بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
طه (١) مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ (٢) إِلَّا تَذۡڪِرَةً۬ لِّمَن يَخۡشَىٰ (٣) تَنزِيلاً۬ مِّمَّنۡ خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ وَٱلسَّمَـٰوَٲتِ ٱلۡعُلَى (٤) ٱلرَّحۡمَـٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ (٥) لَهُ ۥ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَمَا فِى ٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَہُمَا وَمَا تَحۡتَ ٱلثَّرَىٰ (٦) وَإِن تَجۡهَرۡ بِٱلۡقَوۡلِ فَإِنَّهُ ۥ يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخۡفَى (٧) ٱللَّهُ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ (٨)
(1) {طه} – قيل أنهما حرفا الطاء و الهاء ووصفت بأنها من الأحرف النورانية التى تبدأ بها بعض سور القرآن مثل { الم } فى بداية سورة البقرة و{كهيعص} فى بداية سورة مريم و الله وحده أعلم بتأويلها {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}.
- و قيل إن ” طه ” أحد أسماء الرسول.
- ذكر الشوكانى فى تفسيره إنها تعنى “يا رجل” فى لسان بعض قبائل العرب وإستدل على ذلك بقول الشاعر :
دعوت بطه فى القتال فلم يجب .. فخفت عليه ان يكون موائلاً.
- و قيل أنها تعنى طأها فقد ذكر فى بعض الكتب أن النبى عليه السلام كان يقوم الليل على قدم واحدة كى يثبت لله مدى حبه له و تحمله الآلام لأجله فقال له الله ” طأها ” أى يطأ الأرض بقدمه حتى لا يشقى {مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ}.
وَهَلۡ أَتَٮٰكَ حَدِيثُ مُوسَىٰٓ (٩) إِذۡ رَءَا نَارً۬ا فَقَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّىٓ ءَانَسۡتُ نَارً۬ا لَّعَلِّىٓ ءَاتِيكُم مِّنۡہَا بِقَبَسٍ أَوۡ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدً۬ى (١٠) فَلَمَّآ أَتَٮٰهَا نُودِىَ يَـٰمُوسَىٰٓ (١١) إِنِّىٓ أَنَا۟ رَبُّكَ فَٱخۡلَعۡ نَعۡلَيۡكَۖ إِنَّكَ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوً۬ى (١٢) وَأَنَا ٱخۡتَرۡتُكَ فَٱسۡتَمِعۡ لِمَا يُوحَىٰٓ (١٣) إِنَّنِىٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّآ أَنَا۟ فَٱعۡبُدۡنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِڪۡرِىٓ (١٤) إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخۡفِيہَا لِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا تَسۡعَىٰ (١٥) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنۡہَا مَن لَّا يُؤۡمِنُ بِہَا وَٱتَّبَعَ هَوَٮٰهُ فَتَرۡدَىٰ (١٦) وَمَا تِلۡكَ بِيَمِينِكَ يَـٰمُوسَىٰ (١٧) قَالَ هِىَ عَصَاىَ أَتَوَڪَّؤُاْ عَلَيۡہَا وَأَهُشُّ بِہَا عَلَىٰ غَنَمِى وَلِىَ فِيہَا مَـَٔارِبُ أُخۡرَىٰ (١٨) قَالَ أَلۡقِهَا يَـٰمُوسَىٰ (١٩) فَأَلۡقَٮٰهَا فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ۬ تَسۡعَىٰ (٢٠) قَالَ خُذۡهَا وَلَا تَخَفۡۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلۡأُولَىٰ (٢١) وَٱضۡمُمۡ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٍ ءَايَةً أُخۡرَىٰ (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنۡ ءَايَـٰتِنَا ٱلۡكُبۡرَى (٢٣) ٱذۡهَبۡ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُ ۥ طَغَىٰ (٢٤) قَالَ رَبِّ ٱشۡرَحۡ لِى صَدۡرِى (٢٥) وَيَسِّرۡ لِىٓ أَمۡرِى (٢٦) وَٱحۡلُلۡ عُقۡدَةً۬ مِّن لِّسَانِى (٢٧) يَفۡقَهُواْ قَوۡلِى (٢٨) وَٱجۡعَل لِّى وَزِيرً۬ا مِّنۡ أَهۡلِى (٢٩) هَـٰرُونَ أَخِى (٣٠) ٱشۡدُدۡ بِهِۦۤ أَزۡرِى (٣١) وَأَشۡرِكۡهُ فِىٓ أَمۡرِى (٣٢)
(9-13) يا لها من لحظة لقاء تاريخية مع الذات الإلهية عندما يلتقى موسى مع ربه و رب المشارق والمغارب فيسمع كلماته:
- {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا}
- ويرى الجبل يخر أمامه هدا حينما تجلى الرحمن له {فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا}.
- وياله من إختيار إلهى لكى يحمل التوراة الى البشر.
(14-16) صاغ القرآن الكريم هنا أسس الإيمان و هى :
- وحدانية الخالق {لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا}
- وجود صلة دائمة بين الأنسان وخالقه {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}
- والإيمان بيوم الحساب {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ}.
كَىۡ نُسَبِّحَكَ كَثِيرً۬ا (٣٣) وَنَذۡكُرَكَ كَثِيرًا (٣٤) إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرً۬ا (٣٥) قَالَ قَدۡ أُوتِيتَ سُؤۡلَكَ يَـٰمُوسَىٰ (٣٦) وَلَقَدۡ مَنَنَّا عَلَيۡكَ مَرَّةً أُخۡرَىٰٓ (٣٧) إِذۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰٓ (٣٨) أَنِ ٱقۡذِفِيهِ فِى ٱلتَّابُوتِ فَٱقۡذِفِيهِ فِى ٱلۡيَمِّ فَلۡيُلۡقِهِ ٱلۡيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأۡخُذۡهُ عَدُوٌّ۬ لِّى وَعَدُوٌّ۬ لَّهُ ۥۚ وَأَلۡقَيۡتُ عَلَيۡكَ مَحَبَّةً۬ مِّنِّى وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَيۡنِىٓ (٣٩) إِذۡ تَمۡشِىٓ أُخۡتُكَ فَتَقُولُ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ مَن يَكۡفُلُهُ ۥۖ فَرَجَعۡنَـٰكَ إِلَىٰٓ أُمِّكَ كَىۡ تَقَرَّ عَيۡنُہَا وَلَا تَحۡزَنَۚ وَقَتَلۡتَ نَفۡسً۬ا فَنَجَّيۡنَـٰكَ مِنَ ٱلۡغَمِّ وَفَتَنَّـٰكَ فُتُونً۬اۚ فَلَبِثۡتَ سِنِينَ فِىٓ أَهۡلِ مَدۡيَنَ ثُمَّ جِئۡتَ عَلَىٰ قَدَرٍ۬ يَـٰمُوسَىٰ (٤٠) وَٱصۡطَنَعۡتُكَ لِنَفۡسِى (٤١) ٱذۡهَبۡ أَنتَ وَأَخُوكَ بِـَٔايَـٰتِى وَلَا تَنِيَا فِى ذِكۡرِى (٤٢) ٱذۡهَبَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُ ۥ طَغَىٰ (٤٣) فَقُولَا لَهُ ۥ قَوۡلاً۬ لَّيِّنً۬ا لَّعَلَّهُ ۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ (٤٤) قَالَا رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفۡرُطَ عَلَيۡنَآ أَوۡ أَن يَطۡغَىٰ (٤٥) قَالَ لَا تَخَافَآۖ إِنَّنِى مَعَڪُمَآ أَسۡمَعُ وَأَرَىٰ (٤٦) فَأۡتِيَاهُ فَقُولَآ إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرۡسِلۡ مَعَنَا بَنِىٓ إِسۡرَٲٓءِيلَ وَلَا تُعَذِّبۡہُمۡۖ قَدۡ جِئۡنَـٰكَ بِـَٔايَةٍ۬ مِّن رَّبِّكَۖ وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلۡهُدَىٰٓ (٤٧) إِنَّا قَدۡ أُوحِىَ إِلَيۡنَآ أَنَّ ٱلۡعَذَابَ عَلَىٰ مَن ڪَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (٤٨)
(33-34) نتأمل هنا قول نبى الله موسى { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا } وذلك القول الرائع الذى قاله موسى لرب العزة, قد يعنى ولو بصورة ضمنية أننا قد ننساك قليلاً يا الله بعض الأحيان فجاء الرد الإلهى لموسى بعد بضع آيات فى نفس السورة ليقول له {اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} أى لا تنسانى مطلقا يا موسى ولو حتى قليلاً.
(39) حينما نتأمل فى قصة نبى الله موسى وكيف تدخل الله فى حياته منذ ميلاده و حتى لقائه فى طور سيناء نستطيع أن نفهم معنى {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي}، ونقف حين نقرأ هذه القصة مبهورين بقدرة الله الذى أخذه طفلاً و أمر أمه بإلقائه فى اليم إن خافت عليه ثم غمره بعد ذلك بمحبة آل فرعون وهم ألد أعدائه، فنرى كيف يزرع الله المحبة – حينما يريد – حتى فى قلب الطاغية فرعون، وينتهى الأمر باللقاء التاريخى بين موسى و ربه لكى يٌعطى الألواح المقدسة وفيها الوصايا العشر فيقول له الله فى لحظة اللقاء {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ}، وحينما نتأمل كلَ ذلك ونرى كيف يربط الله على قلب أم فى ناحية من اليم لتلقى بإبنها الرضيع و كيف يتحكم فى مياه اليم كى لا تُغرِق موسى وكيف تحَكّم فى قلوب الفراعنة فألانَ له قلوبهم وكيف منع فم الطفل الرضيع موسى من الرضاعة حتى تاتى أخته ويرده الى أمه مرة اخرى لتعلم أن وعد الله حق {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} فحين نرى كل ذلك نفهم معنى قوله {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} – و يالها من صناعة لواحد من أولى العزم من الرسل.
(43-44) نتعلم من هذه الآيات أعظم وسيلة للدعوة الى الله فلم يأمر الله موسى أن يرفع سيفاً على فرعون رغم طغيانه ولم يسأله أن يعلن الحرب عليه أويظهر العداء له بل على العكس من ذلك تماما قال له {اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ}، فيعلمنا الله بذلك أن الدعوة الى الخالق الواحد بديع السماوات والأرض لا تكون إلا بالكلمة الطيبة و بالحسنى ولا تكون أبداً بالسيف أو العنف أو الغلظة كما يظن بعض ضعاف النفوس، وقد وضح لنا القرآن ذلك المعنى فى قوله تعالى {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}.
(45-46) و كأن الله تعالى يقول لموسى فى هذه الآية {قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ} كيف تخاف وأنا معك يا موسى و كان ذلك رداً على قوله {إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ}.
قَال فَمَن رَّبُّكُمَا يَـٰمُوسَىٰ (٤٩) قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِىٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَىۡءٍ خَلۡقَهُ ۥ ثُمَّ هَدَىٰ (٥٠) قَالَ فَمَا بَالُ ٱلۡقُرُونِ ٱلۡأُولَىٰ (٥١) قَالَ عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّى فِى كِتَـٰبٍ۬ۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّى وَلَا يَنسَى (٥٢) ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مَهۡدً۬ا وَسَلَكَ لَكُمۡ فِيہَا سُبُلاً۬ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً۬ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦۤ أَزۡوَٲجً۬ا مِّن نَّبَاتٍ۬ شَتَّىٰ (٥٣) كُلُواْ وَٱرۡعَوۡاْ أَنۡعَـٰمَكُمۡۗ إِنَّ فِى ذَٲلِكَ لَأَيَـٰتٍ۬ لِّأُوْلِى ٱلنُّهَىٰ (٥٤) ۞ مِنۡہَا خَلَقۡنَـٰكُمۡ وَفِيہَا نُعِيدُكُمۡ وَمِنۡہَا نُخۡرِجُكُمۡ تَارَةً أُخۡرَىٰ (٥٥) وَلَقَدۡ أَرَيۡنَـٰهُ ءَايَـٰتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ (٥٦) قَالَ أَجِئۡتَنَا لِتُخۡرِجَنَا مِنۡ أَرۡضِنَا بِسِحۡرِكَ يَـٰمُوسَىٰ (٥٧) فَلَنَأۡتِيَنَّكَ بِسِحۡرٍ۬ مِّثۡلِهِۦ فَٱجۡعَلۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكَ مَوۡعِدً۬ا لَّا نُخۡلِفُهُ ۥ نَحۡنُ وَلَآ أَنتَ مَكَانً۬ا سُوً۬ى (٥٨) قَالَ مَوۡعِدُكُمۡ يَوۡمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحۡشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحً۬ى (٥٩) فَتَوَلَّىٰ فِرۡعَوۡنُ فَجَمَعَ ڪَيۡدَهُ ۥ ثُمَّ أَتَىٰ (٦٠) قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيۡلَكُمۡ لَا تَفۡتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ ڪَذِبً۬ا فَيُسۡحِتَكُم بِعَذَابٍ۬ۖ وَقَدۡ خَابَ مَنِ ٱفۡتَرَىٰ (٦١) فَتَنَـٰزَعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجۡوَىٰ (٦٢) قَالُوٓاْ إِنۡ هَـٰذَٲنِ لَسَـٰحِرَٲنِ يُرِيدَانِ أَن يُخۡرِجَاكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِمَا وَيَذۡهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلۡمُثۡلَىٰ (٦٣) فَأَجۡمِعُواْ ڪَيۡدَكُمۡ ثُمَّ ٱئۡتُواْ صَفًّ۬اۚ وَقَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡيَوۡمَ مَنِ ٱسۡتَعۡلَىٰ (٦٤) قَالُواْ يَـٰمُوسَىٰٓ إِمَّآ أَن تُلۡقِىَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنۡ أَلۡقَىٰ (٦٥) قَالَ بَلۡ أَلۡقُواْۖ فَإِذَا حِبَالُهُمۡ وَعِصِيُّهُمۡ يُخَيَّلُ إِلَيۡهِ مِن سِحۡرِهِمۡ أَنَّہَا تَسۡعَىٰ (٦٦) فَأَوۡجَسَ فِى نَفۡسِهِۦ خِيفَةً۬ مُّوسَىٰ (٦٧) قُلۡنَا لَا تَخَفۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡأَعۡلَىٰ (٦٨) وَأَلۡقِ مَا فِى يَمِينِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوٓاْۖ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيۡدُ سَـٰحِرٍ۬ۖ وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ (٦٩) فَأُلۡقِىَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّدً۬ا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَـٰرُونَ وَمُوسَىٰ (٧٠)
(49-56) نتعلم من هذه الآية كيف يدعوا رسل الله الى الخالق فحينما قابل موسى فرعون بعد سنين عديدة حدثه عن قدرة الخالق فقال له {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ} فكان رد فرعون هو أن يحول سياق الحديث الى مناقشات تاريخة قد لا تنتهى فقال له {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَىٰ}، فكان رد موسى على ذلك السؤال أكثر من رائع حينما إبتعد عن الخوض فى مثل تلك الأمور التاريخية بقوله {عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى}، ثم بدأ مرة ثانية يُكمل حديثه عن هدفه الرئيسى و هو ربه فقال لفرعون عن الخالق سبحانه و تعالى :
{ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ * مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ} ونلاحظ كيف يعلق القرآن على سرد موسى لعجائب الله فى خلقه بقوله تعالى {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا} – أى أن هذه هى آيات الله الحقيقية, ومن هذا نتعلم من موسى عدم الخوض فى أمور تاريخية وضياع وقتنا فى صراعات الله وحده أعلم بتفاصيلها فهو وحده الذى لا يضل ولا ينسى {لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} أما رواة التاريخ فقد يضلوا و قد ينسوا الكثير، وعلى العكس من ذلك فإن عجائب الله فى الخلق لا تكذب ولا تتغير ولا يستطيع بشر أن يمحوها فهى شاهدة دائما على عظمته مُقسمة بقدرته مُتكلمة عن جماله و إبداعه فتلك هى آيات الله التى أراها الله لفرعون {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ}.
قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُ ۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُ ۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِى عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَـٰفٍ۬ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ فِى جُذُوعِ ٱلنَّخۡلِ وَلَتَعۡلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابً۬ا وَأَبۡقَىٰ (٧١) قَالُواْ لَن نُّؤۡثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَـٰتِ وَٱلَّذِى فَطَرَنَاۖ فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقۡضِى هَـٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَآ (٧٢) إِنَّآ ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغۡفِرَ لَنَا خَطَـٰيَـٰنَا وَمَآ أَكۡرَهۡتَنَا عَلَيۡهِ مِنَ ٱلسِّحۡرِۗ وَٱللَّهُ خَيۡرٌ۬ وَأَبۡقَىٰٓ (٧٣) إِنَّهُ ۥ مَن يَأۡتِ رَبَّهُ ۥ مُجۡرِمً۬ا فَإِنَّ لَهُ ۥ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيہَا وَلَا يَحۡيَىٰ (٧٤) وَمَن يَأۡتِهِۦ مُؤۡمِنً۬ا قَدۡ عَمِلَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَـٰتُ ٱلۡعُلَىٰ (٧٥) جَنَّـٰتُ عَدۡنٍ۬ تَجۡرِى مِن تَحۡتِہَا ٱلۡأَنۡہَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيہَاۚ وَذَٲلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ (٧٦) وَلَقَدۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَسۡرِ بِعِبَادِى فَٱضۡرِبۡ لَهُمۡ طَرِيقً۬ا فِى ٱلۡبَحۡرِ يَبَسً۬ا لَّا تَخَـٰفُ دَرَكً۬ا وَلَا تَخۡشَىٰ (٧٧) فَأَتۡبَعَہُمۡ فِرۡعَوۡنُ بِجُنُودِهِۦ فَغَشِيَہُم مِّنَ ٱلۡيَمِّ مَا غَشِيَہُمۡ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرۡعَوۡنُ قَوۡمَهُ ۥ وَمَا هَدَىٰ (٧٩) يَـٰبَنِىٓ إِسۡرَٲٓءِيلَ قَدۡ أَنجَيۡنَـٰكُم مِّنۡ عَدُوِّكُمۡ وَوَٲعَدۡنَـٰكُمۡ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلۡأَيۡمَنَ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰ (٨٠) كُلُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا رَزَقۡنَـٰكُمۡ وَلَا تَطۡغَوۡاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبِىۖ وَمَن يَحۡلِلۡ عَلَيۡهِ غَضَبِى فَقَدۡ هَوَىٰ (٨١) وَإِنِّى لَغَفَّارٌ۬ لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحً۬ا ثُمَّ ٱهۡتَدَىٰ (٨٢) ۞ وَمَآ أَعۡجَلَكَ عَن قَوۡمِكَ يَـٰمُوسَىٰ (٨٣) قَالَ هُمۡ أُوْلَآءِ عَلَىٰٓ أَثَرِى وَعَجِلۡتُ إِلَيۡكَ رَبِّ لِتَرۡضَىٰ (٨٤) قَالَ فَإِنَّا قَدۡ فَتَنَّا قَوۡمَكَ مِنۢ بَعۡدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِىُّ (٨٥) فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَـٰنَ أَسِفً۬اۚ قَالَ يَـٰقَوۡمِ أَلَمۡ يَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَيۡڪُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن يَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبٌ۬ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِى (٨٦) قَالُواْ مَآ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَـٰكِنَّا حُمِّلۡنَآ أَوۡزَارً۬ا مِّن زِينَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَـٰهَا فَكَذَٲلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِىُّ (٨٧) فَأَخۡرَجَ لَهُمۡ عِجۡلاً۬ جَسَدً۬ا لَّهُ ۥ خُوَارٌ۬ فَقَالُواْ هَـٰذَآ إِلَـٰهُڪُمۡ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِىَ (٨٨) أَفَلَا يَرَوۡنَ أَلَّا يَرۡجِعُ إِلَيۡهِمۡ قَوۡلاً۬ وَلَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ ضَرًّ۬ا وَلَا نَفۡعً۬ا (٨٩) وَلَقَدۡ قَالَ لَهُمۡ هَـٰرُونُ مِن قَبۡلُ يَـٰقَوۡمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِۦۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحۡمَـٰنُ فَٱتَّبِعُونِى وَأَطِيعُوٓاْ أَمۡرِى (٩٠) قَالُواْ لَن نَّبۡرَحَ عَلَيۡهِ عَـٰكِفِينَ حَتَّىٰ يَرۡجِعَ إِلَيۡنَا مُوسَىٰ (٩١) قَالَ يَـٰهَـٰرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذۡ رَأَيۡتَهُمۡ ضَلُّوٓاْ (٩٢) أَلَّا تَتَّبِعَنِۖ أَفَعَصَيۡتَ أَمۡرِى (٩٣) قَالَ يَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡيَتِى وَلَا بِرَأۡسِىٓۖ إِنِّى خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقۡتَ بَيۡنَ بَنِىٓ إِسۡرَٲٓءِيلَ وَلَمۡ تَرۡقُبۡ قَوۡلِى (٩٤) قَالَ فَمَا خَطۡبُكَ يَـٰسَـٰمِرِىُّ (٩٥) قَالَ بَصُرۡتُ بِمَا لَمۡ يَبۡصُرُواْ بِهِۦ فَقَبَضۡتُ قَبۡضَةً۬ مِّنۡ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذۡتُهَا وَڪَذَٲلِكَ سَوَّلَتۡ لِى نَفۡسِى (٩٦) قَالَ فَٱذۡهَبۡ فَإِنَّ لَكَ فِى ٱلۡحَيَوٰةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَۖ وَإِنَّ لَكَ مَوۡعِدً۬ا لَّن تُخۡلَفَهُ ۥۖ وَٱنظُرۡ إِلَىٰٓ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِى ظَلۡتَ عَلَيۡهِ عَاكِفً۬اۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ۥ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ ۥ فِى ٱلۡيَمِّ نَسۡفًا (٩٧) إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَسِعَ ڪُلَّ شَىۡءٍ عِلۡمً۬ا (٩٨)
(71) نرى أن الطاغية فرعون وهو يحاول إجبار الآخرين على إتباع عقيدته وكان مستعداً أن يستخدم أبشع درجات العنف لفرض فكره على الآخرين و إكراهم على عقيدته هو شيم أعداء الرسل فى كل العصور و ليس شيم الأنبياء فالمؤمنون بالله حقاً لا يكرهون أحداً على دينهم {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ولايفرضون عقيدتهم بالقوة ولا يقتلون من يترك دينهم فيصبحوا مثل فرعون وهو يحاول قتل السحرة لأنهم تركوا دينه وعلينا دائما تذكر قول الله تعالى {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}. وعلى ذلك فإن من يكره الناس على دينه و فكره وعقيدته فقد خرج عن ملة الإسلام الحقيقية واتبع ملة أعداء الله، و قارن بين تصرف الطاغية فرعون وهو يحاول إكراه الناس على إتباع عقيدته ويحاول تعذيبهم لأنهم إرتدوا عن دينه وقول القرآن الكريم {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} ولك الخيار أن تتبع إما الله ومشيئته فى حرية العقيدة و إما طريق فرعون.
كَذَٲلِكَ نَقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ مَا قَدۡ سَبَقَۚ وَقَدۡ ءَاتَيۡنَـٰكَ مِن لَّدُنَّا ذِڪۡرً۬ا (٩٩) مَّنۡ أَعۡرَضَ عَنۡهُ فَإِنَّهُ ۥ يَحۡمِلُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ وِزۡرًا (١٠٠) خَـٰلِدِينَ فِيهِۖ وَسَآءَ لَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ حِمۡلاً۬ (١٠١) يَوۡمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّورِۚ وَنَحۡشُرُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ يَوۡمَٮِٕذٍ۬ زُرۡقً۬ا (١٠٢) يَتَخَـٰفَتُونَ بَيۡنَہُمۡ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا عَشۡرً۬ا (١٠٣) نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذۡ يَقُولُ أَمۡثَلُهُمۡ طَرِيقَةً إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا يَوۡمً۬ا (١٠٤) وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡجِبَالِ فَقُلۡ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسۡفً۬ا (١٠٥) فَيَذَرُهَا قَاعً۬ا صَفۡصَفً۬ا (١٠٦) لَّا تَرَىٰ فِيہَا عِوَجً۬ا وَلَآ أَمۡتً۬ا (١٠٧) يَوۡمَٮِٕذٍ۬ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِىَ لَا عِوَجَ لَهُ ۥۖ وَخَشَعَتِ ٱلۡأَصۡوَاتُ لِلرَّحۡمَـٰنِ فَلَا تَسۡمَعُ إِلَّا هَمۡسً۬ا (١٠٨) يَوۡمَٮِٕذٍ۬ لَّا تَنفَعُ ٱلشَّفَـٰعَةُ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَـٰنُ وَرَضِىَ لَهُ ۥ قَوۡلاً۬ (١٠٩) يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيہِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِۦ عِلۡمً۬ا (١١٠) ۞ وَعَنَتِ ٱلۡوُجُوهُ لِلۡحَىِّ ٱلۡقَيُّومِۖ وَقَدۡ خَابَ مَنۡ حَمَلَ ظُلۡمً۬ا (١١١) وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَهُوَ مُؤۡمِنٌ۬ فَلَا يَخَافُ ظُلۡمً۬ا وَلَا هَضۡمً۬ا (١١٢) وَكَذَٲلِكَ أَنزَلۡنَـٰهُ قُرۡءَانًا عَرَبِيًّ۬ا وَصَرَّفۡنَا فِيهِ مِنَ ٱلۡوَعِيدِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ أَوۡ يُحۡدِثُ لَهُمۡ ذِكۡرً۬ا (١١٣) فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّۗ وَلَا تَعۡجَلۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن يُقۡضَىٰٓ إِلَيۡكَ وَحۡيُهُ ۥۖ وَقُل رَّبِّ زِدۡنِى عِلۡمً۬ا (١١٤) وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِىَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُ ۥ عَزۡمً۬ا (١١٥) وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓٮِٕڪَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأَدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ (١١٦) فَقُلۡنَا يَـٰٓـَٔادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ۬ لَّكَ وَلِزَوۡجِكَ فَلَا يُخۡرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلۡجَنَّةِ فَتَشۡقَىٰٓ (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيہَا وَلَا تَعۡرَىٰ (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظۡمَؤُاْ فِيہَا وَلَا تَضۡحَىٰ (١١٩) فَوَسۡوَسَ إِلَيۡهِ ٱلشَّيۡطَـٰنُ قَالَ يَـٰٓـَٔادَمُ هَلۡ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلۡخُلۡدِ وَمُلۡكٍ۬ لَّا يَبۡلَىٰ (١٢٠) فَأَڪَلَا مِنۡہَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٲتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡہِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُ ۥ فَغَوَىٰ (١٢١) ثُمَّ ٱجۡتَبَـٰهُ رَبُّهُ ۥ فَتَابَ عَلَيۡهِ وَهَدَىٰ (١٢٢) قَالَ ٱهۡبِطَا مِنۡهَا جَمِيعَۢاۖ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ۬ۖ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّڪُم مِّنِّى هُدً۬ى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ (١٢٣)
(101) {أَعْرَضَ عَنْهُ} أى لم يتبع أوامر الخالق والتى تأمر بالعدل والإحسان وإكرام اليتيم ومعاملة الناس بالحسنى و الرحمة و تنهى عن البغى والظلم والعدوان.
(102) توعد الله المجرمين بعذاب شديد والإجرام هو فعل الشر ويشمل ظلم الآخرين و قطع الطريق وترويع الأبرياء وعمليات الإرهاب التى تزهق الأرواح والأنفس وكل ذلك يدخل فى باب الإجرام الذى توعد الله فاعليه بالعذاب الأليم {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} (أى يكون لونهم أزرق من شدة الرعب و الخوف) {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}. ونلاحظ أن القرآن لم يستخدم تعبير المثنى أو الجمع وإنما إستخدم تعبير المفرد “ظلما” ليدلل على بشاعة الذنب والجرم حتى و لو ظلم الإنسان نفساً واحدة أو إرتكب ظلماً واحداً.
(114) {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} لم يطلب الله تعالى من رسوله الكريم أن يستزيد من أى شئ غير العلم، وقد يكون العلم فى أمور الدين {عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ}, أويكون هو العلم اللدنى أى العلم إلالهى من لدن الله تعالى {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} كما رأينا فى قصة الخضر فى سورة الكهف, وقد يكون علماً فى خلق السماوات والآرض مثل علوم الفيزياء و الكيمياء و الأحياء والعلوم الأخرى {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}.
(116-123) {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ} هى جنة تعلوا فيها الروح على الجسد وعلى الأهواء و الشهوات فالروح لا تجوع و لا تعرى و لا تظمأ ولا تضحى، و هبوط آدم من الجنة قد يكون لسبب مادي وقد يكون أيضاً روحياً أى إنه جعل أهواء الجسد تعلو على الروح فسقط وهوى الى خطيئته الأولى {وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ}.
{شَجَرَةِ الْخُلْدِ} :
- الشرح الأول : قال بعض المفسرين كما ذكر فى الشوكانى أن فى الجنة شجرة يسير الراكب فى ظلها مائة عام لا يقطعها (أى يظل مستظل بظلها) وتسمى شجرة الخلد.
- الشرح الثانى : قيل إنها شجرة أن من يأكل منها يصير خالداً لا يموت.
- الشرح الثالث : قيل أنها شجرة معرفة الخير و الشر أو شجرة المعرفة.
و فى نهاية الأمر فالله تعالى أعلم بحقيقتها.
وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِڪۡرِى فَإِنَّ لَهُ ۥ مَعِيشَةً۬ ضَنكً۬ا وَنَحۡشُرُهُ ۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ أَعۡمَىٰ (١٢٤) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرۡتَنِىٓ أَعۡمَىٰ وَقَدۡ كُنتُ بَصِيرً۬ا (١٢٥) قَالَ كَذَٲلِكَ أَتَتۡكَ ءَايَـٰتُنَا فَنَسِيتَہَاۖ وَكَذَٲلِكَ ٱلۡيَوۡمَ تُنسَىٰ (١٢٦) وَكَذَٲلِكَ نَجۡزِى مَنۡ أَسۡرَفَ وَلَمۡ يُؤۡمِنۢ بِـَٔايَـٰتِ رَبِّهِۦۚ وَلَعَذَابُ ٱلۡأَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبۡقَىٰٓ (١٢٧) أَفَلَمۡ يَہۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِى مَسَـٰكِنِہِمۡۗ إِنَّ فِى ذَٲلِكَ لَأَيَـٰتٍ۬ لِّأُوْلِى ٱلنُّهَىٰ (١٢٨) وَلَوۡلَا كَلِمَةٌ۬ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامً۬ا وَأَجَلٌ۬ مُّسَمًّ۬ى (١٢٩) فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ غُرُوبِہَاۖ وَمِنۡ ءَانَآىِٕ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡ وَأَطۡرَافَ ٱلنَّہَارِ لَعَلَّكَ تَرۡضَىٰ (١٣٠) وَلَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦۤ أَزۡوَٲجً۬ا مِّنۡہُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا لِنَفۡتِنَہُمۡ فِيهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَيۡرٌ۬ وَأَبۡقَىٰ (١٣١)
(124-127) {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي} أى إبتعد و نأى عن ذكرالله، وذكر الله لا يكون فقط بالكلام ولكن له ثمار نراها فى أعمال الإنسان و أفعاله، وثمار ذكر الرحمن هى فعل الخير والإحسان والمحبة والتواضع والذوق والرحمة والإنسانية فمن أعرض عن كل ذلك فقد إختار طريق الشر وأبى إلا أن يعيش فى الظلام.
(130) {فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ} يعلمنا القرآن فى الكثير من الآيات ماذا قالوا عن الرسول ولماذا أمره الله بالصبر على ذلك، والآيات التالية تذكر بعض الأمثله لما كان يتعرض له الرسول من كفار مكة
- {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ}
- و{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}.
- وقد أمر الله تعالى رسوله الكريم أن يصبر على كل ذلك {وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا}.
وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَيۡہَاۖ لَا نَسۡـَٔلُكَ رِزۡقً۬اۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكَۗ وَٱلۡعَـٰقِبَةُ لِلتَّقۡوَىٰ (١٣٢) وَقَالُواْ لَوۡلَا يَأۡتِينَا بِـَٔايَةٍ۬ مِّن رَّبِّهِۦۤۚ أَوَلَمۡ تَأۡتِہِم بَيِّنَةُ مَا فِى ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ (١٣٣) وَلَوۡ أَنَّآ أَهۡلَكۡنَـٰهُم بِعَذَابٍ۬ مِّن قَبۡلِهِۦ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولاً۬ فَنَتَّبِعَ ءَايَـٰتِكَ مِن قَبۡلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخۡزَىٰ (١٣٤) قُلۡ ڪُلٌّ۬ مُّتَرَبِّصٌ۬ فَتَرَبَّصُواْۖ فَسَتَعۡلَمُونَ مَنۡ أَصۡحَـٰبُ ٱلصِّرَٲطِ ٱلسَّوِىِّ وَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ (١٣٥)
(132) {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} والأمر هنا للتذكرة {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَىٰ} و ليس لإكراه أحد على العبادة {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} و ليس لإجباره {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ} فالأمر هنا للموعظة {وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ}، والدعوة الى الله لا تكون إلا بالحسنى {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}.