمَـٰعِيلَ وَإِسۡحَـٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَـٰرُونَ وَسُلَيۡمَـٰنَۚ وَءَاتَيۡنَا دَاوُ ۥدَ زَبُورً۬ا (١٦٣) وَرُسُلاً۬ قَدۡ قَصَصۡنَـٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلاً۬ لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَڪۡلِيمً۬ا (١٦٤) رُّسُلاً۬ مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمً۬ا (١٦٥) لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشۡہَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيۡكَۖ أَنزَلَهُ ۥ بِعِلۡمِهِۦۖ وَٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ يَشۡهَدُونَۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَہِيدًا (١٦٦) إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ قَدۡ ضَلُّواْ ضَلَـٰلاَۢ بَعِيدًا (١٦٧) إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمۡ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغۡفِرَ لَهُمۡ وَلَا لِيَہۡدِيَهُمۡ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيہَآ أَبَدً۬اۚ وَكَانَ ذَٲلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرً۬ا (١٦٩) يَـٰٓأَيُّہَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَـَٔامِنُواْ خَيۡرً۬ا لَّكُمۡۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمً۬ا (١٧٠)
(163) { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ } حين نقرأ هذه الآية نسأل أنفسنا ما هو هذا الوحى الإلهى الذى وصّى الله به نوحاً وكل الأنبياء وقد يتجلى ذلك الوحى فى وصايا نوح التى ألمح القرآن إليها فى قوله فى آية أخرى {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا} و هذه الوصايا هى سبع وصايا وتشمل ما يلى:
- الإيمان بوجود خالق للكون .
- محبة الله الواحد و تقديس إسمه .
- إحترام النفس البشرية .
- إحترام حقوق الآخرين و ممتلكاتهم .
- الحفاظ على الأسرة .
- الرحمة بجميع المخلوقات حتى الحيوان .
- إقامة العدل فى المجتمع.
(167-169) إن لسان حال الآية يكاد يقول أن الله إن كان هناك إحتمال أن يغفر لمن كفر فإنه لايوجد إحتمال أن يغفر للظالمين فقد قال تعالى فى الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أنهم {قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا} كما فى الآية (167) ولكنه قال عن الذين كفروا و ظلموا فى الآية التالية (168) أنه { لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا } أى أنه لن يغفرلهم ولن يهديهم سبيلا إلا طريق جهنم و هذا تأكيد على بشاعة الظلم {وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا}.
يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡڪِتَـٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِى دِينِڪُمۡ وَلَا تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ إِنَّمَا ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَڪَلِمَتُهُ ۥۤ أَلۡقَٮٰهَآ إِلَىٰ مَرۡيَمَ وَرُوحٌ۬ مِّنۡهُۖ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۖ وَلَا تَقُولُواْ ثَلَـٰثَةٌۚ ٱنتَهُواْ خَيۡرً۬ا لَّڪُمۡۚ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ۬ وَٲحِدٌ۬ۖ سُبۡحَـٰنَهُ ۥۤ أَن يَكُونَ لَهُ ۥ وَلَدٌ۬ۘ لَّهُ ۥ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَمَا فِى ٱلۡأَرۡضِۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَڪِيلاً۬ (١٧١) لَّن يَسۡتَنكِفَ ٱلۡمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبۡدً۬ا لِّلَّهِ وَلَا ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ ٱلۡمُقَرَّبُونَۚ وَمَن يَسۡتَنكِفۡ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَيَسۡتَڪۡبِرۡ فَسَيَحۡشُرُهُمۡ إِلَيۡهِ جَمِيعً۬ا (١٧٢) فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَيُوَفِّيهِمۡ أُجُورَهُمۡ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡتَنكَفُواْ وَٱسۡتَكۡبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمۡ عَذَابًا أَلِيمً۬ا وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيًّ۬ا وَلَا نَصِيرً۬ا (١٧٣) يَـٰٓأَيُّہَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُم بُرۡهَـٰنٌ۬ مِّن رَّبِّكُمۡ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ نُورً۬ا مُّبِينً۬ا (١٧٤) فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعۡتَصَمُواْ بِهِۦ فَسَيُدۡخِلُهُمۡ فِى رَحۡمَةٍ۬ مِّنۡهُ وَفَضۡلٍ۬ وَيَہۡدِيہِمۡ إِلَيۡهِ صِرَٲطً۬ا مُّسۡتَقِيمً۬ا (١٧٥) يَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيڪُمۡ فِى ٱلۡكَلَـٰلَةِۚ إِنِ ٱمۡرُؤٌاْ هَلَكَ لَيۡسَ لَهُ ۥ وَلَدٌ۬ وَلَهُ ۥۤ أُخۡتٌ۬ فَلَهَا نِصۡفُ مَا تَرَكَۚ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ۬ۚ فَإِن كَانَتَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَۚ وَإِن كَانُوٓاْ إِخۡوَةً۬ رِّجَالاً۬ وَنِسَآءً۬ فَلِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۗ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَڪُمۡ أَن تَضِلُّواْۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَىۡءٍ عَلِيمُۢ (١٧٦)
(171-173) تدعوا كتب الله المرسلة مثل التوراة والإنجيل والقرآن الى أن الله واحد, فذكر فى التوراة ” إسمع يا إسرائيل الرب إلاهك رب واحد ” وذكر فى الإنجيل ” ليس هناك صالح إلا واحد و هو الله ” و قال القرآن { إِنَّ إِلَٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ }، فأصحاب الديانات السماوية الثلاثة يؤمنون بوحدانية الله، واعترض القرآن على كلمة أبن الله لأنها كانت تعنى عند البعض أن الله تعالى له إبن جسدى جاء من علاقة مع إمرأة كما ذكر الله فى القرآن { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ }، والبعض يرى نفس الكلمة أى أبن بمعنى مجازى بمعنى روح الله أو كلمته و الذى ذكر أيضاً فى القرآن عن المسيح عليه السلام { وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ }، و ما يهم فى الأمرهومفهوم و مدلول الكلمة وكيف تفهم وليس فقط أحرفها وكيف تكتب، فعندنا على سبيل المثال فإن من يفهم كلمة يد { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } و أعين {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} و و جه { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } و عرش {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ } بمعنى أن الله له يد وأعين ووجه مثلنا أو أنه جالس على كرسى له حدود فقد أخطأ فى فهم القرآن، و كذلك الحال فيمن فهم كلمة “إبن” بمفهوم حرفى وكأن الله تزوج وأنجب إبناً من علاقة مع إمرأة فإن هذا المفهوم مرفوض فى القرآن أما فهم الكلمة بالمعنى المجازى كما نفهم نحن كلمة يد وأعين ووجه وعرش بصورة مجازية فهو أمر يختلف.
{ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ } تعبير”ثلاثة” إن كان المقصود به ثلاثة آلهة مختلفة عن بعضها البعض وأن الله واحد من هذه الآلهة {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} فهو مرفوض فى القرآن وفى كل الأديان السماوية ، وكان إعتراض القرآن على القول أن الله ثالث ثلاثة لأنه يعنى أن الله واحد من ثلاثة آلهة مختلفة (كما يعنى تعبير ثانى أثنين إذ هما فى الغار { ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ } أن محمداً كان واحداً من أثنين مختلفين تماماً عن بعضهم البعض أى هو وأبو بكر الصديق. أما مفهوم أن الله تعالى هو إله واحد و أنه يتجلى فى أكثر من صورة فهو مفهوم مجازى و يختلف تماماً عن أنه إله من وسط ثلاث آلهة مختلفة و الذى وصفته الآية بتعبير ” ثالث ثلاثة” .
فعلينا قبل إتهام الآخرين أو نعتهم بالكفروالشرك أن نفهم منهم كيف ينظرون هم للأشياء, فالبعض قد يرانا وكأننا نعبد الكعبة حينما نتجه إليها وقت الصلاة والحقيقة أننا لانعبد حجارة على الإطلاق بل نعبد الله الواحد وإن سألونا نستطيع توضيح الأمر لهم , وكذلك قد نظن أن غيرنا يعبد صورة أو تمثالاً وإن سألناهم قد يتضح لنا شئ آخر، فكما أن لنا مفاهيم مجازية فى ديننا فإن الآخرين أيضاً لهم مفاهيم مجازية فى عقائدهم وأديانهم.
(174) وصف الله تعالى القرآن الكريم بالكثير من الصفات فقال عنه أنه روح
{ وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا },
وأنه برهان { قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ },
و أنه نور { وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ},
و أنه تبيان { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ },
وأنه قول فصل { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ },
و أنه هو القصص الحق { إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ },
فوصف الله القرآن كما رأينا بأنه الروح و البرهان و النور و التبيان و القول الفصل و القصص الحق.