القران الكريم

سورة مريم

سُوۡرَةُ مَریَم

بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

ڪٓهيعٓصٓ (١) ذِكۡرُ رَحۡمَتِ رَبِّكَ عَبۡدَهُ ۥ زَڪَرِيَّآ (٢) إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُ ۥ نِدَآءً خَفِيًّ۬ا (٣) قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ ٱلۡعَظۡمُ مِنِّى وَٱشۡتَعَلَ ٱلرَّأۡسُ شَيۡبً۬ا وَلَمۡ أَڪُنۢ بِدُعَآٮِٕكَ رَبِّ شَقِيًّ۬ا (٤) وَإِنِّى خِفۡتُ ٱلۡمَوَٲلِىَ مِن وَرَآءِى وَڪَانَتِ ٱمۡرَأَتِى عَاقِرً۬ا فَهَبۡ لِى مِن لَّدُنكَ وَلِيًّ۬ا (٥) يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنۡ ءَالِ يَعۡقُوبَ‌ۖ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِيًّ۬ا (٦) يَـٰزَڪَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَـٰمٍ ٱسۡمُهُ ۥ يَحۡيَىٰ لَمۡ نَجۡعَل لَّهُ ۥ مِن قَبۡلُ سَمِيًّ۬ا (٧) قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى غُلَـٰمٌ۬ وَڪَانَتِ ٱمۡرَأَتِى عَاقِرً۬ا وَقَدۡ بَلَغۡتُ مِنَ ٱلۡڪِبَرِ عِتِيًّ۬ا (٨) قَالَ كَذَٲلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَىَّ هَيِّنٌ۬ وَقَدۡ خَلَقۡتُكَ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ تَكُ شَيۡـًٔ۬ا (٩) قَالَ رَبِّ ٱجۡعَل لِّىٓ ءَايَةً۬‌ۚ قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَ لَيَالٍ۬ سَوِيًّ۬ا (١٠) فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنَ ٱلۡمِحۡرَابِ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡہِمۡ أَن سَبِّحُواْ بُكۡرَةً۬ وَعَشِيًّ۬ا (١١) يَـٰيَحۡيَىٰ خُذِ ٱلۡڪِتَـٰبَ بِقُوَّةٍ۬‌ۖ وَءَاتَيۡنَـٰهُ ٱلۡحُكۡمَ صَبِيًّ۬ا (١٢) وَحَنَانً۬ا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَوٰةً۬‌ۖ وَكَانَ تَقِيًّ۬ا (١٣) وَبَرَّۢا بِوَٲلِدَيۡهِ وَلَمۡ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّ۬ا (١٤) وَسَلَـٰمٌ عَلَيۡهِ يَوۡمَ وُلِدَ وَيَوۡمَ يَمُوتُ وَيَوۡمَ يُبۡعَثُ حَيًّ۬ا (١٥) وَٱذۡكُرۡ فِى ٱلۡكِتَـٰبِ مَرۡيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتۡ مِنۡ أَهۡلِهَا مَكَانً۬ا شَرۡقِيًّ۬ا (١٦)


(1-5) ينتقل بنا القرآن عبر الزمان الى محراب النبى زكريا وهو قائم يصلى الى الله تعالى ويتلوا التوراة و بالرغم أن نبى الله زكريا شعر بالوهن لكبر سنه لكنه كان يتمنى أن يكون له إبن صالح {وَلِيًّا} يرثه ويرث النبوة والفضائل من آل يعقوب أى من {بَنِي إِسْرَائِيلَ} و النبى يعقوب هو إسرائيل، ونرى زكريا وهو يسوق الحجج لله ليريه كيف أنه يرى أن إنجابه لإبن فى ذلك السن الطاعن و أمرأته عاقر هو شئ  يكاد يكون مستحيلاً ويأتى الرد الإلهى فيهب له الغلام ثم يقول له {قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} لنتعلم من ذلك أن الله على كل شئ قدير، و نتعلم أيضاً من هذه القصة كيف أن زكريا عليه السلام علمنا درساً رائعاً فى الوفاء لزوجته فلم يتعلل بأنها عاقر ليتزوج بأخرى بل إستمر معها الى آخر حياته و رضى بقضاء الله وهما اللذان وصفهما الله تعالى بقوله { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }.

(12-15) نتأمل سوياً فى هذه الآيات كيف أن أخذ الكتاب بقوة {يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} لم يتولد عنه غلظة وقسوة كما يفعل البعض بل على العكس من ذلك تماماً فقد تولد عنه هذه الصفات الجميلة وهى حناناً {وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا} وبراً {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ} وسلام {وَسَلَامٌ عَلَيْه}.

فأخذ الكتاب (سواء أكان التوراة أو الأنجيل أو القرآن) بقوة لا ينبغى أن يثمر إلا عن حنان ٍ فى القلب و بر ٍ بالضعفاء وسلامٍ مع الآخرين، فأخذ الكتاب بقوة أى إتباعه والتمسك به لا ينبغى أن يثمر عن غلظة و جفاء وتوحش وعنف كما يفعل البعض، فمن يتصف بهذه الصفات فهو لايتبع الكتاب بل يتبع الشيطان الرجيم، فإتباع الكتاب والتمسك بآياته بقوة كما رأينا فى قصة يحى ثمرته الحقيقية تكون حناناً وبراً وسلاماً.


 فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابً۬ا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرً۬ا سَوِيًّ۬ا (١٧) قَالَتۡ إِنِّىٓ أَعُوذُ بِٱلرَّحۡمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّ۬ا (١٨) قَالَ إِنَّمَآ أَنَا۟ رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَـٰمً۬ا زَڪِيًّ۬ا (١٩) قَالَتۡ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى غُلَـٰمٌ۬ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِى بَشَرٌ۬ وَلَمۡ أَكُ بَغِيًّ۬ا (٢٠) قَالَ كَذَٲلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَىَّ هَيِّنٌ۬‌ۖ وَلِنَجۡعَلَهُ ۥۤ ءَايَةً۬ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةً۬ مِّنَّا‌ۚ وَكَانَ أَمۡرً۬ا مَّقۡضِيًّ۬ا (٢١) ۞ فَحَمَلَتۡهُ فَٱنتَبَذَتۡ بِهِۦ مَكَانً۬ا قَصِيًّ۬ا (٢٢) فَأَجَآءَهَا ٱلۡمَخَاضُ إِلَىٰ جِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ قَالَتۡ يَـٰلَيۡتَنِى مِتُّ قَبۡلَ هَـٰذَا وَڪُنتُ نَسۡيً۬ا مَّنسِيًّ۬ا (٢٣) فَنَادَٮٰهَا مِن تَحۡتِہَآ أَلَّا تَحۡزَنِى قَدۡ جَعَلَ رَبُّكِ تَحۡتَكِ سَرِيًّ۬ا (٢٤) وَهُزِّىٓ إِلَيۡكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ تُسَـٰقِطۡ عَلَيۡكِ رُطَبً۬ا جَنِيًّ۬ا (٢٥) فَكُلِى وَٱشۡرَبِى وَقَرِّى عَيۡنً۬ا‌ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلۡبَشَرِ أَحَدً۬ا فَقُولِىٓ إِنِّى نَذَرۡتُ لِلرَّحۡمَـٰنِ صَوۡمً۬ا فَلَنۡ أُڪَلِّمَ ٱلۡيَوۡمَ إِنسِيًّ۬ا (٢٦) فَأَتَتۡ بِهِۦ قَوۡمَهَا تَحۡمِلُهُ ۥ‌ۖ قَالُواْ يَـٰمَرۡيَمُ لَقَدۡ جِئۡتِ شَيۡـًٔ۬ا فَرِيًّ۬ا (٢٧) يَـٰٓأُخۡتَ هَـٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٍ۬ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيًّ۬ا (٢٨) فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِ‌ۖ قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِى ٱلۡمَهۡدِ صَبِيًّ۬ا (٢٩) قَالَ إِنِّى عَبۡدُ ٱللَّهِ ءَاتَٮٰنِىَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّ۬ا (٣٠)


(17) {حِجَاب} إستخدمت كلمة حجاب فى القرآن تحديداً فى الآيات التالية, وجاءت كلمة حجاب فى كل الآيات بمعنى عازل أو فاصل بإستثناء الآية الخامسة والتى جاءت فيها بمعنى الإختفاء وراء الأفق

  • {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ}.
  • {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا}.
  • {فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا}.
  • {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ}.
  • {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}.
  • {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ}.
  • {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}.

و يلاحظ أن كلمة حجاب لم تأت فى القرآن بمعنى زى أو ملبس أو غطاء للرأس.

(18) خافت العذراء مريم أن يؤذيها هذا الإنسان الذى ظهر لها, فذكرته مريم  {بِالرَّحْمَٰنِ} إن كان تقياً {إِن كُنتَ تَقِيّ} أى إنه إذا كان يعرف الله و يتقيه فإن التذكرة كانت ستنفعه وتمنعه عن فعل الشر{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}، أما إن لم يكن تقياً فلا قيمة لتذكرته بالرحمن لأنه لا يؤمن أصلاً به.

 (20) كما حدث فى قصة زكريا نرى أيضاً العذراء مريم تسوق الحجج و المنطق لروح الله الذى حدثها {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} فتقول له {قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} ونسيت مريم كما نسى زكريا للحظات إن الله على كل شئ قدير.

(21-22) من أجمل اللحظات فى الذكر الحكيم التى نراها فى القرآن هى سرعة النقلات القرآنية من موقف الى آخر فنرى كيف تتحول كلمة الله الى فعل فى التو واللحظة فحين قال الله لمريم أنها ستحمل بكلمة الله  و روح منه تحقق أمر الله فوراً و ذكر ذلك القرآن بقوله {فَحَمَلَتْهُ} والذى جاء مباشرةً بعد قوله {وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا}.

(26) { فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} الصوم هو الإمتناع عن شئ لتدريب و تهذيب النفس فقد صامت العذراء مريم عن الكلام كما ذكر القرآن و قد يكون الصيام عن الطعام كما يفعل المسلمون و المسيحيون و اليهود و غيرهم من أهل الديانات الأخرى. و الصيام هو وسيلة للتقرب الى الله.


وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيۡنَ مَا ڪُنتُ وَأَوۡصَـٰنِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّڪَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَيًّ۬ا (٣١) وَبَرَّۢا بِوَٲلِدَتِى وَلَمۡ يَجۡعَلۡنِى جَبَّارً۬ا شَقِيًّ۬ا (٣٢) وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَىَّ يَوۡمَ وُلِدتُّ وَيَوۡمَ أَمُوتُ وَيَوۡمَ أُبۡعَثُ حَيًّ۬ا (٣٣) ذَٲلِكَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ‌ۚ قَوۡلَ ٱلۡحَقِّ ٱلَّذِى فِيهِ يَمۡتَرُونَ (٣٤) مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ۬‌ۖ سُبۡحَـٰنَهُ ۥۤ‌ۚ إِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرً۬ا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ ۥ كُن فَيَكُونُ (٣٥) وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُ‌ۚ هَـٰذَا صِرَٲطٌ۬ مُّسۡتَقِيمٌ۬ (٣٦) فَٱخۡتَلَفَ ٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَيۡنِہِمۡ‌ۖ فَوَيۡلٌ۬ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشۡہَدِ يَوۡمٍ عَظِيمٍ (٣٧) أَسۡمِعۡ بِہِمۡ وَأَبۡصِرۡ يَوۡمَ يَأۡتُونَنَا‌ۖ لَـٰكِنِ ٱلظَّـٰلِمُونَ ٱلۡيَوۡمَ فِى ضَلَـٰلٍ۬ مُّبِينٍ۬ (٣٨) وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡحَسۡرَةِ إِذۡ قُضِىَ ٱلۡأَمۡرُ وَهُمۡ فِى غَفۡلَةٍ۬ وَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ (٣٩) إِنَّا نَحۡنُ نَرِثُ ٱلۡأَرۡضَ وَمَنۡ عَلَيۡہَا وَإِلَيۡنَا يُرۡجَعُونَ (٤٠)


(31) {مُبَارَكًا} وصف القرآن المسيح بأنه مبارك  أين ما كان والمتأمل فى قصة المسيح فى القرآن يرى أنه وصف بهذه الصفات :

  • أنه لم يولد من أبٍ بشرى ٍ كباقى البشر ولكنه كان هبة {لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زكيا}، ووصفه الله بقوله أنه روح منه {وَرُوحٌ مِّنْهُ}.
  • أنه مبارك أينما وجد {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ} وقد إستخدم القرآن كلمة ” البركة ” ومشتقاتها اللغوية فى أكثر من آية مثل
  • “بورك”{فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ},
  • و”تبارك” {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ},
  • و “مباركة “{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ}.
  • أن الله تعالى رفعه إليه بعد موته مباشرةً {بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}.
  • أن الله جاعل الذين إتبعوه فوق الذين كفروا الى يوم القيامة {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ}.
  • إنه الوحيد الذى وُصف بأنه كلمته و روح منه {رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ}، (ونلاحظ الفارق فى التعبير اللغوى بين قوله عن آدم { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي } وقوله عن المسيح { وَرُوحٌ مِّنْهُ }.
  • و ذكر عن الرسول عليه السلام قوله ” كل أبن آدم مسه مس من الشيطان إلا عيسى أبن مريم “.

(35) { مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ }

فهم كلمة ” إبن ” بصورة مادية أى بمعنى أن الله تزوج وأنجب من أمرأة كما نفعل نحن هو مفهوم مرفوض فى القرآن وعند الكثيرين { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ }، أما إن فهمها البعض بمعنى مجازى يفيد أن المسيح كلمة الله و روح منه فإن هذا المفهوم لا يختلف كثيراً عن مفهوم القرآن للمسيح { إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ }، وفى حقيقة الأمر فإن ما يهم فى الكلمات هو مفهومها و ليس فقط أحرفها فلو فهم أحد مثلاً تعبير و { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } والمذكور فى القرآن بأن الله محدود فقط فى داخل هذا المكان ” الكعبة ” فقد خالف مفهوم القرآن للإله أما إن فهم كلمة ” بيتى ” بصورة مجازية بمعنى أنه مكان يستضيف الله فيه عباده ليعبدوه فالأمر يختلف تماماً ويتفق مع مفهوم القرآن للخالق وكذلك الحال فإن غيرنا من أتباع الديانات الآخرى يفهمون بعض الكلمات والمعانى فى كتبهم بصورة مجازية و ليس حرفية كما أن لدينا تعبيرات مجازية فى ديننا مثل {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} و{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} و {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} فنحن أيضاً نفهم كل هذه التعبيرات بمعنى مجازى و ليس حرفياً، والإختلاف فى المفاهيم الدينية قد يتسبب أحياناً فى بعض المشاكل وسماع مفهوم الآخر وكيف يرى الأشياء قد يفتح المجال لتقارب الأفكار أو يقلل من حدة الإختلاف فقد يظن البعض خطأً أننا نعبد الكعبة لأننا نتجه إليها وقت الصلاة فى حين أننا لا نرى الكعبة إلا رمزاً لتوحيد الناس على قبلة واحد، ولو سألنا أحد عن حقيقة مفهومنا عن الكعبة وسمعه منا فسيعرف أننا لا نتعبد الى حجر على الإطلاق وأن الأمر لا يعدو أن يكون رمزاً، وكذلك الحال فقد نظن خطأ أن غيرنا من أهل الديانات الأخرى له مفهوم معين فى حين أننا لو سمعنا منه حقيقة مفهومه فقد يتبين لنا أنه يفكر بطريقة مختلفة تماماً عما كنا نظن، وفى نهاية الأمر فسواء أتفقنا مع مفهوم الآخرين أم لا فإن هذا لا يغير من الحقيقة القرآنية أنه ليس من حقنا حساب الآخرين لأن هذا حق لله وحده { إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ *  ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم } و من الحقيقة القرآنية أننا علينا معاملة الآخرين بالحسنى طالما لم يقاتلونا فى الدين و لم يخرجونا من ديارنا ولم يظاهروا على إخراجنا {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.


وَٱذۡكُرۡ فِى ٱلۡكِتَـٰبِ إِبۡرَٲهِيمَ‌ۚ إِنَّهُ ۥ كَانَ صِدِّيقً۬ا نَّبِيًّا (٤١) إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ يَـٰٓأَبَتِ لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا يَسۡمَعُ وَلَا يُبۡصِرُ وَلَا يُغۡنِى عَنكَ شَيۡـًٔ۬ا (٤٢) يَـٰٓأَبَتِ إِنِّى قَدۡ جَآءَنِى مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَمۡ يَأۡتِكَ فَٱتَّبِعۡنِىٓ أَهۡدِكَ صِرَٲطً۬ا سَوِيًّ۬ا (٤٣) يَـٰٓأَبَتِ لَا تَعۡبُدِ ٱلشَّيۡطَـٰنَ‌ۖ إِنَّ ٱلشَّيۡطَـٰنَ كَانَ لِلرَّحۡمَـٰنِ عَصِيًّ۬ا (٤٤) يَـٰٓأَبَتِ إِنِّىٓ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ۬ مِّنَ ٱلرَّحۡمَـٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيۡطَـٰنِ وَلِيًّ۬ا (٤٥) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنۡ ءَالِهَتِى يَـٰٓإِبۡرَٲهِيمُ‌ۖ لَٮِٕن لَّمۡ تَنتَهِ لَأَرۡجُمَنَّكَ‌ۖ وَٱهۡجُرۡنِى مَلِيًّ۬ا (٤٦) قَالَ سَلَـٰمٌ عَلَيۡكَ‌ۖ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّىٓ‌ۖ إِنَّهُ ۥ كَانَ بِى حَفِيًّ۬ا (٤٧) وَأَعۡتَزِلُكُمۡ وَمَا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدۡعُواْ رَبِّى عَسَىٰٓ أَلَّآ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّى شَقِيًّ۬ا (٤٨) فَلَمَّا ٱعۡتَزَلَهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبۡنَا لَهُ ۥۤ إِسۡحَـٰقَ وَيَعۡقُوبَ‌ۖ وَكُلاًّ۬ جَعَلۡنَا نَبِيًّ۬ا (٤٩) وَوَهَبۡنَا لَهُم مِّن رَّحۡمَتِنَا وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ لِسَانَ صِدۡقٍ عَلِيًّ۬ا (٥٠)


(41-50) تذكرنا الآيات الكريمة بقصة خليل الرحمن إبراهيم :

  • فهوالذى جعله الله للناس إماماً أى قدوة يتعلمون منه ويحتذون به {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}
  • وجعل ملته هى ملة كل الأنبياء و المرسلين {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ}
  • وقال أيضاً لرسوله الكريم خاتم النبيين{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا }.
  • وهذه الملة كما عرفها القرآن هى ملة التفكروالتسامح وإستخدام الحجة بدلاً من العنف وغيرها من الصفات والتى سنذكر بعضها فى الشرح الآتى :
  • عبادة الله الواحد {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ}.
  • التفكر فى ملكوت الله {وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}.
  • إكرام الضيف {فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}.
  • القنوت لله و التقرب منه {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا}.
  • الشكر الدائم لنعم الله {شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.
  • الحلم و التسامح {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ}.
  • الرد على الإساءة بالإحسان وذلك يتجلى حين حاول أبو إبراهيم أن يرجمه فقال له “لأرجمنك” كان رد خليل الرحمن عليه هو قوله {سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ} فلم يرد إبراهيم على العنف بالعنف لكن بالحلم و التسامح.
  • إستخدام الحجة لا العنف لإقناع الآخرين {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ}.
  • الفكروالتفكر للوصول الى الحقيقة فلو إتبع إبراهيم قومه دون أن يضع إحتمالاً أنهم خطأ لأصبح مثلهم ونرى فى قصة إبراهيم أنه وصل الى الله بفكره فعبد كوكباً ثم عبد القمر ثم عبد الشمس ثم وصل بعد ذلك لحقيقة الإله الواحد، أى أن إبراهيم مر بمراحل من الشرك قبل أن يصل الى الإيمان، و لو كان أحد المتشددين قتل إبراهيم حينما قال عن القمر هذا ربى لما عاش خليل الرحمن و لما أصبح أبا الأنبياء ومثلهم الأعلى .

و لقد قال القرآن {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}.


وَٱذۡكُرۡ فِى ٱلۡكِتَـٰبِ مُوسَىٰٓ‌ۚ إِنَّهُ ۥ كَانَ مُخۡلَصً۬ا وَكَانَ رَسُولاً۬ نَّبِيًّ۬ا (٥١) وَنَـٰدَيۡنَـٰهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلۡأَيۡمَنِ وَقَرَّبۡنَـٰهُ نَجِيًّ۬ا (٥٢) وَوَهَبۡنَا لَهُ ۥ مِن رَّحۡمَتِنَآ أَخَاهُ هَـٰرُونَ نَبِيًّ۬ا (٥٣) وَٱذۡكُرۡ فِى ٱلۡكِتَـٰبِ إِسۡمَـٰعِيلَ‌ۚ إِنَّهُ ۥ كَانَ صَادِقَ ٱلۡوَعۡدِ وَكَانَ رَسُولاً۬ نَّبِيًّ۬ا (٥٤) وَكَانَ يَأۡمُرُ أَهۡلَهُ ۥ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِۦ مَرۡضِيًّ۬ا (٥٥) وَٱذۡكُرۡ فِى ٱلۡكِتَـٰبِ إِدۡرِيسَ‌ۚ إِنَّهُ ۥ كَانَ صِدِّيقً۬ا نَّبِيًّ۬ا (٥٦) وَرَفَعۡنَـٰهُ مَكَانًا عَلِيًّا (٥٧) أُوْلَـٰٓٮِٕكَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡہِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحٍ۬ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبۡرَٲهِيمَ وَإِسۡرَٲٓءِيلَ وَمِمَّنۡ هَدَيۡنَا وَٱجۡتَبَيۡنَآ‌ۚ إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَـٰتُ ٱلرَّحۡمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّدً۬ا وَبُكِيًّ۬ا ۩ (٥٨) ۞ فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّہَوَٲتِ‌ۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا (٥٩) إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحً۬ا فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ شَيۡـًٔ۬ا (٦٠) جَنَّـٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِى وَعَدَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ عِبَادَهُ ۥ بِٱلۡغَيۡبِ‌ۚ إِنَّهُ ۥ كَانَ وَعۡدُهُ ۥ مَأۡتِيًّ۬ا (٦١) لَّا يَسۡمَعُونَ فِيہَا لَغۡوًا إِلَّا سَلَـٰمً۬ا‌ۖ وَلَهُمۡ رِزۡقُهُمۡ فِيہَا بُكۡرَةً۬ وَعَشِيًّ۬ا (٦٢) تِلۡكَ ٱلۡجَنَّةُ ٱلَّتِى نُورِثُ مِنۡ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّ۬ا (٦٣) وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمۡرِ رَبِّكَ‌ۖ لَهُ ۥ مَا بَيۡنَ أَيۡدِينَا وَمَا خَلۡفَنَا وَمَا بَيۡنَ ذَٲلِكَ‌ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّ۬ا (٦٤) رَّبُّ ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَہُمَا فَٱعۡبُدۡهُ وَٱصۡطَبِرۡ لِعِبَـٰدَتِهِۦ‌ۚ هَلۡ تَعۡلَمُ لَهُ ۥ سَمِيًّ۬ا (٦٥) وَيَقُولُ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوۡفَ أُخۡرَجُ حَيًّا (٦٦) أَوَلَا يَذۡڪُرُ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَـٰهُ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ يَكُ شَيۡـًٔ۬ا (٦٧) فَوَرَبِّكَ لَنَحۡشُرَنَّهُمۡ وَٱلشَّيَـٰطِينَ ثُمَّ لَنُحۡضِرَنَّهُمۡ حَوۡلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّ۬ا (٦٨) ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّہُمۡ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحۡمَـٰنِ عِتِيًّ۬ا (٦٩) ثُمَّ لَنَحۡنُ أَعۡلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمۡ أَوۡلَىٰ بِہَا صِلِيًّ۬ا (٧٠)


{51-53} {الْأَيْمَنِ} من اليُمن أى الأكثر يٌمناً و بركة فالجبل ليس له يمين و يسار ثابتين لان ذلك يعتمد على موقع الشخص الذى يشاهده.

{54-55} {صَادِقَ الْوَعْدِ} الصدق فى الوفاء بالوعود هى من الصفات التى يجب علينا أن نتصف بها وهى من أخلاق إسماعيل عليه السلام كما ذكرت الآية.

 (58) نلاحظ إنه مع إختلاف لغات هؤلاء الأنبياء و كتبهم السماوية فإنهم إتفقوا على لغة واحدة مشتركة وهى الخشوع لله و أن يخروا ساجدين باكين حين تتلى عليهم آياته سواء كانت فى التوراة والأنجيل والقرآن أو غيرها من الكتب.

 (62) { لَغْوًا } أى كلام يخجل منه الإنسان و يخدش الحياء.

(64) { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } أى أن ربَك لا ينسى مطلقاً فهو المهيمن على كل شئ فى الوجود وعلى كل مجرة وعلى كل ذرة و على كل حبة فى ظلمات الأرض و على كل و رقة شجر وكل نبتة فكلها فى علمه و لا ينسى ربى شيئاً.

(65) {سَمِيًّا} أى مثيل يخلق مثله و يبدع ويصور كما يصور هو سبحانه وتعالى الأشياء من العدم فهو وحده الذى ليس له مثيل و لا شبيه {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}.


وَإِن مِّنكُمۡ إِلَّا وَارِدُهَا‌ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتۡمً۬ا مَّقۡضِيًّ۬ا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّـٰلِمِينَ فِيہَا جِثِيًّ۬ا (٧٢) وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَـٰتُنَا بَيِّنَـٰتٍ۬ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَىُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ خَيۡرٌ۬ مَّقَامً۬ا وَأَحۡسَنُ نَدِيًّ۬ا (٧٣) وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَحۡسَنُ أَثَـٰثً۬ا وَرِءۡيً۬ا (٧٤) قُلۡ مَن كَانَ فِى ٱلضَّلَـٰلَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ لَهُ ٱلرَّحۡمَـٰنُ مَدًّا‌ۚ حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلۡعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ شَرٌّ۬ مَّكَانً۬ا وَأَضۡعَفُ جُندً۬ا (٧٥) وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ هُدً۬ى‌ۗ وَٱلۡبَـٰقِيَـٰتُ ٱلصَّـٰلِحَـٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابً۬ا وَخَيۡرٌ۬ مَّرَدًّا (٧٦) أَفَرَءَيۡتَ ٱلَّذِى ڪَفَرَ بِـَٔايَـٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً۬ وَوَلَدًا (٧٧) أَطَّلَعَ ٱلۡغَيۡبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَـٰنِ عَهۡدً۬ا (٧٨) ڪَلَّا‌ۚ سَنَكۡتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ ۥ مِنَ ٱلۡعَذَابِ مَدًّ۬ا (٧٩) وَنَرِثُهُ ۥ مَا يَقُولُ وَيَأۡتِينَا فَرۡدً۬ا (٨٠) وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءَالِهَةً۬ لِّيَكُونُواْ لَهُمۡ عِزًّ۬ا (٨١) كَلَّا‌ۚ سَيَكۡفُرُونَ بِعِبَادَتِہِمۡ وَيَكُونُونَ عَلَيۡہِمۡ ضِدًّا (٨٢) أَلَمۡ تَرَ أَنَّآ أَرۡسَلۡنَا ٱلشَّيَـٰطِينَ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِينَ تَؤُزُّهُمۡ أَزًّ۬ا (٨٣) فَلَا تَعۡجَلۡ عَلَيۡهِمۡ‌ۖ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمۡ عَدًّ۬ا (٨٤) يَوۡمَ نَحۡشُرُ ٱلۡمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحۡمَـٰنِ وَفۡدً۬ا (٨٥) وَنَسُوقُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرۡدً۬ا (٨٦) لَّا يَمۡلِكُونَ ٱلشَّفَـٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَـٰنِ عَهۡدً۬ا (٨٧) وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ وَلَدً۬ا (٨٨) لَّقَدۡ جِئۡتُمۡ شَيۡـًٔا إِدًّ۬ا (٨٩) تَڪَادُ ٱلسَّمَـٰوَٲتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِنۡهُ وَتَنشَقُّ ٱلۡأَرۡضُ وَتَخِرُّ ٱلۡجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَن دَعَوۡاْ لِلرَّحۡمَـٰنِ وَلَدً۬ا (٩١) وَمَا يَنۢبَغِى لِلرَّحۡمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (٩٢) إِن ڪُلُّ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِ إِلَّآ ءَاتِى ٱلرَّحۡمَـٰنِ عَبۡدً۬ا (٩٣) لَّقَدۡ أَحۡصَٮٰهُمۡ وَعَدَّهُمۡ عَدًّ۬ا (٩٤) وَكُلُّهُمۡ ءَاتِيهِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ فَرۡدًا (٩٥) إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَيَجۡعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحۡمَـٰنُ وُدًّ۬ا (٩٦) فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَـٰهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلۡمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِۦ قَوۡمً۬ا لُّدًّ۬ا (٩٧) وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هَلۡ تُحِسُّ مِنۡہُم مِّنۡ أَحَدٍ أَوۡ تَسۡمَعُ لَهُمۡ رِكۡزَۢا (٩٨)


(71) {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} الحديث هنا عن جهنم و(يرد)  المكان أن يقترب منه وليس بالضرورة أن يدخله فعلى سبيل المثال لما إقترب موسى من ماء مدين ذكرها القرآن بقوله {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} أى إنه أصبح قريباً منه لدرجة أن يراه و لا يعنى أن موسى دخل فى الماء نفسه.

(72) {وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} (أى راكعين)  تعنى أن الله لن يترك فى جهنم إلا الظالمين وذلك يؤكد لنا أن أبشع جرم يرتكبها الأنسان هو أن يظلم إنسان او مخلوق آخر.

 (73-74) {تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ} يتحدث هنا القرآن بضمير الغائب “هم” عن كفار مكة حينما سخروا من الرسول عليه السلام و من أتباعه لأنهم كانوا فقراء وضعفاء  فقالوا {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا}.

(77-84) يتحدث القرآن عن بعض كفار مكة الذين إضهدوا المؤمنين الآوائل بسبب دينهم، ولأجل ذلك فعلينا ألا نضطهد أى أحد لأن دينه مختلف عنا أولأنه أقلية أضعف منا وإلا أصبحنا مثل كفار مكة والذين فعلوا ذلك مع مجموعة مسالمة لأنها خالفتهم فى الدين.

(88-92) {أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا}

فهم كلمة ” إبن ” بصورة مادية أى بمعنى أن الله تزوج وأنجب من أمرأة كما نفعل نحن هو مفهوم مرفوض فى القرآن وعند الكثيرين { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ }، أما إن فهمها البعض بمعنى مجازى يفيد أن المسيح كلمة الله و روح منه فإن هذا المفهوم لا يختلف كثيراً عن مفهوم القرآن للمسيح { إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ }، وفى حقيقة الأمر فإن ما يهم فى الكلمات هو مفهومها و ليس فقط أحرفها فلو فهم أحد مثلاً تعبير و{ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } والمذكور فى القرآن بأن الله محدود فقط فى داخل هذا المكان ” الكعبة ” فقد خالف مفهوم القرآن للإله أما إن فهم كلمة ” بيتى ” بصورة مجازية بمعنى أنه مكان يستضيف الله فيه عباده ليعبدوه فالأمر يختلف تماماً ويتفق مع مفهوم القرآن للخالق وكذلك الحال فإن غيرنا من أتباع الديانات الآخرى يفهمون بعض الكلمات والمعانى فى كتبهم بصورة مجازية و ليس حرفية كما أن لدينا تعبيرات مجازية فى ديننا مثل {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} و{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} و{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} فنحن أيضاً نفهم كل هذه التعبيرات بمعنى مجازى و ليس حرفياً، والإختلاف فى المفاهيم الدينية قد يتسبب أحياناً فى بعض المشاكل وسماع مفهوم الآخر وكيف يرى الأشياء قد يفتح المجال لتقارب الأفكار أو يقلل من حدة الإختلاف فقد يظن البعض خطأً أننا نعبد الكعبة لأننا نتجه إليها وقت الصلاة فى حين أننا لا نرى الكعبة إلا رمزاً لتوحيد الناس على قبلة واحد، ولو سألنا أحد عن حقيقة مفهومنا عن الكعبة وسمعه منا فسيعرف أننا لا نتعبد الى حجر على الإطلاق وأن الأمر لا يعدو أن يكون رمزاً، وكذلك الحال فقد نظن خطأ أن غيرنا من أهل الديانات الأخرى له مفهوم معين فى حين أننا لو سمعنا منه حقيقة مفهومه فقد يتبين لنا أنه يفكر بطريقة مختلفة تماماً عما كنا نظن، وفى نهاية الأمر فسواء أتفقنا مع مفهوم الآخرين أم لا فإن هذا لا يغير من الحقيقة القرآنية أنه ليس من حقنا حساب الآخرين لأن هذا حق لله وحده { إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ *  ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم } و من الحقيقة القرآنية أننا علينا معاملة الآخرين بالحسنى طالما لم يقاتلونا فى الدين و لم يخرجونا من ديارنا ولم يظاهروا على إخراجنا {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ )

أضف تعليق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: