آراء حرة

هل فقدت منظمة الصحة العالمية مصداقيتها؟

قبل جائحة كورونا كانت منظمة الصحة العالمية مصدرا لا يجادل ولا يناقش أحد في مصداقيته وحاديته، وبدأ الأمر يختلف وبشدة بعد حدوث الجائحة وردود فعل المنظمة العالمية. فكم من مرة، وفي خلال بضعة شهور فقط، من ظهور الجائحة تباينت نصائح المنظمة بدرجة وصلت إلى أن الولايات المتحدة الأميركية وهي أكبر مانح مالي لها، قررت التخلي عنها، بل وأوقفت أي دعم مالي لها وانسحبت من عضويتها. ويبدو أن هناك توافقا بين قيادات العالم الغربي على وجود مشكلة في هذه المنظمة، فعدة دول أوروبية مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا اتفقت أيضا مع رأي الولايات المتحدة على ضرورة إحداث تغييرات في طريقة عمل هذه المنظمة المعروفة.

بدأت مشكلة التشكيك في منظمة الصحة العالمية بعد اتهام الولايات المتحدة لهذه المنظمة بأنها تواطأت مع الصين عبر التأخر كثيرا في تعريف وتصنيف المشكلة على أنها “وباء” مما تسبب في تأخير رد الفعل العالمي للوقاية منه بمنع السفر من وإلى الصين، وقد تسبب هذا في انتشار المرض حول العالم أجمع، فلولا هذا التأخير من قبل منظمة الصحة العالمية لتم منع الوباء واحتواءه في بدايته أي قبل أن تتفاقم الكارثة.

الأمر الآخر الذي أثار الريبة تجاه مصداقية منظمة الصحة العالمية فهو تذبذب مواقفها والذي يصل إلى حد التناقض في غضون بضعة أيام

ومما زاد الطين بلة وساعد بشدة في انتشار مثل هذا الوباء اللعين هو أن منظمة الصحة العالمية أقرت ما ذكرته الصين بأن المرض لا ينتشر من إنسان إلى إنسان آخر، وكان عدم نفي الأخيرة (أي الصين) لاحتمالية انتشار الفيروس من إنسان لآخر، وما فعلته منظمة الصحة العالمية في هذا الشأن وإغفالها لذكر احتمالية انتقال الفيروس من إنسان لإنسان آخر كان ولم يزل كارثيا على العالم أجمع وقد يكون قد تسبب في موت مئات الآلاف من البشر.

أما الأمر الآخر الذي أثار الريبة تجاه مصداقية منظمة الصحة العالمية فهو تذبذب مواقفها والذي يصل إلى حد التناقض مع نفسها في غضون بضعة أيام في أمور خطيرة مثل استخدام عقار الملاريا (الكلوروكين) في علاج مرض كورونا، فبعد أن أقرت هذه المنظمة المعروفة استخدام العقار في تجربة إكلينيكية كبيرة بتاريخ 18 مارس 2020 في العديد من دول العالم لدراسة نتائجه إذا بها على حين غرة توقف استخدامه تبعا لمقالة واحدة نشرت في جريدة اللانست بتاريخ 22 مايو 2020 الماضي البريطانية، وثبت بعد نشرها أن معلوماتها كانت غير دقيقة وربما كاذبة.

ولم تتردد منظمة الصحة العالمية لحظة واحدة لتعطي نفسها فرصة لتقييم المعلومات التي جاءت في المقالة ـ بل قررت منع استخدام العقار فورا بتاريخ 25 مايو 2020، وبعد ذلك بفترة وجيزة وبعد ثبوت خطأ جريدة اللانست تراجعت منظمة الصحة العالمية عن موقفها وقررت الاستمرار في استخدام العقار بتاريخ 3 يونيو 2020، ثم أعادت منعه مرة أخرى بتاريخ 17 يونيو 2020 بعد ذلك بقليل.

وما تم اكتشافه قريبا بمركز هنري فورد الطبي بميشيغان بالولايات المتحدة الأميركية سيزيد وضع هذه المنظمة صعوبة حيث أعلن هذا المركز العالمي نجاح ساحق لدواء “هيدروكسي كلوروكين” في علاج مرضى كورونا داخل المستشفيات وتقليل نسبة الوفاة لديهم بأكثر من 50 في المئة. فيا ترى ماذا ستفعل منظمة الصحة العالمية الآن بعد أن أوقفت استخدام الدواء للعلاج داخل المستشفيات؟

والمضحك المبكي أنه يبدو أن منظمة الصحة العالمية لم تتحمل صدمة إعلان نجاح رائع للهيدروكسي كلوروكين في علاج مرض كورونا وتقليله لمعدلات الوفاة في المرضى داخل المستشفيات في تجارب عملاقة بمؤسسة هنري فورد الصحية بميشيغان ومستشفى “ماونت سيناي” العالمية بنيويورك بتاريخ 3 يوليو الحالي ـ فأعلنت مرة أخرى بتاريخ 4 يوليو (أي بعد الإعلان السابق بأقل من 24 ساعة فقط!) عن منع استخدام عقار الهيدروكسي كلوروكين ـ بالرغم أنها كانت قد تم أعلنت عن تعليق استخدامه فعليا داخل المستشفيات منذ 17 يونيو الماضي كما ذكرنا. فهل كان قرارهم الأخير بتكرار منع العقار ـ وهو الذي كان ممنوع أصلا في بروتوكولات هذه المنظمة ـ مجرد مكايدة لإحباط نجاحه لمصلحة عقارات أخرى أم أن هناك أسبابا أخرى؟

لو كانت قرارات المنظمة الأولى مبنية على أسس علمية رصينة هل كان إلغاؤها فقط في غضون بضعة أيام من إقرارها أمرا سهلا؟

وهذا التناقض الواضح في مواقف المنظمة والذي يصل إلى درجة التخبط في اتخاذ قرارات هامة بدون أدلة كافية زاد من تشكك الكثيرين في مصداقية هذه المنظمة.

وما حدث مع عقار الملاريا (هيدروكسي كلوروكين) حدث أيضا ولكن بصورة أخرى مع عقار الإيبوبروفين، فبعد أن حذرت المنظمة من استخدامه لأنه، على الأقل نظريا، قد يزيد حدة مرض وأعراض فيروس كورونا قررت المنظمة بعد أيام قليلة فقط إلغاء هذا التحذير.

وتكرر الأمر في شيء أكثر خطورة بمراحل وهو إعلان المنظمة أن حاملي المرض بدون ظهور أعراض قدرتهم ضعيفة جدا على إحداث عدوى للآخرين، ثم تم تغيير الرأي إلى النقيض من ذلك تماما بعد أقل من 48 ساعة من الإعلان الأول، والفارق خطير فالإعلان الأول يعني أنه لا ضرورة على الإطلاق لمعظم الإجراءات الاحترازية التي تسببت في كساد اقتصادي عند العديد من الدول، أما التصريح الثاني فهو يقر بأهمية الوسائل.

والسؤال المطروح هنا: لو كانت قرارات المنظمة الأولى مبنية على أسس علمية رصينة هل كان إلغاؤها فقط في غضون بضعة أيام من إقرارها أمرا سهلا؟ أم أن هناك أمورا أخرى تتحكم في اتخاذ مثل هذه القرارات الخطيرة داخل هذه المنظمة!

أضف تعليق
بقلم د. توفيق حميد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: