

تم إطلاق تعبير “التنويريين” على العديد من المفكرين على اختلاف اتجاهتهم ومناهجهم الفكرية. فمنهم من يريد فهم الإسلام بصورة جديدة تتناسب مع الضمير والعقل مثل المستشار أحمد عبده ماهر وإسلام البحيري والراحل محمد شحرور، ومنهم من يريد ترسيخ الأسلوب العلمي في التفكير مثل الدكتور صاحب الفكر الموسوعي د. طارق حجي والكاتب الطبيب الرائع د. خالد منصر.
وللأسف الشديد تمت محاربة هؤلاء التنويريين من قبل الكثيرين من المتطرفين فكرياً وعقائدياً ومن مؤسسات دينية عديدة مثل الأزهر وغيره.
كلما ازداد اضطهاد “التنويريين”، أدرك كثيرون أن رجال الدين وشيوخه ومؤسساته تقف عاجزة أمام فكرهم وأنهم غير قادرين على مواجهة حجج التنويريين وأفكارهم
والسؤال هنا هل محاربة “التنويريين” في الصحف وفي ساحات القضاء واتهام بعضهم بازدراء الدين أتى أكله؟ أو بمعنى آخر هل استطاعت هذه المحاولات أن توقف مد وزحف الهجوم على الإسلام وعلى مقدساته؟ والإجابة ببساطة على هذا السؤال هي: بالقطع لا!
فالواقع يقول إنه كلما ازداد اضطهاد “التنويريين”، أدرك كثيرون أن رجال الدين وشيوخه ومؤسساته تقف عاجزة أمام فكرهم وأنهم غير قادرين على مواجهة حجج التنويريين وأفكارهم. فهم – أي رجال الدين – لو كانوا قادرين على مواجهة فكر التنويريين لردوا عليه بالمنطق والحجة والبرهان وليس بالتهديد والوعيد كما فعلوا!
والحقيقة التي لا يدركها كثيرون أن “التنويريين” يقومون بدور تاريخي لدعم السلام بين الشعوب والحضارات
وليس أدل على عجز هؤلاء من مقتل شهيد الفكر فرج فودة بعد أن أعجزتهم حجته عن النطق وعن الرد المنطقي عليه فأباحوا قتله. ويذكرني هذا بقصة إبراهيم خليل الرحمن حينما عجز قومه عن الرد على حجته فلجأوا إلى العنف و”قالوا حرقوه وأنصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين”!
والحقيقة التي لا يدركها كثيرون أن “التنويريين” يقومون بدور تاريخي لدعم السلام بين الشعوب والحضارات. فهم باختلاف أساليبهم يتفقون على مبادئ أساسية مثل حرية الفكر والعقيدة وقبول الآخر. وهذه المبادئ السامية هي أساس لنجاح الأمم ولتعايش الحضارات.
ولقد كنت أتمنى أن يرد الأزهر على تساؤلات الشباب في العالم الإسلامي بدلاً من توجيه طاقته لمحاربة “التنويريين” بشتى السبل.
فكثير من الشباب المسلم اتجه إلى الالحاد أو ترك الدين ليس بسبب التنويريين ولكن بسبب عجز رجال الدين عن الرد على تسؤلاتهم.
هؤلاء الشباب يدركون أن السخرية من الرسول عليه السلام ليس بسبب “التنويريين” ولكن بسبب الروايات البشعة عنه في كتب التراث
فهم ببساطة يسألون رجال الدين وشيوخه كيف يقنعون الآخرين أن الإسلام هو دين السلام في وجود حديث البخاري ” أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله”. وكيف يقولون للغرب إن الإسلام احترم حقوق المرأة في حين أن الشريعة الإسلامية تبيح ضربها وتقنن سبي النساء في الحروب كرقيق يتم بيعه للمتعة الجسدية!
ومثل هؤلاء الشباب لا تكفيهم الإجابات المسطحة التى تقول لهم إنهم لا يفهمون حديث البخاري أو أن ضرب المرأة لا يجوز إن كسر عظامها أو أن يتسبب في تشويه وجهها!
فهؤلاء الشباب الذين بدأوا يتنفسون نسيم الحرية الفكرية عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي لا تكفيهم مثل هذه الإجابات الساذجة والتي لا تصلح حتى لإقناع طفل!
هؤلاء الشباب يدركون أن السخرية من الرسول عليه السلام ليس بسبب “التنويريين” ولكن بسبب الروايات البشعة عنه في كتب التراث والتي تصف قدرته على الجماع وتتفاخر بها مثل ” ما رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدةِ من الليل والنهار وهنَّ إحدى عشرة، قال: قلت لأنس: أوَكان يطيقُه؟! قال: كنَّا نتحدَّث أنه أُعطِي قوةَ ثلاثين (في الجماع)”!
فهل محاربة “التنويريين” ستجيب على أسئلة هؤلاء الشباب؟
وهل ملاحقة أصحاب الفكر في ساحات القضاء ستمنع الآخرين في شتى بقاع الأرض من نقد كتب التراث الإسلامي؟
وهل ياترى سيتمكن رجال الدين من السيطرة على شبكات الإنترنت والتواصل الاجتماعي حتى يمنعوا الهجوم على الإسلام!
هؤلاء الشيوخ عليهم أن يدركوا جيداً أن محاربة التنوريين لن تزيد نار الهجوم على الإسلام إلا اشتعالاً وأن عرض فكر ومفهوم مسالم ومستنير للدين بدلاً من الفهم الحالي – هو أول وأهم خطوة لمنع الهجوم على الإسلام!
فهل يستمع رجال الدين الإسلامي لهذه الكلمات أم سيصرون على عنادهم والذي لم ولن يثمر إلا عن المزيد من الكراهية والإستهزاء بالإسلام ومقدساته!
المقالة من موقع قناة الحرة – من زاوية أخرى
- وأخيراً فهمت معنى “ثم رددناه أسفل سافلين” - يونيو 24, 2022
- أكبر مشكلة تواجه الفكر الإسلامي - يونيو 17, 2022
- من المسؤل عن إهانة الرسول؟ - يونيو 10, 2022